الكمال وهمٌ يلاحقنا - كل ما تحتاج معرفته عن السعي إلى الكمال

آية  محمد توفيق
كاتبة مقالات ومترجمة
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

هل الطموحات العالية والإنجازات المبهرة هي السبيل الوحيد نحو السعادة؟ وإذا كانت حقًا كذلك لماذا لا نشعر بالرضا عن أنفسنا عند تحقيق تلك الطموحات؟ أم أنها مجرد قناع يكمن ورائها وهم الكمال؟

الكمال وهمٌ يلاحقنا - كل ما تحتاج معرفته عن السعي إلى الكمال

للوهلة الأولى يبدو الأمر طبيعي بل ومُرحب به، فلا شيء أفضل من أن يستثمر الإنسان في نفسه للوصول إلى مبتغاه. ولكن الشخص المثالي يضع الشخص أهدافًا عالية لتحقيق الأفضل في كل شي، سواء كان في العمل أو الرياضة أو العلاقات أو حتى في مهاراته الشخصية، ويبذل كل جهده للتفوق وتحقيق الكمال.

وبالرغم من تحقيق إنجازات ملموسة، لا يشعر الشخص المثالي بالفرح أو الرضا عن إنجازاته بل يظن دائمًا أنها غير كافية وأن عليه تحقيق نجاحات أكبر ظنًا منه أنه سوف يشعر بالرضا.

المثالية عدوّ أم صديق

يقع الكثير من الناس في فخ الكمال ظنًا منهم أنهم يطورون من أنفسهم ويحسنون شخصياتهم، ولكن ثمة فرق بين المثالية وتطوير الذات كما تقول الكاتبة والباحثة برينيه براون

إن المثالية بعيدة كل البعد عن تطوير الذات والنمو للوصول إلى أفضل نسخة من نفسك.

برينيه براون Brene Brown

المثالية سمة شخصية تحمل صاحبها على بلوغ الكمال وتجنب الخطأ من خلال وضع معايير وتوقعات عالية للنجاح، وما إن يصل الشخص إلى مبتغاه يجد أن كل هذا ليس كافيًا ولا يشعر بلذة النجاح بسبب الرغبة المستمرة في التطوير والتميز.

أما تنمية الذات تطوير القدرات الشخصية تدفع الإنسان إلى تحقيق التوازن الشخصي في الجوانب العقلية والعاطفية والجسدية والروحية والتعلم من أخطائه مع الفرح بالإنجازات الصغيرة.

ومع أنه في بعض الأحيان يُنظر إلى الكمال كصفة جيدة تزيد من فرص النجاح إلا أن الانغماس الشديد والهوس بها يهلك صاحبها وتضعه تحت ضغط دائم، بسبب المقارنة التي يعقدها الشخص بين توقعاته المرتفعة والواقع وما به من عيوب، فعندما لا تتحقق تلك التوقعات كما تخيلها صاحبها يصعب عليه تقبل الواقع، وتبعًا لذلك يصاب بالتوتر وانعدام الأمان وقد يصل به الحال إلى جلد الذات.

وقد تؤثر هذه الصفة سلبًا على قطاع واسع من الأشخاص سواء كانوا طلبة أو موظفين أو غيرهم، إذ وجد الباحثون أن الموظفين الذين يحرصون على إتمام عملهم دون أي أخطاء، تقل إنتاجيتهم لأنهم يأخذون وقتًا أطول من غيرهم في إتمام المهمة.

لماذا نبحث عن الكمال؟

الكمال وهمٌ يلاحقنا - كل ما تحتاج معرفته عن السعي إلى الكمال

تنبع مشكلة السعي إلى الكمال من الشعور بعدم الأمان والخوف من الفشل، وتتشكل جذور المشكلة من عدة أسباب:

أسلوب التربية

يتسبب الوالدان أحيانًا في حدوث بعض الصدمات لأطفالهم فمثلاً: الطفل البدين الذي تعرض للتوبيخ والسخرية بسبب وزنه الزائد، عندما يكبر يصبح مهووسًا باتباع الحميات الغذائية ومراقبة وزنه بجنون ليجد استحسان من والديه. وكذلك عندما يصرخ الأب أو الأم بوجه الطفل بسبب ارتكابه خطأ بسيط، يكبر الطفل وبداخله خوف من الخطأ لذلك يبذل كل جهده لتجنب ألم الفشل.

نظرة المجتمع

يفخر كل منا بإنجازاته خاصةً في الأوساط المهنية، ويصور لنا المجتمع المثالية على هيئة أشخاص أكفاء وطموحين، لذلك يسعى العديد من الناس إلى المثالية ليكونوا مقبولين اجتماعيًا ويُنظر لهم على أنهم أشخاص متفوقين وناجحين.

الضمير اليقظ

يعتبر الضمير اليقظ جزءًا أساسيًا من الوعي الذاتي البشري ويساعدنا في فهم أنفسنا وتقييم سلوكنا وتحقيق التغيير الشخصي والنمو. ولكن يمكن أن يتحول الأمر إلى هوس يجعل الشخص يتوَق إلى الكمال في كل شيء.

الاضطرابات النفسية

بالطبع ليس كل من يسعى إلى الكمال لديه مشاكل نفسية، ولكن في الغالب من يعاني من بعض الاضطرابات النفسية لديهم سمات الشخصية المثالية، حيث وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من القلق والوسواس القهري يلجأون إلى المثالية في تصرفاتهم ليتحكموا في التوتر وتقليل احتمالية حدوث نتائج سيئة.

المقارنة بالآخرين

تبدأ المقارنة مبكرًا بين الأخوة والأصدقاء لتحديد من الأجدر بنيل إعجاب المدرسين وتقدير الوالدين، وهكذا تنمو الكمالية المفروضة اجتماعيًا منذ الصغر فينشأ الطفل مقيدًا بمعايير صنعها له المجتمع ليكون دائمًا أفضل من غيره. ويتجلى ذلك الأمر الآن في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يجبرك على مقارنة نفسك بأشخاص تعرفهم أو حتى لا تعرفهم لمجرد أن تلقى استحسان الآخرين وهذا بدوره يفقدك ثقتك بنفسك وتقديرك الذاتي لأنك تحصل على قيمتك من خلال آراء الآخرين.

هل أنت شخص مثالي؟

الكمال وهمٌ يلاحقنا - كل ما تحتاج معرفته عن السعي إلى الكمال

بعد فهم الأسباب التي تؤدي إلى الكمالية يمكنك ملاحظة العلامات التي تصاحب هذه السمة بسهولة، وخذ في اعتبارك أن هذه العلامات قد تختلف من شخص لآخر. ومن أشهر هذه العلامات:

قانون الكل أو لا شيء: إذا كنت تتطلع إلى الكمال ستنظر للأمور بالأبيض أو الأسود فقط. فإما أن تنفذ المهمة بإتقان على حسب معايير تحددها وإلا تبوء بالفشل.

النقد المستمر: لا ينفك صاحب الكمال عن تصيد الأخطاء والتنقيب عن العيوب في كل شيء وغالبًا يبدأ بإصدار أحكام قاسية على نفسه أو الآخرين عندما لا يتحقق من المستوى المثالي المرجو وحتى عند تحقيق النجاحات.

الخوف من الفشل: يعاني المثاليون من القلق الشديد من عدم تحقيق النجاح المثالي، لأنهم يأملون في الحصول على نتائج استثنائية. وإذا لم تتحقق تلك النتائج، يشعرون بالإحباط والفشل. وبناءً على ذلك، فإنهم لا يبدأون في مهام جديدة إذا كانت تبدو أقل من المثالية في نظرهم.

التركيز على النتائج: بدلاً من الاستمتاع بتنفيذ الخطوات التي تؤدي إلى النجاح والتعلم منها، يركز الشخص المثالي على الناتج النهائي فقط ويعطيه أهمية كبرى ولا يصرف انتباهه إلى إكمال المهام الأخرى على أكمل وجه.

التسويف والتردد: بقدر القلق والخوف الذي يتملكك من عدم الحصول على نتائج مثالية، قد تتردد في بدء مهام جديدة إذا لم تكن الظروف مثالية، وتتأخر في اتخاذ القرارات خوفًا من عدم تحقيق النتائج المرجوة. ونتيجة لذلك ستبدأ في المماطلة ومراكمة المهام خوفًا من الفشل.

البطء الشديد: يستغرق الشخص المثالي وقتًا أطول من اللازم لإتمام المهام، فمثلاً يظل في كتابة وتعديل سطرين في إيميل لمدة نصف ساعة.

صديقي لا تأكل نفسك

يقول الكاتب عبد الوهاب مطاوع في كتابه "صديقي لا تأكل نفسك"

وأما من يبددون أيامهم في التردد … والمفاضلة بين حرف (و) و(ثم) … وفي الإصرار على أن تكون البداية مبهرة ومرموقة ... وإلا فلا … فلا يجنون سوى الحسرة والعجز .. وتنتهي رواية العمر عندهم من غير أن يكتبوا منها حتى السطر الأول!

عبد الوهاب مطاوع

حتى لا يتبدد عمرك هباءً، انتشل نفسك من فكرة السعي نحو الكمال، وابحث عن حلول تعينك على تجاوز هذه المشكلة، ويمكنك تدريب نفسك على ذلك من خلال:

  • التصالح مع النفس خاصةً في الأوقات التي تعود فيها إلى جلد ذاتك وانتقادها
  • المرونة والتكيف مع الظروف الراهنة حتى لو تغيرت الخطط التي كنت ترتب لها
  • التخلص من الأفكار السلبية والتفكير الزائد في الأخطاء
  • تقبُّل الفشل ومواجهة المواقف التي تتجنبها لتقليل التوتر والخوف من ارتكاب الخطأ
  • عدم مقارنة نفسك بالآخرين لأنك طوال الوقت ستجد من هم أفضل وأنجح وأذكى منك
  • التوقف عن المبالغة في تدقيق العمل ومراجعته أكثر من اللازم

الخاتمة

يبدو أن الكمال هدفًا مغريًا ومثيرًا للكثيرين، لكنه في الحقيقة قد يكون وهمًا يتعذر تحقيقه بشكل كامل. فالبشر ناقصون ومعرضون للخطأ وهذا جزء من طبيعتنا الإنسانية، لذلك علينا أن نتقبل هذه الحقيقة ونتعلم كيفية التعايش مع النقائص والعيوب. وبدلاً من السعي الدائم نحو الكمال يمكننا التركيز على تحقيق التطور الشخصي والنمو الذاتي والتخلى عن عبء الكمالية الزائفة، مدركين أن القيمة الحقيقية لا تكمن في الكمال بل في رحلتنا وتطورنا كأفراد.

المراجع

Are you a perfectionist? How to understand what is causing it

Perfectionism: Signs, Causes, & Ways to Overcome

Perfectionism: 10 Signs of Perfectionist Traits

Perfectionism

آية  محمد توفيق

آية محمد توفيق

كاتبة مقالات ومترجمة

منذ صغري أرى الحروف تتلألأ على الورق مثلما تتلألأ النجوم في السماء، أهوى اللغات وأعشق الكتابة، ففي الكتابة أجد نفسي في عوالم مختلفة وعندما أمسك بالقلم أشعر أنني أتحكم بمجرى حياتي.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ