شيخ الإسلام زكريا الأنصاري .. القاضي العابد

احمد عبد العليم الناظر
محامي بالنقض و مؤرخ
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق
شيخ الإسلام زكريا الأنصاري .. القاضي العابد

شيخ الإسلام زكريا الأنصاري

مجدد المائة التاسعة و هو قاضي قضاة مصر و فقيه شافعي ولد في قرية سنيكة و المعروفة الآن بقرية الحلمية مركز أبو حماد محافظة الشرقية عام 1421 ميلادية إنتقل إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف و لم يكن قد تجاوز السابعة عشر من عمره

و يقول زكريا الأنصاري : جئت من البلاد وأنا شاب فلم أعكف على الاشتغال بشيء من أمور الدنيا ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق و كنت أجوع في الجامع كثيراً فأخرج في الليل إلى الميضأة فأغسل ما أجده من قشيرات البطيخ حول الميضأة وآكلها وأقنع بها عن الخبز فأقمت على ذلك الحال سنين ثم إن الله تعالى قيض لي شخصاً من أولياء الله تعالى كان يعمل في الطواحين في غربلة القمح فكان يتفقدني ويشتري لي ما أحتاج إليه من الأكل والشرب والكسوة والكتب

ويقول لي : يا زكريا لا تخف عني من أحوالك شيئاً فلم يزل معي كذلك عدة سنين فلما كان ليلة من الليالي أخذ بيدي والناس نائمون وقال لي : قم معي فقمت معه فأوقفني على سلم الوقادة الطويل بالجامع وقال : اصعد هذا الكرسي فلم يزل يقول لي اصعد إلى آخر درجة ثم قال : انزل فنزلت فقال لي: يا زكريا إنك تعيش حتى تموت أقرانك ويرتفع شأنك وتتولى مشيخة الإسلام - يعني منصب قاضي القضاة - مدة طويلة وترتفع على أقرانك وتصير طلبتك مشايخ الإسلام في حياتك حتى يكف بصرك قلت : ولا بد لي من العمى ؟

فقال : لا بد

ثم انقطع عني فلم أره من ذلكتخرج زكريا الأنصاري و أجازه أساتذته للتدريس في الأزهر و ممن كتب له إجازةً الإمام ابن حجر العسقلاني ونص كتابته :

و أذنت له أن يقرئ القرآن على الوجه الذي تلقاه ويقرر الفقه على النمط الذي نص عليه الإمام وارتضاه والله المسؤول أن يجعلني وإياه ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه

شيخ الإسلام زكريا الأنصاري .. القاضي العابد

التدريس في الأزهر

قام زكريا الأنصاري بالتدريس في الأزهر الشريف ثمانون عاما و تولى منصب قاضي القضاة لأول مرة سنة 1481 في عهد السلطان الأشرف قايتباي و كان عمره ستون عاما و ذلك بعد أن إمتنع عن قبول المنصب مرات عديدة وكان قد رفض هذا المنصب قطعياً في زمن السلطان الظاهر خشقدم لأن زكريا الأنصاري إشتهر بأنه كان يصب جام غضبه على الأمراء ولا يخشى في الله لومة لائم

شيخ الإسلام زكريا الأنصاري .. القاضي العابد

مواقفه مع السلطان الأشرف قايتباي

وبلغت مواقف زكريا الأنصاري ذروتها عندما تولى منصب قاضي القضاة في عهد الأشرف قايتباي بعد إلحاح وإصرار منه ومن أكابر الدولة وأمرائها حتى إن الأشرف قايتباي قال له : إن أردتَ نزلت ماشياً بين يديك إلى أن أوصلك بيتك فوافق على تولي منصب قاضي القضاة واشترط أموراً لذلك وافق عليها السلطان الأشرف قايتباي وبلغ زكريا الأنصاري منزلة عالية فكثر توسل العامة به إلى السلطان الأشرف قايتباي و إلى غيره من أمرائه في كثير من الحاجاتو كان يخطب الجمعة ذات مرة في حضور السلطان الاشرف قايتباي فقال موجها كلامه للسلطان :أيها الملك تنبه لنفسك فقد كنت عدماً فصرت وجوداً وكنت رقيقاً فصرت حراً وكنت مأموراً فصرت أميراً وكنت أميرا فصرت ملكاً فلما صرت ملكاً تجبرت ونسيت مبدأك ومنتهاكو رأي زكريا الأنصاري أن السلطان وجهه قد إصفر تماما فظن أن السلطان لن يكلمه مرة أخرى لكنه فوجئ بالسرطان بعد نزوله من المنبر يحتضن و يقبل يده و يقول له جوالك الله عني خيرافقال الأنصاري للسلطان قايتباي :والله يا مولانا إنما أفعل ذلك معك شفقة عليك وسوف تشكرني عند ربك كما كان مقرباً من السلطان الظاهر خشقدم وقد حاول الظاهر خشقدم مراراً وتكراراً أن يوليه القضاء لكنه رفض ذلك قطعياًفي عام 906 هجرية عُزل زكريا الأنصاري عن القضاء وكان هذا في زمن السلطان قنصوة الغوري وذلك لأنه كان يزجر الغوري عن الظلم كثيراً ويثقل عليه القول و لكن لم تمض مدة طويلة حتى عاد إلى القضاء بعد إلحاح شديد من الأمراء واستمر فيه مدة خمسة أشهر ثم عزل نفسه لما أحس أنه غير قادر على القيام بأعباء القضاء لكبر سنه وضعف بصره وضمور جسده وكان هذا في نفس العام 906 هجريةعاش بعدها زكريا الأنصاري عشرون عاما و أصبح تلاميذه شيوخا للإسلام كما تنبأ له الرجل الصالح

و مات زكريا الأنصاري سنة 926 هجرية الموافق 1520 ميلادية عن عمر 99 سنة ميلادية

المصادر

١ - الأعلام - لخير الدين الزركلي - الجزء الثالث - ص٤٦

٢ - زهرة البساتين من مواقف العلماء الربانيين - للدكتور سيد العفاني - الجزء الأول - ص٤٧٢

٣ - تقريب الأصول لتسهيل الوصول لمعرفة الله و الرسول - للسيد أحمد دحلان - ص١٦١

احمد عبد العليم الناظر

احمد عبد العليم الناظر

محامي بالنقض و مؤرخ

محامي بالنقض و الإدارية العليا و مؤرخ

اقرأ ايضاّ