رمضان في تونس: روحانيّة وتقاليد متجذّرة

يُعدّ شهر رمضان في تونس مناسبة دينيّة واجتماعيّة متميّزة، حيث يجمع بين أجواء الروحانيّة العميقة والعادات والتقاليد المتوارثة. يستقبل التونسيّون هذا الشهر بفرحة كبيرة، إذ يُمثل فرصة للتقرّب من الله عبر الصيام والعبادة، ولتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية من خلال اللقاءات والممارسات الثقافية الفريدة.
الاستعداد لرمضان

قبل حلول الشهر الكريم، تعمّ أجواء خاصة في تونس. تبدأ العائلات بالتحضير عبر شراء المستلزمات الغذائية الأساسية، خاصة التمر، الحليب، التوابل، والدقيق لتحضير أطباق تقليدية مثل البريك والملوخية. الأسواق تكتظّ بالمتسوّقين، وتكثر العروض الخاصة على المواد الغذائية، بينما تزداد الحركة في محلات الحلويات التقليدية التي تُجهّز "المقروض"، "الصمصة"، و"الزلابية".
في الأيام الأخيرة من شعبان، تكثر التجمعات العائلية، حيث يجتمع الأهل حول مائدة تسبق رمضان في جوّ احتفالي، يتبادلون فيه الأمنيات بقدوم الشهر المبارك.

أجواء الصيام والعبادة
تتغير ملامح الحياة اليومية في رمضان، حيث تُقلَّص ساعات العمل، ويتغيّر نمط العيش بما يتناسب مع الصيام. يكثر التردد على المساجد لأداء الصلوات، خاصّة صلاة التراويح التي تجذب أعدادًا كبيرة من المصلين.
يتميّز رمضان في تونس بطابع روحاني خاص، حيث تُنظّم دروس دينية في المساجد، وتُبثّ البرامج القرآنية في الإذاعات والتلفزيونات. كما يحرص الكثيرون على ختم القرآن خلال الشهر، ويزداد الإقبال على أعمال الخير مثل تقديم المساعدات للعائلات المحتاجة.

مائدة الإفطار: تنوع ونكهات تقليدية
مع أذان المغرب، تجتمع العائلات حول مائدة الإفطار التي تتكوّن من أطباق تقليدية تميّز المطبخ التونسي. يبدأ الإفطار عادة بالتمر والحليب أو "الزريك"، يليه "الشربة" (حساء الطماطم بالشعيريّة)، "البريك" (معجنات محشوّة باللحم أو التونة والبيض)، إلى جانب أطباق أخرى مثل "الطاجين"، "الكُسكُسي"، و"الملوخية".
بعد الإفطار، يتناول التونسيون الحلويات الرمضانية مثل "المقروض"، "الزلابية"، و"الصمصة"، مع الشاي الأخضر بالنعناع أو القهوة. ثم يتوجه البعض لأداء صلاة التراويح، بينما يجتمع آخرون في المقاهي التي تشهد نشاطًا خاصًا خلال رمضان.
السهرات الرمضانية: بين العادات والثقافة
رمضان في تونس ليس مجرّد صيام وعبادة، بل هو أيضًا فترة للسهرات العائلية والأنشطة الثقافية. يخرج الناس بعد الإفطار إلى المقاهي، حيث تُعزف الموسيقى التونسية الأصيلة، وتُنظَّم سهرات تحيي التراث المحليّ. كما تُقام مسابقات دينية وبرامج ترفيهية تجمع بين المتعة والثقافة.

من العادات الرمضانية المميزة في تونس "الزيارة"، وهي تقليد يُخصَّص لزيارة الأقارب والأصدقاء بعد الإفطار، مما يعزز العلاقات العائلية والاجتماعية. كما تحظى الألعاب التقليدية مثل "الخربقة" و"الشطرنج" بشعبية كبيرة بين كبار السن.
ليلة القدر والعشر الأواخر
في العشر الأواخر، تزداد الأجواء الروحانية، حيث يحرص التونسيون على الاعتكاف في المساجد والتضرع بالدعاء. تحظى ليلة القدر بمكانة خاصة، إذ تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يسعون لنيل بركاتها. كما تتضاعف أعمال الخير، حيث تُوزَّع وجبات الإفطار والسحور على المحتاجين.
عيد الفطر: فرحة الختام
مع اقتراب نهاية رمضان، تبدأ الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر، حيث تُحضّر الحلويات مثل "كعك الورقة"، "البقلاوة"، و"الغريبة". يتبادل الناس التهاني، ويتجهزون لصلاة العيد التي تجمع الأهالي في أجواء احتفالية.
رمضان في تونس هو أكثر من مجرّد صيام؛ هو فرصة للتقوى، التضامن، وتجديد الروابط الاجتماعية في جوّ مميّز يجمع بين العبادة والعادات العريقة.

المصادر
- المعهد الوطني للإحصاء بتونس – تقارير حول العادات الغذائية والاستهلاك خلال شهر رمضان.
- وزارة الشؤون الدينية التونسية – بيانات حول الأنشطة الدينية في رمضان.
- المركز الوطني للثقافة والتراث – دراسات عن العادات والتقاليد التونسية في رمضان.
- تقارير إعلامية محلية (إذاعة الزيتونة، التلفزة الوطنية التونسية) – تغطية للأجواء الرمضانية في تونس.
- كتب ومقالات أكاديمية حول التراث التونسي – متوفرة في المكتبة الوطنية التونسية.
#رمضان_في_تونس #تونس_رمضان #عادات_رمضانية #مائدة_رمضان #أجواء_رمضانية #الملوخية_التونسية #الشربة_التونسية #التراويح_في_تونس #سهرات_رمضانية #ليلة_القدر


نزار لطفي
كاتب ومحرّر مقالات في جريدة أسبوعيّة محلّيّةنزار لطفي كاتب ومحرّر مقالات في جريدة أسبوعيّة محلّيّة، يتميّز بأسلوبه الواضح والعميق في تناول المواضيع التاريخية. تُعرف كتاباته بالدقة والبحث المدقّق، حيث يعمل على إبراز التفاصيل الدقيقة والأحداث المهمة التي شكلت التاريخ. يُقدّم نزار رؤى تحليلية تسلّط الضوء على الجوانب الإنسانية والسياسية والاجتماعية للتاريخ، مما يجعل مقالاته مرجعًا قيّمًا للقرّاء الذين يبحثون عن فهم أعمق للماضي وتأثيره على الحاضر.