العزلة الاجتماعية: كيف يمكن للتقنية أن تدمر حياتك الاجتماعية؟

الكاتب

Zakaria Abderrahmane Bellouberطالب جامعي وكاتب مهتم بالثقافة

في زمن كثرت فيه المشاغل والالتزامات صارت حاجتنا لقضاء وقت مع أسرنا وأصدقائنا أشد مما سبق، ونتيجة للتطور الحاصل في التكنولوجيا وظهور شبكات وسائل التواصل الاجتماعي صار من الصعب أن نكون متواجدين بشكل فعال في واقعنا والعيش مع ما يحدث حولنا.

إن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل تفرقنا وتقلل بشكل كبير من جودة الوقت الذي نقضيه مع أسرنا وأصدقائنا، فبدل من أن نقضي أوقاتنا في العيش معهم، نقضيها في العيش أمام شاشات هواتفنا وتصفح حياة أناس لا يعنون لنا حقا، مما يعزز ظاهرة العزلة الاجتماعية.

ما هي العزلة الاجتماعية؟

الانعزال الاجتماعي هي ظاهرة تتمثل في قلة تواصل الفرد مع أهله وأصحابه وبعده عن الانخراط في مجتمعه، وتصحب هذه الظاهرة العديد من العلل الأخرى مثل: التوتر والقلق والاكتئاب وانعدام تقدير الذات.

يوجد فرق كبير بين العزلة الاجتماعية والوحدة، حيث أن العزلة الاجتماعية هو البعد الجسدي المقصود من الفرد عن الآخرين، بينما الوحدة هي ذلك الشعور الذي يجعلنا نحس بالانفصال والبعد عن الآخرين، حيث أنه من الممكن أن يكون الشخص وسط مجموعة إلا أنه يشعر بالوحدة

أسباب العزلة الاجتماعية

تتنوع أسباب العزلة الاجتماعية بتنوع الأفراد ومن الصعب حصرها في بضعة أسباب، ومع ذلك فإنه من الممكن القول أن من أبرز أسباب العزلة الاجتماعية:

• العلل النفسية: من الأسباب الشائعة للعزلة الاجتماعية هي الأمراض النفسية، مثل: القلق والوسوسة والاكتئاب فعلى الرغم من أن هذه المشاكل النفسية قد تكون نتيجة العزلة الاجتماعية إلا أنها يمكن أن تكون مسببة لها أيضا.
• الفراغ: عدم حصول الفرد على عمل أو عدم انخراطه في نشاطات مجتمعية يسبب للشخص إحراجا يشعره بالعار، إذ أنه غير قادر على إعالة نفسه أو أن يكون له دور مهم في واقعه فيميل نتيجة ذلك إلى إخفاء وعزل نفسه.
• خسارة شخص: خسارة شخص عزيز علينا يجلب معه الكثير من المشاعر السلبية، سواء كان ذلك نتيجة وفاته أو فراق، فيميل الفاقد إلى عزل نفسه.

دور التقنية في تعزيز العزلة الاجتماعية

ظاهرة الانعزال الاجتماعي لم تكن وليدة الثورة التقنية الحديثة، ولكن مما لا شك فيه أن للتقنية دور كبير في تعزيز وانتشار هذه الظاهرة، حيث أصبحت تعتبر ملجأ للذين يميلون للوحدة أو من يتعرضون لضغوطات اجتماعية أو المتهربين من مواجهة واقعهم ومشاكلهم.

لا يمكننا الحديث عن التقنية والعزلة الاجتماعية بدون الحديث عن وسائل التواصل، إذ أنها من أبرز مسبباتها اليوم خصوصا في فئة الشباب والمراهقين الذين ما إن بلغوا حتى وجدوا التقنية متوفرة .

في دراسة أجريت سنة 2017 على البالغين من عمر 19 إلى 32 سنة، وجدت أن الذين لهم استعمال عالي لوسائل التواصل الاجتماعي أكثر عرضة ثلاث مرات للعزلة الاجتماعية، كما بينت دراسة أخرى بين البالغين 18 و 22 سنة أن: الذين لديهم استعمال أقل لوسائل التواصل يقل شعورهم بالوحدة مقارنة بغيرهم.

في دراسةأخرى أجرتها جامعة ستانفورد على ثلاثة آلاف شخص تم تقسيمهم إلى مجموعتين، المجموعة الأولى كانت شاهدة، بينما الثانية فقد طلب منهم ترك منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لمدة شهرين، كانت نتيجة هذه الدراسة: المجموعة التي لم تستعمل منصة فيسبوك كانت أقل شعورا بالوحدة وأسعد بشكل كبير مقارنة بالمجموعة الأولى -الشاهدة- كما أن الأشخاص المنتسبين للمجموعة الثانية قضوا وقتا أكثر مع أسرهم وأصدقائهم ولم ينتقلوا إلى منصات تواصل أخرى

من جهة أخرى اللوم لا يقع على التقنية بل يقع علينا نحن، حيث أن استعمالنا الغير الواعي يفصلنا عن واقعنا، يجعلنا نمضي أوقاتا أقل مع من حولنا ويعدم التواصل العاطفي الفعال مع من نحب، بدلا من هذا نعيش في حياة أناس لا يعنون لنا ونقيم علاقات هشه مبنية على النصوص، لا على التواصل الفعال ونطلع على أحداث وأخبار لا تمت لحياتنا بصلة،

جانب إيجابي

وفي نفس الوقت مكنتنا وسائل التواصل من تسهيل التواصل بين الذين تفصل بيننا وبينهم المسافات، مثل: المهاجرين، فالتواصل بين هؤلاء وذويهم كان صعبا وبطيئا قبل تطور التقنية وظهور وسائل التواصل وتقنية المحادثة المرئية.

آثار العزلة النفسية

للعزلة النفسية أضرار وعواقب وخيمة ما لم يتدارك المرء نفسه ويسعى إلى إيجاد حل يمكنه من الخروج منها.

وفقا لتحليل "تلوي" قام به عدة خبراء نفسيين وجدوا أن نقص التواصل الاجتماعي يشكل خطرا على الجسم بقدر يعادل تدخين 15 سيجارة في يوم واحد أو كالإدمان على الكحول، كما وجدوا أن العزلة الاجتماعية تضر بالصحة مرتين أكثر من الأمراض الجسدية والنفسية كالسمنة.

كما أن بعض العزلة مرتبطة بالعديد من العلل النفسية والجسدية، والتي تؤثر بدورها على جودة حياة الفرد مثل: الاكتئاب، جودة نوم سيئة، ضعف المناعة، القلق.

هذا بدون أن نغفل الضرر المتعلق بذات الشخص ومهاراته، حيث أن العزلة تقلل من قيمة الفرد في مجتمعه وتضعف قدرته في التواصل والحوار والتعبير عن نفسه وتحمل أعبائها ،الأمر الذي يؤدي أيضا إلى ضعف فعالية الفرد وكفاءته سواء على الصعيد الشخصي أو الأسري أو المجتمعي.

كيف نتحرر من العزلة

لحسن الحظ ليس من المستحيل التخلص من مشكلة العزلة حيث أن حل هذه المشكلة يتمثل في مواجهة أسبابها:

1- احصل على استشارة نفسية:

بالنسبة للذين لجؤوا إلى العزلة نتيجة فقدان شخص عزيز عليهم أو لضغوط اجتماعية ومشاكل أسرية، الحصول على استشارة نفسية خيار ضروري من أجل التعافي، حيث أنه سيقدم لك العديد من النصائح المخصصة لحالتك الشخصية، كما أنه سيتابع ويقوم رحلتك في التعافي من هذه الظاهرة.

2- قلل استعمال وسائل التواصل:

كما ذكرنا سابقا، إن وسائل التواصل سبب رئيسي في الوقوع في العزلة الاجتماعية، حاول تقليل ساعات استخدامك لهذه المواقع، وتوجد عدة تطبيقات ومواقع تمكنك من متابعة والحد من استعمالك لهذه التطبيقات نرشح لك منها تطبيق Stay Free

3- اخرج من البيت:

الخروج من البيت والمشاركة في مختلف الأعمال الخيرية والتطوعية، هو ما يحقق النتيجة الفعلية ويخرجك من حالة العزلة الاجتماعية ونقترح لذلك:

• الانضمام إلى الجمعيات الخيرية
• المشاركة في النوادي العلمية والثقافية
• الحصول على عمل
• الاجتماع بالأصدقاء القدم وزملاء الدراسة

ختاما، إن أثر التقنية على العزلة الاجتماعية له وجهان: قبيح وحسن، فأما القبيح فهو الإدمان وتسطيح العلاقات الناتج عن الاستعمال الغير راشد للتكنولوجيا، أما الحسن فهو توفر تقنيات تسهل علينا التواصل أكثر من أي وقت مضى

مصادر ومراجع

How Technology and Isolation May Affect Mental Health

Social Isolation and Loneliness

Understanding the Effects of Social Isolation on Mental Health

The risks of social isolation

Loneliness and Social Isolation Linked to Serious Health Conditions