الإنتظارات : بوابة القلق التي يوصدها الإيمان

أنس مغفور
كاتب مقالات و محتوى متنوع
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

ما دام الإنسان حيا سيظل ينتقل من قاعة انتظار إلى أخرى، لا تخلو نفسه من شيء يأمل تحققه. لا تكفينا اللحظة الراهنة، إذ و نحن في خضمها تشرئب أعناقنا لمقبل الأيام فنملئه بالأمنيات. ما في اليد يفتح شهيتنا لما في يد الغيب، نريد أن نستكثر من الخير. هذا وجه من أوجه التعلق بالحياة ملازم للإنسان بالسليقة لا يسلم منه حتى الزهاد. فالزاهد أيضا يخرج من قاعة انتظار ليلج أخرى، إنما الإختلاف كامن في طبيعة ما ترجوه الأنفس.

يحرث الفلاح حقله و يتم البذار ثم يبدأ الإنتظار. يتطلع إلى السماء عل ركام الغيم يدر غيثا تهتز به الأرض فيربو نباتها. كل يوم يرنو إلى الأفق متأرجحا بين الخوف و الرجاء، يمسك القنوط بتلابيبه أحيانا و يداعب التفاؤل نفسه أحيانا أخرى. فإذا ما تم له المراد و ابتسم له الحظ جرفته وفرة المحصول في سكرة الفرح ما تلبث أن تزول، حين يقفز إلى التفكير في حصاد العام القادم. أما إذا ذهب الجدب و المحل بأمانيه أدراج الرياح ندب حظه العاثر و قلب كفيه على ما أنفق من وقت و جهد و مال.

الإنتظارات : بوابة القلق التي يوصدها الإيمان

الطالب يعمل عقله و فكره في هذه الكراسة و تلك، يحل المعادلات و يدرس النصوص ثم يجتاز ما عليه اجتيازه من اختبارات. فيبدأ الإنتظار. بعد شهر تعلن النتائج، فتمر الثلاثون يوما كأنها دهر لا ينقضي. فهذا خوف يئزه أزا و هذا أمل يفتح له أبواب الأحلام. فإذا ما تم له له ما أراد و عد في نخبة المتفوقين اعتقد واهما أن أمسك بيديه مفاتيح مستقبله و ضمن ما ليس على أغلب الآخرين نواله. و إن جاء في ذيل القوائم استبد به الإحساس بالخذلان و لبست نفسه رداء عار الفشل فإن لم يجىد ذاته ازدراها و انتقض بنيانه كما لو كان من قش طوحت به العواصف العاتيات.

أما العليل السقيم الذي أعيته الأدواء و الآلام يسأل: أيان الشفاء؟ أ لا يجدي الدواء؟ يكابد ليله ونهاره يود لو يستريح. يظل منتظرا. وهل له خيار غير الإنتظار؟ يجزع و لايدري هل ما ألم به بلاء يختبر به المؤمن أم عقاب من لم يكن قلبه سليما إزاء الخالق ولي النعم.

وحده الإنتظار يهدم وهم السيطرة على المصير

الإنتظار يستنزف جهد الإنسان و طاقته، و يكشف هشاشته التي طالما حجبها وهم السيطرة على الأشياء و المصير. لا يملك أحد مهما بلغ من مراتب السطوة و الصولة، و كيفما اجتمعت لديه أسباب القوة مالا و علما و جاها، شيئا ذا بال إلا حقيقته المحددة لوضعه البشري. اللحد وحده ينهي قلق الإنتظارات الصغيرة و أرق الليالي الذي يفتح العيون و لكنه يعمي البصيرة. اللحد يطلق عداد الإنتظار الحقيقي الذي يفضي إلى السعادة أو الشقاء الأبديين.

الثقة بالله تخلص من الجزع و تكسوك رداء السكينة

خلقك الله أضعف ما تكون. لا أنت قادر على تغذية نفسك و لا على الشكوى من آلامك و لا على حياكة لباسك. و حين تحاول المشي، تحبو على أربع و تتعثر. سيلزمك الوقت كيف تقف محافظا على توازنك.

ستمر السنوات لتدرك أنك كائن منفرد فتقول "أنا" مكتشفا ضمير المتكلم منفصلا. ثم تكبر و يشتد عودك و تشتد معه رغباتك و أمنياتك ثم تنهك الأيام جسدك و روحك لترتد إلى ما يشبه ضعفك الأول.

كل هذا لتعي جيدا أنك لست سوى نموذج لقدرة الخالق الذي أعطاك لتشكر و منعك لتصبر و لتذكر أن حكمته وحدها تدبر الأمور. فهل أنت خائف جزوع و قد علمت أنك لا تملك من مصيرك إلا ما ارتضاه لك خالقك و بارئك و مصورك.

سيسكن قلبك و تتملكك الطمأنينة ما دمت لله ذاكرا و لأنعمه شاكرا و علا ابتلاءاته صابرا و تذكر قوله عز و جل" و يا قوم إنما هذه الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار".

الآن انتظر ما تشاء و لكن إعلم أنه ما كانت لك الخيرة.

أنس مغفور

أنس مغفور

كاتب مقالات و محتوى متنوع

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ