ما مركزك و أنت تسير إلى الله؟ خمول و كسل قد يغشى عبادتنا فجأة و الحل في آية أتقاكم.

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوليقول سبحانه: ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾[سورة الحجرات/ الآية 13 ]، أسأل الآن، من هو أكرم شخص عند الله من بيننا نحن البشر؟ و أقصد بسؤالي الأحياء دون الأموات، فقط الأحياء الذين يضربون فوق سطح الأرض في هذه الساعة التي تقرأ فيها أنت هذه الكلمات! ترى كيف سيكون شعور هذا المرء الذي إذا علم أنه الأكرم عند الله من بين مليار و أربعمائة مليون مسلم؟ أغير كلمة « الأكرم » و أضع بدلها « المركز الأول »، هكذا سيكون التساؤل أقوى وقعا على قلبك، من هو صاحب المركز الأول في التقوى الآن؟ كيف ستشعر أنت؟ نعم أنت، كيف ستشعر إذا وردك نبأ مفاده أنك صاحب المركز الأول؟ فقط التفكير في هذا يجعل جسدي مغمورا بالسعادة اللانهائية، أنا، أنا من بين كل هؤلاء أستحوذ على المركز الأول في امتحان التقوى!؟
التقوى و التقصير
مستحيل أن أحظى بالمركز الأول، و تفزعني كلمة « مستحيل » هذي! لم؟ لم الأمر مستحيل؟ أراجع نفسي – راجع نفسك أيضا – بتأن، أسألُ، ماذا فعلتُ حتى أتأهل لذلك المركز؟ أصلي؟ أصوم؟ أزكي؟ أتصدق؟ أقول خيرا؟ أساعد المحتاج؟ أزيل عن أخي الكربات؟ أحض على طعام المسكين؟ أتلو القرآن؟ أطيع والدي؟ أصل الرحم؟ آمر بالمعروف؟ أنهى عن المنكر؟ أصبر على ما أصابني؟ أتواضع؟ أتلطف؟ أغض بصري؟ أقوم الليل؟ أحرص على المال الحلال؟.....ماذا أفعل من كل هذا؟ ماذا حققت من هذه؟ – افتح التاء أو اكسريها فالسؤال لي و لكما – ماذا فعلنا حتى نستحق المركز الأول؟ أو على الأقل المراكز الأولى؟ لا شيء! نعم لا شيء، هل أبالغ؟ حسنا أسألك، برأيك ما المركز الذي تضع نفسك فيه من بين مليار و أربعمائة مليون تقريبا؟ – و العدد يزداد كل لحظة بالمناسبة، و الحمد لله – تكلم، أخبرني، المرتبة الخامسة...لا تفرح، لم أكمل، المرتبة الخامسة بعد المليار؟ لا أريد أن أحبطك، لكن ببساطة نحن مقصرون في عبادتنا لله عز وجل، كيف؟ اسمع هذا، عفوا أقصد اقرأ هذا و اسمعه بقلبك. نصلي عنوة، بل منا من يقول: دعونا نزيل صلاة الظهر عنا، نعم، أسمع ذلك كثيرا، و كنت أقولها – هدانا الله – أنا أيضا.
ويل يخص المسلمين
يقول سبحانه: ﴿ فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾[سورة الماعون/ الآية 3-4] تمعن في الآية، لن تحتاج إلى تفسير، فالتفسير درجات، و من درجاته تفسير يعرفه عامة الناس الناطقين بالعربية طبعا، بكل بساطة فالآية فيها وعيد للمسلمين، و هل ظننت أن الوعيد من نصيب الكفار فقط؟ لا، إنه من نصيبنا نحن أيضا، أقصد لبعض منا. لاحظ أن الله تعالى وصف هؤلاء الذين توعدهم بــالمصلين، بمعنى أنهم أيضا يصلون، لكن الفرق أنهم ساهون عن صلاتهم، يؤخرونها عمدا لا اضطرارا، يؤخرونها متعمدين لا متعذرين، فكر الآن و اسأل، هل أنا من هؤلاء؟ إن كنت منهم فأبشرك....لا، لن أقول فأبشرك بعذاب أليم – أعاذنا الله منه – بل سأقول أبشرك ما دمت حيا، فما دامت الروح يحويها جسدك الفاني فهنيئا، يمكنك فعلها، يمكننا فعلها معا، يمكننا أن نتوب من هذا التقصير و نصلي صلواتنا في وقتها.
سلم المراتب
هل أحسست بالأمر كما أحسست به أنا؟ أقصد حين تحاول أن تضع نفسك في مركز من مراكز التقوى، أتحس أنك في الصفوف المتأخرة مثلي؟ أكيد ستحزن صحيح؟ و لو حزنت حقا فأبشرك للمرة الثانية، إنما ذلك من علامات الإيمان، فإنك لا ترضى أن تكون في قعر سلم المراتب، لا سيما أن هذا الذي نجري الاختبار على يديه هو الله جل جلاله، هو الله، أكررها، هو الله يا عبد الله، ليس هو رئيس شركة، أو وزير، أو ملك، أو...على ذكر الملك، تخيل لو أن ملكا أو رئيسا لدولتك جعلك من المحببين لديه، أعلمك أنه يحبك و أنه تحت رغباتك، يلبي لك منها ما شئت و أنى شئت؟ أما كنت ستطير فرحا؟ فكيف بك إذن و أنت محبوب لدى مالك الملوك؟ الله جل جلاله.
المحبة الإلهية و البشارة
أن يحبنا الله عز وجل هو أمر يسير – بإذن الله – أيسر مما تتوقع، فقط علينا تطبيق هذه القاعدة، فلتقلها معي، « أن يجدنا حيث أمرنا و يفتقدنا حيث نهانا ». أرأيت؟ قاعدة سهل تطبيقها بحول الله و قوته، يقول عز من قائل: ﴿و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه، و بشر المؤمنين ﴾[ سورة البقرة/ الآية 223 ] أفرحتني ﴿ و بشر المؤمنين ﴾ هذي، رائعة، تبعث في قلبي طمأنينة لا مثيل لها، أتنفس الصعداء حين أسمعها، خصوصا و أن الله أعلمنا بفحوى هذا التبشير فقال في آية أخرى: ﴿ يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان و جنات لهم فيها نعيم مقيم﴾[ سورة التوبة/ الآية 21] كم هذا رائع! نعيم مقيم، نعيم سرمدي، يا لسذاجتنا، نغتر بدنيا فانية فنعصي الله لنفوت علينا نعيما أبديا لن نحققه إلا بنيل مرضاة الله! عجيب، و الله عجيب أمرنا! أعود لسؤالنا، ما مركزك عند الله؟ كرر هذا السؤال على نفسك كلما أصابك تقصير و خمول في عبادتك، كن متأكدا أن مرتبتك ستتغير بحول الله، اسع إلى نيل مرضاته و سيسعى هو – جل جلالة – لنيل رضاك، ما الذي تقوله؟ نعم، نعم، اقرأ قوله تعالى و تدبره ﴿ رضي الله عنهم و رضوا عنه ﴾[ سورة البينة/ الآية 8 ] أي رضي عنهم لطاعتهم إياه في الدنيا، و رضوا عنه لما نالوه من نعيم مقيم.
خلاصة:

افترض دائما و باستمرار الرقم الترتيبي الذي تستحقه – في نظرك – داخل سلم التقوى، فلعل ذلك يقوي عزمك لبلوغ أعلى المراتب عند رب العالمين.

محمد مرزوق
أستاذ و كاتبمحمد مرزوق، من مواليد سنة 2001 بمدينة فاس المغربية، تلقى تعليمه بمختلف مستوياته بالمدارس العمومية في مسقط رأسه، و لما بلغ من العمر 18 سنة حصل على شهادة الباكالوريا في سلك الآداب و العلوم الإنسانية بميزة حسن سنة 2019. اختار إكمال تعليمه العالي في كلية الآداب و العلوم الإنسانية التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قبل أن يحصل على الإجازة الأساسية في الدارسات الإسلامية سنة 2022 بميزة حسن جدا. يشغل الآن منصب أستاذ التعليم الإعدادي، مادة التربية الإسلامية.
تصفح صفحة الكاتب