سماء بلا ضياء ، عالمٌ خيالي بسرد إبداعيّ ، بقلم خولة حمدي

هل تصدق إن أخبرك أحد ما بوجود بقعة على الأرض تزين الشمس سماءها وتتلألأ بها لكن لا تصل أشعتها إليها بتاتا ؟ محجوبة عنها بغيم كثيف متراصٍ يشبه السماء التي فوق رؤوسنا لكنه أكثر قرباً إلى الرؤوس، بحدوده تنتهي المساحة الآمنة لشعب كامل لا يعيش إلا تحت ظلته .
يتجنبون العالم والظهور فيه، لكن كان فيهم أحدٌ من من ذلك العالم، و واحدٌ منهم خرج لرحاب العالم كذلك ، صلة الوصل تلك جعلت البحث عن تلك البقعة الجغرافية الغريبة محور الرواية وسبب المغامرة الكبرى .

عن الرواية
تأخذنا خولة حمدي في رحلة فانتازيا روائية رائعة داخل الكوكب ولكن خارج العالم، في مكان يعود تاريخه لحقبة سيدنا سليمان ومن بعده ، فيه من الخوارق واللا معتاد ما يجعل العقل يتوقف استغرابا ليعيد تحليل ما يراه مراراً ، وهو ما يواجهه بطل الرواية "آدم" ، بعد أن أخذ والده القرار في الذهاب لرحلة استكشافية للبحث عن " الجزيرة الوهمية " التي قضى سنيناً من عمره متقصياً إياها وجوداً واتجاهاً.
يذهب آدم مع والده في تلك الرحلة مجبراً، لأنه لم يكن يريد ترك والدته المريضة ، ورأى أن والده قد فكر بأنانية حين قرر الرحيل عنها وهي في حالة كتلك ، لكنها هي التي ترجته ليرافق والده في تلك الرحلة وطلبت منه التقرب منه أكثر لأنها كانت تعرفه بأنه رجل عظيم رغم عدم رؤية آدم لذلك في والده . وبعد أن تأكد الدكتور أشرف من اقترابه جداً من هدفه يطلب من ممول الرحلة أن يستعين بطائرة لاكتشاف الموقع من فوق، رغم أنها كانت مخاطرة كبيرة إلا أن الممول وافق لطمعه بالعثور على الجزيرة وأن يكون أول من اكتشفها.
يأخذ الدكتور أشرف وابنه الطائرة وينطلقان نحو الاتجاهات التي درسها بدقة على مدى سنوات، إلا أن الطائرة غاصت في ضباب كثيف أوقف عمل المحركات وأرداهم في البحر مباشرة باصطدام قوي أدى لفقدان الراكبين وعيهم ، وبعد مدة لم يعلم آدم كم استمرت وجد نفسه ملقىً على شاطئ فضيّ الرمال برّاق، وسماء قريبة جداً تكاد تلامس رأسه تشابه الرمل بلونها ، وبعد أن وجد والده وحاولا البقاء على قيد الحياة قدر الإمكان لم يكن يشغل الدكتور إلا إيجاد السكان ، وبالفعل عثر عليهم السكان الأصليين لتلك المنطقة المجهولة واستقبلوهم بينهم برفقة الحذر من الغرباء.

الجزيرة
جزيرة نائية ، يغلفها ضباب كأنه غيم ينتهي عند حدود معينة ، وهو الحامي لأفرادها من أشعة الشمس التي تحرق جلودهم وترديهم إلى الهلاك في حال تعرضهم لها ، ويأتي ذلك الضباب من فوهة كهف يحتوي على سائل يتدفق خلاله مشكلاً صخوراً وأحجاراً مضيئة في طريق جريانه يدعى "المادرا" ، وهو المسؤول عن تشكيل الظلة وإمداد ذلك الشعب بقدرات خارقة للعادة كالقدرة على التسخير وعلى الشفاء.
يقطنها عدد من الناس ليس بقليل، يعملون بنظام اجتماعي متكامل دون الحاجة للمال، فيبلبي كل فرد في المجتمع خدمة أو حرفة تجعله فاعلاً فيه وبذلك يلبي احتياجات معيشته كفرد أيضاً ، يعيشون حياة بدائية تكفيهم لاحتياجاتهم وبذلك هم بعيدون عن العالم الخارجي وحداثته كليا ، ويعتبرون العالم الذي وراء الصخور والظلة خطراً على حياتهم لا يرغبون في التفكير فيه حتى .

علاقة آدم بالجزيرة
بقي آدم زائراً غريباً في الجزيرة يحاول التعرف أكثر على سكانها وعاداتهم في العمل والعيش، محاولا اكتشاف خطة أبيه للخطوة التالية مستغرباً من عدم ظهوره الكبير في الأجواء، وكأنه يحاول ألا يكون ظاهراً قدر الإمكان.
يتعرف إلى المعالجة "روان" التي لديها القدرة على الشفاء وهي ابنة حكيم في مجلس حكماء الجزيرة ، وأخوها "مروان" الذي لديه القدرة على التسخير ، وأختهم الصغيرة "ريحان" التي كانت الدليل السياحي والمترجم لآدم في الجزيرة .
لم يكن يعرف ما سر "المادرا" و صلَته بذلك السر إلى اليوم الذي حاول فيه لمس ذلك الحجر فقذف به بعيدا وكأن ماساً صاعقاً قد ضربه ، لم يدرك آدم كنه تلك الإشارة، لكن الحكيم أدرك حقيقة ذلك الشاب الذي لم يعرفها هو بنفسه ، وهي أنه كان مسخراً ، ولذلك الأمر علاقة مباشرة بوالدته التي اكتشف أنها من سكان هذه الجزيرة !
وهنا تأخذ الأحداث اتجاهاً مختلفاً تماماً بعد أن يتكشّف لآدم أن والده قد جاء سابقاً إلى هذه الجزيرة وقام بتقل شخص فيها، وبعد مدة من وجودهم على تلك الأرض يدرك أهل الجزيرة هوية الدكتور أشرف ويطالبون بالقصاص، وهنا يصبح آدم أمام خياراتٍ أحلاها مُر ، ولكن يجب عليه اتخاذ القرار.
حين وصل القارب إلى الميناء كان "البندار" قد اختفى في حين تجمع الأطفال وكوكبة من الأهالي حول المركبة الرابضة على الشاطئ منذ أمد وقد سبقته في الوصول بسرعة مكوكية، لم يكن يوم إجازة لكن نداء البوق الطارئ ورحلة "البندار" العاجلة ربما جعلت الخبر ينتشر، لا شيء يظل مجهولاً لأحد على الجزيرة ! لقد بات يدرك هذا !

تقييم الرواية
شخصياً أعجبت بالسرد والغنى في التفاصيل، خياليّ ممتع في تعقّل دون شطَحات ينكرها الواقع وخاصة فيما يتعلق بعلوم الطاقة والخوارق، والربط بين الأحداث التي تتكشف صفحة إثر صفحة رائع جداً يجعلك متحمساً لإكمال تفاصيل الأحداث ومعرفة ما سيجري .
أعتقد أن النهاية كانت غير ذات تحديد كما السرد، فالقارئ يتوقع أن تنتهي الأحداث بما يتناسب مع مجريات الرواية ، لكن والحال أنها تنتهي بطريقة مقتطعة بموت شخصية مهمة في الرواية ولكن دون معرفة أي تفاصيل أخرى عن مصير الجزيرة فيما بعد.
تقييم الرواية 7\10 ، جيدة جداً وأنصح بقراءتها وقضاء وقت ممتع برفقة أبطالها.