الدحيح: ظاهرة المحتوى العلمي على يوتيوب

محمد الجنيدى
كاتب مقالات ومواضيع متعددة
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق

مقدمة

في عالم يشهد تزايدًا مستمرًا في استهلاك المحتوى الرقمي، برزت شخصيات عديدة استطاعت أن تترك بصمة فريدة في مجالاتها. من بين هذه الشخصيات، يبرز اسم "الدحيح"، وهو الاسم الذي أصبح مرادفًا للمحتوى العلمي المبسط الممزوج بالكوميديا والإبداع. الدحيح، واسمه الحقيقي أحمد الغندور، هو صانع محتوى مصري استطاع أن يُحدث ثورة في كيفية تقديم المعلومات العلمية للجمهور العربي، خاصة الشباب.

الدحيح: ظاهرة المحتوى العلمي على يوتيوب

من هو أحمد الغندور؟

ولد أحمد الغندور في مصر، وتخرج في البداية من كلية العلوم قسم الأحياء، ثم استكمل دراسته في مجال العلوم التطبيقية. لم يكن الغندور مجرد طالب علم، بل كان شغوفًا بإيصال المعلومات بطريقة جذابة وممتعة. هذه الرغبة قادته لاحقًا إلى عالم صناعة المحتوى على يوتيوب، حيث أسس قناته التي حملت اسم "الدحيح".


انطلاق قناة "الدحيح"

بدأ أحمد الغندور قناته على يوتيوب في عام 2014 تقريبًا، وكانت الفيديوهات الأولى بسيطة جدًا من حيث الإنتاج، لكنه عوض ذلك بمحتوى غني، أسلوب تقديم مشوق، ونبرة مليئة بالحيوية. سرعان ما بدأ جمهور القناة في التوسع، وأصبحت حلقات "الدحيح" تنتشر كالنار في الهشيم، خاصة بين طلاب الجامعات والمدارس.

يتميز أسلوب الدحيح بدمج العلم مع النكتة، إذ يعتمد على تبسيط المفاهيم المعقدة في الفيزياء، البيولوجيا، علم النفس، الفلسفة، وغيرها، ويطرحها بأسلوب سلس، مدعوم بأمثلة واقعية وطريفة، مع اعتماد كبير على الإفيهات والمرجعيات الثقافية العربية والعالمية.

الدحيح: ظاهرة المحتوى العلمي على يوتيوب

الشراكة مع AJ+ بالعربي

الدحيح: ظاهرة المحتوى العلمي على يوتيوب

في مرحلة لاحقة من مسيرته، انتقل "الدحيح" إلى العمل مع منصة AJ+ التابعة لشبكة الجزيرة، وهي فترة شهدت تطورًا ملحوظًا في جودة الإنتاج والإخراج. أصبح البرنامج أكثر احترافية من حيث الإضاءة، الخلفيات، والتصوير. إلا أن الجوهر بقي كما هو: تبسيط العلم بذكاء وفكاهة.

هذه الشراكة زادت من شهرة "الدحيح"، حيث أصبح البرنامج يُنشر على نطاق أوسع، ويشاهده الملايين أسبوعيًا، ما جعله من بين أبرز البرامج العلمية على الإنترنت في العالم العربي.


توقف البرنامج المؤقت وعودته

في عام 2020، أعلنت AJ+ إيقاف إنتاج برنامج "الدحيح"، ما أثار حالة من الحزن بين متابعيه. ظهرت شائعات عديدة حول الأسباب، لكن لم يُعلن عن سبب رسمي واضح. بقي "الدحيح" بعيدًا عن المشهد فترة من الزمن، ثم عاد من جديد، هذه المرة من خلال منصات أخرى مثل "New Media Academy" وغيرها.

العودة كانت قوية، وقد حافظ فيها على نفس الروح والأسلوب، مع استمرار تطوير الجودة الفنية والبصرية للمحتوى.


أثر "الدحيح" في العالم العربي

لا يمكن التقليل من حجم تأثير "الدحيح" على الجمهور العربي. لقد لعب دورًا كبيرًا في:

  • تشجيع الشباب على حب العلم والبحث.
  • نشر الثقافة العلمية بطريقة غير تقليدية.
  • تحفيز صناع المحتوى الآخرين لتقديم محتوى نوعي.
  • إثبات أن الترفيه يمكن أن يكون علميًا ومفيدًا.

كما أن "الدحيح" ساعد على كسر الصورة النمطية التي ترى في العلم شيئًا مملًا، فجعله ممتعًا، بل و"ترندًا" في بعض الأحيان.


الانتقادات التي وُجهت له

رغم النجاح الكبير، لم يسلم "الدحيح" من الانتقادات. بعض النقاد رأوا أنه أحيانًا يُبسّط المعلومات إلى درجة قد تؤدي إلى تحريف المعنى العلمي، فيما اتهمه آخرون بنقل المعلومات دون التوثيق الكافي أو ذكر المصادر بشكل صريح دائمًا.

لكن جمهور "الدحيح" غالبًا ما كان يرد بأن الهدف الأساسي من البرنامج هو إثارة الفضول العلمي، وليس تقديم أبحاث أكاديمية دقيقة، وهذا ما نجح فيه بامتياز.

أبرز حلقات "الدحيح"

من بين مئات الحلقات التي قدمها أحمد الغندور على مدى سنوات، هناك عدد من الحلقات التي لاقت رواجًا واسعًا وأصبحت محط نقاش واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. وفيما يلي بعض من أبرز هذه الحلقات:

  1. "هل احنا لوحدنا؟" حلقة تناولت احتمالية وجود حياة ذكية في الكون، وناقشت مفاهيم علمية مثل معادلة دريك، ومفارقة فيرمي، بطريقة شيقة جعلت الجمهور يعيد التفكير في مكانة البشر في الكون.
  2. "نظرية الفراشة" واحدة من الحلقات التي تطرق فيها "الدحيح" إلى مفاهيم في علم الفوضى، وكيف أن تغيرًا بسيطًا في البداية قد يؤدي إلى نتائج ضخمة غير متوقعة.
  3. "دماغك بيكذب عليك" حلقة ناقشت آليات الإدراك البشري، وكيف يمكن للدماغ أن يخدعنا من خلال الوهم الإدراكي والانحيازات المعرفية.
  4. "الزهايمر" من الحلقات الإنسانية والعلمية في آن واحد، حيث تناول فيها مرض الزهايمر بطريقة مؤثرة، مع شرح للجانب العلمي بطريقة مبسطة.
  5. "نهاية العالم" حلقة مثيرة استعرض فيها الدحيح النظريات العلمية المختلفة حول سيناريوهات نهاية الكون، من الانفجار الكبير إلى التقلص العظيم والانفجار الحراري.

كل حلقة من هذه الحلقات كانت بمثابة تجربة تعليمية مغلفة بالكوميديا، مما جعل المشاهد يتعلم وهو يبتسم.


المسيرة الأكاديمية لأحمد الغندور

رغم أن شهرته جاءت من الإنترنت، إلا أن أحمد الغندور يمتلك خلفية أكاديمية قوية:

  • البكالوريوس: حصل على درجة البكالوريوس من كلية العلوم – قسم الأحياء في جامعة القاهرة.
  • الدراسات العليا: حصل على درجة الماجستير في الاتصال العلمي من جامعة وايت واتر البريطانية، وهو تخصص يجمع بين العلم والإعلام، ويسعى لتقريب المعلومات العلمية للجمهور بأسلوب مفهوم وسلس.

هذا التخصص بالذات يعكس بالضبط ما يقوم به "الدحيح" في محتواه، حيث أن هدفه الأول والأخير هو نقل المعلومة العلمية إلى المتلقي العادي بلغة يفهمها، بعيدًا عن التعقيدات الأكاديمية.


الدحيح كظاهرة ثقافية

ما يميز "الدحيح" ليس فقط كونه صانع محتوى علمي، بل كونه أصبح ظاهرة ثقافية واجتماعية. اقتبس العديد من الناس مصطلحاته وطريقة حديثه، بل أصبح البعض يقلد أسلوبه في الشرح والطرح. وقد أدى هذا إلى ظهور جيل جديد من صناع المحتوى الذين استلهموا منه طريقًا للدمج بين العلم والفكاهة.

الجوائز والتكريمات

بفضل تأثيره الكبير وانتشاره الواسع، حصل "الدحيح" على عدة جوائز وتكريمات، محلية وعربية ودولية، تقديرًا لدوره في نشر العلم والثقافة بأسلوب إبداعي. من أبرز هذه الجوائز:

  1. جائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب – دبي (2018) حصل أحمد الغندور على الجائزة في فئة "التعليم"، وهي من أرفع الجوائز التي تُمنح للمؤثرين في العالم العربي على وسائل التواصل الاجتماعي، تقديرًا لدوره في تبسيط العلم والوصول إلى جمهور واسع.
  2. تكريمات من جهات تعليمية وثقافية تمت دعوته عدة مرات للمشاركة في مؤتمرات وجامعات عربية، حيث تم تكريمه باعتباره نموذجًا يحتذى به في استخدام الإعلام الرقمي في التعليم.
  3. اختياره ضمن قوائم مؤثرة تم تصنيفه ضمن قوائم الشباب الأكثر تأثيرًا في العالم العربي، سواء في قوائم إعلامية أو من خلال ترشيحات الجمهور.

الدحيح خارج الإنترنت

لم يقتصر تأثير "الدحيح" على الإنترنت فقط، بل امتد أيضًا إلى الواقع من خلال مشاركته في:

  1. ندوات ومؤتمرات علمية وثقافية شارك أحمد الغندور في عدد من الفعاليات مثل منتدى الشباب العالمي في شرم الشيخ، حيث تحدث عن أهمية الإعلام العلمي في تثقيف الشعوب ودور الشباب في نشر المعرفة.
  2. ورش عمل ومحاضرات جامعية استضافته جامعات عربية مرموقة للحديث عن تجربته في الإعلام العلمي، وقدّم ورشًا للطلاب حول كيفية تحويل المعلومات الجافة إلى محتوى ممتع ومفيد.
  3. مبادرات تعليمية بالتعاون مع مؤسسات تعليمية وإعلامية تعاون مع عدد من الجهات لتقديم برامج تعليمية قصيرة تهدف إلى دعم التعليم الإلكتروني، خاصة خلال فترة جائحة كورونا، حيث كان للمحتوى العلمي الرقمي دور مضاعف في تعويض غياب الفصول الدراسية.

خاتمة موسعة

ما يميز أحمد الغندور ليس فقط قدرته على تبسيط العلوم، بل أيضًا رؤيته الواضحة لأهمية التعليم في نهضة المجتمعات. استطاع أن يحوّل شاشة اليوتيوب إلى منصة تعليمية قادرة على تغيير العقول، وأن يكون مثالًا حيًا على كيف يمكن للفرد أن يحدث فارقًا كبيرًا إذا ما جمع بين الشغف، العلم، والإبداع.

الدحيح ليس مجرد برنامج، بل هو حركة ثقافية جديدة في العالم العربي تؤمن بأن الترفيه لا يتعارض مع المعرفة، وأن الشباب قادرون على إحداث تغيير حقيقي إذا أُتيحت لهم الأدوات والفرص.

محمد الجنيدى

محمد الجنيدى

كاتب مقالات ومواضيع متعددة

"أنا كاتب أهوى الغوص في عوالم الحروف، أبحث في كتاباتي عن المعنى خلف الأحداث، وعن الحكمة في تفاصيل الحياة. أكتب بقلب صادق وعقل متأمل، محاولًا أن أزرع بين السطور فكرة تُلهم، أو عبرة تُنير. لا أكتب لمجرد السرد، بل لأُحاكي القارئ، لألمس شيئًا في روحه، وأترك في ذهنه سؤالًا أو ابتسامة."

اقرأ ايضاّ