أمُّ البنين وبناء جامعة القرويين .. سيرة فاطمة الفِهْرية

Batool Khalil
مُحبَّة للمعرفة
نشرت:
وقت القراءة: دقائق

لطالما كان التاريخ الإسلامي زاخراً برجالٍ ونساءٍ أخذوا علي عاتقهم بناء أُمة ، كلٌ بما أوتي من علم وقوة وخبرة ، ففُتِحت البلاد بسواعد الرجال ورُبِّي النشء الصالح علي يد نساء مؤمنات ، أعانت النساء الرجال وأعان الرجال النساء فكانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم ..

أمُّ البنين وبناء جامعة القرويين .. سيرة فاطمة الفِهْرية

فاطمة الفهرية..الأصل والنَّشأة :

يرجع نسب فاطمة الفهرية إلى فاتح تونس ومؤسس القيروان عقبة بن نافع الفهري القرشي ، وهي فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية وقد ولدت عام 800 من الميلاد في مدينة القيروان عاصمة أفريقية آنذاك ، ومما يُعرف عن تفاصيل حياتها ليس بالكثير حيث أن جامع القرويين الذي أسَّسته تعرض في عام 1323 لحريق كبير تسبب بالقضاء على الوثائق التي تعلقت بها وبتفاصيل حياتها ، ولكن يمكن ذكر بعض من التفاصيل التي ذكرها المؤرخ بن أبي زرع والذي عاش في المغرب الأقصى بمدينة فاس في القرن الرابع عشر ، ومدينة فاس هي ذاتها المدينة التي هاجرت إليها فاطمة مع والدها محمد الفهري وقد كان رجلًا طائل الثراء ولم يكن له سوى بنتان هما فاطمة ومريم ، وقد ذُكر أن والدهما أحسن تربيتهما واعتنى بهما ، وقد تزوجت فاطمة في تلك المدينة ولكن لم يمضي زمن حتى وافت المَنيَّة كلاً من الوالد والزوج فوَرِثَت هي وأختها مريم ثروة طائلة.

مسجد القرويين..اللّبنة الأولي لأول جامعة في العالم :

بعد وفاة الوالد قررت الفتاتان القيام بخير للمسلمين يكون صدقة وتخليدًا لذكرى والديهما ، فاستخدمت مريمُ مالها لبناء مسجد الأندلس أمَّا عن فاطمة فقامت بإعادة بناء المسجد الذي كان أهلها يصلُّون فيه وذلك لأنها رأت ضيقه بالمصلين..

ملاحظة : لم يُسمي المسجد بالقرويين سوي لاحقاً بعد أن أُعيد بناؤه.


اقرأ ايضا

    قامت فاطمة بمضاعفة مساحة المسجد فاشترت الحقل المحيط به وضٌمّ إليه .. وعن تفاصيل بناء المسجد فإن كُتب التاريخ رَوت أن فاطمة الفهرية ظلت صائمة طوال فترة بناء المسجد والتي استغرقت حوالي 18 عامًا ، أمَّا بالنسبة لمواد البناء من حجارة ورمال فقد تم استخراجها من أعماق الحقل الذي اشترته ، فيوضح المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه (شهيرات تونس) السبب فيقول :" التزمت ألَّا تأخذ التراب وغيره من مواد البناء إلّا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها فحفرت كهوفًا في أعماقها وجعلت تستخرج الرمل الأصفر الجيد والجصَّ والجير لتبني به تحريًا منها ألّا تدخل شبهة في تشييد المسجد" .

    وقامت فاطمه بالاشراف على بناء أساس المسجد وجدرانه فكما يُذكر فإنّ معالم المسجد أظهرت فاطمة كأنها عالمة بشؤون التشييد والبناء وقد انتهى البناء عام 876 م وكان قد بدا عام 845 م من شهر رمضان المبارك .. وبعد أن انتهى بناء المسجد صلَّت فاطمة فيه صلاة شكرٍ لربها على توفيقه لها لبناء هذا الصرح الذي عرف بمسجد القرويين نسبه لموطنها القيروان .

    أصبح المسجد ومنذ بدايه عام 877 جامعة وذلك بفضل الدروس التي كانت تُعطى في حرمه ، أي أنه أصبح جامعة في العام التالي لبنائه وذلك وفقًا لآراء أغلب المؤرخين ولكنّ آخرين رأوا أن المسجد تحول إلى جامعة بشكلٍ فِعليْ في القرن الحادي عشر الميلادي وهذا موضع شك (وفق موسوعة ويكيبيديا) ، ولكن المتفق عليه أن المسجد بُنيت حوله المدارس كما وُضعت فيه المقاعد للدراسة ودرِّست فيه كافة العلوم من أدب وفقه وفلك ورياضيات ، وذُكر أن عدد هذه المدارس بلغ 20 مدرسة ، ولا ننسى أيضا المكتبة الضخمة التي أُلحقت بهذه الجامعة فقد ضاهت في إحدي العصور مكتبة قرطبة، وقد صنِّفت الجامعة على أنها أقدم جامعة في العالم وفقا لموسوعة "جينيس" العالمية فقد سبقت في البناء جامعات أوروبا بنحو قرنين من الزمان ، و كان يَفِد إليها العلماء وطالبو العلم من مختلف أرجاء العالم فمن من درسوا فيها المؤرخ التونسي ومؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون وكذلك الإدريسي وهو أشهر جغرافيي العرب والمسلمين كما و بابا الفاتيكان سلفستر الذي نُسب إليه نقل الأرقام العربية إلى أوروبا ، وكذلك الكثير والكثير من العلماء من مختلف الأديان والأعراق .

    أمُّ البنين وبناء جامعة القرويين .. سيرة فاطمة الفِهْرية

    وفاة فاطمة ..

    وافت المنيَّة فاطمة نحو عام 878 ميلادية عن عمر ناهز 78 عاما (حسب المصادر) وذلك بعد أن ساهمت في بناء أول جامعة عرفتها البشرية ، فكانت بذلك المنارة التي أضاءت طريق العلم ليس للعرب والمسلمين فحسب إنما للعالم أجمع ، امرأة وهبت مالها للعلم وطلابه فاستحقت لقب "أم البنين" وذلك لكثرة صدقاتها وإنفاقها على طلاب العلم ورعايتهم ، استحقت ايضًا ما قاله ابن خلدون عنها بأنها "نبهت عزائم الملوك بعدها"..

    فسلامٌ عليكِ يا فاطمة ، وسلامٌ علي كل نساء العربِ والمسلمين .

    Batool Khalil

    Batool Khalil

    مُحبَّة للمعرفة

    أغوص في بحر المعرفة لأبحث لكم عن جميل الفِكَر ، لأكتب مادةً دسمة تكون إضافةً جديدةً ، وفكرةً بديعةً تُثرَي بها عقولكم وتفتح أمامكم باباً لشيء جديدٍ كان مجهولاً .

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ