القائد "الراعي" عَصب المؤسسة ومستقبلها
"القائد الحقيقي لا يبحث عن الأتباع، بل عن القادة" نستون تشرشل

المقدمة:
في مستقبل ريادة الأعمال والمؤسسات يحتم علينا أن تتوافر قيادة واعية فذة متطلعة تتشوف لمستقبل المؤسسة ورؤيتها الرائدة التي تسعى للوصول إليها، وذلك بتحديد نقطة البدء إلى نقطة الانتهاء أو نقطة المستقبل التي تُحشد لها كل الجهود والطاقات والقدرات والإمكانات لتحقيقها، القيادة الراعية هي مستقبل المؤسسة وهي النموذج الذي يحقق المعجزات ويحمل هَم العمل والمبادرة والمواصلة مع فريقه وتمكينهم بحيث يعطوا أفضل ما لدهم لخدمة أهداف وطموحات المؤسسة.
"الراعي" تلك الكلمة التي تستحضر في الذهن صورة الحكمة، والتضحية، والعناية الفائقة، فعندما تُقرن هذه الكلمة "الراعي" بالقائد فإنها لا تعني مجرد الإدارة أو السيطرة أو المركزية، بل تتجاوز ذلك لتكون روحاً تتفانى في خدمة الآخرين وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف والرؤية المستقبلية ويقول جون ماكسويل: "القيادة ليست عن المنصب، بل عن التأثير"، القائد "الراعي" هو من يرى في مسؤوليته رعاية غير محدودة، وفي أتباعه أمانة تدخل في أدق التفاصيل لتكون القائد والمدير والأب والأخ والزميل للموظفين، فلا يدفعه حب الظهور أو السلطة، بل الدافع الحقيقي شغف بالبناء والارتقاء والتطوير لمن حوله، إنه ليس حاكماً من برج عاجي، بل قائداً مهنياً اجتماعياً ذو عقلية فذة يشارك أتباعه آمالهم وآلامهم، ويتقدم الصفوف ليحمل همهم وتطلعاتهم ويحافظ على جهودهم ويقدرها ويثنى عليها، ويتأخر ليطمئن على سلامتهم وأحوالهم.
إن المؤسسات اليوم بحاجة إلى القائد "الراعي" الذي يتعايش مهنياً مع كل مكونات المؤسسة ويتفهم الموظفين والعاملين، ويفتح المجال لهم للحديث وادلاء المقترحات والملاحظات، ويكون صبوراً ولديه من الوقت الكافي ليقرأ ويسمع ويلاحظ ما يدور في بيئة العمل الخاصة بالمؤسسة، فهو بذلك يشجع ويُمكن ويخلق جواً ايجابياً لا يطور العمل فحسب بل يجعل المؤسسة تقفز إلى الأمام حيث يكون الموظفين والعاملين وحتى الشركاء يعملون جميعاً ليحققوا الأهداف والتطلعات، فهو بذلك يصنع قادة حقيقية قادرة على تحقيق الابداع والابتكار والتفاني من أجل تحقيق الأهداف.
إن شخصية القائد "الراعي" تُبنى على قيم عميقة، أهمها التواضع الذي يجعله يدرك أن قوته تكمن في قدرته على فهم احتياجات أتباعه والعمل من أجلها إنه لا يفرض رؤيته بالقوة، بل يلهمهم ويقودهم بحكمته ورأفته، لديه عين بصيرة ترى الإمكانيات الكامنة في كل فرد في المؤسسة، ويد حانية تمد العون لمن يحتاج، وقلب ينبض بالرحمة والتعاطف، القائد "الراعي" هو مربٍ ومعلم، لا يكتفي بإصدار الأوامر بل يغرس في النفوس حب العمل، والشعور بالمسؤولية، والولاء للفريق والمهمة والمؤسسة، إنه يدرك أن النجاح الحقيقي ليس في الإنجازات الفردية، بل في تحقيق النمو الجماعي والازدهار المستدام ويقول سيمون سينك: "القائد ليس من يتحمل المسؤولية، بل من يرفع مستوى المسؤولية عند الآخرين" فدور القائد الراعي في تمكين الأفراد، وغرس حس المسؤولية فيهم، مما يجعلهم أكثر فاعلية واستقلالية.
والقائد "الراعي" يتمتع بالعديد من السمات والصفات التي تجعله قادراً على أن يخلق بيئة عمل إيجابية عاملة ومجدة وقوية قادرة على تحقيق الأهداف والتطلعات فهو يبنى ويطور ويُعلم ويرشد ويوجه ويؤثر ويصنع بذلك خلية نحل تعمل ليل نهار لديها من الولاء والانتماء ما يكون دافعاً حقيقاً لصناعة الإنجاز والتقدم في ميدان العمل:

1. القائد يشارك الفريق الرؤية المستقبلية:
يقول توماس إديسون: "الرؤية بدون تنفيذ هي مجرد هلوسة" فالقائد الحقيقي بالفعل لا يحتفظ بالرؤية لنفسه وتكون حبيسة أدراجه في مكتبه بل يشاركها مع فريقه بوضوح يهدف إلى إلهامهم وتوجيههم وجعلهم جزءاً أصيلاً من هذه الرؤية العظيمة لتتحول إلى هدف جَمعي ومشترك يسعى الجميع لتحقيقه والتفاني من أجل الوصول إليه.
2. القائد يحدد الاتجاه ويرسم الطريق:
يقول بيتر دراكر: "لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك قياسه" يُعتبر القائد بوصلة الفريق فهو يوضح الطريق الصحيح والأهداف المراد تحقيقها مما يمنع التشتت والانحراف، فهو بذلك يضمن أن كل الجهود موجهة بشكل صحيح نحو الغاية نفسها، فالقائد هو من يرسم الخريطة ويحدد المسار الذي يجب أن يسلكه الجميع.
3. القائد يضع الحدود والسياسات:
يقول هنري كلاود: "الحدود هي ما يحمينا من الشعور بالاستياء" يضع القائد حدوداً واضحة ومسؤولة للفريق سواء كانت قواعد عمل أو أخلاقيات مهنية أو توقعات أداء هذه الحدود ليست قيوداً بل هي إطار عمل أو سياسة عامة يضمن من خلالها تحقيق الانضباط والعدالة والفاعلية في بيئة العمل، فتحديد الأدوار والمهام وتوزيع أعباء العمل واعداد الخطط الاستراتيجية والتشغيلية التنفيذية ما هي إلا إطارات ومحددات ليقول الكل بدوره وتقديم تقرير انجازه.
4. القائد عاملاً دافعاً ومحفزاً:
يقول جيمس هانت: "القيادة هي فن إخراج أفضل ما في الآخرين"، فالقائد يؤمن بأن التحفيز لا يأتي من المكافأة المادية التهديد فقط بل من خلال خلق بيئة عمل إيجابية تشجع على النمو والابتكار ويعتمد على التحفيز الذاتي والولاء للمهمة المشتركة بدلاً من التلاعب بالعصا والجزرة، ويكون القائد عاملاً دافعاً ومحفزاً في مؤسسته من خلال قدرته العالية وذكاءه العاطفي والاجتماعي فهو مهتم بالموظف لكونه عصب المؤسسة، وهو كما يقال أولاً في المؤسسة من ناحية الاهتمام والتقدير والاحترام ومراعاة ظروفه العامة والخاصة فالآليات التحفيز متنوعة وكثيرة والتركيز عليها في قيادة وريادة المؤسسات ضرورة من الضروريات لأنها قوة الدفع الأساسية للوصول وتحقيق الأهداف والمكاسب.
5. القائد مُوجه ومُعلم للفريق:
يقول أنتوني روبنز: "لا يمكنك أن تكون قائدًا جيدًا إذا لم تكن مدربًا جيدًا"، فالقائد الراعي لا يكتفي بإعطاء الأوامر بل يستثمر وقته وجهده في تطوير مهارات فريقه وتدريبهم، فالقائد يرى في تدريبهم استثماراً حقيقاً وطويل الأمد يعود بالنفع على كافة مكونات المؤسسة كما أنه يُشعر الأفراد بالتقدير والثقة.
6. القائد يتجاوز عن الأخطاء ويُعالج المواقف:
يقول بيل جيتس: "القائد الجيد يغفر، لكنه لا ينسى الدرس"، يُدرك القائد أن الأخطاء جزء طبيعي من عملية التعلم والنمو فهو لا يعاقب عليها بقسوة بل يعتبرها فرصاً للتعلم والتحسين المستمر فالفشل ليس نهاية المطاف، فهو يمنح فريقه مساحة للتجربة دون خوف من الفشل مما يعزز حسب الإقدام والجرأة والمبادرة وتحمل المسئولية، وجوهر هذه الحالة أنه يخلق قيادة مستقبلية تستطيع أن تتحمل المسئوليات وتدير وتحافظ على مستويات الوصول.
7. القائد يقود "بالقوة" لا "بالتسلط":
يقول المهاتما غاندي "القوة لا تأتي من القدرة الجسدية، بل من الإرادة التي لا تقهر"، "القوة" هنا لا تعني التسلط بل تعني قوة الشخصية وقوة التأثير، والإلهام، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة بحكمة وثبات، فالقائد يقود بثقة، مما يبعث الاطمئنان في نفوس الفريق ويجعله يتبعه بكل ثقة وإيمان بتوجهاته وتطلعاته وافكاره.
8. القائد الحقيقي مصنع القيادات:
يقول رالف نادر: "القائد الجيد يخلق قادة آخرين، لا مزيدًا من الأتباع"، من أهم سمات القائد الناجح هو قدرته على بناء جيل جديد من القادة داخل فريقه يعمل على تمكين الأفراد، وتفويضهم بالمسؤوليات، وتوجيههم ليكونوا قادة في مجالاتهم، مما يضمن استمرارية النجاح.
9. القائد يبدد المخاوف ويواجه التحديات:
يقول نيلسون مانديلا: "الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على التعامل معه"، يُعتبر القائد الراعي ملاذاً للأمان في أوقات الشك والخوف فهو يبدد قلق فريقه بالشفافية والثقة والتشجيع يمنحهم شعورًا بالاستقرار والأمان، مما يسمح لهم بالتركيز على تحقيق الأهداف.
10. القائد روح إيجابية مرحه:
يقول جون ماكسويل: "لا شيء يبني فريقًا أفضل من الضحك"، القائد الناجح ليس جديًا طوال الوقت بل يدرك أهمية المرح والروح الإيجابية في بيئة العمل يشارك فريقه اللحظات الممتعة، مما يعزز الترابط بينهم ويخلق جوًا من الألفة والسعادة.
11. القائد ماكنة عمل فعالة لتطوير الأدوات والنظم:
يقول جون دالي: "نحن لا نصل إلى أهدافنا بمفردنا، بل من خلال النظم التي نتبعها"، فالقائد يركز على بناء وتطوير أنظمة عمل فعالة بدلاً من مجرد إدارة الأفراد بشكل فردي ويدرك أن النظم القوية هي الأساس الذي يضمن استدامة العمل وكفاءته حتى في غيابه.
12. القائد فِكر استراتيجي ونظرة ثاقبة:
يقول أرنولد شوارزنيجر: "الطريق إلى النجاح دائمًا تحت الإنشاء"، يتميز القائد بالصبر والنظرة المستقبلية فهو لا يبحث عن نتائج سريعة، بل يخطط للمدى الطويل ويدرك أن النجاح يتطلب جهدًا متواصلاً واستعداداً للتحديات مما يجعله أكثر قدرة على مواجهة الصعاب.
الخاتمة:
يظل القائد "الراعي" رمزًا للقيادة الملهمة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان إنه ليس مجرد مدير أو مشرف بل هو روح الفريق، تتجسد عظمته في قدرته على تحويل التحديات والتهديدات إلى فرص حقيقية، يواجه الخوف بالشجاعة، واليأس إلى الأمل، ويُقاس إرثه بمدى تأثيره الإيجابي في حياة من قادهم، فالقائد "الراعي" يترك خلفه دوماً بصمة من الحب والاحترام ومجتمعاً قوياً مبنياً على الثقة والحب والمتبادل، إن هذا النموذج من القيادة هو ما تحتاجه البشرية اليوم في زمن تتقلب فيه الموازين وتتزايد فيه التحديات، إن وجود قائد راعٍ يعني وجود مستقبل واعد أكثر إشراقاً للمؤسسة.
التوصية:
كن قائداً راعياً، وقُد مؤسستك بحكمة وقوة ومحبة، وحافظ التماسك الاجتماعي والبيئة الإيجابية، وتمسك بالكفاءات والطاقات المبدعة تكون واعداً ومستقبلاً ترسم ملامح الريادة والنوعية للمؤسسة وتصل بها إلى تحقيق الأهداف والغايات.

رامي أكرم الغرباوي
كاتب مقالات في التنمية الإداريةأمتلك خبرة في كتابة المقالات في التنمية الإدارية، أحاول مساعدة القراء على الحصول على معلومات واسعة في المجال الإداري التنموي.