قصّة قصيرة تتحدث عن الحب وتحيادته في جزئها الأوّل بعنوان " سيّدة المراوغات"

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

مزهر إلى حد الذبلان ..مزهر إلى حد الذبلان ..

مقدمة:

لست ذلك الشخص شديد التعلق بالأشخاص والذكريات، أمقت كل الأشياء التي تجعلني أتمسّك بأطياف ربما ينتهي بها المطاف في طي النسيان، أو ربما هي التي تتسبب في وجعي وتمزيق قلبي إلى عدة أجزاء متناهية الصغر...

لذلك عزمت ألا أجعل نفسي تتعلق بأي أنثى مهما كانت استثنائيّة، عزيزي القارئ عزيزتي القارئة، كلّنا نعلم أنّ البدايات عادة ما تكون جميلة،جذّابة نميل فيها للتعلق بالأشخاص وتفاصيلهم، يظهرون بوجوه بريئة وإبتسامة عريضة، يأتون كملائكة حارسين وكأنّما تمّت "حياكتهم" على مقاسنا، يهتمون بنا، يحرصون على سعادتنا ورفاهيتنا، في المقابل وبنفس الاحتمالية ذاتها تكون النهايات مأساوية إلى حد كبير، فبطريقة أو بأخرى يفقدون الشغف تدريجيا ودون سابق انذار، تكثر الأعذار والمشاغل ويضيق الوقت الذي كان مكرّسا في السابق في سبيلنا...ويبدأ سيناريو المراوغة..

لكن مع كل هذا الحذر واليقظة ومعرفة "سيناريو الفيلم" مسبقا لن تستطيع حماية قلبك من الوقوع في المحضور أو على الأقل لنقل ما حرصت عبثا أن تتجنبه، فالحب شعور حر لا يأبه للوقت أو التاريخ، لايأبه للطعنات التي تلقيتها سلفا، لا يأبه لقراراتك أو حتى لمواقفك منه.. إنه فقط يأتي من العدم ليسلب منك سعادتك أو ما تبقى منها...ليست لدي أي نظرة سوداويّة عن الحب بل بلعكس كنت من القراء الأوفياء للروايات الرومنسية وقصص الحب والمعاناة والتضحية، إلى أن اتضح لي أنها مجرّد روايات بقدوم "سيّدة المراوغات"...

لذة البدايات..

بعد يوما طويل لا أتذكّر تفاصيله سوى أنّي كنت متعبا للغاية، استلقيت على فراشي وأخذت هاتفي لأتصفّح بعض مواقع التواصل الاجتماعي، لتأتي تدوينة مصحوبة بصورة لفتاة غازلتني بعيناها الجميلتان وكلماتها الرقيقة التي داعبت روحي من خلال شاشة هاتفي الذي وقع بدوره في شراكها..توقفت لوهلة لأقرأ المزيد عنها وعن تدويناتها السابقة التي ربما من شأنها أن تقدم لي صورة أشمل عن إهتماماتها وتفكيرها وشخصيتها...إلى أن غفوت مع تفاصيلها المرهقة،إستسلمت لتعبي وغططت في نوم عميق..

في تمام الساعة الواحد والنصف صباحا صحوت بعد غفوة دامت ساعتان تقريبا، على نفس الترددات، حسنها الآسر وكلماتها الرنانة.. وبما أنّ المرأ عادة ما يزداد جرأة وشجاعة في الساعات المتأخرة من الليل أو كما أفضّل تسميتها "الساعة الذهبية"، استمجعت قواي وتغلبت على كبريائي لأبادر بأوّل خطوة وأرسل لها أوّل رسالة نصية على أحد وسائل مواقع التواصل الاجتماعي، لأكون بذلك حكمت على نفسي "بالهلاك الأبدي"...

لا أفضّل المداخلات العادية التي تبدأ بالتحية وعن سؤالها إن كانت بخير، فبمجرد أن تمتلك تلك الابتسامة الجميلة وتلك النظرة الثاقبة والشخصية القوية، يصبح من الغباء طرح مثل هذه الأسئلة..كانت أحد أوّل الكلمات التي توجهت لها بها أحد الأبيات الشعرية التي أتحفظ عن ذكرها لكم، أتغزّل بها وبمحاسنها آملا بذلك أن أتلقى ردا وتفاعلا ايجابيين..

لا أعلم ان كنت سأقول من حسن حظّي أو من سوئه أنها تفاعلت معي ايجابيا واستحسنت كلماتي التي غذّت كبريائها..ومع تعمقنا في الرسائل النصية أخبرتني أننا كنا نرتاد نفس الجامعة في يوم ما وأنّها كانت تراقبني من بعيد وأنا أدخّن سيجارتي الصباحية في مشرب الجامعة برفقة أحد الرويات الصباحية التي كنت أقرؤها..

راودني شعور يالإستياء لبرهة..كيف لي أن لا أراها وكل تفصيلة فيها تلفت الإنتباه..هل غيّرها أم غيّرني الزمن بعد بضع سنوات من أوّل سنة لي في الجامعة.. خلال تفكيري بكل هذه التفاصيل يردني اتصال هزّ قلبي مع اهتزازات الهاتف، نعم إنها "سيدة المراوغات تتصل بي"... دون تردد أجبت على المكالمة ولأرضي كبريائي أو أسترجع جزءا منه قلت في نفسي أننا أصبحنا الآن متعادلان، أنا بادرت بالحديث وهي بادرت بالاتصال..

أخبرتني كم هي مولعة أيضا بالتاريخ والأدب والشعر وكم تعجبها تدويناتي على مواقع التواصل الاجتماعي، قاطعتها مازحا " هل يكلّف الاعجاب بالتدوينة كل هذا المال لتقومي بالظغط على زر الإعجاب؟"، ضحكت بصوت جعلني أتخيل تلك الابتسامة الكفيلة بجعلي أتوه وأفقد عقلي من جمالها..

مع الوقت زاد اتصالنا ببعضنا أكثر وأكثر، أصبحنا نشارك أدق التفاصيل عن يومنا، تخبرني كيف أمضت يومها وعن مشتراياتها وعن كل كبيرة وصغيرة تحصل معها..

وأنا بدوري أقوم بنفس الشيئ أصبحت أستشيرها في العديد من الأشياء والقرارات الهامة التي أتخذها في حياتي بما أنّ لها ذلك الحدس الأنثوي الذي هو إلى حد ما مريب ومثير للاهتمام...

مضى وقت لابأس به منذ أوّل حديث لنا ونحن نتواصل تقريبا بصفة يومية دون انقطاع أو هوادة، إلاّ أنّ الحديث عن اللقاء لم يطرح بعد نظرا أنّنا نبعد عدة كيلومترات عن بعضنا البعض، أو ربما بسبب بعض الالتزامات في حياتنا اليومية، لكن لأكون صريحا كنت أخشى اللقاء لأنّ الأشخاص جلّ ما يختلفون في الواقع يصبحون أكثر خجلا وانغلاقا وربما أيضا يختلفون عن نوعية الحديث التي يتحدثون بها من بعيد، ولكن إلى متى..؟ الأمر يستحق العناء..

بطريقة غير مباشرة أصبحنا نعبّر عن اعجابنا ببعضا البعض وحتى في بعض الأحيان نتبادل بعض الألقاب من نوع "عزيزي،عزيزتي".. لكن ربما لا أجد الأمر استثنائيا..أو ربما يفرحني لعدة ثوان ثم اتدارك.. لما لا وأنا ناديتك بعزيزي أو عزيزتي القراءة في البداية وأنا لا أعرفك.. ربما هي بهذه الدرجة من اللطافة لتناديني بعزيزي وبنفس الدرجة ذاتها من اللباقة أن أردّ عليها بعزيزتي..

قلّت رسائلنا وكثرت اتصالاتنا، في المقابل أصبحت المحادثة مقتصرة على مقاطع "الريلز" التي تتحدث عن الحب والوفاء واللقاء والبعد.

كل هذه المدّة لم يعترف أحدنا للآخر بحبه، سارت الأمور بشكل طبيعي إلى أن استفقت صباحا على رسالة غيّرت مجرى الأحداث تماما من "سيّدة المراوغات"...

يتبع...

اقرأ ايضاّ