كن مصدر الإلهام للآخرين: إيمانك بالآخرين سر من أسرار نجاحهم
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولحكت لي أختي ذات يوم قصتها، تقول فيها بأنها أدت عرضا في المدرسة، ووصفت أدائها بأنه كان رائعا، فلما رجعت للمنزل وهي متحمسة لمشاركة فرحتها مع أحد من عائلتي ،وجدت احدى أخواتي فأخبرتها عن العرض، والطريقة التي قدمت بها محتوى العرض أمام زملائها ، فكان جواب أختي بكل بساطة جيد ، ومضت بسهولة لتكمل غسل الأواني كأن شيئا لم يحدث.

هنا توقفت أختي نادية وهي مندهشة من ردة فعلها الغير المتوقعة، وأحست بحزن بداخلها ورغبة في البكاء، لأنها كانت تتوقع ردة فعلي المشجعة، ولأني تزوجت فقد بعدت عن أهلي، فدخلت نادية في حالة غير متوقعة من المقارنات، وأدركت بأني كنت الشخص الذي يدعمها دائما بالمنزل، فأرسلت لي رسالة تقول فيها "كلثومة لا تعوض" ، وهي ترددها بصوت خافت بداخله أسف على غيابي، وقالت بأن غيابي في الحياة مخيف.
ذكرتها بأني فخورة بها دائما، وأن أدائها يصبح أفضل وأقوى في كل لحظة، وذكرتها في غياب من يشجعها، أن تشجع نفسها وتسعى لترفع من تقدير نفسها، بمهاراتها وامكانياتها ، وأن تتذكر أنني أشجعها دائما وان غبت عنها وألهتني الحياة.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وان كنت لا أعرف بالضبط ماذا قصد الله جلاله بهذه الآية وسياق نزولها، الا أني في تجربتي الحياتية أنسبها للذين يحيون ما بنفوس الاخرين، والذين يذكرونهم بجمالهم، فكلمة طيبة، واحساس صادق، من شأنهما أن يحدثا تغييرا عظيما في نفس الانسان، فيرجع له التوازن ويحب الحياة وتواجده فيها.
هل توجد بمجتمعنا ثقافة تشجيع الآخرين؟
في مجتمعنا ألمس كثيرا غياب ثقافة تشجيع الآخرين، وغياب خاصية التركيز على ذكر الصفات الجميلة للأشخاص، فكم من صفة جميلة تراها في شخص ما، لكنك تختار أن تخفيها بداخلك، وتؤول ذلك بأنه سيعجب بنفسه أكثر، أو أنه سيصبح مغرورا، أو أنك في الحقيقة وفي غالب الأحيان تشعر بالنقص لذكرها له.
لكنك في آخر المطاف ضحية لثقافة مجتمع، فأنت لم تجد هذه السلوكيات الايجابية بمحيطك، فيصعب عليك بذلك أن تجعل هذه القاعدة كأسلوب حياة، لكن هذا ليس عذرا من الآن، وأنت تقرأ كلماتي بعينيك، وحروفي بقلبك، وفي المقابل ألمس وجود ثقافة الحكم على الآخرين، والتقليل من قيمة الأشخاص، والاستهزاء بكل فن على الآخرين، والتنمر بكل ابداع، وجرح الآخرين بكل سرور، وكنت أتساءل في كثير من الأحيان عندما يقوم أحدهم بجرحي ، أو جرح شخص آخر، ماذا لو استخدمت طاقة التقليل من قيمة الأشخاص، الى طاقة الرفع من قيمة الأشخاص بوعي، والتركيز على نقاط قوتهم، ومساعدتهم على الكشف عن نقاط ضعفهم، ومواجهتهم بها بأسلوب أكثر لباقة، لا يوجد فيه سب ولا حكم سلبي.
في حياة كل واحد، يتذكر الانسان أشخاص قاموا بالتقليل من قيمته، وتجد أنه في غالب الأحيان، يكون هذا الجرح والحكم السلبي، من الأقربين، بحكم القرب الشديد، وبحكم أنهم يعتبرونك شخص عادي بمجرد أنهم اعتادوا على وجودك بينهم.
في برنامج وثائقي شاهدته في يوم من الأيام، يقوم الصحافي بطرح سؤال على الناس في الشارع، مفاده " ما هي أقسى عبارة قيلت لك في طفولتك وما زلت تتذكرها"، فكانت الإجابات صادمة، أولا: لأن الأشخاص يتذكرون العبارات، رغم مرور سنين وسنين، ثانيا: أن العبارات القاسية كانت من المقربين، وليسوا أشخاص غرباء.

من الواضح أن العبارات التي تقلل من شأنك هي مجرد كلمات لكن آثرها مدمر، وخاصة عندما تترسخ في الذاكرة لسنين، وتلازمك في كل لحظة، وتتأثر بها، فتنجب أطفال وأنت مازلت محملا بهذا الفيروس، وان لم تكن واعيا فستعيد إعادة السيناريو الذي وقع لك، وتظلم أبنائك بكلماتك، وتستمر حلقة ظلم الآخرين، والتقليل من شأنهم.
كيف أتحرر من تأثير الكلمات الجارحة؟
ان التحرر من تأثير حدة الكلمات القاسية، يكمن من خلال فعل أن تسامح الشخص الذي آذاك، فهو ضحية نظام أخلاق في آخر المطاف، وهو قد عانى بنفس الطريقة، فالآباء مثلا يعتبرون أن الصراخ عليك، ومقارنتك بأقرانك هي التربية السليمة، ويفسرون ذلك بأنهم تربوا بنفس الطريقة من الأجداد، لذلك اسمح للأشخاص وامضي في رحلتك، وكن واعيا بأن لا تظلم أحدا بكلماتك، فهناك أسلوب للحديث أنيق لا حكم فيه، ولا يوجد فيه حس التقليل من شأن الآخر، ويؤدي في آخر المطاف الى تربية ذات تأثير ايجابي عميق.
لقد كان لي حظ كبير، وفرصة أكبر في تكوين شخصية أختي الصغيرة، التي علمتها الكثير منذ صغرها، وأمنت بقدراتها، حتى رأيت في عيونها بريق العظمة والتميز، وتجلى ذلك بعدها في شخصيتها المتميزة، والتي تخلو من العقد النفسية، وكذلك في اهتماماتها العظيمة رغم صغر سنها، وأتذكر كيف كانت تقلدني بدقة في صغرها، فقد كانت تحمل كوب الماء بنفس الطريقة التي أحمله به، كأنها تريد أن تصبح نسخة مني، وعلمتها أن كل واحد منا له نسخته المتميزة وبصمته الفريدة، لا بأس ان نأخذ ما هو جميل في الآخرين، ونضيفه لأنفسنا لنصبح في أجمل حلة.
من أعظم النعم في نظري، هي نعمة ان يمدك الله ببصر يرى الجمال وبلسان ينطق الخير، وبقلب سليم يتقطر رحمة ومحبة للآخرين، وبروح راضية ترى فضل الله في كل شيء، وبحس الإحساس الهائل بعظمة وجمال الخالق، وهذه مهمة كل انسان، أن يرجع لأصالته وحقيقته، بدلا من أن ينجرف مع تيار تغيير ذاته وخيانة حقيقتها.

وأختم مقالي بسطر شعري- عزيز على قلبي- لايليا أبو ماضي يقول فيه:
والذي نفسه بغير جمال…..لا يرى في الوجود شيئا جميلا
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب