منذ انطلاقتها في عام 2009، أصبحت البيتكوين -أول عملة رقمية في العالم- محط اهتمام الكثيرين من المعجبين والمستثمرين وحتى المحتالين... ومع مرور الوقت، انضمت إليها جهات مؤسسية وهيئات تنظيمية تسعى لفهم هذا العالم الجديد.
بالنسبة للبعض، لم تكن البيتكوين مجرد عملة جديدة، بل هي ابتكار تقني أحدث ثورة في مفهوم العملات اللامركزية ووضع أساساً لنوع جديد تماماً من الاقتصاد -سوق العملات الرقمية-. أما بالنسبة لآخرين، فقد كانت فرصة لجني أرباح سريعة، وبينما نجح بعض المستثمرين الأوائل في تحقيق ثروات من وراء هذه العملة ودخول قائمة "مليونيرات البيتكوين"، فقد تكبد الكثيرون خسائر كبيرة إذ فقدوا مئات أو حتى آلاف الدولارات في محاولاتهم لتوقع تقلبات أسعارها.
توقعات سعر البيتكوين على المدى البعيد
بالفعل، تكبد الكثير من المتداولين خسائر مالية كبيرة في محاولة توقع تقلبات سعر البيتكوين. وعلى المدى البعيد، هناك آراء ذات موثوقية من أصحاب خبرة ونفوذ في المجال وضعو توقعات لمستقبل هذه العملة قد تكون متطرفة بعض الشيء. مثلاً، كاثي وود الرئيسة التنفيذية لشركة Ark Invest، توقعت أن تصل قيمة البيتكوين إلى 1.48 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
وذكرت مؤخرًا أنها تعتقد بأن البيتكوين سيصل إلى مليون دولار أمريكي في وقت أقرب مما كان متوقعًا. أما مايكل سايلور، المؤسس المشارك ورئيس شركة MicroStrategy، فقد أعرب عن اعتقاده بأن البيتكوين ستصل إلى 13 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2045.
المحلل البارز نيكولاس سيبيراس من شركة Collective Shift يشير إلى أن هذه التوقعات تعكس الدهشة الكبيرة من الارتفاع السريع والمذهل لقيمة البيتكوين.
ويقول سيبيراس: "من الصعب تحديد هدف سعري محدد، حيث يمكن أن تصبح السماء هي الحد الأقصى اعتمادًا على مستوى التبني والعوامل الخارجية في السوق."
لقد قطعت البيتكوين شوطًا طويلًا منذ أن كانت قيمتها أقل من سنت، وفي 15 عامًا وتحديدًا في 30 يوليو 2024، كانت قيمة البيتكوين تبلغ حوالي 66,700 دولار أمريكي. الفكرة بأن البيتكوين قد تصل يومًا ما إلى ملايين الدولارات لكل عملة، كما أشار سيبيراس، "تظهر حقًا مدى التقدم الذي حققناه."
ومع ذلك، في حين أن هذا النمو ممكن، فإن الانخفاض والانهيارات الكارثية واردة أيضًا.
كيف سيكون أداء البيتكوين في الثلث الأخير من عام 2024؟
أداء البيتكوين لبقية عام 2024 يعتمد على عدة عوامل قد تؤدي إلى ارتفاعه أو انخفاضه، مثل اهتمام المؤسسات المالية الكبيرة به، وتأثير تقليل مكافآت تعدين البيتكوين، والتغيرات في القوانين والأنظمة المتعلقة بالعملات الرقمية، والتوجهات الاقتصادية العالمية.
في عام 2023، تعرضت صناعة العملات الرقمية لصدمة قوية بسبب سلسلة من الإجراءات القانونية التي هزت الثقة في هذا القطاع. قامت لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية (CFTC) برفع دعوى مدنية ضد بورصة العملات الرقمية Binance ومؤسسها والرئيس التنفيذي تشانغبينغ تشاو (CZ).
لكن في نوفمبر من العام الماضي، توصلت Binance إلى تسوية مع وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة العدل (DoJ)، حيث وافق تشاو على التنحي وتسليم زمام الأمور كجزء من الصفقة.
ويشير سيبيراس إلى أن الأهم هو أن Binance لم تُتهم بسوء استخدام أموال العملاء و"لم يشهد السوق انهيارًا مصرفيًا على المنصة."
وأضاف: "كان هذا أحد أفضل النتائج التي كان يمكن للسوق أن يأمل فيها، ونتيجة لذلك، شهدت أسعار العملات الرقمية ارتفاعًا."
إضافةً إلى ذلك، أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى أن البنك المركزي قد يكون وصل إلى ذروة رفع أسعار الفائدة، وهو ما يعتقد الخبراء، ومنهم سيبيراس، أنه قد يكون دافعًا لارتفاع سعر البيتكوين خلال عام 2024.
وفقًا لأداة FedWatch من مجموعة CME، اعتبارًا من 30 يوليو، هناك احتمال بنسبة 95.9% بأن أسعار الفائدة ستظل كما هي في الاجتماع القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومع ذلك، تتوقع مجموعة CME احتمالًا بنسبة 97.5% لخفض الفائدة مرة واحدة على الأقل قبل نهاية العام.
عندما تستقر أسعار الفائدة أو تنخفض، في الغالب حينها تكون العملات الرقمية مثل البيتكوين وجهة جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن حماية لرؤوس أموالهم من تآكل قيمة العملات التقليدية، خاصةً مع الندرة المتزايدة للبيتكوين.
تشير أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) في الولايات المتحدة إلى أن التضخم أصبح تقريبًا تحت السيطرة. أظهرت الأرقام الأخيرة انخفاضًا طفيفًا في أسعار السلع والخدمات من شهر لآخر، ومن المهم بالنسبة للمتداولين متابعة معدل التضخم في الإنفاق الاستهلاكي الشخصي (PCE)، لأن احتمال رفع أسعار الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي مجددًا وارد جداً إذا بدأ التضخم في الارتفاع مرة أخرى.
الان بعد أن تم اعتماد 11 صندوق استثمار متداول للبيتكوين (ETFs) للتداول، شهد السوق تدفقًا كبيرًا لرؤوس الأموال نحو البيتكوين، تقوم المؤسسات المالية بجمع البيتكوين لدعم حصص هذه الصناديق، مثلا منذ إطلاق صندوق BlackRock في أوائل يناير، تم ضخ حوالي 20 مليار دولار أمريكي فيه، بالإضافة إلى 16.6 مليار دولار أخرى تدفقت إلى الصناديق الأخرى.
هذه التدفقات المستمرة لرؤوس الأموال يمكن أن تخلق ضغط شراء مستمر على البيتكوين قد يؤدي إلى زيادة سعره بشكل أكبر مع نهاية العام.
مستقبل البيتكوين؟
عند التنبؤ بمستقبل البيتكوين، هناك احتمالان يمكن التفكير فيهما: السيناريو الإيجابي والسيناريو السلبي.
السيناريو الإيجابي
يعتقد سيبيراس أن مستقبل البيتكوين المشرق قد يعتمد على قوة أو ضعف الأنظمة المصرفية التقليدية.
يقول: "هناك مشكلات جدية في الاقتصاد العالمي، حيث تواجه الولايات المتحدة أزمة مصرفية وديونًا متزايدة. شهدنا العديد من الانهيارات المصرفية في عام 2023، لكن الكثيرين ينسون أن المشكلة الأساسية وراء هذه الانهيارات لا تزال موجودة."
من جانبه، إذا استمرت الانهيارات المصرفية في عام 2025، فقد تضطر الحكومة للتدخل من خلال تقديم حوافز مالية أو طباعة المزيد من الأموال، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي كما حدث خلال جائحة كوفيد-19.
في هذا السيناريو، قد تصبح البيتكوين جذابة كأصل آمن وموثوق به، يتمتع بكمية محدودة من العرض حيث لا يمكن تغيير قواعده بسهولة.
هناك طلب متزايد على استخدام شبكة البيتكوين، هذا الطلب المتزايد بالإضافة إلى الرسوم التي يحصل عليها المعدنون، يمكن أن يساعد في تأمين مستقبل البيتكوين على المدى الطويل. وأيضًا، يمكن أن يؤدي التوسع في استخدام شبكة Lightning Network، التي تتيح إجراء معاملات أسرع، إلى جعل البيتكوين وسيلة دفع بدلاً من مجرد وسيلة للاحتفاظ بالقيمة.
إذا استمرت البيتكوين في التوسع في مجال المدفوعات، فستصبح أكثر فائدة وتقترب من تحقيق أهداف الأسعار المرتفعة.
وهذا ما يقوله سيبيراس: "نحن نرى بوادر مبكرة على تبني شبكة Lightning، فقد زادت المدفوعات عبر هذه الشبكة بنسبة 1,212% خلال العامين الماضيين، وبدأت تتخطى العقبات التي كانت تواجهها."
ويشير سيبيراس أيضًا إلى أن اعتماد صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين (ETFs) كعامل رئيسي سيرفع من قيمة البيتكوين من الآن وحتى 2025. فهذا الاعتماد لم يتطلب فقط شراء البيتكوين الفعلي، مما أدى إلى رفع الأسعار، بل أعطى أيضًا مصداقية أكبر للعملات الرقمية بشكل عام.
ويقول: "قد يؤدي هذا الاعتماد إلى ضخ ما بين 30 مليار دولار و300 مليار دولار في البيتكوين." وبالفعل، حتى شهر يوليو 2024، جذبت هذه الصناديق الجديدة 36 مليار دولار من أموال المستثمرين نحو البيتكوين.
القواعد الجديدة التي وضعتها هيئة المحاسبة الأمريكية لتسهيل عملية الإبلاغ واحتفاظ الشركات بالعملات الرقمية ستبدأ في ديسمبر 2024. هذه القواعد الجديدة ستزيل عقبة كبيرة أمام الشركات التي ترغب في الاحتفاظ بالبيتكوين في ميزانياتها.
السيناريو السلبي
كما هو الحال مع أي استثمار، هناك مخاطر محتملة في البيتكوين، من أبرزها القلق بشأن أمان البيتكوين على المدى الطويل، خاصة مع تقليص مكافآت التعدين. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ضغط البيع على المدى القصير إلى تراجع سعر البيتكوين.
هناك أيضًا جدل حول "النقوش" التي تُخزن على شبكة البيتكوين مثل الفيديوهات والملفات الصوتية والنصوص. ورغم أنها قد تساهم في تحقيق دخل للنظام، إلا أن بعض أعضاء المجتمع يرون أنها تُزحم الشبكة وتؤثر على كفاءة عملها.
كما أن هناك مخاوف بيئية وسياسية من الممكن أن تكون لها تأثيرات سلبية على البيتكوين، مثل الهجوم الحاد على استهلاك البيتكوين للطاقة عند تعدينه. فقد اقترح البيت الأبيض مؤخرًا فرض ضريبة على مُعدّني البيتكوين في الولايات المتحدة. إذا استمرت الحكومات في الضغط على عمليات التعدين، سيتأثر سعر البيتكوين.
وأخيرًا، هناك قوانين مثل مكافحة غسيل الأموال (AML) و"اعرف عميلك" (KYC) التي تزيد من تعقيدات استخدام البيتكوين، مما قد يشكل تهديدًا للصناعة إذا أصبحت المتطلبات صعبة الامتثال.
إذا هل البيتكوين استثمارٌ مجدي؟
الاستثمار في البيتكوين يحمل معه فرصًا كبيرة وينطوي عليه مخاطر تستدعي الانتباه. فهم هذه المكاسب والمخاطر هو الأساس لاتخاذ قرار مستنير.
بوجه عام، هناك تفاؤل حول مستقبل سعر البيتكوين، مع تحسن الظروف الاقتصادية عام 2025 وما بعدها، والتطورات في شبكة Lightning التي تعزز سرعة التعاملات، بالإضافة إلى إدراج صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين (ETFs).
لكن، هذا التفاؤل لا يخلو من التحديات المحتملة.
يرى البعض أنه إذا استمرت الحكومات في استهداف البيتكوين، وزاد الجدل السياسي حول استهلاكها للطاقة، فقد يؤثر ذلك على استدامة البيتكوين على المدى البعيد.
من بين القضايا المهمة التي تواجه البيتكوين على المدى الطويل هي مسألة الأمان، خاصة مع انخفاض مكافآت التعدين.
يقول سيبيراس حول ذلك: "إذا لم يزداد تبني البيتكوين بشكل كافٍ، أو لم تكن الإيرادات من رسوم المعاملات محفزة للمعدّنين لتطوير أجهزتهم وتعدين المزيد من البيتكوين، فإن مستوى الأمان قد يتراجع، مما يشكل تهديدًا على الشبكة بأكملها."
لكن حدوث هذا السيناريو صعب ما دام الاهتمام الحالي بالبيتكوين أو بالعملات الرقمية عامة قائم، واندثارها كأصل استثماري لن يكون سهلًا، لذلك هناك تفاؤل كبير حول مستقبل البيتكوين.
أخيرًا
على الرغم من أن عملة البيتكوين تتمتع بإمكانات كبيرة، إلا أنها تنطوي أيضًا على مخاطر كبيرة بنفس القدر. يجب عليك كمستثمر التفكير بعناية في مدى تحملك للمخاطر وأهدافك في الاستثمار قبل الانغماس في عالم البيتكوين، وكما هو الحال مع جميع الاستثمارات، فمن الحكمة إجراء البحث بنفسك، وإذا أمكن استشارة خبير مالي.
عن الكاتب
Mohamad MH
كاتب محتوى