رغم أن الإنسان كائن إجتماعي ، إلا إن كثير من المبدعين والمفكرين قدموا خدمات جليلة للبشرية من خلال انجازاتهم عندما انعزلوا عن المجتمع . منهم الكاتب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي وكافكا ، حتى المبدعين الذي عُرف عنهم أنهم كائنات اجتماعية احتاجوا إلى العزلة لبعض الوقت كي ينجزوا أعمالهم، حتى على المستوى الشخصي لا يستطيع الإنسان إنجاز أي شيء اذا كان طوال الوقت برفقة أصدقائه أو أسرته أو عشيقته ، كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع، وسوف اشرح العبارة الأخيرة من خلال عدد من النقاط .
المراجع

فتاة الكهف.. أصول غير بشرية تكشف تاريخ البشر!
اكتشاف عظمة تعود لفتاة شابة عاشت قبل آلاف السنين، لكنها لا تنتمي للجنس البشري (الإنسان العاقل)، ليشكل الاكتشاف هزة قوية للوسط البحث العلمي، فما قصة تلك الفتاة؟
تصفح المرجع
١ـتاريخ من العزلة
دراسات الأنثروبولوجيا (علم الآثار) والتاريخ تكشف تطور الإنسان من النياندرتال وإنسان دينيسوفان إلى الهوموسابين . من الأمور التي ساعدت علماء الآثار على معرفة انسان الكهف ، هي الرسومات التي قام رجل الكهف بنقشها على الجدران ، فضلا عن أدوات الصيد التي كان يستعملها والأهم هو بقايا جثث إنسان الكهف وفحص DNA الذي ساعد كثيرا علماء الأنثروبولوجيا على معرفة أمور مهمة بخصوص رجل الكهف .
لنا أن نتخيل كيف عاش رجل الكهف سنوات العزلة ، حيث تطور وعيه حتى استطاع فهم الأشياء من حوله ، فقام في عزلته بتسجيل ما يراه على جدران الكهف ، عن طريق الرسم أو بمعنى آخر محاكاة الواقع ، ليقوم بتصوير الحياة التي كان يعيشها هناك. ولأن الوعي هو الدافع الحقيقي للإنسان للقيام بالأمور الصالحة لنفسه ولمجتمعه ، فقد تطور المجتمع البشري مع تطور عقل الإنسان .
وهكذا ومع تطور وعي الإنسان ببطء وعلى مراحل بدأت أسئلة كثيرة بذل الجنس البشري فيما بعد وسع طاقته ليجيب عنها .
٢ـ الهروب من العزلة
من الذي أتى بنا إلى هذا المكان ؟ هل توجد كائنات أخرى تعيش معنا على نفس الكوكب ، ما الغرض من وجودنا نحن الجنس البشري ؟ هذه هي الاسئلة التي لطالما حاول الإنسان الاجابة عنها .
كانت الفلسفة هي المحاولة الأولى من الإنسان لفهم العالم الذي يعيش فيه ، حاول استعمال العقل الذي تطور على مدار ملايين السنين ، ثم ابتكر الإنسان الفنون والآداب لتصوير الحياة التي يعيشها ، محاولا فهم العالم بالحكاية والتي لعبت دورا مهما في نهضة الشعوب ، خصوصا فيما بعد وتحديدا عند قيام الثورة الفرنسية ١٧٨٩م .
وبعد أن حاول الإنسان فهم العالم بالعقل والمقصود هنا الفلسفة ، وفهم العالم أيضا بالجمال المقصود منها الفنون والآداب ، فكر الإنسان في اشياء كانت مستحيلة بالنسبة لقومه لكنها أصبحت من الأمور العادية في مجتمعنا اليوم ، سعى الإنسان القديم لتحقيق هذه الأشياء المستحيلة كي تساعده على توفير الوقت والجهد والاهم هو التخلص من الخوف من العزلة .
من الرائع أن يشعر المرء أنه يساهم في نهضة مجتمعه ، ولهذا يسعى الفرد دائما في البلاد الحرة الديمقراطية إلى الاجتهاد في العمل . مثل اختراع السيارات لتوفير الوقت والجهد ، ذلك الاختراع المذهل الذي يوحي أن الإنسان استطاع التحكم في وقته وإيجاد وقت إضافي للقيام بأمور عديدة .
أيضا العمران وتشييد المنازل والتي تحتاج إلى دراسة مفصلة ، كيف تطورت تصاميم المنزل على مدار آلاف السنين لتلبي احتياجات السكان . كذلك علاج الامراض المستعصية مثل شلل الأطفال والطاعون والكوليرا.
لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة .الآن توجد مؤسسات علمية وظيفتها هي تقديم خدمات للمجتمع ، وفي نفس الوقت الاستفادة من الكوادر العلمية ، ولكن في قديم الأزل كان شيء مثل اختراع سيارة أو اكتشاف دواء للعلاج من مرض مستعصي هو أمر شاق وصعب .
لسببين ، إذ أنه في ذلك الوقت كانت الخرافات تسيطر على عقول الناس .
فمثلا من القصص الغريبة التي حكاها الطبيب علاء الاسوانى فى برنامج جملة مفيدة مع منى الشاذلي على قناة MBC مصر أثناء استضافته بمناسبة صدور روايته الجديدة آنذاك نادي السيارات ، قال علاء الأسواني أن كهنة الكنيسة حرموا ركوب السيارات ، وكانت حجتهم أن الله سخر لنا الدواب كي نركبها وبالتالي فإن اختراع السيارات يعني أننا غير ممتنين للنعمة التي وهبها الله لنا . وهذه هي مشكلة العقلية الدينية دائما أنها لا تستطيع أن تفصل بين الدين وبين الحياة العامة.
لكن على أية حال
الغرض من كلامي ان اختراع أي شيء غير مألوف بالنسبة للمجتمع القديم كان يواجه بالتحريم أحيانا والسخرية والاستخفاف دائما .
والسبب الثاني الذي جعل من مهمة النهوض بالمجتمع مسألة صعبة ، أنه لم تكن هناك مؤسسات داعمة للمبدعين والذي يريدون التأثير على حياة الآخرين .
والسؤال هنا ما الذي دفع هؤلاء المبدعين لمواجهة تلك التحديات الصعبة كي يحققوا ما يتطلعون اليه ؟
في اعتقادي أن السبب هو إحساس عميق بالواجب نحو المجتمع ، ومن هنا نعود إلى مسألة الوحدة وتأثيرها على النهوض بالمجتمع.
يعيش المرء لأن يكون جزءا فعالا في مجتمعة وليس شخصا يعتقد أنه يدير العالم من قبو منزله ، بالرغم من ذلك ، إلا أن المرء يحتاج إلى وقت طويل للبقاء في قبو منزله كي يستطيع تقديم ما مجتمعه ، وما الذي قد يفسد مجتمعة ، لهذا يحتاج إلى سنوات كي يحدد ما هو شكل مشروعة ، وما هي الخطوات الأولى التي يجب أن يبدأ بها للنهوض بمجتمعه ، وما أهمية مشروعة .
ولهذا فالعزلة لها تأثير كبير على مساعدة الفرد لفهم مجتمعه ونفسه .
٣- اشكال الوحدة
هذه التصنيفات معتمدة على ملاحظاتي الشخصية ، وليس لها أي أساس علمي .
بالرغم من أن أغلب البشر كائنات اجتماعية ، إلا أن هناك نوعين من الانعزال ، اولا هو الشخص الذي تجده لبق وحديثة جذاب في المناسبات الاجتماعية ، الشخص القادر على التحدث بلباقة وجاذبية ، لكن بعد أن ينتهي لقائه مع الناس ، يعود إلى حجرتة ليختلي بنفسه ، وهذا النوع من الانطوائيين لديه ذكاء حاد ومهارة في التواصل مع الآخرين ، لكنه يفضل العزلة أكثر ، وسوف أشرح سبب ذلك فيما بعد .
النوع الثاني ، وهو النوع الذي لم يختار العزلة ، وذلك لأنه يفتقر إلى مهارات التواصل الاجتماعي ، وينقسم هذا النوع من الانطوائيين إلى نوعين ، نوع يعاني من العزلة وتسيطر عليه مشاعر مزعجة بسبب بقائه وحيدا ، ونوع آخر اعتاد على هذه العزلة لدرجة أنه إذا عاد للاختلاط بالبشر من جديد انزعج واراد الانعزال مرة أخرى .
تفسيري الشخصي لمشاهدتي هي أن المعتزل في العادة لا يكون بمفرده بل ترافقه في العزلة ، أفكاره وذكرياته وخيالاته ، هذا النوع يرتاح أكثر بخيالاته أكثر من البشر الحقيقيين ، على سبيل المثال .
يوجد رجل يقضي أغلب وقته في تخيل علاقة رومانسية لطيفة تجمعة بامرأة جميلة وحنونة ، لكن هذا الرجل نفسه إذا سارت بجواره امرأة في الشارع اشاح وجهه عنها ارتباكا وربما كرها ، وذلك لأنه منجذب نموذجة الخاص عن المرأة وهو لا يجد هذا النموذج بين النساء .
في النهاية سنجد أن هناك منعزلين لا يشعرون بالوحدة لأن هناك فرق بين أن تكون وحيدا وبين أن تشعر بالوحدة .
٤- كلمة أخيرة
الغرض من حديثي هو فهم العزلة ، والتي استعملها الأديب الكولومبي الحائز على جائز نوبل غابرييل غارسيا ماركيز افضل استعمال ، عندما كتب رواية مئة عام من العزلة ، حيث أن العزلة الحقيقة عند غارسيا ماركيز ليست أن تكون بمفردك أو تشعر بالوحدة ، بل أن تموت من ذاكرة الآخرين .

