الألوان في التسويق: أهميتها وكيفية اختيارها وفقاً لعلم النفس

الكثير من المرات التي وقعت أنظارنا على منتجٍ ما دون غيره وسط زحام الأرفف بالمنتجات في المتاجر، قد نكون رددنا عبارة "لفت نظري مباشرةً" دون أن نعرف السبب، كأن تتجه أنظارك إلى قالب من الحلوى مغطى بكريما اللوتس ومزيّن بطريقة وألوان معينة وسط محل حلويات يعج بالأشكال والأنواع الشهية، لكن ما حدث معك فعلًا أنك وقعت في قبضة سيكولوجية الألوان في التسويق.

ففي تفاصيل التسويق سواء التقليدية أو الإلكترونية عادةً ما يتم استهداف البعد البصري ومدى تجاوبه مع الألوان وتفاعله معها، حيث تترك دورًا كبيرًا في قرار المستهلك وسلوكه بالإقبالِ على الشراء أو الحصول على الخدمة من عدمه، لا ننكر أننا وقعنا ضحية منتجات وخدمات ليس لها أهمية أو قيمة بعد شرائها؛ إلا أن الألوان الجذابة قد ولدت لدينا رغبة عارمة بضرورة الحصول عليها فورًا.

وما يؤكد ذلك علم نفس الألوان؛ الذي يوضح الصورة النمطية لمدى تأثير الألوان على الحالة المزاجية والعواطف ككّل للمستهلك، ثم ترك أثر بالشراء من عدمه في سلوكه، لكن لا يمكن النكران بأن ردود الأفعال والتجاوب مع الألوان يختلف نسبيًا بين مستهلك وآخر، بالمجمل هناك تأثير واضح وتفاعلات دون أدنى شك.

سيكولوجية الألوان في التسويق Marketing Color Psychology

في البداية لا بد من الإشارةِ إلى أن علم نفس الألوان Color psychology علمُ قائم على دراسة مدى التأثير الفعلي للألوان على السلوك البشري ومشاعره وتصوراته، كما أنه فنُ وعلم بحد ذاته للطريقة الأسلم والأمثل في دمج وتجميع الألوان لتكون قادرة فعليًا على الجذب البصري وإيصال الرسالة المطلوبة، لذلك شاع استخدام سيكولوجية الألوان في التسويق ببناء محتوى تسويقي للعلامات التجارية بألوان قادرة على بلوغ الهدف من خلال التأثير بسلوك وتصورات المستهلك.

في تفسير تأثير الألوان في التسويق؛ يشار إلى أن الألوان تترك بصمتها الواضحة وتأثيرها العميق على أجهزة الاستشعار في الدماغ البشري من خلال شد انتباهه وتعظيم الشعور في أعماقه بأن ما يظهر أمامك مناسبًا ويلبي رغبتك فعلًا، لذلك يمكن القول بأنه إلهام للمشاعر في الشراء، كما قد يكون سببًا في استرجاع ذكريات الطفولة في مجال الشراء والاستهلاك؛ تحديدًا إذا كان المستهلك له سلوك معين في مرحلةٍ من حياته بشراء أي منتج له لون ما أو درجاته، كما هو الحال فعليًا لدى رغبة الأمهات في شراء الملابس باللون الزهري أو الفوشيا ودرجاته للأطفال البنات، إذ قد تكبر الرغبة لدى الطفلة بضرورة اقتناء أي شيء له لون زهري أو درجاته اعتقادًا منها بارتباطه المباشر بالأنوثة واللطافة.

ما يجعل السلوك الشرائي لهذه الفتاة يتأثر فور مشاهدة هذا اللون بغض النظر عن مدى حاجتها للمنتج أم لا، هل تعلم بأن البعض قد أصبح لديه هوس باقتناء الألوان أكثر من المنتج نفسه؟ وقد لاحظنا ذلك تحديدًا بعد ظهور العديد من المشاهير يعرضون مشترياتهم مع الإدلاء برغبتهم بشراء ما بين أيديهم لمجرد تأثير اللون بهم.

الكثير من الأمثلة التسويقية في محيطنا تؤكد تأثير سيكولوجية الألوان في التسويق؛ حتمًا عندما تشاهد اللون الزهري المائل إلى الفوشيا فورًا يرتبط بالأذهان ماركة Barbie لأن هذه العلامة تمكنت من ترسيخ اللون وجماله وارتباطه بالأنوثة كما ذكرنا سابقًا، لذلك فإنها تجذب انتباه الأطفال والأهالي بمجرد الدخول إلى محل الألعاب، لكن كان لشركة T-Mobile رأي آخر، فقد رأت أن اللون الأرجواني كان قادرًا على تمييزها بين المنافسين بطريقة مذهلة.

دلالات الألوان في التسويق

معظم قرارات وسلوك المستهلك تتأثر بالألوان في عالم التسويق والعلامات التجارية، فإن الألوان لها قدرة خارقة على استثارة العقل الباطن والسيطرة الواعية عليه، وما يكمل ذلك الأشكال والتصورات التي تقف خلف الكواليس، لذلك لا بد من التعرف على دلالات علم نفس الألوان التسويقية على النحو التالي:

• اللون الأحمر

من الألوان المؤثرة جدًا على خيارات المستهلك؛ لارتباطه المباشر بالعاطفة والإثارة، فإنه لون يولد التدفق والكثافة العاطفية داخليًا ما يحفز المستهلك على اتخاذ قراره الحاسم بالشراء، من هذا المنطلق نلاحظ أن معظم المطاعم المتخصصة ببيع الوجبات السريعة تستخدمه في شعاراتها وعلامتها التجارية، من أكبر الأمثلة مطاعم البيك في السعودية التي تتخذ من اللون الأحمر أساسًا لقاعدة شعارها مع الكتابةِ باللون الأصفر.

• اللون الأزرق في التسويق

تلقائيًا عند مشاهدة اللون الأزرق في العلامات التجارية يتولد في أعماقنا حالة من الهدوء والاستقرار النفسي، نعم فإن اللون الأزرق بطبيعته جاء ليضاعف جرعة الثقة والصفاء والأمان في أعماق المستهلك، لهذا نلاحظ أنه رائج الاستخدام في البنوك والشركات، منها Intel, oral-B, Dell, HP وغيرها الكثير.

• اللون الأصفر

عادةً ما نلاحظ اندماج اللون الأصفر والأحمر غالبًا تحديدًا في شعارات المطاعم أولًا، وغيرها الكثير من المجالات، ويشار إلى أن اللون الأصفر أيقونة السعادة والتفاؤل ومنح شعور عارم بالدفء والإيجابية المطلقة، لذلك فإنه وسيلة ناجحة للفت الأنظار وشدها إليك، لكن لا تبالغ في استخدامه حتى لا تفقد الغاية التسويقية؛ إذ تشير المعلومات إلى أن فرط استخدامه يصبح مزعجًا وباعت للتوتر جدًا، لذلك ينصح بالاعتدال باستخدامه.

• اللون الأخضر في التسويق

العلامات التجارية التي تنوي تمامًا ترسيخ جذور الوعي البيئي ومنح المستهلك شعورًا بالاسترخاء والانسجام تحرص تمامًا على تسخير اللون الأخضر في ذلك، فإنه أيقونة الصحة والهدوء وحب الطبيعة وصداقتها، لذلك الكثير من الشركات والجهات المعنية بصداقة البيئة والطبيعة تحرص على استخدامه في التسويق والشعارات وغيرها،

من أبرز العلامات التجارية باللون الأخضر: لاكوست Lacoste، تروبيكانا Tropicana، NVIDIA, Mint eco، ولاندر روفر وغيرها الكثير.

• اللون الأسود في التسويق

الكثير من الدلالات التي يوحي بها اللون الأسود في حياتنا، منها الغموض والفخامة والرقي وأيضًا الرعب والظلام، لذلك قد تلاحظ أنه في أفلام الرعب يتجهون إلى جعل الأجواء سوداء وارتداء عباءة سوداء لرجال الظلام لتعزيز جرعة الرعب والخوف، لكن في التسويق له معنى آخر؛ حيث ينمي شعورًا في نفس المستهلك بأن العلامة التجارية أنيقة وعلى مستوى مرموق من الفخامة والرقي والغموض.

الكثير من الماركات العالمية تشتهر بهذا اللون، منها Nike, Adidas, شانيل Channel, زارا Zara, وغيرها.

• اللون البرتقالي في التسويق

غالبًا ما يكون سبب تهورك في شراء منتج ما هو هذا اللون الحماسي؛ الذي يدفعك للأمام بكلتا يديه ليمنعك من التردد تمامًا، من المعروف بأن اللون البرتقالي من الألوان في التسويق المؤثرة بتهوّر شديد على سلوك المستهلك؛ وذلك لما يتمتع به من موقع يجمع بين اللون الأحمر وجنونه واللون الأصفر وتفاؤله وطاقته الإيجابية.

• اللون الأبيض

تتضاعف توجهات الشركات الصحية على وجه الخصوص لتوظيف اللون الأبيض في بناء شعارها والتسويق من خلاله، وذلك لما يكنّه في أعماقه من درجة عالية من البساطة والنظافة والنقاء على حدِ سواء، حيث يعتبر طريق لبلوغ الانتعاش والراحة النفسية والإثارة.

الكثير من الماركات العالمية التي تمزج اللون الأبيض مع غيره من الألوان في شعارها وتسويقها تحديدًا في الخلفية البيضاء منها: Prada Milano, D&G, FENDi. Adidas, Nike وغيرها.

أهمية الألوان في التسويق وارتباطه بعلم النفس

حتى تصل إلى هدفك ومرادك من حملتك التسويقية والاندماج في هذا العالم، لا بد من الانتباه لمسألة الألوان في التسويق واختيارها بكل احترافية، لذلك دعني أبيّن لك أهمية الألوان في التسويق وارتباطه بعلم النفس ومدى تأثيره بسلوك المستهلك وقراره في الشراء:

• بناء انطباع أولي قوي جدًا في نفس المستهلك تجاه الإعلان بغض النظر عن نوعه.
• اختيار اللون المناسب في علم التسويق يضاعف درجة الجذب ولفت الانتباه لدى شريحة المستهلكين تجاه إعلانك.
• تعزيز الاستجابة السريعة تحت التأثير السيكولوجي المرجو من التسويق.
• مساعدة المستهلك على العودة سريعًا وتذكر السلعة بكل سهولة بفضل ألوانها الجذابة والتي تجذرّت في أعماقه.

ختامًا، إن اتخاذ القرار النهائي في اختيار الألوان في التسويق يحتاج دراسة عميقة للخروج بأفضل ما لديك، والتمكن فعليًا من التأثير بالجمهور وتحفيزهم على اتخاذ قرار الشراء، حاول استشارة خبير في التسويق حتى تحظى بالتجربة الأمثل، لكن كن حريصًا على دراسة جمهورك وتوجهاتهم ورغباتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار رسالتك السامية التي تسعى لنشرها.

المراجع

1. Marketing Color Psychology: What Do Colors Mean and How Do They Affect Consumers?

2. Color Psychology: How To Use it in Marketing and Branding

إيمان الحياري

كاتبة محتوى تقني ومنوع

كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.

تصفح صفحة الكاتب