بقلم: احمد ماهر العبد

ليست كل علاقة دفء، ولا كل تقارب نجاة:
هناك علاقات تبدأ كملاذ، ثم تتحول تدريجيًا إلى سجن. العلاقات السامة لا تُعلن عن نفسها منذ البداية، بل تنسج خيوطها حولك ببطء، حتى تجد نفسك مختنقًا وأنت لا تدري لماذا.
الشعور المستمر بالذنب دون سبب:
إذا كنت دائمًا في موقع المتهم، تشعر بالذنب على كل كلمة، وكل تصرف، حتى لو لم ترتكب خطأً حقيقيًا، فاعلم أن هناك من يلعب على أوتار ضميرك كي يبقيك تحت السيطرة. العلاقات السامة تزرع فيك شعورًا دائمًا بأنك الطرف المخطئ، حتى تنسى كيف يبدو وجه الحقيقة.
استنزاف طاقتك العاطفية والعقلية:
العلاقات الصحية تُنعش، أما السامة فتُنهك. إن كنت تخرج من كل تواصل معهم وأنت مُرهق، حائر الفكر، مثقل بالأسئلة والشكوك، فاعلم أن هناك خللًا. الإنسان لا يُخلق ليعيش في حرب نفسية مستمرة.

التلاعب النفسي والتقليل من الذات:
في العلاقة السامة، تُشكك في نفسك، في قيمتك، في منطقك. الطرف الآخر لا يكتفي بأن يخطئ، بل يقنعك أنك السبب في كل شيء. يُقلّل من أحلامك، يتهكم على مشاعرك، يجعلك ترى نفسك من مرآته المشوهة.
غياب التوازن في الأخذ والعطاء:
حين تعطي دومًا ولا تأخذ، حين تُنصت ولا يُصغى إليك، حين تكون الحائط الذي يتلقى كل الانفعالات دون أن يجد من يُسنده... فأنت في علاقة غير متكافئة. العلاقات الصحية تُبنى على التوازن، أما السامة فتُبنى على الاستنزاف.
الخوف من التعبير عن الذات:
إذا وجدت نفسك تخشى أن تكون "أنت" خوفًا من أن تُفهم خطأ، أو أن تُوبَّخ، أو تُترك، فهذه ليست علاقة، بل قيد. العلاقات السامة تُعطّل حريتك في التعبير، وتجعلك تعيد صياغة كل كلمة، وتختار الصمت بدلًا من المخاطرة بالدخول في حديث.
العزلة الاجتماعية والتقليل من الآخرين:
الشريك السام غالبًا ما يحاول عزلك عن أصدقائك، عائلتك، محيطك، كي لا يسمعك أحد، ولا ترى وجهًا آخر للحقيقة. يُقنعك أن الجميع لا يفهمك سواه، وأن العالم كله ضدك إلا هو، ليبني سلطته على وحدتك.
التكرار دون تغيير:
تتكرر نفس الخلافات، نفس الجروح، نفس الوعود التي لا تُنفّذ. في العلاقات السامة، لا يوجد نمو، بل دائرة مغلقة من الألم والتسامح القسري والعودة إلى نقطة الصفر. كأن الزمن لا يتحرك، والمشكلة لا تُحلّ بل تُخدّر.
خاتمة:
الانسحاب ليس ضعفًا، بل شجاعة، الخروج من العلاقة السامة لا يعني أنك فشلت، بل يعني أنك رأيت الحقيقة وقررت احترام نفسك. النضج لا يقاس بالتحمّل، بل بالقدرة على التمييز بين ما يستحق البقاء وما يستحق الرحيل. فليس كل من نحبهم صالحون للبقاء في حياتنا. بعض الحب مؤذٍ، وبعض القرب مدمر، وأجمل القرارات تلك التي تنقذك من نارٍ وأنت لا تزال تحترق صامتًا.
العلاقات السامة

احمد ماهر العبد
كاتبكاتب مستقل متخصص في كتابة المقالات الأدبية والفلسفية التي تجمع بين العمق الفكري والبلاغة الأدبية. يتميز أسلوبه بالسلاسة والقدرة على إيصال المفاهيم المعقدة بشكل يسير وسهل الفهم. يكتب في مواضيع متنوعة تشمل التأملات الفلسفية، قضايا الوعي والمعرفة، وكذلك الأدب الكلاسيكي والمقارن، ويعتمد في مقالاته على رؤية نقدية للأفكار الإنسانية من منظور معاصر. تستند كتاباته إلى فلسفة البحث الدائم عن الحقيقة، مع التركيز على تقديم تحليلات نفسية وفكرية معمقة، تتناول قضايا الحياة والمجتمع من زاوية فلسفية ذات طابع إنساني. كما يولي اهتمامًا خاصًا بمجالات التكنولوجيا والتسويق الرقمي، حيث يقدم محتوى احترافيًا يمزج بين التفكير التحليلي والأسلوب الإبداعي، بهدف تبسيط المفاهيم التقنية وفتح آفاق جديدة للوعي الرقمي لدى القارئ العربي. يسعى من خلال مقالاته إلى تقديم نصوص تحفّز القارئ على التفكير، مما يساهم في إثراء الفكر العربي المعاصر بأسلوب بعيد عن التعقيد ويستهدف الوصول إلى أكبر شريحة من القراء.