تحدثنا في المقال السابق عن بداية صلاح نصر و تفوقه في المهام التي كلف بها وصولا إلى رئاسته للمخابرات العامة المصرية و إنجازاته بها وصولا إلى إستخدامه الفنانات في أعمال المخابرات

تجنيد الفنانات
يقول صلاح نصر عن أسلوب تجنيد الفنانات : إن جميع أجهزة المخابرات في العالم تشغل نسوة في مهمات خاصة فيما يطلق عليه في المهنة أعمال السيطرة و مع أن بعض المجتمعات تنظر إلى هؤلاء النسوة نظرة ازدراء إلا أنني أعلن أنهن أدين لهذا البلد خدمات تقدر بملايين الجنيهات لقد استطعن أن يوقعن بأكثر الجواسيس العالميين دهاء وجمعن معلومات قيمة يعجز أمهر المحترفين عن الحصول عليها
أنشأ صلاح نصر هذا القسم لخدمة أعمال المخابرات في النشاط الخارجي و أعمال التجسس رغم معارضة الكثيرين للفكرة و لكن بدأ هذا القسم يصل إلى نجاحات مذهلة و يحقق نتائج نالت إعجاب كل منتقدي الفكرة و حتى رافضيها لدرجة أن الرئيس جمال عبد الناصر طلب منه إستخدام هذا القسم داخل مصر مع المعارضين أو المشكوك في ولائهم
تعليمات الرئيس جمال عبد الناصر
يقول صلاح نصر في مذكراته :لقد كنت مهتما بالنشاط الخارجي للمهارات لكن بناء على أوامر الرئيس جمال عبد الناصر خصصت قطاع كامل للنشاط الداخلي
و لهذا بدأ يتوسع في إستخدام الفنانات داخل مصر و خارجها
فكان النشاط الخارجي ينتقل من نجاح إلى نجاح و يكتب إسم المخابرات المصرية كواحدة من أقوى أجهزة المخابرات في العالم في حين كان النشاط الداخلي الذي تم إنشائه بناء على أوامر مباشرة من الرئيس جمال عبد الناصر يتردى من فضيحة لفضيحة و يشوه إنجازات هذا الجهاز الرائع
إدارة نشاط تجنيد الفنانات
كان تجنيد الفنانات مسئولية السيد محمد صفوت الشريف و الذي كان معروفا بإسم حركي هو موافي و كان يستخدم سيدتين في إدارة هذا النشاط و هما الكاتبة سنية قراعة و الفنانة شريفة ماهر و كانت السيدتين تستخدما وسائل الترغيب و الترهيب و التهديد و العنف أحيانا لإرغام الفنانات على العمل في هذا النشاط
هروب الفنانات
تحول الأمر إلى إرغام الكثير من الفنانات على التعاون مع المخابرات فكانت أي فنانة ترغب في الهروب من قبضة المخابرات لا مفر أمامها إلا أن تكون إما زوجة أحد كبار رجال الدولة أو عشيقته أو تترك مصر
فمثلا الفنانة برلنتي عبد الحميد كانوا يراقبونها تمهيدا لتجنيدها إلا أنهم فوجئوا بالمشير عبد الحكيم عامر يزورها زيارات متكررة فأبلغوا السيد صلاح نصر الذي واجهه بالأمر ليفاجأ بأنه سيتزوجها و رغم رفض صلاح نصر للأمر إلا أنه إضطر للقبول بالأمر و التنبيه على رجاله بعدم مراقبة برلنتي عبد الحميد
أما الفنانة مها صبري فكانت عميلة للمخابرات و حاولت الإعتذار و الإبتعاد عن قبضتهم و لم يقبل أحد بذلك إلا عندما أرغمتهم على الإبتعاد عنها بزواجها بالعقيد علي شفيق مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر
و كانت الفنانة فاتن حمامة قد تعرضت لمضايقات شديدة لرفضها التعاون مع المخابرات حتى لجأت لطليقها الفنان العالمي عمر الشريف الذي تمكن من التواصل مع السيد زكريا محي الدين الذي رفع الحظر على سفرها و تمكنت من السفر إلى إنجلترا سنة ١٩٦٦ و لم تعود إلى مصر إلا بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر
و كذلك تعرضت الفنانة شادية لنفس المضايقات فتزوجها الكاتب الصحفي الأستاذ مصطفى أمين الذي كانت تربطه علاقات قوية بالرئيس جمال عبد الناصر فابتعدوا عنها تماما و بمجرد تقلب ود جمال عبد الناصر مع مصطفى أمين و تم حبس مصطفى أمين عادت مضايقات رجال المخابرات للفنانة شادية مرة أخرى و بشكل أعنف حتى تزوجت من الفنان صلاح ذو الفقار الذي كان ضابط شرطة سابق و على علاقة صداقة قوية بالسيد أنور السادات فاضطروا للإبتعاد عنها مرة أخرى
تسجيل المكالمات
أما تسجيل المكالمات لكل السياسيين و الفنانين فكان أيضا بناء على أوامر مباشرة من الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان مهووسا بالتصنت على مكالمات الجميع فكانت المخابرات تقوم بتسجيل مكالمات جميع السياسيين و الفنانين و المكالمات الهامة أو التي تحتوي على معلومات هامة أو فضائح يتم عرضها على الرئيس عبد الناصر بنفسه
النكسة

أما نكسة يونيو ١٩٦٧ فمما لم ينكره أحد أن الجهة الوحيدة في الدولة التي أدت دورها على أكمل وجه هي المخابرات العامة المصرية
فقد تمكنت المخابرات المصرية برئاسة السيد صلاح نصر من التوصل لموعد الحرب و خطة العدوان و تفاصيله بدقة و قد جمع هذه المعلومات الدقيقة من أكثر من مصدر منهم رفعت الجمال و مخابرات دولة شقيقة و من أحد معاوني الملك حسين ملك الأردن أبلغه أن السفير الأمريكي في عمان أبلغ الملك حسين بموعد الضربة !!تم تقديم هذه المعلومات بالتفصيل للسيد رئيس الجمهورية في حضور السيد المشير عبد الحكيم عامر لكنهم فوجئوا بالرئيس عبد الناصر يصدر أوامره بتلقي الضربة الأولى دون رد حتى يتمكن من إستغلال هذا العدوان سياسيا و إظهار إسرائيل كدولة معتدية!!!!!
كان هذا التوجيه الغريب هو السبب الرئيسي في هزيمة مصر و ضياع سيناء
الأزمة بين الرئيس و المشير
بعد النكسة ساءت العلاقة بين الرئيس و المشير و هي العلاقة التي كانت متوترة بالفعل و على وشك الانفجار قبل الحرب
رغم قوة علاقة صلاح نصر بالمشير عامر لكن صلاح نصر كان محايدا تماما في هذه الأزمة و لم يقف في صف أحد الفريقين لإقتناعه أن هذا الوقت ليس وقت خلاف و لكنه وقت الاصطفاف
كان حب صلاح نصر لعبد الحكيم عامر و ولائه له سببا في عدم الإشتراك مع المشير عامر بسبب إندفاعه خلف تهور و غباء شمس بدران و علي شفيق و تصعيده المستمر في مواجهة الرئيس جمال عبد الناصر
فصلاح نصر يعلم أن هزيمة يونيو أنهت مسيرة المشير عامر و أن عليه أن يبتعد عن الجيش لفترة ثم ستعود المياه لمجاريها بعد هدوء الرأي العام و هذا الرأي كان المشير عامر في البداية مقتنعا به و لكنه غير رأيه في إستجابة لضغوط شمس بدران و علي شفيق
شهادة الرئيس عبد الناصر عن حياد صلاح نصر
يروى جمال عبد الناصر في اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي حسب ما جاء في محاضر اجتماعاته العربية والدولية إعداد عبد المجيد فريد جانباً من اتصالاته مع المشير عامر بعد حرب يونيو إذ قال : حاولت شخصياً إحضار المشير إلى مكتبي في المنزل لمحاولة إفهامه واستعنت بصلاح نصر لإحضاره ولكنه رفض الحضور بعد ذلك قابلت عبد الحكيم و حاولت دون جدوى إقناعه بأنه ليس منطقياً أن يبقى بعد الهزيمة العسكرية قائداً عاماً ويكتفي بأن يكون نائباً لرئيس الجمهورية
رفض المشير كلامي رفضاً باتاً وسافر غضباناً إلى بلدته في المنيا ثم اتصل بهيكل من هناك وأبلغه استنكاره التام لجميع تصرفاتي
بعدها حضر شمس بدران إلى منزلي وأبلغني أن الموقف العام يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وأن البلد كله ضدي وأن الجيش ضدي وأن الحل الوحيد هو إعادة عبد الحكيم عامر لمنصبه القديم من أجل إستقرار الأوضاع
جلطة صلاح نصر
بعد تدخل الأستاذ محمد حسنين هيكل و ذهابه إلى قرية أسطال مركز سمالوط محافظة المنيا و هي مسقط رأس المشير عامر و التي كان المشير مقيما فيها غضبا و تحصنا بين أهله طلب هيكل منه العودة للقاهرة حتى لا يكون موافقا على المنفى الاختياري و تحديد الإقامة في أسطال
فعاد المشير إلى بيته في القاهرة و عاد معه بعض إخوته و أبناء عمومته لحمايته و بدأ بعض الضباط يتحصنون حول بيت المشير و داخله
بمجرد علم صلاح نصر بالتجمعات داخل البيت ثار و غضب و اتصل بالمشير يطلب منه إنهاء هذا الأمر كان صلاح نصر في نفس اليوم قد قرأ حوارا صحفيا في أحد الصحف الإنجليزية مع موشي ديان و سأله الصحفي لماذا لم تدخل القاهرة في ٥ يونيو قال موشي ديان لقد كانت القاهرة تفتح لي أحضانها و لكني إكتفيت بسيناءهذا الحوار أثاره و أغضبه بشدة ثم جائته أخبار منزل المشير و عندما كلم المشير عامر غضب بشدة من إندفاعه خلف شمس بدران و علي شفيق و بسبب هذه الثورة سقط صلاح نصر في مكتبه أثناء إتصاله بالمشير عامر يوم ١٣ يوليو ١٩٦٧ ليصاب بجلطة دموية شديدة في الشريان التاجي كادت تودي بحياته
نكمل الجزء الأخير في المقال الثالث إن شاء الله
المصادر
١ - مذكرات صلاح نصر- المجلد الثالث - ص١١٨
٢ - عامر و برلنتي ..الحكاية .. القضية .. الحكم .. الوثائق - عبد الله إمام - ص١٦٢
٣ - إنقلاب الأصدقاء .. عبد الناصر و المشير عامر .. مبارك و أبو غزالة .. جمعتهم الدفعة و فرقتهم السلطة - حمادة إمام
٤ - الفريق الشاذلي - العسكري الأبيض - مصطفى عبيد - ص٨٥
٥ - الهوية و السيادة - أستراتيجيات الأمن القومي العربي - دكتور صلاح شعير - ص٢٦٠
٦ - على سور الأزبكية .. كانت لنا أيام - أشرف مصطفى توفيق - ص٦٩
٧ - شهادتي للأجيال - مذكرات المهندس حلمي السعيد عضو الضباط الأحرار- ص ١٠١
٨ - الديمقراطية و نظام ٢٣ يوليو - المستشار طارق البشري - ص٣٤٨
٩ - لقراءة الجزء الأول من المقال يرجى الضغط على الرابط التالي :
https://nathre.com/%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D9%85%D8%AC%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9