أَتَجْعَلُ فِيهَا { إكذُوبة الحن و البن و دحض الباطل بالحق }
الجن مخلوقات مذكورة في القرآن و الإسلام مخلوقة من نار لا دخان لها و لديها القدرة على الإختفاء و التأثير في العالم المادي ، أما البن و الحن فهما شخصيات خُرافية في بعض الثقافات العربية ولا يوجد دليل قاطع على وجودهما الفعلي
مفهوم الأرض و الوجود معقد و متعدد الأوجه و يمكن النظر إليه من زوايا مختلفة:من الناحية الدينية:الأرض: في الإسلام تُعتبر الأرض خليقة إلهية و مكاناً مُعداً للبشر ليعيشوا فيه و يُختبروا في الحياة ، تُعتبر الأرض مكاناً للإختبارو التعلمالوجود: يُنظر إليه على أنه هبة من الله أو القوة الإلهية و أن كل ما هو موجود له غاية و معنى ضمن الخطة الإلهية ، يرتبط الوجود بالروح و الآخرة و الحياة الأبديةمن الناحية الفلسفية:الأرض: تُعتبر مكاناً للوجود المادي حيث تتفاعل الكائنات الحيةو الجمادات ، هي أيضاً مسرح للأحداث و التاريخ البشريالوجود: يشير إلى حقيقة أن شيئاً ما موجود سواء كان مادياً أو غير مادي الوجود يطرح أسئلة حول المعنى و الغاية و الوعيمن الناحية العلمية:الأرض: هي كوكب ضمن المجموعة الشمسية يتميز بخصائص فيزيائية و كيميائية فريدة تدعم الحياةالوجود: يشمل كل ما هو موجود في الكون من أصغر الجسيمات إلى أكبر المجرات و كل الظواهر الطبيعية التي تحدث
{ الأرض هي جزء من الوجود و هي المكان الذي نعيش فيه و نتفاعل معه الوجود يشمل كل شيء بما في ذلك الأرض وما عليها بالإضافة إلى كل ما هو خارجها }
في تفسير الآية الكريمة ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: ص 30) تتضمن عدة نقاط:
1/ الخلافة في الأرض: الله يُعلم الملائكة بأنه سيخلق خليفة في الأرض أي بشراً يخلفون بعضهم البعض في عمارة الأرض و تحقيق إرادة الله فيها
2/ تساؤل الملائكة: الملائكة بطبيعتهم الطاهرة يتساءلون عن الحكمة في خلق كائن قد يفسد في الأرض و يريق الدماء مع أنهم يسبحون بحمد الله و يقدسون له بإستمرار
3/ علم الله المطلق: الله يجيب بأن لديه علماً بما لا يعلمه الملائكة مما يعني أن هناك حكمة أعمق في خلق البشر قد لا تدركها الملائكة في ذلك الوقت
4/ الحكمة الإلهية: هذه الآية لا تعني إعتراض الملائكة على أمر الله بل هي إستفسار بغرض الفهم و الإستعلام عن الحكمة ، و فيها إشارة إلى أن الله يعلم أن البشر سيكون منهم من يُفسد في الأرض لكن هذا لا يمنع وجود الحكمة في خلقهمالآية تتناول موضوع الإرادة الإلهية و حرية الإختيار التي مُنحت للإنسان و التي قد تؤدي إلى الفساد و سفك الدماء لكنها أيضاً تتيح له إمكانية التعمير و التقديس و العبادة الواعية
الآية تأتي في سياق حوار بين الله و الملائكة عندما أبلغهم بأنه سيخلق آدم الملائكة التي كانت تشاهد الفساد الذي حدث من الجن قبل خلق الإنسان تساءلت عن الحكمة من خلق مخلوق قد يتسبب في الفساد نفسه* تفسير هذه الآية يمكن أن يُفهم من عدة جوانب:
1/ سياق الحوار: الملائكة تعبر عن قلقها من أن البشر مثل الجن الذين سبقوهم قد يفسدون في الأرض ، هذا يشير إلى أن الملائكة كانت على علم بما حدث من الجن من فساد و سفك دماء مما جعلهم يتساءلون عن الحكمة الإلهية في خلق البشر
2/ الحكمة الإلهية: الله يرد على تساؤلات الملائكة بأنه يعلم ما لا يعلمون و أنه خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض ، هذا يعني أن للإنسان دوراً مهماً في إعمار الأرض رغم إمكانية الفساد
3/ الحرية و الإرادة: يُظهر هذا النقاش أن الله منح الإنسان حرية الإرادة مما يعني أنهم يمكن أن يختاروا الخير أو الشر و بالتالي الفساد الذي قد يحدث هو نتيجة لإختيار الإنسان و ليس نتيجة لقصور في الخلق
4/ الإختبار و الإبتلاء: الحياة على الأرض تُعتبر إختباراً للإنسان حيث يُختبر في أفعاله و قراراته ، الفساد و سفك الدماء يمكن أن يكون نتيجة لإختيارات سيئة و لكن هناك أيضاً إمكانية للخير و الإصلاح
{ الآية تدل على أهمية دور الإنسان في الأرض و كيف أن الله خلقه بقدرة على الإختيار مما يجعل الحياة مليئة بالتحديات و الفرص }
العقل و الجآن:في الإسلام يُشار أن الجن يمتلكون عقلاً و إرادة مما يجعلهم مسؤولين عن أفعالهم ، ففي العقيدة الإسلامية الجن هم خلق من خلق الله خلقوا من نار و لهم القدرة على الإختفاء عن أعين البشر ، يذكر القرآن الكريم أن الجن مكلفون و مسؤولون عن أفعالهم تماماً كالإنس هذا التكليف يقتضي أنهم يمتلكون عقلاً يميزون به بين الخير و الشر و إرادة يختارون بها طريقهم
العقل و الإرادة عند الجن:
1/ العقل: الجن ليسوا مجرد كائنات مسيرة بشكل غريزي بل لديهم القدرة على التفكير و التحليل و إتخاذ القرارات ، هذا يعني أنهم يفهمون الأوامر و النواهي الشرعية و يعرفون ما هو خير وما هو شر
2/ الإرادة: الجن يمتلكون حرية الإختيار و بالتالي يمكنهم أن يختاروا بين طاعة الله أو معصيته ، هذا الإختيار هو أساس المسؤولية و المحاسبة
المسؤولية و المحاسبة:بما أن الجن يمتلكون عقلاً و إرادة فإنهم مسؤولون عن أفعالهم أمام الله يوم القيامة سيحاسبون على ما قدموا من عملو سيجزون على ذلك فمن أطاع الله منهم دخل الجنة و من عصاه إستحق النار تماماً كالإنس
أدلة من القرآن و السنة:* القرآن الكريم: ذكر القرآن الكريم قصصاً عن الجن الذين إستمعوا إلى القرآن و آمنوا به و هذا يدل على أنهم يمتلكون القدرة على الفهم و الإدراك كما في سورة الجن: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾* السنة النبوية: وردت أحاديث تشير إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم إلتقى بالجن ودعاهم إلى الإسلام و هذا يدل على أنهم مكلفون بالرسالة كالإنس
الفساد الذي يفعله الجن:الجن كالإنس منهم الصالحون و منهم الطالحون ، الجن الذين يختارون طريق الشر يستخدمون قدراتهم للتأثير على الإنسو إغوائهم و ذلك بالوسوسة و تزيين الباطل هذا الفساد هو نتيجة إختيارهم الحر لطريق الضلال و ليس نتيجة طبيعة فطرية لا يمكن تغييرها ، الجن يمتلكون عقلاً و إرادة و هم مكلفون و مسؤولون عن أفعالهم الفساد الذي قد يقومون به هو نتيجة إختيارهم طريق الشر و سيُحاسبون عليه يوم القيامة
{ في الإسلام الجن كانوا يسكنون الأرض قبل الإنس هذا القول يستند إلى تفسيرات لآيات قرآنية و أحاديث نبوية }
تفسيرات وآراء العلماءكان من العلماء الذين يتبنون هذا الرأي إستناداً إلى أقوالهم وفتاواهم يمكن تلخيص الأدلة التي يستند إليها هذا الإعتقاد كالتالي:1/ الآيات القرآنية:سورة الحجر: الآية 27 تُشير إلى أن الله خلق الجن من قبل خلق الإنسان يقول تعالى: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ هذه الآية تُفهم على أن الجن خُلقوا قبل آدم عليه السلامسورة البقرة: الآية 30 تتحدث عن قول الملائكة عندما أخبرهم الله بأنه سيخلق خليفة في الأرض: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۚ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ يُستدل بهذه الآية على أن الملائكة كانوا على علم بوجود خلق مفسد في الأرض قبل خلق الإنسان و يُفترض أنهم الجن2/ الأحاديث النبوية:هناك أحاديث تشير إلى أن الجن خُلقوا قبل الإنسان و أنهم كانوا يعيشون في الأرض و يمارسون حياتهم قبل ظهور آدم و ذريته3/ تفسيرات العلماء:العديد من المفسرين و العلماء يرون أن الجن كانوا موجودين قبل الإنسان و أنهم عاشوا في الأرض لفترة من الزمن قبل أن يخلق الله آدم
القول بأن الجن سكنوا الأرض قبل الإنس يستند إلى عدة نقاط:* ترتيب الخلق: القرآن الكريم يُشير إلى أن خلق الجن كان قبل خلق الإنسان هذا الترتيب الزمني للخلق يعطي دلالة على أسبقية وجود الجن* طبيعة الجن: الجن خُلقوا من نار و لهم طبيعة مختلفة عن طبيعة الإنسان الذي خُلق من طين ، هذه الطبيعة النارية قد تكون مناسبة للعيش في الأرض في فترة ما قبل وجود الإنسان* الإفساد في الأرض: الملائكة أشاروا إلى أن الخليفة الجديد (الإنسان) قد يُفسد في الأرض ، هذا يُشير إلى أن هناك تجربة سابقة للإفساد و يُعتقد أنها كانت من قِبل الجن
في الختام بناءً على الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و تفسيرات العلماء هناك إعتقاد قوي بأن الجن كانوا يسكنون الأرض قبل الإنس ، هذا الإعتقاد جزء من الفهم الإسلامي لتاريخ الخلق و العلاقة بين الجن و الإنس
بقلم/ د. تايا توماني

د. تايا توماني
دكتوراه جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري ، دكتوراه علم الأمراض التشريحي ، دكتوراه هندسة نووية ، دبلوم مناهج البحث العلمي ، بما أحاطني الله به من علم عالِمة أبحاث و مترجمة لعدة لغات , مؤلفة كتاب مختصر اللغات