كانت ليلة هادئة، وجدت نفسي جالسة في غرفتي، مستسلمة لإيقاع الليل. دخلَت أمي الغرفة، وقالت لي بنبرة محبة: "الوقت متأخر يا ابنتي، لماذا لم تذهبي للنوم؟" نظرت إليها بعمق، وقلت لها: "أشعر أن اليوم يأخذ الكثير مني يا أمي، دون أن آخذ منه شيئا". كانت كلماتي بسيطة، لكنها كانت تحمل في طياتها عمق الادراك لأهمية الوقت والزمن.

حياتنا ليست جبالاً من الأيام مجتمعة ككومة غير قابلة للتحكم، بل هي مجموعة من الأيام الفردية التي يمكننا التحكم فيها والاستفادة منها. من حسن حظنا أن الحياة تتكون من أيام، حيث يمكننا تقسيمها إلى خطوات صغيرة وقابلة للإدارة، مما يمنحنا الفرصة للسيطرة عليها والتحكم فيها بدلاً من أن تتحكم فينا.
كل يوم يمنحنا فرصة الاختيار والتغيير، والبدء من جديد. لكن قد تشعر بالتقييد، وكأنك مسجون في قفص من الحدود التي رسمها لك المجتمع، ومن الشكوك التي رسمتها لنفسك. مثل الطائر المسجون، الذي ينسى أن له جناحين يستطيع بهما أن يطيرا نحو الفضاء الفسيح. أو مثل الفيل الذي تربى في سجن، ولما كبر، لم يحاول كسر باب السجن بحجمه الضخم، بل استمر في العيش في سجنه، دون أن يدرك أن له القدرة على التحرر.
هذا ما يقع لنا نختصر كياننا في زاوية وفي منطقة وفي مهارة وفي شكل ، ماذا لو اكتشفنا أننا نحمل قوة غير متوقعة داخل أنفسنا؟ ماذا لو كنا قادرين على تحقيق أحلامنا وأهدافنا بسهولة أكبر مما نعتقد؟ ماذا لو كنا أجمل وأقوى وأكثر وعيا مما نتصور؟
والشك في قدرتك على التحرر والتغيير، هو نوع من القيود التي تكبل عقلك وروحك على المضي قدما، ونوع من البرمجة التي تعرضت إليها في صغرك والتي دست سم الشك في ذاتك، وفي قدراتك، ناسيا أنك نفخة من روح الله، روح العظيم سبحانه وتعالى.
ماذا لو قلت لك أن شركة " سامسونج" لصناعة الهواتف تقدم هواتف بدون جودة، في الأغلب ستجيبني بل العكس من ذلك، هذه الشركة تقدم هواتف ذكية عالية. قدمت هذا المثال البسيط في سبيل سؤال :
-لماذا نشك أن الخالق لن يخلقنا بتصميم أكثر عظمة واضعا فينا نظام الذكاء والإبداع والعلم والتفرد؟
كيف يصبح التحكم في اليوم هو السبيل للتحرر والتغيير للأفضل؟
نحن في الحقيقة نملك هذه اللحظة فقط، لحظة "الآن". لا نستطيع امتلاك الأمس الذي مضى، ولا الغد الذي لم يأتي بعد. علينا أن نركز على هذه اللحظة بالذات، وإلا ستتحول لحظتك هذه إلى ذكرى مضت بالفعل، وحلم تتمنى أن يتجلى غداً. ناسياً أن ما تملك حقاً هو هذه اللحظة لا غير. علينا أن ندرك خطورة هذا الأمر وأهميته.
لو وضعنا اليوم تحت المجهر ، لوجدناه كائنا جديدا، فرصة جديدة، لوحة جديدة ، وأنت الرسام وفي يدك فرشاة وبجانبك الألوان، أنت تقرر أي رسام تكون، وأي فرشاة ستستعمل، وأي ألوان ستلون بها لوحتك. وإن لم تدرك بذلك فالأمر حقيقة، ستكتشفها عندما تدرك أنك منحت حرية الاختيار والتحرر.
في نظرك ما هو السن الحقيقي الذي يعيشه الإنسان؟
ونحن نتحدث عن اليوم لابد من تقدير عمر الإنسان، ومعرفة حقا فيما يمضي حياته لأن الصورة تكتمل بدراسة جوانبها المتنوعة.
النوم: 1/3 من العمر (حوالي 25-30 سنة)
العمل: 1/3 من العمر (حوالي 25-30 سنة)
الدراسة والتعليم: 10-20 سنة
الترفيه والاستجمام: 2-4 ساعات يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
التواصل الاجتماعي: 2-4 ساعات يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
التمارين الرياضية: 30 دقيقة الى ساعة يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
القراءة والتعلم : 30 دقيقة إلى ساعة يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
الاستعداد للنوم: 30 دقيقة إلى ساعة يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
الاستيقاظ والاستعداد للنهار: 30 دقيقة إلى ساعة يوميًا (حوالي 1-2 سنة)
إذن المجموع الكلي: حوالي 70-80 سنة
الوقت المتبقي للإنسان أن يعيشه: حوالي 5-10 سنوات.
ماذا لم حذفنا التمارين الرياضية، والقراءة والتعلم، والدراسة والتعليم، والصلاة، وصوم رمضان.ما الذي سيتبقى لك لتمضي فيه حياتك لا شك هذه الأنشطة التي سأعرضها في الأسفل.
ما هي أغلب الأنشطة التي يقضي فيها الإنسان عمره بدون نتيجة صحية؟
1-الاستخدام المفرط للأنترنت والهواتف الذكية: الشيء الذي سيؤدي إلى تدهور الصحة العامة، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض النفسية والجسدية (جفاف العين، التهاب العين، الانحناء، ألم الظهر…).
2-الاستخدام المفرط للتلفزيون: الذي سيؤدي بدوره إلى تأثيرات اجتماعية ونفسية صعبة.
3-الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية: الذي سيؤدي إلى اتلاف العقل، وعملية التفكير الطبيعية، والعزلة السلبية.
4-الاستخدام المفرط للتبغ: والذي يكون سببا في تدهور الصحة العامة، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
5-النوم لوقت متأخر: كالاستيقاظ في الساعة ال 12 زوالا، دون الاستفادة من ساعات اليوم بأكملها.
6-العيش مع الناس المحبطين والسلبيين: فيقضي الإنسان بذلك جل حياته محاولا إرضاء غرور وأنانية المحيطين به.
7-العيش في علاقات سامة: من خلال الرضا بالعلاقة السطحية المستنزفة نفسيا وماديا على مر السنين.
كيف أحقق استفادة أكبر من اليوم؟
ذكر الله تعالى: فهو من أهداك هذه الفرصة ، ولو امتلكت كنوز الأرض فلن تستطيع أن تشتري يوما في أي بقعة من بقاع الأرض والسماء.
الاستيقاظ مبكراً: يجب أن يبدأ اليوم بالاستيقاظ مبكراً، لتحقيق الأهداف والأنشطة.
التأمل والتفكير: يجب أن يكون هناك تأمل وتفكير في الأهداف والأنشطة، لتحقيقها بشكل فعال، والتفكير في ما مر والعبر والدروس المستفادة منها لكشف نفسك بشكل أوضح.
الأنشطة الرياضية: فالأنشطة الرياضية تلعب دورا كبيرا في تحسين الصحة واللياقة البدنية.
العمل والدراسة: فهذا يجعلك قيمة مضافة للعالم، فتقدم قيمة وخدمة للمجتمع ولنفسك.
الراحة والاستمتاع: فلابد أن يجعل الإنسان قيمة الاستمتاع نصب عينيه، فهي عيون البهجة وقلب الروح.
التقدير والشكر : لا توجد حياة مباركة في غياب الشكر، فمن لا يملك حس إدراك خيرات الكون لا يمكن إلا أن يرى النواقص والعيوب في كل زاوية من زوايا حياته.

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، لا تحمل هم حياتك وهم السنوات والشهور ، احمل هم اليوم واللحظة التي تملك، وسترى التغيير، لا تغلق ملف يومك إلا وقد ملأته بما سيجعلك فخورا بنفسك ، بما سيجعلك تردد " لم يكن الأمر سهلا لكني فعلتها" ،وبما سيرضيك يوم لا ينفع مال ولا بنون.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.