الكِتَابة العلاجيّة (Writing Therapy)
في ظل تواتر الأحداث وولعة التداخلات الإنسانية ، يفقد الشخص جزء من قدرته على المحاكاة والتعامل مع مجريات حياته . ترغمه نفسه على المواجهة المباشرة بقوة حتى يدرك في مرحلة ما أنه لا يستطيع فعل ذلك لأنه لا يعلم ماهية داخله من الأساس.
في الآونة الأخيرة ظهر ما يسمى بالكتابة العلاجية وهو أحد الحلول الإبداعية التي تساعد الإنسان على خلق الشعور بالراحة النفسية من خلال التعبير عن مشاعره تجاه مواقف يومية أو ماضية للانفتاح أكثر حول ذاته. في هذا المقال سنتطرق حول هذا الموضوع في عدة محاور:
١. مفهوم الكتابة العلاجية
الكتابة العلاجية أو ما يطلق عليها بالكتابة التعبيرية ، هي أحد أشكال الوسائل العلاجية المُوصى بها من قِبل خبراء حقل العلاج النفسي والتي تشجّع الناس عن التعبير عن أفكارهم وشعورهم خاصة تلك التي حدثت في ماضيهم كالصدمات النفسية جراء حادث مأساوي أو سلوك معين أو فقد شخص عزيز وغيرها من المواقف التي خلّفت تراكمات نفسية مختلفة. انتشر صدى هذا العلاج لما له من تأثير إيجابي على الشخص نفسه كالقدرة على التحكم بالمشاعر والتخلص من القلق المتكرر والنظر للحياة من منظور مختلف.
٢. أنواع الكتابة العلاجية
تختلف طرق الكتابة العلاجية ويمكن للشخص ممارستها تحت إشراف مرشد نفسي أو بإمكانه القيام بها بنفسه. ما يميز هذه الطريقة هو أن الشخص يستطيع الكتابة كل ما يدور في خاطره وإن لم يتعدى سطر واحد دون مراعاة للنسق أو الأخطاء الإملائية ، ليس هناك شروط كتابية لذلك مجرد وجود ورقة قلم وذهن قادر على تصفية ما بداخله. تتلخص أنواع الكتابة التعبيرية في الأنواع التالية :
اقرأ ايضا
أ. الكتابة الحرة : هي بمثابة سجل يومي فيه كل اليوميات والأحداث التي تصير دون ترتيب زمني أو ربط للأفكار. تكتب مشاعرك اللحظية دون التفكير في أنه سيتم الحكم عليك .
ب. الكتابة الشعرية : طريقة فعالة لمحبّي الشعر ، الذي يعتبرونه طبًّا طبيعيا لأرواحهم. من خلال الشعر يمكنك التعبير عن حالات الحزن والفرح وإنتاج صورة جمالية على شكل قصيدة وترنيمات شعورية . تساعد على التفكير بعمق وربط الحواس مع بعضها البعض والتخلص من قوقعة نفسية ضيّقة.
ج. كتابة الرسائل : تعتبر من الطرق التقليدية المعروفة التي يعبّر فيها الشخص عن شعوره الخاص لشخص آخر من خلال الكتابة ، وفي بعض الأحيان تكون وسيلة فعالة لمن لا يستطيع التعبير عن ما بداخله شفهيا . من الممكن أيضا أن يتم كتابتها لشخص حقيقي أو خيالي فقط من أجل التخفيف عن النفس وإزاحة كتلة الهموم المتراكمة .
٣. فوائد الكتابة العلاجية
تساعد الكتابة العلاجية على تحفيز العقل الباطني على النهوض بالأفكار والمشاعر التي لم يتم تداركها لأنها لم تصل إلى السطح بعد . بالإضافة إلى أن الشخص يشعر بالحرية التامة تجاه ما يكتب لأنه يعلم بأن كل كتاباته وتدويناته غير قابلة للتحكيم من قِبل شخص آخر أو جمهور معين ؛ هذا بحد ذاته يوسع نطاق كتابات الشخص والإعتراف بكل المشاعر التي قد لا تشعره بالراحة ولكنها مع ذلك موجودة.
الكتابة العلاجية لا تتمركز حول الجانب النفسي فقط وإنما على الجانب العضوي كذلك ، حيث أجريت تجارب على مجموعة من المرضى مما يعانون من بعض الأمراض البدنية كالتهاب المفاصل الروماتيودي والربو ، وبعد فترة من الالتزام بالكتابة تحسن وضعهم النفسي والمرضي معًا وهذا أبدى شعورا جيدا لديهم من ناحية التقدم للأفضل. كذلك لا يخفى حجم النتائج الإيجابية لهذا العلاج من خلال رؤية بعض الحقائق حول ذات الشخص نفسه أو بيئته واكتشاف الجانب المشرق في ذلك . كذلك تساعد الأشخاص على رؤية الأمور من منظور آخر واكتشاف معان جديدة لتجاربهم السابقة . تم ربط فوائد الكتابة العلاجية في علاج بعض الأمراض مثل ( اضطراب الوسواس القهري ، الاكتئاب ، القلق ، الإدمان ، اضطرابات الأكل ، الأمراض المزمنة و الأمراض المناعية)
4. طريقة الكتابة العلاجية
على الرغم من الفوائد الجمة للكتابة العلاجية، إلا أن البعض قد يواجه صعوبة في الخطوات الأولى للبداية وعلى الأغلب في القيام بالعادات الجيدة.
هنا نلخّص بعض الخطوات التي يوصى بها :
- ابدأ بالكتابة عن مكانك ووضعك الحالي في اللحظة الأولى من الكتابة.
- اكتب لمدة خمس إلى عشر دقائق وأنت على وعي تام بما تشعر به.
- اخلق حوار مع شخصك الداخلي عن طريق الكتابة بيدك غير المهيمنة .
- اكتب أهم الأشياء اليومية التي تقدرها وتشعر بالامتنان لوجودها في حياتك .
- حاول أن تبدأ يومك بصور شخصية لنفسك تساعدك على التعبير.
- اكتب حوارات مع الطبيعة للاتصال بالعالم الخارجي .
- احتفظ بسجل شامل للنجاحات للشعور بتقدير النفس الذاتي .
- التزم صيغة الغائب في حالة الكتابة عن موقف أو شعور سيء.
من الجدير بالذكر وكما أسلفنا سابقا ، لا يجب الاهتمام بالأخطاء الإملائية أو اللغوية أو تناسق العبارات والجمل . المحتوى بشكل عام هو شعوري تام ولا يركن لحالة التقييم والتدقيق. التركيز على إبداء المشاعر والأحاسيس اللحظية هو بمثابة تمرين العقل على التعبير الحقيقي عن احتياجات النفس الداخلية دون الالتفات للمعنى الأساسي حتى وإن كان فحوى الكلام غير مفهوم إطلاقا.
خطواتك الأولى للكتابة هي انتصار للمرحلة من بدايتها وإعلان لبداية جديدة تحمل في طياتها عهد جديد من تقدير للذات والرقي بكينونتها . الاعتراف بالمشاعر المخفية ومحاولة استدراج الذاكرة للمواقف الماضية هو وعي كامل بأهمية المسح الشامل لمجريات الحياة المتسارعة وإتاحة المجال لعملية انتقاء مستعجلة للتخلص من كل ما يمكن أن يثقل كاهل الجسد بأكمله.
الكتابة العلاجية هي بمثابة شارة انطلاق خطوة متقدمة من العلاج النفسي الذاتي.
المراجع
Writing Therapy: Types, Benefits, and Effectiveness
THE TYPES OF THERAPEUTIC WRITING
Writing Therapy: How to Write and Journal Therapeutically
Writing Therapy: Definition, Benefits and Exercise
Fatma Al-Shuhoumi
طالبة طب بشري / كاتبةأهلاً بك ، أنا فاطمة ، طالبة طب بشري وكاتبة . مهتمة بالقراءة والتدوين بمختلف أنواعه . أكتب بعض المقالات والكتابات النثرية لمختلف المواضيع ، منها ما يترجم صوت النفس الداخلي ويدفع للتفكير وآخر يسرد الواقع المحيط.
تصفح صفحة الكاتب