هل شعرت بالحزن يومًا؟ هل عشت في دوامة من ألم ذات نهار؟ البعض يرى أن الظروف هي من تتحكم في أشرعته، غير أن الحزن قرار، وهذا القرار بأيدينا، يروى أن رجلًا عانى الأمرين من فرط الكآبة، فقرر أن يصنع ما يحب في يومه، وضع هذا الرجل له قائمة أعمال: ساعة للقراءة، وساعة للكتابة، وساعة للتنزه، وهكذا وجد نفسه في سعادة غامرة وعرف أن السعادة محض قرار واختيار، لا يتطلب منا إلا بضع خطوات صغيرة.

صحيح أننا لسنا بدعًا من بني البشر فكلنا عرضة لتيارات الحزن الثقيلة التي يصعب علينا انتزاعها والخلاص منها، كلنا عرضة لمغازي الفقد والخسارة والإحباط وتطول القائمة. بعضنا يلجئ لسجادة الدعاء وقراءة القران، بعضنا يتناول عقارًا طبيًا أو يعقد جلسة علاجية مع أخصائي نفس طلبًا للاستشفاء، بعضنا يلجئ للتنفيس عبر تناول الطعام أو الاستماع للموسيقى أو الترحال والسفر، وتختلف طرق التنفيس عن هذه المكبوتات والآلام باختلاف الأشخاص والطبائع.
إن بلوغ حالة الموازنة النفسية، تختلف مجهوداتها من فرد لآخر، كما أن حالة الضيق والكدر درجات بعضها يُحل ذاتيًا وبعضها يحتاج لمساندة علاجية، في هذه السطور القلائل سنتحدث عن بعض الدروع التي تساهم في إسقاط بعض المنغصات والكوادر، من أجل تسريح بعض هذه الأوجاع ومحاربة هذا الداء وإليك الحكمة.
١/ “إذا ضاقت بك الدنيا، فلا تنسَ أن ربك أرحم بك من نفسك". لماذا الشعور بالوحدة وأنت بعين الله؟ يا صديقي إن عينًا في السماء ترعاك فلما الحزن؟ لو قلّبت حياتك ستدرك أنك محاط بدوائر اللطف فلا تحزن.
٢/ “لا يُثقِل الله قلبًا بحِمل إلا لأنه يعلم أنه قوي بما يكفي ليحمله". الدنيا ليست مفروشة بالورود، فكل واحد فينا تقف أمامه مجموعة عقبات عليه تخطيها، وكلنا قادر على هذا التخطي لما وهب الرحمن من قدرات، بعضها تزول بالتجزأة وبعضها تذوب بمرور الوقت.
٣/“الألم طريق للنضوج، فلا تخف من المواجهة". في اللحظة الأولى قد نستصعب المحنة ونراها أكبر من حجمها وأنه من المحال تحملها، ولكن العبرة بالختام فاقبل التحدي وواجه امتحانك بالصبر، فهذه العقبات ستنتهي يومًا كسواها، وهي حتمًا ستقويك وتسرع من نضوجك، فلا تبتئس.
٤/“التغيير يبدأ من الداخل، فابدأ بالإيمان بنفسك". إذا أردت التعافي والنجاح في معترك هذه الحياة عليك أن تثق بذاتك وتؤمن بقدراتك، إن أبواب النجاح يلزمها الإيمان بأنك قادر ومستطيع، فلما لا تجرّب!
٥/ “كل شدة ستمضي، وكل ليل يعقبه فجر". يتشائم البعض لوجود بعض المنغصات ويزداد هذا التشاؤم إذا امتد واستطال، ولكن التجارب تفصح أن ما بعد الشدائد فرج، فلنملأ صدورنا بالتفاؤل ولنمنح الأمل بعض وقت.
مرّ فلاح ذات يوم بحجر صخري كبير سدّ الطريق، وبعزم أزاح هذا الصخر، ووجد أسفله كيس الذهب الذي وضعه الملك ليختبر أفراد شعبه، إنّ هذه الهمة تستحق هذا الذهب، فأين همتك التي ستحقق لك الفوز؟
يقول مارتن لوثر كينج: (حتى في أحلك اللحظات، هناك شعاع من النور ينتظرك، ابحث عنه)، فكم من معظلة تمّ حلها؟ وكم من مشكلة مستعصية كان الحل في خاصرتها؟ فلنتحرك باتجاه التفتيش ولنتعقب رأس الخيط، فالحياة تفصح بلسان رطيب أن لكل مجتهد نصيب، قد نعيش عتمة الليل دهرًا ولكن الفجر يلوح في الأفق وسيأتي وإن طال السُّرى.
إننا نمتلك من الثروات والنعم الكثير، ولكن الأعين لا تركّز الإبصار إلا على المفقودات، يقول فرويد: “من يملك الصحة النفسية يملك كنزًا لا يُقدّر بثمن"، فهل ندرك قيمة الصحة وراحة البال؟ إنّ الماضي صفحة مطوية والمستقبل صفحة ستكتبها يراعتك، فهل تركب أعجاز الإبل؟ أم تحتل الصدارة؟
قيل أن رجلًا وقف أمام أبواب مغلقة، وفي لحظة قرار عزم على فتحها، فوجد إحداها مفتوح على الدوام، فلما لا نحاول؟ ينقل أن بحّارة غرقت سفينتهم، فقرر أحدهم أن يصنع من بقاياها زورًا فنجى وهلك الجميع.
إننا كثيرًا ما نظن أن الحل صعب مستصعب، ثم نتفاجئ بكونه سهل مستسهل كسهولة شرب القدح، ألم يصادفك ضياع مفتاحك وهو في يدك؟ ألم تفتش عن قلمك دهرًا وهو في راحتك؟. ينقل أن امرأة كانت تعيش الظلام الدائم ولم تكن تملك إلا مصباحًا مكسورًا، فتغلبت على هذا الظلام بسهولة حينما أصلحت هذا المصباح المكسور، فلماذا ننتظر الغير والحل في جيوبنا؟. يروى أن قائدًا كان يضيع في جميع رحلاته، لكونه يعتمد على آراء الآخرين، فلما اصطحب معه بوصلة ترك الضياع وراءه وكان قائدًا بحق، فلما لا نحمل البوصلة؟
كلنا بمتلك عقلًا ناضجًا، فلما لا نديره لصالحنا، إن حالة الاكتئاب عرض طارئ، فلما لا نرمق الحياة بروح مختلفة، يقول إيليا أبي ماضي:
أيها الشاكي وما بك داءُ
كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلا
إن نقطة الارتكاز تقع في دواخلنا، ولعل بيتًا من قريض الشعر يجبر الخواطر، يقول أحمد شوقي:
ولا تيأسْ إذا ما ضقتَ يومًا
فقد أضحى الفضاءُ له انفراجُ
ويقول الإمام الشافعي:
دع الأيام تفعل ما تشاءُ
وطِب نفسًا إذا حكم القضاءُ
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاءُ
كل المنغصات إلى زوال، وكل عسر يعقبه يسر، وكل اضطراب نفسي له علاج ودواء، فلتدخل السكينة قلبك وتوكل على الحي الذي يرعاك طيلة أيامك، فكل الهموم ستنقضي، ولقد صدق الشاعر قولًا: الله عوّدك الجميل ..
فقِسْ على ما قد مضى.

عبدالعزيز آل زايد
كاتب وروائي سعوديعبدالعزيز حسن آل زايد، كاتب وروائي سعودي، من مواليد مدينة الدمام في عام 1979م، حاصل على (جائزة الإبداع) في يوليو 2020م، من مؤسسة ناجي نعمان العالميّة في بيروت في دورتها الـ18، بروايته (الأمل الأبيض)، آل زايد يحمل درجة البكالوريوس من جامعة الملك فيصل، والدبلوم العالي من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل. روائي مهتم بالسّرديات التاريخيّة التخيليّة، ومؤلف شغوف بالكتابة، وهو يمارس مهنة التعليم في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، له الكثير من الكتابات على الصحف والمجلات الإلكترونية ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة.