سارة بيفين.. "الأعجوبة بلا أطراف" التي كانت ترسم بأسنانها

د. سامر  سيف الدين
كاتب
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق
سارة بيفين.. "الأعجوبة بلا أطراف" التي كانت ترسم بأسنانها

#سارة_بيفين (#Sarah_Biffin) هي رسامة بريطانية من #العصر_الفيكتوري (1784-1850)، اشتهرت بإبداعها الفني الاستثنائي رغم تحدياتها الجسدية الكبيرة. وُلدت سارة بدون ذراعين أو ساقين لعائلة تعمل في الزراعة، وبلغ طولها عند البلوغ 37 بوصة فقط، مما جعلها تُوصف بـ"الأعجوبة بلا أطراف". على الرغم من هذه الإعاقة، استطاعت سارة أن تتغلب على الصعوبات لتصبح فنانة بارزة، حيث استخدمت فمها وكتفها للرسم والكتابة وحتى الخياطة، مما جعلها رمزًا للإلهام في عصر كان فيه النساء و #ذوو_الاحتياجات_الخاصة غالبًا يُهمشون في المجال الفني.

الولادة والنشأة:

وُلدت #سارة_بيفين في عام 1784 في إنجلترا، وتحديدًا في مقاطعة سومرست. ونشأت في أسرة متواضعة تعمل في الزراعة، وكان وضعها الجسدي يُعتبر تحديًا كبيرًا في تلك الفترة التي افتقرت إلى الدعم المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة. في طفولتها، طورت مهاراتها باستخدام فمها للقيام بمهام دقيقة مثل الكتابة والرسم. وبحلول سن المراهقة، بدأت موهبتها الفنية تظهر بوضوح، حيث كانت ترسم منمنمات (لوحات صغيرة دقيقة) باستخدام فرشاة تُثبتها بفمها وتحركها بكتفها.

سارة بيفين.. "الأعجوبة بلا أطراف" التي كانت ترسم بأسنانها

أعمال سارة بيفين:

بدأت سارة مسيرتها الفنية في أوائل القرن التاسع عشر، حيث كانت تُعرض أعمالها في المعارض المحلية. وسرعان ما لفتت انتباه الجمهور بسبب مهارتها العالية وطريقتها الفريدة في الرسم. وقد اشتهرت برسم المنمنمات، وهي لوحات صغيرة تُظهر تفاصيل دقيقة، وغالبًا ما تكون صورًا شخصية أو مشاهد طبيعية. كما استخدمت سارة الألوان المائية لتصوير الجمال الطبيعي بدقة واقعية، مثل لوحتها الشهيرة "دراسة الريش" التي تُظهر مهارة فائقة في التقاط التفاصيل.

حظيت سارة بتقدير كبير في عصرها، حتى أصبحت الملكة فيكتوريا من بين زبائنها الدائمين.
تشجيع سارة بيفين

كما حصلت على دعم من شخصيات بارزة مثل الكاتب الإنكليزي الكبير تشارلز ديكنز، الذي أعجب بموهبتها وقوتها. في عام 1821، مُنحت ميدالية فضية من جمعية الفنون لإحدى لوحاتها، وهو إنجاز كبير يعكس الاعتراف الرسمي بموهبتها.

حياة سارة بيفين الشخصية:

لم تكن حياة سارة خالية من المعاناة. ففي منتصف حياتها، تزوجت من ويليام ستيفن رايت، ولكن هذا الزواج تحول إلى مأساة. بعد الزواج، فقد اختفى رايت فجأة، وتبين أنه سرق أموالها، تاركًا إياها مع دخل سنوي ضئيل. فعاشت سارة هذا الألم العاطفي، ولكنها استمرت في التركيز على فنها كمتنفس لها.

وعلى الرغم من التحديات الاجتماعية والشخصية، كانت سارة تتمتع بحس الفكاهة والحيوية، وهو ما انعكس في رسائلها المكتوبة بخط يدها. هذه الرسائل، التي عُرضت لاحقًا في معارض فنية، كشفت عن شخصيتها المرحة وقوتها النفسية، بعيدًا عن المرارة التي كان يمكن أن تسيطر عليها بسبب ظروفها.

إرث سارة بيفين الفني:

توفيت سارة بيفين في عام 1850 عن عمر 66 عامًا، لكن إرثها الفني استمر في النمو بعد وفاتها. في السنوات الأخيرة، شهدت أعمالها اهتمامًا متجددًا، حيث ارتفعت قيمتها بشكل كبير. في عام 2019، بيعت إحدى صورها الذاتية المصغرة بأكثر من 167 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ كبير يعكس القيمة الفنية والتاريخية لأعمالها.

كما أُقيم لها معرض كبير بعنوان "بلا يدين: فن سارة بيفين" للاحتفاء بإنجازاتها، ضمّ أعمالها المتنوعة بما في ذلك الصور الشخصية، اللوحات الذاتية، ولوحات الحياة الساكنة مثل "دراسة الريش". كما شمل المعرض رسائلها المكتوبة بخط يدها، التي أظهرت جانبًا إنسانيًا من شخصيتها.

سارة بيفين.. "الأعجوبة بلا أطراف" التي كانت ترسم بأسنانها

سارة بيفين ليست مجرد فنانة، بل رمز للتحدي والإصرار. في عصر كان يتجاهل فيه النساء وذوو الاحتياجات الخاصة، استطاعت أن تثبت أن الموهبة لا تعرف الحدود. أعمالها لم تكن فقط دليلًا على مهارتها الفنية، بل أيضًا على قدرتها على تحويل الإعاقة إلى مصدر إلهام. اليوم، تُعتبر سارة مصدر إلهام للفنانين وغيرهم، حيث تُظهر قصتها أن العزيمة يمكن أن تتغلب على أصعب الظروف.

أسلوب سارة بيفين الفني:

ركزت سارة في أعمالها على المنمنمات والألوان المائية، وكانت تُظهر اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل الدقيقة. غالبًا ما كانت ترسم نفسها وهي تمسك الفرشاة بفمها، مما يعكس تقنيتها الفريدة. لوحاتها تتميز بالواقعية والحساسية، سواء في تصوير الطبيعة أو البورتريهات. استخدامها للألوان المائية أضاف لمسة ناعمة وشفافة لأعمالها، مما جعلها تبرز بين فناني عصرها.

تفاصيل بعض لوحاتها وأسلوبها الفني:

1. المنمنمات (Miniatures)

  • الوصف العام: المنمنمات هي لوحات صغيرة الحجم تُستخدم غالبًا لرسم الصور الشخصية (البورتريهات) أو المشاهد التفصيلية. كانت سارة تتفوق في هذا النوع من الفن، حيث تُظهر لوحاتها تفاصيل دقيقة للغاية رغم صغر حجمها.

- أمثلة بارزة:

  • الصور الذاتية: رسمت سارة العديد من الصور الذاتية المصغرة التي تُظهر نفسها وهي تمسك الفرشاة بفمها. هذه اللوحات لم تكن فقط دليلًا على مهارتها الفنية، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن هويتها وقوتها. إحدى هذه الصور بيعت في مزاد عام 2019 بأكثر من 167 ألف دولار أمريكي، مما يعكس قيمتها الفنية والتاريخية.
  • بورتريهات العملاء: كانت سارة تُكلف برسم بورتريهات لأفراد من الطبقة الأرستقراطية، بما في ذلك #الملكة_فيكتوريا. هذه اللوحات كانت تُظهر ملامح الشخصيات بدقة عالية، مع التركيز على تعابير الوجه والملابس.
  • التقنية: استخدمت سارة الألوان المائية والحبر في #المنمنمات، مع التركيز على الخطوط الدقيقة والتظليل الناعم لإبراز التفاصيل. كانت تُثبت الفرشاة بفمها وتتحكم بحركتها باستخدام كتفها، مما يجعل كل ضربة فرشاة تعكس صبرًا ومهارة استثنائية.
سارة بيفين.. "الأعجوبة بلا أطراف" التي كانت ترسم بأسنانها

2. لوحات الحياة الساكنة (Still Life)

  • الوصف العام: ركزت سارة في بعض أعمالها على تصوير مشاهد من الحياة الساكنة، مثل الزهور والريش والأشياء الطبيعية. هذه اللوحات كانت تُظهر اهتمامها الكبير بالطبيعة وقدرتها على التقاط التفاصيل الدقيقة.
  • " #دراسة_الريش" (Study of Feathers): هذه اللوحة تُعتبر واحدة من أشهر أعمال سارة، حيث رسمت فيها ريشًا باستخدام الألوان المائية. تُظهر اللوحة تفاصيل دقيقة للغاية، مثل نسيج الريش وتدرجات الألوان، مما يعكس مهارتها في الواقعية.
  • التقنية: استخدمت الألوان المائية لإضفاء لمسة شفافة وناعمة على لوحاتها. كانت تُركز على التظليل والإضاءة لإبراز الأبعاد، مما يجعل الأشياء تبدو وكأنها ثلاثية الأبعاد رغم صغر حجم اللوحة.

3. المشاهد الطبيعية

  • الوصف العام: بالإضافة إلى المنمنمات والحياة الساكنة، رسمت سارة بعض المشاهد الطبيعية التي تُظهر مناظر ريفية أو عناصر من الطبيعة مثل الأشجار والزهور. هذه الأعمال كانت تعكس حبها للطبيعة، ربما بسبب نشأتها في بيئة زراعية.
  • الأسلوب: كانت لوحاتها الطبيعية تتميز بالبساطة والواقعية، مع التركيز على الألوان الطبيعية مثل الأخضر والأزرق والأصفر. استخدمت تقنيات الألوان المائية لخلق تأثيرات ضوئية ناعمة، مما يعطي اللوحات إحساسًا بالهدوء والانسجام.

4. الرسائل المكتوبة بخط اليد

  • الوصف العام: لم تكن سارة فنانة تشكيلية فقط، بل كانت أيضًا تكتب بخط يدها باستخدام فمها. هذه الرسائل لم تكن مجرد وسيلة تواصل، بل كانت تُعتبر جزءًا من إرثها الفني.
  • المحتوى: كانت الرسائل تُظهر حسها الفكاهي وروحها المرحة، وغالبًا ما كانت تُرفق مع لوحاتها كهدية للعملاء. هذه الرسائل عُرضت لاحقًا في معارض فنية، حيث أظهرت جانبًا إنسانيًا من شخصيتها.
  • التقنية: استخدمت الحبر لكتابة الرسائل، مع خط يدوي أنيق وواضح يعكس مهارة استثنائية في التحكم بالقلم باستخدام فمها.

الخلاصة:

سارة بيفين هي مثال حي على قوة الإرادة والموهبة. رغم التحديات الجسدية والاجتماعية التي واجهتها، استطاعت أن تترك بصمة في عالم الفن لا تُنسى. أعمالها، التي تجمع بين الدقة الفنية والقوة الإنسانية، تستمر في إلهام الأجيال، وتُذكّرنا بأن العوائق لا يمكن أن تقف أمام الإبداع الحقيقي.

إذا أعجبك المقال شاركه مع الأصدقاء، وإن كان لديك أي اقتراحات اكتب لنا في التعليقات.

يمكنك أيضاً قراءة:

إليزابيتا سيراني.. أشهر فرشاة في بولونيا وأحد أشهر فنانات العصر الباروكي اشتهرت برسم العائلة المقدسة

د. سامر  سيف الدين

د. سامر سيف الدين

كاتب

خبرة في التدريس الأكاديمي في كليات الهندسة والإعلام والتربية لأكثر من 22 عاماً في التعليم العام والخاص والافتراضي. مدير ومصمم عدد من مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، أذكر منها موقع أيقونات للشخصيات الملهمة والمبدعة، وصفحة كشف التزييف على الفيس بوك وعدة حسابات ومواقع أخرى

اقرأ ايضاّ