أبواب التحفيز السبعة: نحو إيجاد بيئة عمل إيجابية حاضنة
"من أعمق الصفات الإنسانية لدى الإنسان هو أن يحرص دائماً على أن يكون مقدراً خير تقدير من قِبل الآخرين" العالم وليم جمس ـ أحد أكبر علماء النفس

في بيئات الأعمال والمؤسسات لم يد الموظف مجرد ترس في آلة الإنتاج، بل هو القلب النابض والمحرك الأساسي الذي يحدد مسار النجاح والفشل، فهو رأس المال الحقيقي لتقدم ورفعة المؤسسة تقول أنيتا روديك: "إن الشركات لا تحقق النجاح بفضل منتجاتها فقط، بل بفضل الأشخاص الذين يصنعون هذه المنتجات"، وهذه إشارة واضحة بأن القيمة الحقيقة لأي مؤسسة لا تكمن في أصولها المادية أو حتى منتجاتها بحد ذاتها بل في العنصر البشري الذي يبدعها وينفذها.إن الاستثمار في الموظفين وتحفيزهم ليس مجرد رفاهية بل هو ضرورة قصوى لضمان استمرارية الشركة ونموها، فالموظف المُحَفز هو موظف منتج ومعطاء ومتفاني في عمله، والموظف المنتج هو موظف مخلص ولديه من الولاء ما يدفعه للإنجاز وتحقيق الأهداف والانسجام في بيئة العمل، وهذا الإخلاص هو ما يصنع الفارق ويحقق التميز.كما ويعد التحفيز من الأساليب الإدارية التي تنبع من الطابع الإنساني والاجتماعي وقوة دفع نحو التطوير والارتقاء بكافة الجهود لتكون بيئة عمل حاضنة للإبداع والتميز وتقديم ما هو جديد، فالتقدير الدائم له تأثير هائل غير محدود على المعنويات يقول زلجر أحد كبار المحفزين على أهمية التحفيز: "إن التحفيز كالاستحمام لا يكفي منه مرة واحدة"، فالإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بمن حوله فهو يحتاج إلى التحفيز بشكل مستمر ودائم لأنه ينعكس إيجابياً على بيئة العمل والموظفين والإدارة وكل مكونات المؤسسة الداخلية والخارجية فالموظف كما يقولون أولاً هذا بطبعة يجعل إدارة المؤسسة تسعى دائماً للتحفيز وتضعه هدفاً رئيساً لأهميته واتساع رقعة تأثيره. وهذا ما أوضحته الدراسات والأبحاث أن التحفيز له أهمية واسعة ويساعد على خلق بيئة عمل حاضنة وإيجابية تعمل على رفع الروح المعنوية للموظفين والتي يتأتى من خلالها رفع مستوى الولاء والانتماء وتعزيز دور الموظفين في زيادة الإنتاجية ومعدلات الأداء.كما ويعتبر التحفيز أكثر من مجرد مكافأة مادية؛ إنه استثمار في رأس المال البشري ينمي الولاء، ويعزز الإنتاجية، ويخلق بيئة عمل إيجابية ومثمرة. فالإنسان بطبيعته يتأثر بالتقدير والشعور بالانتماء، وهذا ما يجعل التحفيز المعنوي والمادي أداة أساسية في تطوير المؤسسات يقول جون ماكسويل: "الناس هم أثمن أصولك، كلما زاد استثمارك فيهم، زادت المكافآت التي ستحصل عليها"، فالتحفيز ليس عملية واحدة، بل هو مجموعة من الأساليب المتكاملة المتمثلة في الأبواب السبعة الرئيسية التي يمكنك من خلالها إيجاد بيئة عمل إيجابية حاضنة للكفاءات المتميزة والمبدعة التي تعمل على تطوير المؤسسة ونموها وازدهارها:

1. الباب الأول: التقدير والثناء:
يقول جون ماكسويل (مؤلف ومتحدث أمريكي): "الناس لا يعملون من أجل المال فقط. هم يعملون من أجل التقدير والشعور بأنهم جزء من فريق".
لا تستهن أو تستصغر أبداً كلمة "شكرًا"؛ فإن تقدير جهود الموظفين الذين يعملون في المؤسسة في كافة المستويات والتخصصات يحتاجون من مدير المؤسسة أو مسئول القسم مثل هذه الكلمات التي توحي بالتقدير والاهتمام، فهذه الكلمات وإن بدت بسيطة مثل "شكراً" أو "أحسنت" لها قوة هائلة وذات تأثير سحري على نفسية وشعور الموظف عندها يشعر بأن جهوده مقدرة ومعترف بها، فيتضاعف حماسه ورغبته في بذل المزيد. فهذا التقدير يخلق شعوراً بالانتماء والولاء اللامحدود ويؤكد للموظف أن دوره مهم في تحقيق أهداف المؤسسة. فتقديم الثناء على الانجازات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، يمنحهم شعوراً بالاعتراف بقيمتهم وأهمية عملهم ويصوب أنظارهم إلى المزيد من الجهود لتحقيق الأهداف زيادة الإنتاجية والتي هي نتاج زيادة في معدلات العمل والإنتاج والأداء.ويمكن أن يكون شكل التقدير علنيًا، مثل الإعلان عن موظف الشهر، أو شخصياً مثل رسالة شكر مكتوبة، أو شهادة تقدير، أو الشكر أمام زملاءه في العمل مما يرفع من شأنه وتمييزه ويدفعهم للمزيد من الابداع والابتكار والتحفيز والنشاط ليكونوا مكانه لاحقاً في مواقف أخرى، أو نشر قائمة بأسماء الموظفين المتميزين في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة.
2. الباب الثاني: التطور المهني والتدريب:
يقول بيل غيتس (مؤسس شركة مايكروسوفت): "إننا نستثمر في موظفينا أكثر مما نستثمر في أي شيء آخر، لأنهم أهم أصولنا"
لا يمكن لأي مؤسسة أن تنمو ما لم ينمو موظفوها، فتعمد إدارة المؤسسات على العمل الدؤوب والاجتهاد بشكل مستمر وواسع على تأهيل وتدريب الموظفين وفرق العمل المتخصصة وتطوير قدراتهم لخلق كفاءات مثمرة ومبدعة ومحفزة قادرة على التطوير والإبداع حيث يقول ريتشارد برانسون (مؤسسة مجموعة فيوجن): "ليس عليك أن تكون قائداً لتدرب الآخرين، فعندما تدربهم فإنك تمنحهم فرصة لصبحوا قادة"، فتوفير فرص التدريب والتعلم المستمر لا يطور مهارات الموظفين فحسب، بل يرسل لهم رسالة واضحة بأن إدارة المؤسسة تهتم بمستقبلهم المهني، مما يعزز ولاءهم ورغبتهم في البقاء. والاستفادة من هذه القدرات واستثمارها أتم استثمار بحيث تؤدي لزيادة نمو المؤسسة وتطورها وازدهارها، فالتدريب فرصة لتحفيز الموظفين فالموظف الطموح يبحث دائمًا عن فرصة للتعلم والنمو من خلال توفير فرص التدريب والتطوير والمشاركة الفاعلة في ورش العمل والدورات المتخصصة التي تساعدهم على تطوير وصقل مهاراتهم والارتقاء بها، وهذا لا يُعد استثمار في الموظفين فحسب بل هو استثمار في مستقبل المؤسسة، كما ويُعد اهتمام بالمسار الوظيفي على المدى الطويل.
3. الباب الثالث: المكافآت والحوافز:
يقول د. محمد حسين قطناني (مؤلف كتاب مهارات وفن التحفيز): "إن من أقوى وسائل التعزيز الثناء الصادق والمديح المتزن والكلام الجميل الممتلئ بالتقدير والشكر، فالإنسان بحاجة لإظهار الشكر والمديح على إنجازاته وسلوكياته الجيدة، فالتعزيز اللفظي من المحفزات القوية في تنمية السلوك وتقويمه".
وتُعد الحوافز المادية والمعنوية أساساً قوياً وجوهرياً لعملية التحفيز ودفع الموظفين للعمل بشكل قوي وتعزز فيهم روح العمل والولاء والانتماء والانطلاقة والمبادرة والمحافظة على بيئة عمل إيجابية.كما وتعتبر الحوافز المادية، سواء كانت مكافآت مالية أو علاوات محفزاً قوياً وضرورياً ـ رغم أن الجانب المادي ليس كل شيء، إلا أنه يظل أحد أهم المحركات ـ فهي تعكس قيمة الجهد المبذول وتضمن شعور الموظف بالعدالة مقابل عمله الذي يؤديه في المؤسسة وتميزه وابداعه في طريقة أداءه وأسلوب عمله، كما وتعتبر الحوافز بشكل أشكالها أنواعها طريقة مباشرة لتقدير الأداء المتميز وربطه بتحقيق الأهداف.يقول ريتشارد برانسون (رائد أعمال ومؤسس مجموعة فيرجن): "عامل موظفيك كما لو كانوا أغلى ما تملك، وستحصل على أغلى ما يملكونه" فالاهتمام بالموظفين وتحفيزهم ومعاملتهم على أنهم أغلى ما نملك وهم رأس المال البشري وأصل من أصول المؤسسة وهم أساس النجاحات والإنجازات هذا الاهتمام سيقابله شعور بالرضى والدافعية للعمل ويوفر مقومات النجاح والابداع والابتكار في بيئة عمل إيجابية حاضنة للكفاءات فحينها سيعطي الموظفين أكثر ما لديهم للمؤسسة في سبيل تحقيق الأهداف والغايات التي تطمح المؤسسة للوصول إليها.
4. الباب الرابع: بيئة العمل الإيجابية:
لا أحد منا يرغب في قضاء يومه في بيئة عمل متوترة أو سلبية تعكر صفو بيئة العمل وتفشل الجهود ويتراجع فيها الأداء، فبناء ثقافة تنظيمية في الشركة قيميَة إيجابية يشعر الموظفون من خلالها بالراحة والاحترام والثقة المتبادلة ويخلق بيئة تشجع على الإبداع والابتكار والعمل الجماعي ويقلل من الضغوط والتوتر.يقول مارك زوكربيرغ (الرئيس التنفيذي لشركة ميتا): "ثقافة الشركة هي كل شيء. بيئة عمل إيجابية تساعد على جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها".فثقافة الشركة الايجابية والقيمية كما يقول مارك زوكربيرغ هي كل شيء والمتمثلة في إيجاد بيئة إيجابية دافعة ومحفزة تتسم بالاحترام المتبادل، والتعاون، والتي تعمل على جذب الكفاءات والاحتفاظ بها، عندها يشعر الموظف بالراحة والأمان في مكان عمله، ويكون أكثر قدرة على الإبداع والإنتاج.
5. الباب الخامس: التوازن بين العمل والحياة:
يقول جاك ويلش (المدير التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك): "إذا كنت تريد أن تحقق النجاح، عليك أن تهتم بحياة موظفيك خارج العمل كما تهتم بحياتهم في العمل".
الموظف إنسان له مشاعر وأحاسيس وله ارتباطات شخصية وأسرية وعائلية وبيئة اجتماعية يتحرك فيها ومن خلالها فهو ليس مجرد آلة تعمل وتنحت في العمل دون مراعاة هذه المكونات التي ذكرناها فإن تشجيع التوازن بين العمل والحياة الشخصية يساهم في تقليل الإرهاق والتوتر، ويزيد من الصحة العامة للموظفين، مما ينعكس إيجاباً على أدائهم في العمل، فالموظف المنهك لا يمكنه أن يكون منتجًا، وإن تشجيع الموظفين على أخذ إجازاتهم، وتقديم خيارات عمل مرنة، ومراعاة ظروفهم الشخصية، يُبين مدى اهتمام إدارة المؤسسة بصحتهم ورفاهيتهم، مما يعزز شعورهم بالولاء للمؤسسة التي تقدرهم كبشر وليس فقط كأدوات للعمل.
6. الباب السادس: التمكين ومنح الثقة:
يقول جاك ويلش (الرئيس التنفيذي السابق لجنرال إلكتريك): "عندما تكون قائداً، مهمتك ليست أن تقوم بالعمل بنفسك بل أن تمكن الآخرين من القيام به بشكل أفضل مما كنت تتخيله".
إن جوهر التمكين هو إعطاء الموظفين المساحة الكافية من الاستقلالية والثقة في اتخاذ القرارات والتعبير عن المواقف واداراتهم بالكيفية التي يرونها مناسبة وتتماشى مع السياسة العامة للمؤسسة، فهذا يمنحهم شعوراً بالمسؤولية والملكية، هذا التمكين لا يزيد من كفاءة العمل فحسب، بل يشجع على الابتكار ويجعل الموظفين جزءاً فاعلاً في حل المشكلات وتحقيق الإنجازات التي تفوق التوقعات ويقول ستيف جوبز (المؤسس المشارك لشركة أبل): "إن وظيفتي ليست أن أكون سهل الإرضاء، بل أن أجعل الآخرين أفضل، عبر منحهم الأدوات المناسبة وإعطائهم الثقة في قدرتهم على تحقيق المستحيل".
7. الباب السابع: التواصل الفعال والمستمر:
يقول إيلون ماسك (الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس): "في سبيس إكس التواصل هو كل شي، إذا لم نكن نتواصل بشكل جيد، فلن ننجح في إرسال الصواريخ على الفضاء".
لا يمكن أن يحدث التحفيز في بيئة معزولة لا تواصل أو اتصال فعال فيها، لذا يتوجب أن يكون هناك قنوات تواصل مفتوحة بين الإدارة والموظفين، وفتح المجال للاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم، وإبلاغهم بوضوح بأهداف المؤسسة وتطلعاتها، هذا من شأنه أن يجعلهم يشعرون بأنهم جزء أصيل لا يتجزأ من المؤسسة ورؤيتها ورسالتها وأهدافها واستراتيجيتها يقول جاي كيوزي (رئيس شركة زابوس السابق): "عندما تشارك المعلومات مع الموظفين، فإنك تمنحهم الثقة. وعندما تمنحهم الثقة، فإنهم يمنحونك الولاء".فالتواصل الشفاف والمفتوح هو حجر الزاوية في بناء الثقة بالمتبادلة بين الإدارة والموظفين، فعندما تشارك إدارة المؤسسة المعلومات مع موظفيهم، وتعزز قنوات الاتصال والتواصل الفعال، فإنهم يمنحونهم إحساساً بالشفافية والتقدير، وهذا يقوي الروابط بين الموظف وإدارة المؤسسة، ويعزز الولاء على المدى الطويل.

الخاتمة:
إن بناء فريق عمل محفز ومخلص ليس مهمة صعبة، ولكنه يتطلب فهمًا عميقًا للاحتياجات الإنسانية والرغبات المهنية للموظفين، عندما تتبنى المؤسسات هذه الأبواب السبعة للتحفيز فإنها لا تزيد من إنتاجيتها فحسب، بل تخلق مجتمعاً من الموظفين الذين يؤمنون برسالة المؤسسة ويسعون لتحقيقها بكل إخلاص، في نهاية المطاف الولاء ليس شيئاً يمكن شراؤه بل هو نتيجة طبيعية للشعور بالانتماء والتقدير، والاحترام وهو جوهر عملية التحفيز، وهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي يؤتي ثماره على المدى الطويل.
التوصية:
التحفيز بكل أشكاله ومكوناته يُمكن المؤسسات أن تتحول من مكان للعمل كما هو متعارف عليه إلى بيئة عمل إيجابية حاضنة للنمو والابتكار والإبداع حيث يصبح الموظفون شركاء حقيقيين في النجاح ويرسمون بالمشاركة الفاعلة أهداف وغايات المؤسسة ويسعون لتحقيقها والوصول إليها بكل جدارة واجتهاد ليحققوا معاً ميزة تنافسية يشيد بها الجميع ونمو وازدهار مستدام.
رامي أكرم الغرباوي
كاتب مقالات في التنمية الإداريةأمتلك خبرة في كتابة المقالات في التنمية الإدارية، أحاول مساعدة القراء على الحصول على معلومات واسعة في المجال الإداري التنموي.