بين الاستشارة والاستخارة: الطريق إلى اتخاذ القرارات الصائبة
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولهل واجهت يومًا قرارًا مهمًا في حياتك، ووجدت نفسك في حيرة من أمرك؟ هل كان لديك أحلام وتطلعات، ولكنك ترددت في اتخاذ الخطوة التالية؟ في الواقع، ربما مررنا جميعًا يومًا ما بمواقف كهذه، وفي لحظات الشك والتردد تلك، تبرز صلاة الاستخارة كوسيلة روحية تُمكّننا من التواصل المباشر مع الله وطلب الخيرة في قراراتنا الحياتية. حيث تعتبر صلاة الاستخارة من الطقوس الدينية التي يُفضل للمسلم أن يلجأ إليها عندما يجد نفسه في مرحلة من المراحل تتطلب اتخاذ قرارٍ مهم، في أي قضية تستدعي التفكير العميق والتأمل.
لكن ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟ وكيف نصليها؟ وكيف نعرف القرار الصحيح بعد أداء صلاة الاستخارة؟ وهل نلجأ لصلاة الاستخارة دون أن نستشير أي شخص قريب منا أو أي خبير؟ هذا ما سنعرفه فيما يلي:
ما المقصود بالاستخارة؟
تأتي كلمة الاستخارة من "الخير"، وإن أخار الله لك يعني أن يعطيك ما هو خير لك. وفي سياق الاستخارة، يقصد بها طلب الخيرة في الأمور المختلفة، حيث يتوجه المؤمن إلى الله بالدعاء قائلاً: "اللهم خِرْ لي"، أي يطلب من الله أن يختار له أصلح الأمور ويجعل له الخيرة فيها. فتكون الاستخارة عبارة عن الطلب من الله للإرشاد نحو القرار الأمثل في ظل التوجه نحو الخير والصلاح.
ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟
وفيما يتعلق بالأمور التي يجوز صلاة الاستخارة فيها، فإن الأصل هو أنه يمكن أداء الاستخارة فيما هو مباح، لكن الأمور الواجبة والمستحبة والمحرمة والمكروهة ، فلا ينبغي أن يستخير المرء في تركها أو فعلها.
اقرأ ايضا
ومع ذلك، يمكن أن يكون الشخص في بعض الأحيان بحاجة للاستخارة في وسائل تحقيق الواجبات والمستحبات، أو في اختيار الخيار المناسبة إذا كان الواجب متعدد الخيارات، أو في تحديد الوقت الملائم إذا كانت الواجبات غير محددة الزمن، أو حتى في ترتيب الأولويات إذا تعارضت أعمال مستحبة مع بعضها. ويجدر بالذكر أن الاستخارة تُؤَدَى في مجمل الأمور، سواء كانت أمور عظيمة أو لا، إذ يمكن أن تنشأ نتائج غير متوقعة من الأمور التي قد تبدو بسيطة. وقد أكد العلماء على أن الاستخارة تحظى بأهمية خاصة في القضايا الكبيرة والصغيرة على حد سواء، حيث يمكن أن يكون القرار الصغير مفتاحًا لأمور عظيمة.
كيف تصلي صلاة الاستخارة؟
كيفية صلاة الاستخارة تتبع خطوات بسيطة يمكن للمسلم أداؤها بسهولة:
1. يببدأ المسلم بأداء ركعتين، لا تكونا من الفرائض الخمس، ويسلم عند الانتهاء من الركعتين.
2. بعد السلام، يحمد الله ويصلي على نبيه ﷺ، فيقول: "الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله".
3. ثم يدعو بدعاء الاستخارة، الذي يطلب فيه من الله الإرشاد والهداية في القضية التي يواجهها، يطلب منه أن يفتح له الباب نحو الخير والصواب.
هذه الخطوات تشكل جوهر صلاة الاستخارة، حيث يجتمع المسلم فيها بالله في دعاء خاص يطلب فيه منه الإرشاد والتوجيه في قراراته وأموره الحياتية.
ما هو دعاء الاستخارة؟
إن دعاء الاستخارة هو كما قال النبي ﷺ: إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم ليقل: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه باسمه يقول: هذا الأمر، زواجي بفلانة، أو سفري إلى بلد كذا، أو شراء كذا، وما إلى ذلك - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به).
ما هو توقيت صلاة الاستخارة؟
بالنسبة لتوقيت صلاة الاستخارة، يمكن للمسلم أن يقيم هذه الصلاة في أي وقت يشاء، مع الحرص على تجنب الأوقات المكروهة. تلك الأوقات تشمل الفترة بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وبين صلاة العصر والمغرب، وقبل الظهر بحوالي ربع ساعة، حيث يعتبر هذا وقت زوال الشمس. وتكمن أهمية الاستخارة في أنها تشرع وتستحب في جميع الأمور المباحة، حتى وإن بدت الظروف الخارجية مواتية. فالإنسان لا يعلم ما الذي يخبئه المستقبل، ولا يمكنه قراءة كل العوامل التي تؤثر في القرارات.
كيف تعرف نتيجة صلاة الاستخارة؟
تتطلب معرفة نتيجة صلاة الاستخارة بعض الاهتمام والتركيز. حيث ينبغي للمستخير أولاً أن يخلص قلبه من الهوى قبل أداء الاستخارة، حتى لا يكون قد أقبل على الأمر قبل الاستخارة فيكون قد قرر الأمر بناءً على هواه قبل أن يستخير الله.
ثم بعد الاستخارة، يمكن للمسلم أن يلاحظ بعض العلامات التي تشير إلى الإجابة على الدعاء، فقد يرى رؤيا توجهه نحو الاختيار الصحيح، وهذه الحالات نادرة. وقد يشعر بإلهام داخلي يدله على الطريقة الأفضل للتصرف، ولكن هذا يكون لمن يعرف كيفية استقبال هذه الإشارات. ومن الممكن أيضًا أن يشعر بالاطمئنان والانشراح نحو قرار معين، وهذا يشير إلى موافقة القلب على ذلك الاختيار.
وإذا بقي المسلم مترددًا بعد الاستخارة، فيمكن له تكرارها مرارًا حتى يجد الهداية والاطمئنان. وقد وردت بعض الأحاديث التي تشير إلى تكرار الاستخارة، مثل قول النبي ﷺ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: يَا أَنَسُ، إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ"، ولكن هذا الحديث ضعيف الإسناد، لكن يمكن الاعتماد عليه. فقد ورد أيضًا أن النبي ﷺ كان يكرر الدعاء ثلاث مرات، والاستخارة دعاء؛ فتندرج تحت هذه السُّنَّة.
ومن الجيد كذلك أن يستشير المسلم أهل الخير والصلاح في الأمور التي يواجهها، ويتبع النصيحة الحكيمة.
في النهاية، يجب أن يدرك المؤمن أن ما يحدث له بعد الاستخارة يكون هو المختار له من قبل الله، حتى لو لم يظهر الأمر في البداية بالشكل الذي يرغب به. فإن لله حِكمةً خفية قد تظهر في وقت لاحق، وقد يكون الخير فيما لا يراه المؤمن في الوقت الحاضر.
هل تأتي الاستشارة أولًا أم الاستخارة؟
يعتمد تقديم الاستشارة على الاستخارة على الحالة والظروف المحيطة بالمسلم، ففي بعض الأحيان قد تقدم المشورة على الاستخارة، حيث يستشير المسلم أهل الخبرة والصلاح قبل أن يلجأ إلى الدعاء لله. على سبيل المثال، قد يستشير الشخص طبيبًا معينًا قبل إجراء عملية جراحية، ثم بعد الاستشارة والتوجيه يستخير الله ليتخذ قراره بثقة ويكون صائبًا. فالإنسان لا يخسر أبدًا إذا استشار قبل الاستخارة، وإنما يحقق الراحة واليقين في قراره ويجد الطريق الصحيح للسير فيه.
وبالتالي، فينبغي للمسلم إذا كان ينوي اتخاذ قرار في أمر معين وكان غير متأكد من الطريقة الصحيحة للتصرف فيه، أن يبدأ أولاً بالاستشارة مع الأشخاص ذوي الخبرة والمعرفة في تلك الأمور، ثم يلجأ إلى الدعاء لله تعالى ليهديه ويوفقه في اتخاذ القرار الصائب. فقد قال النووي: "يستحب أن يستشير قبل الاستخارة من يعلم من حاله النصيحة، والشفقة، والخبرة, ويثق بدينه، ومعرفته"،في حين قال الله تعالى: (وشاورهم في الأمر). إذا قام المسلم بهذه الخطوات بحكمة وتدبر، فإنه يجدد الثقة في الله ويكون مؤمنًا بأن الله سيختار له ما هو خير له في الدنيا والآخرة.
في الختام، نجد أن صلاة الاستخارة تمثل مصدرًا هامًا للهداية والتوجيه في قراراتنا الحياتية. إذ يمكننا من خلالها الاستعانة بالله تعالى في الأمور التي قد تكون غامضة أو محيرة بالنسبة لنا. وعلى الرغم من أننا قد نجد بعض الصعوبة في فهم نتائج الاستخارة أحيانًا، إلا أننا يمكننا الاعتماد على وعد الله بأنه سيهدينا ويوفقنا إلى الخير.
لذا، دعونا نكون دائمًا على استعداد للرجوع إلى صلاة الاستخارة عندما نجد أنفسنا في مواقف صعبة أو محيرة. ولننظر إلى الاستشارة قبل الاستخارة كخطوة مسبقة ومهمة نحو التوجيه السليم واتخاذ القرارات الصائبة. فلنعش حياتنا وفقًا للمبادئ الإسلامية التي تعلمناها، ولنكن مع الله يكون معنا، فإن وضعنا أمورنا بين يديه وثقنا به، سيوفقنا ويهدينا دائمًا إلى الطريق الذي يحقق لنا الخير في الدنيا والآخرة.
المراجع
منة الله سيد
صحافيةصحافية مصرية، مهتمة بالصحة والعلوم والتكنولوجيا. أسعى لنشر المعرفة لأن المعرفة قوة.
تصفح صفحة الكاتب