الجامع الأزهر 🕌: حين يجتمع التاريخ ⏳ والحضارة 🌍 في مكان واحد ✨
الجامع الأزهر: حين يجتمع التاريخ والحضارة في مكان واحد
"الأزهر ليس مجرد جامع، بل هو شاهد على قرون من الحضارة الإسلامية، يحمل بين جدرانه حكايات العلم والإيمان."
المقدمة:
في رحاب الجامع الأزهر الشريف والذي يعتبر منارة العالم الإسلامي؛ وأيضاً يعتبر منهلاً مهماً لكل من أراد أن يتعرف على الإسلام أو حتى ان يدخل فيه، لا يعتبر المسجد الأزهر منارةً للعلم فقط ولكنه أيضاً مزار سياحي مهم؛ ليس للمسلمين فقط ولكن لكل الأديان ولكل الثقافات، يأتي للأزهر آلاف السياح سنوياً للإستمتاع بالتجول في أروقة المسجد الجامع الكبير والإستماع الى عشرات القصص التي يرويها المرشدون السياحيون.
لقد زرت الجامع الأزهر الشريف مرات عديدةً، للصلاة؛ لكوني مسلماً، ومرات أخرى كأحد السياح للتعرف على الجامع الأزهر عن قرب، لقد بني الجامع الازهر منذ عهد الدولة الفاطمية، بدأ بنائه جوهر الصقلي سنة (359هـ)، وقد أعده جوهر الصقلي ليكون المسجد الذي يصلي فيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وقد أعد ليكون على غرار مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، وقد أعد ليكون مسجداً جامعاً لمدينة القاهرة، ويسمى الجامع الأزهر بجامع القاهرة.
بناء الجامع الأزهر:
"عندما تدخل أروقة الأزهر، تسمع همسات التاريخ وتلمس روعة العمارة التي صمدت أمام اختبار الزمن."
بني المسجد الأزهر في البداية ليكون منارةً لتعليم المذهب الشيعي، وسمي بالأزهر نسبةً وتيناً بالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدأ بناؤه سنة (970هـ) وأتم بناؤه وأقيمت أول جمعة فيه سنة (361هـ)، ويعد الجامع الأزهر أقدم أثر فاطمي في مصر حسب المؤرخين.
يعتبر المسجد الأزهر في مصر ثاني جامعة إسلامية في العالم بعد مسجد القرويين، صحيح أن مسجد عمرو بن العاص سبق المسجد الأزهر في حلقات العلم، ولكنه يعد أول مسجد قام بدور التعليم النظامي؛ كالمدارس والجامعات، وقد تم القاء أول درس فيه سنة (365هـ) على يد القاضي الشيعي علي بن النعمان في فقه الشيعة.
أهمية المسجد الأزهر:
منذ بناء المسجد الجامع الأزهر، كان يعد منارةً علمية لتعليم المذهب الشيعي، ويعد أقدم جامعة إسلامية في مصر، ولكن عند سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي أفل نجم الأزهر فترةً من الزمن، وصلت على مائة عام، وقد أعيدت الخطبة في الجامع الأزهر في عهد بيبيرس البندقداري، وسرعان ما عاد الأزهر لتكملة دوره العلمي والديني في عهد الدولة المملوكية، وقد عين السلطان المملوكي بيبيرس البندقداري به شيوخ للتدريس، وعين به فقهاء لتدريس الحديث والعلوم الدينية وعني بتجديده وتوسعته.
في عهد الملك فؤاد الأول صدر المرسوم الملكي بقانون رقم (القانون رقم 46 لسنة 1930) بتأسيس كليات أصول الدين واللغة العربية والشريعة وقد أصبح الأزهر جامعةً رسميةً سنة (1961م)، وقد أصبح الأزهر بذلك جامعةً لتدريس المذهب السني والشريعة ليس في مصر وحسب بل في العالم الإسلامي كله.
ذكرنا الدولة الفاطمية والمملوكية ولا ننسى دور الدولة العثمانية (1517هـ)؛ والتي منذ نشأتها اهتم خلفاؤها بالمسجد الجامع الأزهر اهتماماً كبيراً، ولقد حضر السلطان سليم الأول الجمعة في رحاب الجامع الأزهر، وقد كان دائماً يحضر الخلفاء العثمانيون صلاة الجمعة بالمسجد الجامع، واعطوا مرتبات وأجزلوا العطايا للمدرسين والفقهاء هناك، إلا أنه لم يتم عمل توسعات به كما كان في عهد الدولة المملوكية.
المعالم السياحية في المسجد الجامع الأزهر:
وهذه الأماكن تتمتع بجمال وروحانيةٍ عالية، وقد زرتها كثيراً وأنصحك بزيارتها، وإن شاء الله سوف تكون سعيداً؛ ...
· قاعة الصلاة:

تعد قاعة الصلاة في الجامع الأزهر، وهي من أجمل القاعات حول المساجد في العالم، عندما كنت هناك أدركت أن قاعة الصلاة تتمتع بتصميم فريد على مر العصور، حيث أن قاعة الصلاة بها أعمدة رخامية وأقواس جميلة تم بناؤها في عهد الدولة الفاطمية والمملوكية، مما يعطي شعوراً بالراحة النفسية ويضفي أجواءً روحانيةً على المصلين، وعندما تنظر الى الأعلى ترى الزخارف في السقف والتي بها رموز إسلامية وآيات قرآنية، سيدي القاريء المبجل، قف هنا لتدرك إنك تقف على سجاد احمر جميل يتميز به الجامع الأزهر.
سيدي الفاضل، حينما حان وقت صلاة الظهر، يدرك المصلي أن هناك آلاف المصلين داخل القاعة، والقاعة بها عدة أروقة تفصلها أعمدةٌ رخامية، ولم تحرم النساء من الصلاة في الجامع لوجود أروقةٍ تختص بهن.
· المآذن الخمس:
"هنا، حيث تلتقي مآذن الأزهر مع سماء القاهرة، تشعر أنك في قلب العالم الإسلامي، حيث العلم والدين والجمال يتعانقون."

عندما تخرج في فناء المسجد الجامع؛ وقع نظري على المآذن الخمس، وللدهشة: كل مأذنةٍ تم بناؤها في عهد مختلف، لتصبح هذه المآذن شاهدةً على التطور المعماري الإسلامي على مر العصور؛
1. مئذنة قايتباي:

وهي أشهر المآذن في المسجد وتقع عند المدخل الرئيسي للمسجد وقد تم بناؤها في العصر المملوكي (1479م)، وقد تم بناؤها بثلاث طوابق: القاعدة مربعة الشكل، وفي الوسط طابق أسطواني، والطابق الثالث مضلع يتنهي بقبةٍ صغيرة، تتمتع بنقوش وزخارف إسلامية متنوعةٍ، وتعد من أجمل مآذن القاهرة.
2. مئذنة الغورية:

تم بناؤها أيضاً في العصر المملوكي (1509م) ولها نفس تصميم مئذنة قايتباي ولكنها أطول منها، وتقع عند مدخل المسجد الجامع، وتم بناؤها بثلاث طوابق؛ طابق مربع يمثل القاعدة، وطابق أسطواني في المنتصف، والعلوي طابق مضلع يتنهي بقبةٍ صغيرة، تتزين بنقوش إسلامية؛ مما يجعلها من أجمل المآذن في القاهرة.
3. مئذنة عبد الرحمن كتخدا:

أو المئذنة المزدوجة؛ تم بناؤها في العصر العثماني (1753م)، وهذه المئذنة كما سبق لها رأسان، وهو طراز نادر في تصميم المآذن في مصر، وهي تجمع بين الثقافتين المملوكية والعثمانية، وتقع في الجهة الشمالية للمسجد.
4. مئذنة الأقبغاوية:

وهي أقدم المآذن في الجامع الأزهر، وقد تم بناؤها في العصر المملوكي (1340م)، وهي مصممة بطابق مربع بسيط، وبنيت في عهد المير (أقبعا عبد الواحد)، وتقع في الجزء الجنوبي من المسجد.
5. مئذنة قاسم باشا:

تم بناؤها في العصر العثماني (1520م)، ولها رأس مدبب على الطراز العثماني، ليس بها نقوش كثيرة، ولكن تصميمها أنيق وجذاب، وتقع في الجزء الغربي من المسجد.
عندما اردت التصوير؛ وجدت أن وقت الغروب هو أفضل وقت حيث أن السماء الصافية وقت الغروب تضفي تأثيراً جذاباً على الصورة بألوان ذهبية رائعة، فعلاً تستحق الزيارة، مصر ترحب بك.
· المكتبة الأزهرية:

يبلغ عمر هذه المكتبة ما يقرب من ألف عام، وتعد من أقدم المكتبات في العالم الإسلامي، هذه المكتبة تم إنشاؤها مع الجامع الأزهر (972م)، يعني أنها أنشئت في العصر الفاطمي، وتم تطويرها في العصر المملوكي والعثماني، تعد مكاناً لحفظ المخطوطات والكتب النادرة، تم تطويرها وافتتحت عام (2018م) لتأكد دورها الثقافي والتاريخي، وهي تقع في داخل مجمع المسجد الأزهر، وتتميز بتصميم فريد حيث الأعمدة الرخامية والأقواس الجميلة، وقد أضيفت لها أنظمة رقمية لحماية المخطوطات النادرة.
تحتوي المكتبة على أكثر من 60 ألف محطوطة قديمة مثل: مخطوطات ابن سينا في الطب، ونسخ قديمة من القرآن الكريم بخط كوفي وكتب في الفلك والرياضيات للحسن بن الهيثم وأيضاً اكثرمن 5,2 مليون كتاب في علوم الدين والتاريخ والأدب.
تضم المكتبة أربع قاعات: هي لتنظيم العمل داخل المكتبة وحفظ المخطوطات النادرة وعدم تعريضها للتلف؛
1. قاعة المخطوطات: يتم عرض المخطوطات النادرة بها تحت ظروف متحفية معينة.
2. القاعة الرقمية: يتم تصفح المخطوطات بشكل رقمي.
3. قاعة الباحثين: مخصصة لطلاب الدراسات العليا ويمكن الوصول إلى المخطوطات النادرة.
4. المكتبة العامة: تضم كتباً مختلفةً للجمهور.
عندما أردت الذهاب الى المكتبة، وكان يوم السبت؛ لم يسمح لي بالدخول لأن مواعيد المكتبة للزيارة هي: من الأحد الى الخميس من 9ص الى 5 مساءً،
أردت ان ألفت نظر القاريء الكريم إلا أن هذه المكتبة تحتوي على أصغر قرآن في العالم (بحجم 3 سم × 2 سم)، مخطوطات قديمة مكتوبة بخطوط ذهبية على جلود الحيوانات، نعم الزيارة مميزة لن تندم أبداً.
· صحن الجامع الأزهر:
يعد من أروع الأماكن داخل الجامع الأزهر، ويقع في وسط المسجد، ويحاط بأعمدة رخامية واقبية جميلة، والفناء مربع الشكل، كبير جداً والأعمدة الرخامية والأقبية ترجع للعصر المملوكي، والساعة الشمسية في الوسط تضفي على المكان طابعاً تاريخياً مميزاً، وتوجد قبة في وسط الصحن؛ هذه القبة تحتها دفن مجموعة من علماء الأزهر الشريف؛ وتسمى قبة الضريح، أيضاً توجد نافورة أثرية كانت تستخدم للوضوء قديماً، يمكن بوضوح رؤية مئذنتي قايتباي والغوري من الصحن، وقد شهد الصحن الكثير من الاحداث خلال الغزو الفرنسي لمصر، تم إنشاء الصحن في العصر الفاطمي وتجديده في العصر المملوكي، يمكن أن تزوره في أي وقت ولكن وقت العصر والغروب أفضل.
· بوابة المزينين:

تقع في الجهة الغربية من المسجد، وتعد تحفة معمارية مميزة في المسجد، تم بناؤها في العصر المملوكي، بناها السلطان قايتباي عام (1469م) وبها زخارف إسلامية كثيرة، وبها آيات قرآنية، كانت المدخل الرئيسي للمسجد، لابد أن تزورها عند زيارتك للأزهر، لابد من تفقد جمالها بأبوابها الخشبية، والاعمدة الرخامية.
· جامعة الأزهر:

تعد من اعرق الجامعات الإسلامية حول العالم، بعد جامعة القرويين، حيث تم تأسيسها سنة (970م) تعد منارةً لأهل السنة والجماعة ليس في مصر فحسب؛ بل في العالم أجمع، تم تأسيس هذه الجامعة في العصر الفاطمي، وتصميمها الهندسي يجمع بين الفنون الهندسية والزخارف الإسلامية، يدرس بها العديد من العلوم: الدينية وعلوم اللغة، والعلوم الدنيوية كالطب والهندسة، توجد القبة التاريخية في الحرم الأزهري الجامعي، لا تفوتوا زيارة هذه الجامعة الفريدة؛ لن تندموا أبداً.
نخرج قليلاً من المسجد الأزهر، لكن لا تذهب للمطار؛ الزيارة لم تنتهي بعد؛
· المتحف الإسلامي:

يقع في مجمع الأزهر بالقاهرة وتم افتتاحه سنة 2017 ليضم آثاراً تبرز جمال العصر الفاطمي، والمملوكي والعثماني، وتضم الآثار مثل: الأسلحة والمقتنيات النادرة والمخطوطات، والزجاج الفخاري المنقوش، من أبرز المقتنيات: مصحف مملوكي ذهبي، أوانٍ كيميائية من العصر الفاطمي، وبوابة ذهبية من القرن الثاني عشر.
وهناك أيضاً خريطة ثلاثية الأبعاد لمنطقة القاهرة، تحس بأنك أصبحت في عالم آخر وأنت تشاهدها، لم أكن أسمع المرشد السياحي، ولكن كنت أسمع صوت من داخلي معبراً عن عظمة هذه الحضارة.
· منطقة خان الخليلي:

هذه المنطقة لا تخلو أبداً من السياح، سواءً الأجانب أو العرب، هذه منطقةٌ تاريخية، أيضاً يعد خان الخليلي من اهم المناطق التجارية بالقاهرة، تم تأسيس هذا السوق الكبير في العصر المملوكي في القرن الرابع عشر على يد جهاركس الخليلي، تقع هذه المنطقة
بجوار مسجد الأزهر ومسجد الحسين، في هذا الموقع الفريد، تبرز هذه المنطقة جمال القاهرة التاريخي.
تتميز هذه المنطقة بالزقاقات الضيقة التي بها محلات صغيرة تبيع الأوان النحاسية والمقتنيات الفرعونية، مما يعطي فرصةً لشراء الهدايا التذكارية للأصدقاء والأقارب.
أيضاً كانت تجربة مقهى الفيشاوي والذي كان يرتاده الأديب العالمي نجيب محفوظ، لقد احتسيت كوباً من الشاي بالنعناع لم أذق مثله في حياتي.
التجول في منطقة خان الخليلي ينقلك عبر الزمن الى العصر المملوكي، إنها تجربةٌ فريدة فعلاً.
هذه المعالم التي قمت بزيارتها في الجامع الأزهر والمنطقة المحيطة خلال يوم كامل، لقد كانت تجربةً فريدةً، لابد لي من تكرار الزيارة مرات ومرات، وأنت أيضاً لابد أن تستمتع بهذه الزيارة ولن تنسى مقهى الفيشاوي والشاي بالنعناع، إنني واثق.
مرحباً بك في مصر ومرحباً بك في منطقة الأزهر التاريخية، مصر ترحب بك ونحن أيضاً، نحن ننتظرك؛
"الأزهر. لوحة فنية رسمها التاريخ بإتقان، وما زالت ألوانها تبهج الناظرين إلى اليوم."
مصر ترحب بكم، إن شاء الله سوف تكون سعيداً
لقرائة المزيد عن الجامع الأزهر ومعالم مصر السياحية؛ يمكنك زيارة هذه الروابط:

طبيب الأسنان الكاتب
طبيب وكاتبهو قلمٌ يبحثُ في الأعماق، يُضيءُ زوايا النفسِ بالكلمات، ويَسبرُ أغوارَ المشاعرِ بصدقٍ لا يُجارى. كاتبٌ يعرفُ كيف يحوِّلُ الألمَ شعراً، والغضبَ ناراً تُحرِقُ السطور، والحُبَّ ندىً يروي العبارات. تأخُذُك كتاباتُه إلى عوالمَ مِنَ التأمُّلِ والجمالِ والقسوة، كأنَّما يُناجي روحَكَ قبلَ عينيك. إنَّه لا يكتبُ ليُعجبَ القُرَّاء، بل لِيَصِلَ إلى ذلكَ المكانِ الذي تَختبئُ فيهِ الحقائقُ المُعلَّبةُ بالصمت.