كوروش العظيم { إجحاف حق أم خطأ تاريخي }

الكاتب

د. تايا توماني

إن اجحاف الحق التاريخي ظاهرة تستدعي التأمل العميق ، حيث يمكن أن يُنظر إليها من زوايا متعددة قد يكون هذا الاجحاف ناتجاً عن خطأ تاريخي يتمثل في مغالطات وأخطاء غير مقصودة تعكس عدم دقة في توثيق الأحداث أو فهمها

التاريخ بطبيعته هو حقل معقد يتداخل فيه الواقع مع التفسيرات الشخصية مما يؤدي إلى تشويه الحقائق

كوروش الكبير المعروف أيضاً بكوروش الثاني ، هو مؤسس الإمبراطورية الفارسية الأخمينية في القرن السادس قبل الميلاد

( أود تنبيه القارئ تم تأسيس الأخمينية في القرن السادس إي آنذاك عصر حديد ) وُلد في حوالي 660 قبل الميلاد

وهو مشهور بـتوحيده لممالك فارس وميديا وليديا تركيا واليونان حالياً ، مما أدى إلى إنشاء واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ

كوروش كان قائداً عسكرياً بارعاً ، وقد عُرف بسياساته المتسامحة تجاه الثقافات والأديان المختلفة في المناطق التي غزاها يُعتبر أيضا مؤسس حقوق الإنسان

و قد تمت سرقت حقوق الإنسان و تنسيبها للآشورية ولا أعلم لماذا كل هذا الاجحاف ؟

حيث أصدر ما يُعرف بـ إعلان كوروش ، الذي يعكس مبادئ الحرية والعدالة

تاريخ كوروش يبرز كـرمز للحكمة والقيادة ، وقد ترك إرثاً عميقاً

في الثقافة الفارسية والعالم بأسره

تُعتبر الإمبراطورية الأخمينية التي أسسها الملك العظيم كورش أول وأعظم إمبراطورية مترامية الأطراف في التاريخ ، حيث امتدت حدودها غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً عبر مساحات شاسعة من الأراضي ، على الرغم من وجود إمبراطوريات سابقة إلا أنها كانت محدودة من حيث الحدود وضعيفة عسكرياً واقتصادياً ، تمثل هذه الإمبراطورية نقطة تحول في تاريخ البشرية إذ كانت الأولى من نوعها التي جمعت تحت رايتها شعوباً وثقافات متنوعة

تُعتبر الهوية المرتبطة بذو القرنين موضوعاً ذا أهمية كبيرة حيث يجمع الجميع على أن القرآن الكريم هو كلام الله الصادق ، تروى القصة حول هذا الملك الصالح الذي مُكّن له في الأرض و يُعتبر أول من حكم إمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف بإرادة الله بإستثناء الرسل والأنبياء

رحلة المغرب:

{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا}

و كما هو معروف تناول القرآن الكريم بداية رحلة ذو القرنين عندما اتجه نحو مغرب الشمس حيث بلغ عيناً حمئة وقد أشار المفسرون إلى أن العين الحمئة تعني بحراً يُعرف بلونه الأسود ، حيث يظهر ماؤه كأنه باللون الأسود

و فيما يتعلق بتسمية البحر الأسود فلا يمكن إنكار أن الاسم يعود إلى سواد مائه

وقد اختلفت الآراء حول الأسباب وراء ذلك حيث يُعتقد أن الكثافة العالية للكبريت أو الطحالب الدقيقة المحيطة قد تكون عوامل مؤثرة في هذه التسمية

تفسير عين حمئة لإبن العثيمين رحمه الله

صورة للبحر الأسود نهاراً { كانت مملكة ليديا مطلة على البحر الأسود }

في دراسة التاريخ يُعتبر كوروش الأول رمزاً للقيادة الفذة حيث يُعرف بأنه أول ملك في التاريخ ومؤسس أعظم إمبراطورية شهدها العالم امتدت إمبراطوريته لتشمل مناطق واسعة حيث كان من أوائل من وصلوا إلى حدود البحر الأسود

تقع مملكة ليديا التي كانت تُعتبر جزءًا من الإمبراطورية في غرب تركيا واليونان الحالية وتُعد من أقدم المناطق التي سُجلت عبر العصور

و تُقسم الأرض وفقاً لخط غرينتش إلى قسمين: المشرق والمغرب ومن المثير للاهتمام أن الجزء الأكبر من تركيا بما في ذلك ليديا وكيليكيا وبونتوس

يقع في الغرب إضافة إلى اليونان ، كانت ليديا هي الوجهة الأولى التي اتجه إليها كوروش قبل أن يعود إلى المشرق متجهاً نحو بلاد الهند والسند وما وراءهما

مما يعكس طموحاته الواسعة ورؤيته الاستراتيجية

موقع البحر الأسود غرباً في تقسيم الكرة الأرضية كذلك بلاد الرافدين بابل وآشور

كوروش العظيم الذي يُعتبر ملك ليديا وميديا هل يتم اجحاف حقه خوفاً من أن يُعبد قبره أو يُعبد هو ذاته؟ من الجدير بالذكر أن الفرس منذ فجر التاريخ

لم يميلوا إلى عبادة الأصنام ، حيث يعتبرون الوثنية ديانة دخيلة لا تتماشى مع تاريخهم وهويتهم الثقافية

بالإضافة إلى ذلك على مدار السنوات الماضية شهدت بعض الحفريات محاولات لاستكشاف ما تحت الأرض حيث عُثر على تابوت قديم يحتوي على جثة محفوظة بشكل مذهل أي رجل صالح جسده باقي ، ومع ذلك تبين أن هذا الشخص ليس كوروش نفسه بل أحد أفراد سلالته و تم دفن هذا الفرد في موقع آخر بعيداً عن مناطق العمل

هنا يبرز التساؤل: لماذا لم يُعبد؟ بالنسبة للفرس تُعتبر الهوية الوطنية أهم من أي شيء آخر حيث يُنظر إلى الوثنية كديانة دخيلة تتعارض مع الهوية الفارسية الأصيلة

أيضاً تُعتبر الحضارة الأخمينية التي كانت أولى الحضارات على وجه الأرض موحدة لله لذا يثير تساؤلات حول سبب وصف المؤرخين لهذه الحضارة بعدم التوحيد ؟!

{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ} يذكر القرآن الكريم أن الرجل بدأ رحلته متجهاً نحو الجهة التي تغرب فيها الشمس ثم عاد بعد ذلك متجهاً شرقاً ثم اتجه شمالاً

حتى وصل إلى المنطقة المعروفة بين السدين وهما جبلان يفصلان بين أراضي التُرك وبلاد الكرج المعروفة حالياً بجورجيا وسميّ بـسد كوروش بالقرب من السد هناك نهر كورش الذي سُمي أيضاً نسبةً للملك العظيم كورش و يعرف اليوم بنهر كورا أيضاً هناك قرية سُميت بـ كوروش تيمناً بالملك العظيم اليوم هي جزء من داغستان تقع بالقرب من سلسلة الجبال الفاصلة لبلاد التُرك { أهل المنطقة هم أدرى و أحرى بالقائد الصالح الذي أتَاهم ولن تأتي التسمِيات من باب الصُدفة }

و عند استعراض تاريخ الملوك في العصور القديمة وإمبراطورياتهم نجد أن معظمهم اتجهوا شرقاً في رحلاتهم ، غير أن الملك العظيم كورش يُعتبر استثناءً ملحوظاً حيث اختار التوجه غرباً كما ذُكر في القرآن الكريم ، هذه الظاهرة تعكس التوجهات الاستراتيجية المختلفة للملوك في تلك الحقبة وتُبرز أهمية كورش في التاريخ كقائد غير تقليدي

إذا نظرنا إلى التاريخ بموضوعية ودون اجحاف لتاريخ كوروش العظيم سنجد أن من ألقاب كورش دلالة واضحة على كونه "ذو القرنين" كـ ملك الزوايا الأربع للعالم و ملك المغرب والمشرق و راعي الرب و ملك ليديا وميديا " ليديا غرباً و ميديا شرقاً "

والدليل الأكثر وضوحاً على ذلك هو بداية رحلته غرباً حيث يُعتبر أول ملك في أول إمبراطورية عظيمة تبدأ من الغرب متجهاً نحو ليديا تُعرف اليوم بتركيا و اليونان وهذه الحقائق تُبرز الأهمية التاريخية لكورش ودوره الفريد في تشكيل العالم القديم { تُعتبر اليونان و غرب تركيا إي مملكة كيليكيا و البونتوس جزءً من أوروبا منذ فجر التاريخ }

رحلة المشرق:

{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطۡلِعَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَطۡلُعُ عَلَىٰ قَوۡمٖ لَّمۡ نَجۡعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتۡرٗا (90) كَذَٰلِكَۖ وَقَدۡ أَحَطۡنَا بِمَا لَدَيۡهِ خُبۡرٗا (91) ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا}

وذكر في أخبار بني إسرائيل أنه عاش ستمائة سنة يجوب الأرض طولها والعرض حتى بلغ المشارق والمغارب { كورش ولد في سنة 660}

نظراً للتغيرات الجغرافية التي نشهدها في عصرنا الحالي يصبح من الصعب

تحديد الأراضي التي تخلو من الجبال أو الأشجار ، فاليوم جميع دول شرق آسيا تتميز بتضاريس جبلية كما قد يكون المُشار إليه في القرآن هو وجود مساحات شاسعة مستوية بين الجبال ومن الممكن أن تكون هناك أيضاً مساحات واسعة بعيداً عن حدود أراضيهم ، تفصل بينهم و بين الجبال والله أعلم

تفسير ابن جرير الطبري

رحلة الشمال:

قال المفسر أعلاه وهما سدان كانا سلاسل جبال { لو نبحث تاريخياً وجغرافياً نجد سلاسل جبال القوقاز الوحيدة التي كان يفصل بينها معبر واليوم هو مسدود بحديد

قبائل يأجوج ومأجوج

تعتبر قبائل يأجوج ومأجوج من الأسماء التي ارتبطت بالتاريخ القديم

حيث تُشير المصادر التاريخية إلى أنها كانت إحدى القبائل السكوثية ، تُعرف هذه القبائل بكونها بدائية مقارنة بالقبائل السكوثية الأخرى التي كانت تتمتع بنظام اجتماعي وثقافي أكثر تطوراً ، أن موقع هذه القبائل كان خلف سلسلة جبال القوقاز ومضيق داريال

أيضاً عند استعراض الأحداث التاريخية نجد أن هناك اتحاداً بين القبائل السكوثية المتطورة وقبائل البختيارية الفارسية والتي يُعتبر أبرز فروعها مثل البارثية والأخمينية ، وتُعرف بإتحاد قبائل داهاي ، يُشير هذا الاتحاد إلى تفاعلات معقدة بين الثقافات المختلفة حيث لعبت هذه القبائل دوراً محورياً في الأحداث السياسية والعسكرية في الشمال وخاصة في علاقاتها مع الفرس

وتجسد هذه الأحداث التاريخية التحولات التي شهدتها المنطقة حيث كان تأثير القبائل السكوثية واضحاً في تشكيل العلاقات السياسية والاقتصادية مع الفرس

مما يعكس أهمية هذه القبائل في التاريخ القديم

{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ} كانت بلاد القوقاز يتواجد بها الحديد والنحاس بوفرة

قبل اكتشافه في القرن السادس في مدينه زاغه شمال إيران قرب القوقاز

.

{قَالَ ٱنفُخُواْۖ} لو اعدنا النظر للتاريخ لوجدنا أول من صنع واستخدم منافخ الهواء للنار هم شعب القوقاز

و منعاً لأي اجحاف بحق كوروش العظيم وضحنا رحلتيّ المغرب والمشرق

لأول ملك في التاريخ يجوب مناطق شاسعة و يُنشئ أول إمبراطورية عظيمة

ابتداءً من جهة مغرب الشمس

و سنقوم بإستعراض الإشارة إلى الحديد في القرآن الكريم وسنسعى لفهم المدة الزمنية التي بدأ فيها عصر الحديد ومتى انتهى. كما سنستعرض بعض الملوك الذين عاصروا هذا العصر

العصور القديمة تُعتبر الفترة الزمنية التي بدأت حوالي 3000 قبل الميلاد

عندما ظهرت الكتابة في حضارات مثل مصر القديمة وبلاد الرافدين

أما بالنسبة لنهاية العصور القديمة فهي تُعتبر عادة في عام 476 ميلادي

وهو العام الذي يُعتقد أنه شهد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية

عصر الحديد هو فترة تاريخية تتعلق بتطور استخدام الحديد في صناعة الأدوات والأسلحة بدأ عصر الحديد في حوالي 1200 قبل الميلاد واستمر حتى حوالي 700 قبل الميلاد ( تنويه كورش مولود في سنه 660 قبل الميلاد قبل إنتهاء عصر الحديد بمائة عام )

يمكن أن تختلف التواريخ الدقيقة حسب المنطقة الجغرافية ، حيث بدأت بعض الثقافات في استخدام الحديد في وقت لاحق لكن بشكل عام هذه هي الفترة الزمنية التي يُعتبر فيها عصر الحديد قد بدأ وانتهى

عهد النبي داوود يُعتقد أنه كان في الفترة بين القرن الحادي عشر والقرن العاشر قبل الميلاد يُعتبر داوود شخصية تاريخية ودينية مهمة في الديانات الإبراهيمية

وقد تم ذكره في الكتاب المقدس والتوراة

تحديد التاريخ الدقيق قد يكون صعباً ولكن يُقدر أن فترة حكمه كانت حوالي 1010 إلى 970 قبل الميلاد ، يُعتقد أن عصر الحديد بدأ في زمن النبي داوود. وفقاً للتسلسل الزمني فإن فترة حكم داوود التي يُقدر أنها كانت حوالي 1010 إلى 970 قبل الميلاد تتزامن مع بداية استخدام الحديد في صناعة الأدوات والأسلحة

{ زاغة مدينة في بلاد فارس ظهور الحديد فيها بالقرن السادس أثناء قيام الأخمينية }

تميز العصر الحديدي بتطور صناعة الحديد أكثر من الصناعات المعدنية الأخرى

حيث إن تطور عملية صهر الحديد وتوافر مصادر إنتاج الحديد جعلت منه يتفوق على البرونز كما جعلته أرخص ثمنا مما أدى إلى استبدال البرونز بالحديد فى معظم الصناعات

{ إيضاً عهد ذي القرنين في زمن إبراهيم أكذوبة ، ففي زمن النبي إبراهيم لم يكن هناك حديد ولم يبدأ عصر الحديد ، عصر الحديد بدأ في القرن الثاني عشر قبل الميلاد و أستمر حتى القرن السادس قبل الميلاد الفترة الأخمينية

بينما إبراهيم عليه السلام عاش في القرن العشرين قبل الميلاد }

اقتباس

رأي العلماء المسلمين

{ ذكرنا أعلاه من ألقاب كوروش ملك المغرب والمشرق وهذا اللقب أسمُوه به اليهود و كانوا يقصدون قرن المغرب وقرن المشرق وتاره يقولون ذي القرنين بلغتهم و إنما نزل القرآن عربياً كما ذكر إبن العثيمين رحمه الله عن سبب تسميه ذي القرنين لكن اليهود بطشاً بنبي الرحمه لم يذكروا لقبه ذي القرنين عندما طلبت قريش من اليهود اسئلة يسألونها نبي الرحمه بل قالوا رجل طاف الأرض ، فنزل الوحي بـ يسألونك عن ذي القرنين و أيضاً تم تحديد بداية اتجاه رحلته حتى إذا بلغ مغرب الشمس }

و أتيان نبي الرحمه لهم بالتسمية ذي القرنين يعكس صدق رسالته صلى الله عليه وسلم وهنا إعجاز قرآني بذكر التسمية و إعجاز قرآني بتحديد الإتجاه للرحلة

تفسير إبن العثيمين رحمه الله

بقلم / د. تايا توماني