الحلقة الثالثة: في عرين الأسد

كان الظل طويلاً تحت أضواء الشارع الخافتة، يتحرك بذلك الاتساق الميكانيكي المريب. النموذج 02 وقف أمام مدخل المبنى، عيناه الزرقاوان تمسحان الواجهة كما لو كان يرى من خلال الجدران.
[يزن] انحسر عن النافذة بسرعة، قلبه يدق كالطبل. "ثلاث سيارات، ثمانية رجال على الأقل، بالإضافة إلى... ذلك الشيء."
[سمر] على الهاتف، صوتها حاد بالقلق: "لا توجد طريقة للخروج من المدخل الرئيسي. عليك استخدام الممر القديم الذي أخبرتك عنه."
كان [يزن] قد أعد لهذه اللحظة. حقيبة صغيرة تحتوي على أدوات أساسية، أسلحة، ومعدات اختراق. لكن مواجهة النموذج 02 لم تكن في خطته.
"الممر خلف الخزانة في غرفة النوم" تذكر [سمر] له. "يؤدي إلى الطابق السفلي المتصل بشبكة الصرف الصحي القديمة."
بينما كان [يزن] يدفع الخزانة الثقيلة، سمع صوت انفجار من الطابق السفلي للمبنى. لقد فجروا الباب الرئيسي.
"لديك دقيقتين على الأكثر" حذره [سمر]. "أنظمة الكاميرات تظهرهم يصعدون السلالم بسرعة."
انزلق [يزن] إلى الممر الضيق خلف الخزانة، وأغلق الفتحة خلفه. كان الممر مغبراً ومظلماً، يتسع بالكاد لمرور شخص واحد. سمع فوقه صوت أقدام ثقيلة تدخل شقته.
بعد عشر دقيات من التحرك في الظلام، وصل إلى فتحة تطل على نفق صرف صحي قديم. رائحة العفن والمياه الراكدة فاحت في أنفه.
"أين الآن؟" همس في الهاتف.
"اتبع النفق باتجاه الشمال. يجب أن يوصلك إلى منطقة المصانع القديمة."
بينما كان [يزن] يتحرك في الظلام، سمع صوتاً خلفه. همسة ميكانيكية، ثم خطى ثقيلة. النموذج 02 كان يطارده في الأنفاق.
"إنه يعرف مكاني!" قال [يزن] وهو يسرع خطاه.
"مستحيل! لا توجد كاميرات هناك."
"لا يحتاج إلى كاميرات" أدرك [يزن] فجأة. "إنه يشم رائحتي أو يسمع دقات قلبي."
بدأ يركض في النفق المنحدر، بينما كانت الخطى الثقيلة تقترب خلفه بسرعة مخيفة. في منعطف حاد، التفت ليرى العينين الزرقاوتين تتقدان في الظلام مثل شيطان من كابوس.
أطلق [يزن] طلقتين في الظلام. سمع صوت الرصاصات ترتد عن شيء معدني. النموذج 02 لم يتباطأ.
"إلى اليمين!" صرخت [سمر] في أذنه. "هناك سلم يؤدي إلى الأعلى."
وجد [يزن] السلم الحديدي المتآكل وتسلقه بسرعة. في الأعلى، وجد نفسه في غرفة تحكم قديمة في مصنع مهجور. أغلق الباب الثقيل خلفه وزرعه بقضيب حديدي.
في الحال، سمع ضربات قوية على الباب. المعدن يتقوس مع كل ضربة.
"لا يمكن لهذا أن يصمد طويلاً" تنهد [يزن] وهو يبحث عن مخرج.
نظر حوله في المصنع المهجور. كان مكاناً أشبه بمقبرة للصناعة. ماكينات صدئة، أحزمة ناقلة متوقفة، وغبار يغطي كل شيء.
"حيث ينام الحديد ويصحو النهر" تذكر [يزن] كلمات الدكتور [الرحباني]. "هذا هو المكان!"
بدأ يبحث بسرعة في الغرفة. في زاوية مظلمة، وجد خزانة أدوات قديمة. عندما فتحها، وجد ورقة متغيرة اللون مثبتة في الداخل. كانت خريطة للمصنع، عليها علامة X في منطقة المحركات الرئيسية.
في تلك اللحظة، انفجر الباب المعدني إلى الداخل. النموذج 02 وقف في المدخل، جسده يملأ الإطار بالكامل.
هذه المرة، كان [يزن] مستعداً. أمسك بطفاية حريق قديمة وضخ سحابة كثيفة من المسحوق الكيميائي في وجه النموذج. العينان الزرقاوان اختفتا مؤقتاً في السحابة البيضاء.
استغل [يزن] اللحظة واندفع نحو المخرج الآخر للغرفة. سمع وراءه صوت هدير غاضب، ثم خطى سريعة تلاحقه.
ركض عبر قاعة الإنتاج الرئيسية، بين ماكينات النسيج العملاقة المتوقفة مثل وحوش نائمة. النموذج 02 كان أسرع، يقطع المسافة بينهما بسرعة مرعبة.
"سمر، أي طريق؟" صاح [يزن] وهو يتنقل في المتاهة المعدنية.
"إلى اليسار، ثم إلى الأسفل!" ردت [سمر] بعد تحليل سريع لخريطة المصنع. "يجب أن تجد غرفة المحركات."
وجد [يزن] درجاً حديدياً يؤدي إلى الطابق السفلي. في الأسفل، كانت غرفة المحركات العملاقة - مكان كان يحتوي على مولدات المصنع الضخمة.
في وسط الغرفة، وجد مفاجأته. لم تكن مجرد محركات قديمة، بل كان مختبراً سرياً مخفياً داخل هياكل الماكينات. شاشات كمبيوتر، أجهزة طبية، وقفص فارغ كبير بما يكفي لاحتواء إنسان.
على إحدى الطاولات، وجد مجلداً بعنوان: "النموذج 01: النتائج الأولية". بداخله صور لرجل يبدو طبيعياً في البداية، ثم تتحمل ملامحه تدريجياً ذلك التصلب الغريب. كان هذا هو الكائن الذي واجه [يزن] في المبنى المهجور.
"لقد وجدته" همس [يزن] وهو يقلب الصفحات. "هنا كانوا يختبرونهم."
في الزاوية، وجد تسجيلاً فيديو على بطاقة ذاكرة. عند تشغيله، ظهر الدكتور [الرحباني] مرة أخرى، لكن هذه المرة كان في هذه الغرفة بالذات.
"إذا شاهدت هذا، فاعلم أنني ربما أكون ميتاً" قال [الرحباني] وهو يبدو منهكاً. "لقد خدعوني. ظننت أننا نعمل من أجل تطوير القدرات البشرية، لكنهم يريدون صنع عبيد. النماذج الأولى كانت تجارب، لكن النموذج 04... سيكون مختلفاً. سيكون أول نموذج إنتاجي."
ثم أضاف بنظرة يائسة: "الحارس الأخير هو النموذج 00. النموذج الأول الذي احتفظت به مخبأً. إنه النموذج الوحيد الذي يحتفظ ببذرة إنسانيته. ابحث عنه قبل أن يجدوك."
في تلك اللحظة، سمع [يزن] صوتاً خلفه. التفت ليجد النموذج 02 واقفاً على بعد أمتار قليلة، عيناه الزرقاوان تحدقان فيه. لكن هذه المرة، لم يهاجم. بدلاً من ذلك، أشار بيده إلى الجانب.
من الظلام، خرج ثلاثة أشخاص آخرين. رجلان وامرأة، جميعهم بعيون زرقاء متقدة، وحركاتهم آلية متطابقة. النماذج 03 و04 و05.
"اللعبة انتهت، يا يزن" قال النموذج 02 بصوت معدني. "حان وقت العودة إلى المعمل."
كان [يزن] محاصراً. أربعة من هؤلاء المخلوقات الخارقة تحيط به. نظر حوله يبحث عن مخرج، لكن لم يكن هناك أي طريق للهروب.
فجأة، انطفأت الأنوار. كل شيء أصبح مظلماً. ثم سمع صوت اصطدام عنيف، وهمسات ميكانيكية مضطربة.
عندما عادت الأنوار بعد ثوان، كان النموذج 02 والآخرون على الأرض، غير قادرين على الحركة. واقفاً عند المدخل كان رجلاً طويل القامة، بعيون... عادية. لكنها تحمل نظرة حادة كالسيف.
"أنت... النموذج 00" فهم [يزن].
"اسمي [أحمد]" قال الرجل بصوة عميقة طبيعية. "وقد أتيت لأنقذك. لكن الوقت قصير. هم يعرفون أنك هنا."
"لماذا تساعدني؟"
"لأنني لست عبداً مثلهم" قال [أحمد] وهو يفحص النماذج المخربة حوله. "والدكتور [الرحباني] كان أبي. حرفياً. كنت أول تجاربه، وأحبني بما يكفي ليمنحني حريتي."
سحب [أحمد] [يزن] نحو مخرج خفي behind one of the old generators. "الآن استمع جيداً. 'أطلانطس' ليس مجرد مشروع. إنه منظمة تخطط لاستبدال الشخصيات المهمة في العالم بنماذج مثل هؤلاء. وقد بدأوا بالفعل."
"من يقف وراء هذا؟"
"أشخاص في أعلى المراكز. في الحكومة، الجيش، والقطاع الخاص. لكن هناك اسم واحد يجب أن تعرفه: [فاروق]."
صدمة هزت [يزن]. "اللواء [فاروق]؟ قائدي السابق؟"
"نعم. هو العقل المدبر. وهو من أرسلك إلى ذلك المبنى المهجور. كان يختبرك، يا [يزن]. يريد معرفة إذا كان بإمكانهم تحويلك إلى واحد منهم."
كانت الحقائق تتساقط على [يزن] كالصخور. كل شيء كان خدعة. فصله من العمل، ملاحقته، كلها جزء من تجربة ضخمة.
"لماذا أخبرني هذا الآن؟" سأل [يزن].
"لأن الوقت ينفد" قال [أحمد] وهو يدفع [يزن] نحو النفق. "اذهب إلى [سمر]. احميا بعضكما. سأواصل المقاومة من الداخل."
قبل أن يختفي [يزن] في النفق، سمع [أحمد] يقول: "واحذر من [سمر] أيضاً. لا تثق بأحد، يا [يزن]. لا أحد."
ركض [يزن] في النفق وهو يحمل الحقائق الجديدة التي اكتشفها. عالمه انقلب رأساً على عقب. من يستحق الثقة؟ ومن هو العدو؟
عندما خرج إلى ضوء النهار، وجد نفسه على ضفة النهر. التفت ليرى المصنع خلفه، صامتاً وكأن شيئاً لم يحدث.
هاتفه اهتز. [سمر] تتصل.
"أين أنت؟ هل أنت بخير؟"
نظر [يزن] إلى الهاتف، كلمات [أحمد] تدور في رأسه: "لا تثق بأحد".
"أنا بخير" قال [يزن] بصوته الطبيعي، مخفياً العاصفة التي تدور داخله. "لقد هربت. لكني بحاجة إلى مقابلك. لدينا الكثير لنناقشه."
نظر إلى النهر المتدفق، وشعر أن المياه التي تتحرك أمامه هي الوحيدة التي يمكنه الوثوق بها الآن. المعركة الحقيقية قد بدأت للتو.
الحلقات الماضية:
المراجع

مشروع أطلانطس (الحلقة الأولى)
كانت رائحة الغبار والمعادن الباردة هي العطر الدائم لقبو "الوكالة". وقف يزن سلمان أمام شاشة العرض العملاقة، صور التقطتها الأقمار الاصطناعية تنتقل بسرعة مذهلة، كل

مشروع أطلانطس(الحلقة الثانية)
كان الظلام الذي يلف الشقة منكّراً لوجود يزن، لكن صفارة هاتفه كانت تثقب هذا الصمت كإبرة ملتهبة. نظر يزن إلى الشاشة تتلألأ باسم "سمر" وكأنها
عن الكاتب
Youssuf Elsherif
كاتب المستقبل