بسمة يحاصرها الموت من كل جانب
"ماتوا جائعين مقصوفين مقهورين نازحين"
هل ستكتب نهايتنا بهذه الطريقة!! هل نحن الذين بذلنا وسعينا وكنا على شفا حفرة من الوصول، هل ستكتب نهايتنا هكذا!!
سماءٌ يلونها السواد نهاراً، ويضيئها اللون الأحمر ليلاً، بل إنّ اللون الأسود أصبح لا يفارق أيدينا وأجسادنا، بل لا يفارق حياتنا كلها حتى.
ركامٌ، حجارةٌ، ودخانٌ متصاعدٌ، ألسنةُ نارٍ لا تنطفئ، جثث لا يوجد لها قبر لإكرامها بالدفن، أصبحت حياتنا باللون بالاسود والرمادي فقط.
هل عرفتم من نحن!، نحن الذين أصبح حالهم لا يخفى على الأجنبي قبل العربي، عن الغرب قبل العرب، "نحن أبناء غزة"
كنا نعيش حياة أشبه ب "الجنة"، رغم الامكانيات المحدودة، كل شئ تقريباً متوفر لشعب يعاني الحصار تحت وطأة الاحتلال، لكننا كنا راضين أشد الرضا بهذه الحياة، بل والله إنّ السخط لم يزرني يوماً والحمدلله، مطاعم، فنادق، منتزهات، حدائق، ملاهي، كل هذه كانت لدينا كأي مدينة بها متنفس لساكنيها، لكنها كلها محيت!


لم تعد موجودة، لم يتبق منها الا الحجارة والركام، وإن وُجدت، فإنها أصبحت مأوى للنازحين .

كانت ثلاجتنا ملآ بكل ما يحتويه السوق دون أن أبالغ في نثر كلماتي، كنت أفتحها ثم أقف حائرة ماذا آخذ وماذا آكل، فواكه، خضار، غداء قد زاد عصراً، طعام للفطور، جبن، لبن،نقانق، وبعد أن أملَّ الوقوف، أسحب خيارة، ثم أغلق الثلاجة وأمضي إلى الغرفة .
كنت أنتظر موسم " الحملة ملانة" على أحرَّ من الجمر، لكن شاء القدر أن تتعارض رغباتي مع ما تحمله الأيام من خبايا.
كانت الحياة جميلة وتسير على ما يرام، حتى يوم السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣، كان الصباح الفاصل، والذي أضحى كفيلاً بتغيير حياتنا وقلبها رأساً على عقب.
لازلت أتذكر هذا الصباح، وهل مثل صباحٍ كهذا يُنسى!
كانت الساعة السادسة والربع صباحاً من يوم الأحد، والجميع قد استيقظ لبدء صباحٍ روتيني، كنت فيه قد اتفقت -وأخيراً- وصديقاتي في الكلية لأخذ شهاداتنا من الكلية بعد أن مر على صدورها أكثر من ثلاثة أشهر، كنا دائما نخطط لاستلامها ولكن ظروف اجتماعنا لم تكن قد تهيأت بعد، إلا يوم الأحد -المجيد-، أما أختي فقد ذهبتا إلى المدرسة، خمس دقائق فقط مرت حتى بدأ صوت أمي يعلو في أرجاء بيتنا، لم يكن صوت أمي وحسب، بل أصوات الجيران في الحارة، وأصوات الناس أنحاء القطاع، استيقظت وباقي أخواتي، وإذ بالسماء قد امتلأت خطوط بيضاء، وكانت لا تزال الخطوط البيضاء بازدياد، لم تكن تلك الخطوط إلا صواريخ المقاومة تعلن بها ذلك الدخول الذي لم يكن إلا نقطة تاريخية فاصلة، نقطة انقلاب وتغير، وضربة هزت كيان هذا المحتل على حين غفلة منه، عادت أختي من الطريق بعد اشتداد الوضع واستمرار انطلاق الصواريخ، لم نكن نعرف ما الذي يحدث، وما كل هذه الأمطار الصاروخية، أما الأخبار فقد كانت مشتعلة وبازدياد مع مرور كل دقيقة، كان شباب المقاومة قد تمكنوا من الدخول إلى أراضينا المحتلة بعد اختراق ناجح وباسل للسياج الفاصل والمدعوم بحماية زُوِدت بأعتى البرامج والأنظمة الالكترونية، ذلك الشعور الذي غمرنا وغمر قطاع غزة بأكملها في حضرة تلك الاخبار المهيبة عاد ليسيطر علي في هذه اللحظات الاصعب طوال الاثني وعشرون عاما من عمري، عندما تُشاهد أبناء مدينتك يتجولون بكل هيبة في تلك الأراضي، يأسرون ويقتلون ويغتنمون الغنائم، ذلك الفيديو لازلت أتذكره ولن أنساه مادمت على قيد الحياة، يُظهر مجموعة شباب في مقتبل عمرهم يعتلون جيباً ويتجولون فيه وسط الأراضي بكل هيبة واختيال، شعور كالماء البارد قد أثلج صدورنا، فيديو آخر يظهر اشتباك وجها لوجه ولا يفصل بينهم سوى مسافة لا تتعدى الخمسة أمتار، شعور مُهيب وعظيم يغمر قلبي عندما أشاهد هؤلاء الشباب ببطولاتهم وشجاعتهم!
المراجع
- YouTube
Auf YouTube findest du die angesagtesten Videos und Tracks. Außerdem kannst du eigene Inhalte hochladen und mit Freunden oder gleich der ganzen Welt teilen.
تصفح المرجعوتتوالى الفيديوهات لفرحة الأهالي وكأنه يوم عيد بل إنه والله أعظم!
دموع شعور قرب الانتصار وزوال هذا الكيان الصهيوني، وتحرر الأراضي ورجوعنا إلى بيوتنا.
كانت الأخبار توثق الجموع الغفيرة التي سارعت بشعور الفرحة والانتصار بالذهاب إلى السياج الفاصل أو كما نسميه "الحدود"، توثق الاهالي الذين يتجولون بالجيبات الخاصة بالمحتل في الشوارع وآخرين صعدوا الدبابة، كانت هناك فئة قد أشعلت الحرائق في الدبابة ثأراً وقهراً مكلوماً، شعور الفرح المتعاظم، فرحة لم تسبقها فرحة، بل إن فرحة العيد بصباحه لم تكن قط كهذه الفرحة!
الأمل بالتجول بربوع القدس قد كان بازدياد، إلا أن الفرحة بهذا الدخول المُهيب لم تكتمل!
فقد استيقظ الثعلب النائم محمل بأنواع الأسلحة الغاضبة للثأر من هذا التجرؤ العظيم للتعدي على مساحته التي هي أصلا حق كامل ومشروع لنا.
حربٌ جديدة من سلسلة الحروب التي تربينا عليها وقصف متواصل، ليالي بلا نوم، ليلٌ أحمر، ونهارٌ أسود.
أغلقت المدارس والجامعات والمراكز التعليمية بأكملها، الأسواق، المتنزهات، كل محركات الحياة توقفت فور إعلان الثعلب بدء الحرب.
كانت لا تزال أوضاع بلادنا الاقتصادية كما لو أنه لا يوجد حرب، فالأسعار كما هي، والبضائع متوفرة، الكهرباء والماء وغيرها من مقومات الحياة، عدا الأمان طبعا.
أول جمعة من هذه الحرب مرت التجئت إلى الله قبل آذان المغرب على أمل ألا تطول هذه الحرب، أتبعتها بالجمعة الثانية والثالثة، حتى هذه الجمعة التي لا أدري ما رقمها المهم أنه مر ٢١ شهراً حتى الآن ولم نترك باب الله بأن يرفع هذه الغمة عنا.
كانت الأخبار تتناقل وشركة الكهرباء تحذر وتُعلم بأن الوقود المتوفر أصبح على وشك النفاذ، وأن الكهرباء والانترنت سيُقطع عن القطاع بالكامل، لم نصدق حينها، كنا نظنها حربا كسابقاتها من الحروب، أسبوعان، شهرًا، وقد تصل إلى شهرين كحرب الفرقان التي كانت الحرب الأطول على القطاع، ولكن الشهر قد تكرر، والشهرين قد تضاعفا، حتى أتموا الواحد وعشرون شهراً!!
نعم لقد خابت ظنوننا، وانقطعت الكهرباء عنا، والماء أيضاً، بل وسبقهم كلهم "إغلاق المعابر"، ومنع إدخال البضائع.
إن كتاب كامل غير قادر على إحتواء كلماتي في وصف المعاناة التي واجهناها ولا زلنا!.
فقط أكتب في محاولة لتفريغ من عبء هذه الكلمات التي تضغط وتضيف المرارة على حلقي.
مر الشهر الأول أتبعه الشهر الثاني، -والمخزون الحياتي قد شارف على الإنتهاء- ونحن نرهف سمعنا لأخبار علها تعيد أحياء شعور الأيام الأولى.
بدل من أن نشتري الغاز، أصبحنا نشتري الحطب، وبدل أن نطهو على الفرن أصبحنا نطهو على النار، أتذكر عبوسي عندما استخدمنا أول "طنجرة" للطهي بها على النار، كانت قد اكتست بالسواد، فعجلت فور انتهاء الطعام منها إلى تنظيفها وإشاحة هذا السواد عنها، كانت أمي في كل مرة تستخدمها للنار أعيد الكرة وأزيل عنها سوادها، لكن هذه الطنجرة أتبعها باقي أخواتها من الطناجر، بل وأُلحق بها الابريق لغلي الشاي والمشروبات، لم نكن قد اعتدنا بعد على كل هذا السواد الذي اقتحم حياتنا بلا هوادة، تخيل أن فنجان القهوة الذي يُعد للاسترخاء والروقان بخمس دقائق، أصبح يُعد بربع ساعة بسبب النار!
حياة دون ماء و كهرباء
- أما عن مياه الشرب، كنا في -الأيام الخوالي- نتصل على سيارة تعبئة المياه، يأتي سائقها يعبئ لنا الخزان وبعد أن ينتهي نعطيه ثمنها "١٠ شيكل"، بكل هذه البساطة!، دون أن نتعب ولو قليلاً، أما في هذين الشهرين، بل طيلة هذه الحرب، فقد أصبح أبي وإخوتي يأخذون "قالون" المياه ويذهبون حيث تتوفر سيارة المياه، في الحارة المجاورة، في الشارع البعيد، في المدرسة التي خلفنا، أمتار تُقطع للبحث عن شربة مياه !! تخيل أيها القارئ وبعد أن كنا نشرب الماء من الصنبور بكل سهولة، أصبحنا نقطع أمتار فقط للحصول على قالون أو اثنين من الماء !!وبعد الإصطفاف بالدور ، وليس بالمجان طبعاً!
أما إذا أردنا الاستحمام، أشعلنا النار وقمنا بتسخين المياه، ثم سكبها في "السطل"، ليس بتلك السهولة!!، بل علينا انتظار الشوائب والأوساخ من النار كي تترسب كي نستطيع الاستحمام بها، دون شامبو أو صابون، فقط ماء!
ما أكد لنا شدة الحرب، هو افتتاح المدرسة المجاورة لنا لاستقبال النازحين فيها، عندها فقط أدركنا بأن الحرب قد تستمر لبضعة أشهر.
- تتساءلون عن حياتنا بلا كهرباء!!
لاخبركم بها، صباحاً يكون ضوء الشمس ينير لنا طريقنا، هواتفنا نقطع أمتار ومسافات ونقوم بشحنها في أي مكان لديه طاقة شمسية
أتظنون أنه بالمجان!، خاب ظنكم، فليس هناك شيئاً بالمجان خاصة في هذه الأوضاع، ونقوم بشحن بطارية لتضيئ لنا "الليدات" بعد المغرب.
كلما يتم الإعلان ان هناك مفاوضات وهناك احتمال لوقف هذه الحرب، نتمسك بشعاع أمل من الله بأن تنتهي، وفعلاً، قد تم التوصل لاتفاق لهدنة انسانية مدة ٣ أيام قابلة للتمديد، مُددت الثلاث أيام لأسبوع، قد تنفسنا فيه القليل من الحياة، بدأ اليوم الثامن وبدأت معه الأمطار الصاروخية بإعلان استئناف الحرب بعد انتهاء الهدنة الممتدة، وكان الجيش يصرح بأن الدخول البري قد بات وشيكاً على أهالي القطاع، كانت المخاوف من هذا الدخول تُرهب القلب، فلا أمان لهذا الجيش بقربنا.
معاناة النزوح
دخل الجيش غزة!!، وكنا نتابع على الأخبار أماكن تجوله في غزتنا بألم بالغ.
أتذكر أول نزوحٍ لنا كان في بداية شهر ديسمبر، كانت الساعة السابعة صباحاً، مشقة وشعور يعلمه الله وحده والغزاوي فقط.
بيتك الذي نشأت فيه و ترعرت، ذكرياتك، ضحكاتك مع عائلتك، سهرك لأحلامك، أحاديثك لوسادتك ليلاً، عليك تركه!!
نعم وبكل بساطة!!، بأقل من خمس دقائق عليك حزم حقيبة واحدة!! واحدة فقط لتضع فيها ما يمكنك من العيش خارج البيت لوقت غير معلوم!
قد يكون خروج بلا عودة وقد يكون بعودة!
حقيبة المدرسة التي كنا قد اشتريناها لاخوتنا لمدارسهم، ليضعوا فيها كتبهم وحاجياتهم المدرسية، سنستخدمها للنزوح!!
نظرة للبيت قبل الخروج منه، قد تكون الأخيرة، الدموع المحبوسة بالعيون، ارتجاف الجسد، والقلب المثقل بمرارة الشعور وحره!
أما على الباب فحدث ولا حرج، منظر الناس الهارعة للفرار من الموت بعد أن علمنا بأن الاحتلال قد أصبح على بعد مسافة لا تتعدى دقيقة واحدة مشياً، لقد كان بالشارع المجاور.
خرجنا تحت إطلاق النار من طائرة "الكوادر كابتر"، وتحت القصف المدفعي، إلى جانب القصف الجوي أيضاً.
خرجنا بلا وجهة لنا، فقط الخروج والنجاة،
هل لك أن تتخيل شعور من ترك بيته في أمانة الله وودائعه ومضى يلتمس سقفا يأويه فقط!، بالطبع لن تشعر بشعورنا عزيزي.
بعد المشي بغير وجهة على الأقدام المثقلة من حمل الحقائب والحاجات اللازمة، سخر لنا الله شقة على الطابق السابع لأناس قد سافروا من غزة، بل إنها والله كانت لعروسين لم يمضِ على زواجهم أسبوعاً حتى أتت الحرب، فتركوا الشقة مع الأحلام التي بقيت تحت الوسائد وسافروا خارج غزة.
كانت طبقات الغبار تملأ المكان، الشظايا والرصاص قد اخترق الجدران، الزجاج أصبح رملاً تكسو الأرض، نظفنا الصالون والمطبخ، مكاناً يسعنا ويأوينا ونجلس فيه جميعاً.
أما معاناتنا مع مكان لا يوجد فيه قطرة ماء واحدة كانت لا يضاهيها معاناة.
والله لا أنسى بتلك الأيام أن مياه الشرب لم تكن متوفرة، وأننا كنا نشرب مياه عادية!!
كوب أو كوبان فقط طوال اليوم!! لعدم توفرها ولأنها تسببت بالتهابات لنا!
أول ليلة أمضيناها في تلك الشقة، نمت على الأريكة، يااا رهبة ذلك الشعور!! كنت أشعر أنني معلقة بالهواء لأننا على الطابق السابع، كانت السناريوهات والخيالات لا تنفك عن مخيلتي قبل أن أنام،،، "ماذا لو قُصف طابقين من تحتنا، هل سيميل البرج ونسقط من هذا العلو!!"، "ماذا لو قُصف البرج بأكمله إلى أي مكان سأطير ثم أسقط!!"، وغيرها الكثير والكثير من الخيالات التي جعلت عقلي ينام مرهقاً منها.
تواصلت مرات النزوح للعدد الذي لا يقدر الغزاوي منا على إحصائها، من ضمن هذه المرات، نزحنا بعد أوامر بإخلاء المنطقة التي جاء الجيش إليها.
والله شعور هذه المرة من النزوح كمن يحمل روحه على كفه ويعلم أنه سيلقيها في مكان ما، في هذا النزوح نزحنا من مكان لآخر علنا نجد مكانا يأوينا، أولى محطات نزوحنا كانت على بيت اقربائنا، ربع ساعة تقريباً مضت على حضورنا -محملين بحقائبنا طبعاً-، وإذ بأخي يتصل ويقول بأن هناك شقة قريبة مستشفى الشفاء، حيث المنطقة الأخطر والتي كان الاحتلال يتموضوع بها، ربع ساعة فقط وكما أتينا لهذا المنزل، خرجنا!!
متفقين مع أبي وأخي بالتلاقي في نقطة معينة ومن ثم الذهاب للشقة التي في منطقة المستشفى.
في طريق ذهابنا وبعد أن اجتمعنا وركبنا سيارة أخي -بعد بحثي على الإنترنت علمت أن نوعها "Renault Express"- .
انطلقنا إلى الشقة المنشودة، جميعنا في المقاعد الخلفية بجوار الأغراض والحقائب، وفي الأمام والدي وأخي، في الطريق وبعد أن لاحظ أخي وجود القناصة على أحد البنايات العالية، -كان الوقت قبيل المغرب بنصف ساعة تقريباً-، قال لنا ولكن دون أن يعلمنا بوجود تلك القناصة أخفضوا رؤوسكم، سنذهب إلى الشقة، فإن كتب الله لنا الحياة فالحمدلله لقد نجونا، وإن حصل واستشهدنا فاللهم تقبل شهادتنا"
أقسم بالله أن دموعي ودموع أخواتي وأمي كانت رفيقنا طوال الطريق، وكأننا حقًا سنودع هذه الحياة، وهذه باتت آخر لحظاتنا.
لم أخرج من البيت منذ بدء الحرب إلا في أوقات النزوح، هالني منظر الدمار في بلادي، الناس الجالسة على الأرصفة، حركة الناس النازحة، الأطفال الخائفين، الشهداء و المصابين المحملين على عربة يجرها حمار كل هذه زادت من تخضب دموعي في مسارها.
أما المرة التي شعرنا فيها أننا خُدعنا من هذا المحتل الماكر، هي عندما صدرت أوامر إخلاء للمنطقة، -لا تستغربوا كثرة أوامر الاخلاءات التي حصلت-، كان يوماً من ضمن أيام الحرب كالمعتاد، كنا نشاهد كلمة للمثلم الساعة السادسة والنصف مساءً، فجأة وبدون سابق إنذار رأينا الناس من النافذة تهرع نازحة!!، ما الذي يحصل؟، لم الناس تذهب؟، وإذ بالإخلاء قد أتى للمنطقة من جديد!!، حالة من التوتر والقلق، ذهب أبي وإخوتي لرؤية الجيران ومعرفة ما سنؤول إليه، بخمس دقائق وبعجلة، اضطررنا للملمة أشيائنا المهمة والتأكد من الحقائب والحاجات اللازمة،خرجنا من البيت دون هدى، منظر الناس النازحة، الأطفال الخائفين، النساء التي تهرول حاملة رضيعها، الشباب الذين يستعجلون أهلهم في الخروج من المنزل والنجاة بأنفسهم، كل هذه المناظر كانت مثيرة على قلب عاش كل هذه في دقائق لم تكن إلا مفاجئة!!
مضينا في طريقنا لا نعلم أين نذهب، كنا نقف في الشارع تارة، و نلوذ الأرض ذهاباً وإيابًا من غير هدى تارة أخرى، فقط مأوى لليلة واحدة!!، مدرسة، خيمة، روضة، أي شئ، لم نجد!! فكلها كانت مكتبة بالنازحين.
في النهاية قرر أبي الذهاب إلى بيت أقاربنا في حي الشيخ رضوان، سيراً على الأقدام محملين بالحقائب ذاهبين إلى ذلك البيت، أذن المغرب ونحن لازلنا نسير!!
بعد أن وصلنا ونظفنا ما استطعنا من الغبار المتراكم، بعد أن أحضرنا ماء من بعض جيران هذه الشقة لعدم توافره فيها، على ضوء هاتف أمضينا الساعة المتبقية لنا قبل الخلود إلى النوم.
لم نلبث نضع رؤوسنا على الوسادة، حتى بدأت قنابل الإنارة بإنارة المنطقة التي أتينا إليها، أُتبِعت بأزمة نارية، وقتها فقط شعرنا أننا قد وقعنا في الفخ وأننا خُدعنا!! كنا نظن أنه تمت محاصرة هذه المنطقة، أليست هذه المنطقة التي أمرتمونا بالذهاب إليها!! أليست هذه المنطقة الآمنة كما كُتِب في المناشير التي تلقونها علينا جواً!!
كنا نتقلب على اللظى، ساعات نومنا لم تتعدى الست ساعات، أما رؤية شمس الصبح كان شعور الحياة من جديد، والعودة من الموت