مأدبة العلم بين المنهج والسلوك المجتمعي

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
" منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ" ، هدى نبوي وكلمات تشع نورا للتشجيع ولأخذ يد كل طالبٍ لمعرفة وأهمية العلم في حياتنا وكيف أننا نطلبه في أي مكان في العالم ونتحمل من أجله الكثير ، فمن عرف أهميته ستهون كل المتاعب من أجله ، فتحصيله والتزود منه قمة المتعة ، وسعادةٌ من ذاق حلاوتها سيطلب منها المزيد.
فالعلم مأدبة تحتاج من كل الجالسين حولها معلمًا كان أو طالبًا أن يمد سنوات عمره كلها جعبة ؛ ليغترف من العلم وأن يهب عقله وقلبه طائعا ؛ لكي ينثر زهورا في صحراء الجهل وعدم المعرفة .
وهناك ثلاثية العلم ( طالب العلم والمعلم والتعليم ) لابد وأن تتضافر لتحويل صحراء الجهل لجنة من العلم والمعرفة .
فطالب العلم ينشد معلمًا ناصحًا أريبًا صبورًا ينهل عنه ليملأ فراغات المستقبل البعيد ، وأن يضع معلمه في مكانه الصحيح من حيث التبجيل:
قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
ويتمنى المعلم طالبًا أمينًا مناضلًا واثقًا من زمام أمره لحمل عبء مستقبل بأكمله ، وأن يؤمن بأن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن علمه هذا لابد من نقله بأمانة وتوريثه لطلابه .
وينشد التعليم يدًا أمينة تعيه وتدرك غايته وتطور كافة أدواته .
فيأتي الواقع ليقلِّب الأبصار ويعكس الأدوار بل ويكاد ينفيها ، فنرى معلمًا لا يفقه مهمته ، ويبعد عن غايته ، ظانًا كامل الحق معه ، متلبسًا بثوب الحنكة والخبرة والدربة فينفصل عن تلميذه فكرًا وعقلًا وقلبًا ، ولو بادر المعلم في كافة مواقعه التعليمية إلى ذلك العقل الصغير الذي ينشِّئه وينميه ليضرب به في معترك الحضارات لأدرك قصور الحاضر فعالجه وأمان المستقبل فقومه ، ولوجدنا تلميذًا لا ينقطع اتصاله بماضيه قط ، ولا يشط عن مستقبله بمقدار حرف أو نقْط .
لكنها الهوة تتسع ، فلا طالب العلم موصول الفهم بماضيه ، ولا المعلم قابعٌ على هدفه ليرويه ، زادُ الفلاح الصبر وغاية الأمل عدم الضجر ، وسدنة المقام وحفظة المهام وقوة الأثر في إدراك مكانة العلم والأجر ، وغاية الوزر وسوء الفكر وقبح الأثر في ارتفاع المأدبة عن سطوع الفجر ، فظلام العقول كاد يعمي وغفلة القلوب كادت تدمي وصلاح الأمة عن بكرة أبيها في فلاح ما ترمي، فيا طالبًا أخفق و يا معلمًا أغرق و يا تعليمًا ترقرق ، رحماكم بمستقبل ينزف وحاضر مقرف .
ما أعجبها زهرة التعليم في بساتين العلم ، ظمأى لمن يهذبها ويرويها ، أكاد أرى في تلك البساتين قليلًا من الأيدي الراعية والغلمان النابهة ، والجفاف يكاد يقتل زهرة خضرتها إلا من بعض ريِّ هو الإيمان بثقل ما نحمل طلابًا ومعلمين.
الفرد الفرد ، هو باني الأمجاد ومحطم الأصفاد ، لو أصلح نفسه واهتم بأمره وباشر واجبه وأدى أمانته لصلحت الحياة ودامت النجاة ، صدقت يا خير من ربَّى وأكرم من نصح وأنقى من علَّم وأنبه من تعلم حين قلت: " كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته " ، صلى الله عليك وسلم يا أطهر خلق الله .
مأدبة العلم ترجو إخلاص من شرفهم الله بالجلوس عليها ، فلا تلوثوا طعامكم ولا تفسدوا شرابكم ولا تسمموا مطعوميكم ، وأنتم يا من تطعمون من فضل الله ، تأدبوا إذا طعمتم وأحسنوا وأجيدوا صنع ما ذقتم.

محمد محمد جابر متولي
محمد جابر المتوليشاعر وكاتب مسرح وعضو اتحاد كتاب مصر لي أربعة دواوين شعر ومجموعة مسرحية أمين مساعد الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر 2012 محاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة
تصفح صفحة الكاتب