الجزء الثاني من قصة في الشارع / البصارة

بشرى حسن  الأحمد
كاتبة مقالات اجتماعية
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق

أشرق الصباح ليبدأ يوم غير عادي، مليء بالمفاجآت التي لم أكن أتوقعها. وكعادتي، كنت متوجهاً إلى المقهى لشراء كوب القهوة الصباحي، لكن هذه المرة قررت تغيير الروتين والتوجه إلى الشاطئ. جلست هناك، أحدق في البحر وكأنه يبادلني النظرات، مستمتعًا بهدوء اللحظة.

فجأة، شعرت بوجود شخص يقف خلفي. استدرت ببطء، فوجدت امرأة في الثلاثينيات من عمرها، بدت غريبة بعض الشيء، حتى ملابسها لم تكن مألوفة.

قالت بصوت هادئ: "هل انتهيت من شرب قهوتك؟ يمكنني أخذ الكوب؟"

استغربت من طلبها، وبدأت الأفكار تتدفق في رأسي. نظرت إليها وقلت: "إذا كنت بحاجة إلى قهوة، يمكنني شراء كوب جديد لك، ممتلئًا هذه المرة."

ضحكت بسخرية ثم رمقتني بنظرة ساخرة قائلة: "هل تظنني متسولة؟ أو امرأة تنتظر إحسانًا من رجل؟ يا لك من مغفل! لست أنا المتسولة، بل أنت. أعطني كوب القهوة وسأخبرك، أيها المتسول بعقليتك الرجعية، ما مصيرك."

هذه المرة، أنا من ضحك باستهزاء، ثم أجبتها بثقة: "هل تعتقدين أنني رجل ساذج أو مراهق ليستمع إلى بائعة وهم؟ اذهبي من هنا، فأنا شخص واقعي، مدرك لماضيّ، ولا يهمني ما هو قادم."

أدرت ظهري لها مستعدًا للمغادرة، لكن فجأة سمعتها تقول بصوت غامض: "إنها ماتت، و جميعهم قد ماتو. كل من دخل حياتك، أخذه الموت منك. أنت وحيد لدرجة أنك تخشى أن يدخل شخص جديد إلى حياتك، لأنك تعلم أنه سيرحل في اليوم التالي."

كلماتها أصابتني بصدمة غير متوقعة. نظرت إليها وابتسمت بأسى قبل أن أقول: "طالما أن هذا هو قدري، فارحلي من هنا حتى لا يأخذك الموت أيضًا."

لكنها لم تتأثر بكلامي، بل ردت باقتراح غريب: "ما رأيك أن ننزل إلى البحر ونسبح؟"

هززت رأسي وقلت بلا مبالاة: "اذهبي وحدك، لدي أمور أكثر أهمية منك."

عدت إلى منزلي، وحلّ المساء، لكن كلماتها لم تفارق ذهني. حاولت تجاهلها وانشغلت بمتابعة أخبار البلد، بعدما انقطعت أخباري عن البشر.

أشعلت التلفاز، لكن ما سمعته كان كالصاعقة:

"خبر عاجل: العثور على جثة امرأة ثلاثينية غريقة في البحر. فرق الإنقاذ حاولت انتشالها، لكنها كانت قد فارقت الحياة."

تجمدت مكاني. من هذه المرأة؟ كيف ظهرت في حياتي فجأة؟ ولماذا طلبت مني أن نسبح سويًا؟ الأغرب من ذلك، كيف لم تتنبأ بموتها وهي التي تحدثت عن الموت وكأنه ظلّ يلاحقني؟

الندم، الحيرة، والخوف اجتاحوا كياني. لكنني تعلمت درسًا قاسيًا في تلك الليلة: "كذب المنجمون ولو صدقوا."

وهكذا، أضيف اسم جديد إلى قائمة الأموات الذين مروا بحياتي...

كوب قهوة و البصارة
بشرى حسن  الأحمد

بشرى حسن الأحمد

كاتبة مقالات اجتماعية

حاصلة على شهادة سينريست و إخراج كاتبة مقالات اجتماعية و متنوعة ناشطة اجتماعية و محاورة بقضايا المرأة

اقرأ ايضاّ