كم من مرة شعرت بهبوط عام في الجسم وألم في المعدة وتوتر حد الارتجاف بعد أن شعرت بأنك لم قد أخطأت كثيرًا في إجاباتك في امتحان ما! وكم مرة شعرت بأنك ترغب بالجلوس فورًا بعد سماع خبر سيء -لا قدر الله- لكن سرعان ما تشعر أن الطاقة العالمية من النشاط والفرح في جسدك بمجرد أن تعلم بحدوث ما يفرحك وزوال السوء تمامًا.
هذا دليل قطعي على قوة اتصال العقل والجسد معًا، فإن الأفكار وقوتها والمشاعر وطبيعتها تعود بالأثر على الصحة بشكل واضح،
التفكير الإيجابي والسلبي والفرق بينهما
انقضت سنوات طويلة في بحث العلماء والفلاسفة واهتمامهم في الارتباط بين العقل والجسم وتأثيرهما، فإن الأفكار والعواطف والسلامة العقلية تترك أثرًا ملموسًا وواضحًا على الصحة الجسدية، وقد تمكن العلم الحديث من إثبات ذلك بالكثير من الأدلة القطعية والمؤكدة بين العقول والأجساد من خلال التفكير الإيجابي والسلبي على الأقل.
يشير مصطلح قوة التفكير الإيجابي The Power of Positive Thinking يعني أن تتمتع بأفكار تفاؤل وصحيحة توجهك للمسار الصحيح، ما يعود على صحتك بالسلامة وقوة المناعة، كما أن عواطفك لديها القدرة الخارقة على التأثير بصحتك أيضًا؛ تحديدًا تلك العواطف المكبوتة فإنها غالبًا ما تكون سلبية ومخيفة؛ لذلك فإنها تستهلك طاقتك العقلية وتلحق بها الضرر حتى تكاد تشعر بأن الصداع والتشويش يكاد يفجر رأسك، بالتالي مشاكل صحية ومعاناة من بعض الأوضاع في بداية الأمر، وقد يتفاقم الأمر في حال تدهور الحالة.
في الواقع إن قوة التفكير الإيجابي لديها قدرة خارقة في تمكين الفرد في التعامل مع الضغوط التي يواجهها، حتى اعتُبِر أن الشخص الإيجابي هو متفائِل ولديه كفاءة عالية في إدارة التوتر والتحكم بأعصابه، على عكس الشخص المتشائم تمامًا.
لا يقصد بأن تكون إيجابيًا يعني التغاضي عن عن المواقف المزعجة وتجاهلها، بل القدرة الفعلية على التعامل معها بكل ثبات وقوة، ويعتبر ذلك تفسير حقيقي على مدى العلاقة واتصال العقل والجسد وتأثير الأول على الأخير بعمق.
خير مثالٍ على ذلك؛ إن مرضى السكري يمارسون حياتهم الطبيعية ويحافظون غالبًا على نمط حياة معين للحفاظ على استقرار السكري وإبقائه ضمن معدلاته بالتغذية والانتظام بالأدوية وغيرها، إلا أنهم قد يواجهون ضغوطًا نفسية في العمل أو الحياة الشخصية بعيدًا عن أي ممارسات خاطئة ترفع مستوى السكر؛ لكن لا يشعرون بأنفسهم إلا بعد الاستيقاظ من غيبوبة نتيجة ارتفاع السكر المفاجئ؛ في الواقع لم يكن ذلك نتيجة الأخطاء بأفعالهم؛ بل تحت تأثير الأفكار السلبية والتوتر والانفعال والغضب المكبوت من أدمغتهم التي جاءت لهم بهذا.
لكن هناك جانب نود التنويه إليه، إلى أن العقل ليس فقط المهيمن على الجسد؛ بل أن النظام الصحي ونمط الحياة الذي يمارسه الجسد يؤثر على العقل بكل الأوجه والأشكال، فإن كانت حياتك صحية من حيث التغذية والنوم الجيد وممارسة الرياضة وغيرها فإنك حتمًا ستتمتع بعقل سليم متزن، والعكس صحيح.
كيفية تأثير الأفكار على الصحة سواء إيجابيًا أو سلبيًا
هناك لغة كيميائية مشتركة بين دماغك وجسمك تتدفق بينهما للتفاهم والتكاتف والتعاون، ما يجعل الاستجابة واضحة من الجسد تلبيةً لأوامر العقل وتعليماته سواء في الجانب الإيجابي أو السلبي، لذلك لا بد من الوقوف على كيفية تأثير الأفكار على الصحة إيجابيًا وسلبيًا، وذلك على النحو الآتي:
1. قوة التفكير الإيجابي The Power of Positive Thinking
التفكير الإيجابي ليس مجرد مصطلح في التنمية البشرية لغايات السرد فحسب، أو مفهوم يتردد لمجرد الرغبة بتوظيفه! بل أنه وسيلة حقًا مذهلة في جعل صحتك أفضل، وهذا ما أكدته الدراسات بأن أصحاب النظرة التفاؤلية والإيجابية لديهم حياة أفضل ويغيب التوتر عن يومهم غالبًا، كما يتمتعون بجهاز مناعة فتّاك؛ لذلك فإنهم لهم مدة حياة أطول -بأمر الله طبعًا-
إضافةً إلى أن الإيجابية والتفاؤل تأخذك نحو ممارسة حياة صحية وأفضل أكثر، لذلك تكون متحمسًا لتناول طعام صحي ومفيد، والقدرة أكثر على ممارسة النشاط البدني، لكن جميع ما تقدم لا يعني أبدًا أن تتجاهل التعامل مع المشاكل إطلاقًا؛ بل كن قدوة لنفسك أولًا ولغيرك في مواجهة التحديات والمشاكل.
2. الإجهاد قاتل صامت Stress
الكثير من الانتكاسات الصحية التي تهاجم أجسادنا نتيجة الإجهاد المزمن، لذلك يعتبر مساهم أول في تدميرها، لذلك هناك الكثير من المصابين بأمراض القلب ومشاكل الصحة العقلية وزيادة الوزن المفرطة، فإن التفسير لذلك أن ردود الأفعال التي تظهرها أنت إزاء الضغط الذي تواجهه هي في الحقيقة السبب خلف تحديد حجمها وتأثيرها على جسمك سواء بالزيادة أو بالتخفيف.
هناك العديد من الطرق الفعالة التي تساعدك على تجاوز مثل هذه الظروف منها تمارين التنفس العميق، الاسترخاء، تعلم أساليب إدارة التوتر، التأمل الذهني وغيرها.
3. تأثير العلاج الوهمي The Placebo Effect
تحت هذا البند يتجلى عميق أثر القناعة والإيمان والتوقع في مدى حدوث الشفاء، يعني أن تقتنع تمامًا وتؤمن بأنك حتمًا ستشفى فإنك جرعة من التحسن الوهمي والنشاط، فإن كنت مؤمنًا بأن قرص العلاج حتمًا سيكون علاجًا جذريًا لما تعاني منه؛ فإنك تلقائيًا تشعر بأن هناك تحسن حتى ولم يكن كذلك.
إن تأثير العلاج الوهمي لا يمكنه فعليًا علاج الأمراض أو مضاعفاتها، إلا أنها وسيلة لتوجيه العقل وإظهار تأثير إيمانه عليك وعلى صحتك؛ فإذا صلح صلح سائر الجسد واستقام، ولا يقتصر الكلام هذا فقط على الأدوية والأمراض فحسب؛ بل قِس ذلك على جميع أمور الحياة.
4. الأفكار السلبية وجهاز المناعة
ترتفع احتمالية إصابتك بالمزيد من الأمراض والعدوى أكثر في حال كنت ذو أفكار سلبية ونظرة تشاؤمية، فإن قوة وكفاءة جهاز المناعة لديك ترتبط بعمق مع الحالة الفكرية لك، لذلك من الأفضل الحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية بآنٍ واحد، وذلك بممارسة الامتنان والشكر، والتخلص من الأفكار السوداوية وتعزيز جرعة التفاؤل.
5. الأكل اليقظ Mindful Eating
قد تكون هذه المرة الأولى التي تسمع بمصطلح الأكل اليقظ! نعم كما سمعت، معناه أن تدلل جسدك وتمنحه جرعة كاملة من العناية بتقديم له ما يرغب مع توظيف كافة الحواس لاستشعار مدى لذة وعظمة هذا الطعام.
إضافةً إلى التجاوب مع إشارات الجسد التي يرسلها العقل عبره؛ بأنك جائع لتبدأ بتلبية النداء وإطعامه، ثم التوقف فورًا بمجرد الشعور بالشبع.
فإن هذه الاستراتيجية تعزز قدرتك على التحكم بمعدلات الطعام التي تتناولها، وتحسين عملية الهضم، إضافةً إلى أن صحتك تصبح أفضل.
ختامًا، فإن اتصال العقل والجسد لا يمكن فصله أبدًا، فإن العقل هو المسيطر الأكبر إجمالًا؛ إذ يمارس دوره في توجيه الإشارات للجسد اعتمادًا على ما لديه من أفكار سواء إيجابية أو سلبية، ومدى حدة شراستها أو لطافتها، لذلك كن أنت الحكم بصحتك وجسدك.
المراجع
1. MIND-BODY CONNECTION: HOW YOUR THOUGHTS AFFECT YOUR HEALTH
2. How Do Thoughts and Emotions Affect Health?
عن الكاتب
إيمان الحياري
كاتبة محتوى تقني ومنوع
كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.