جريمة في العزل.. عبير تروي آخر ليلة مع والدها
قصة إنسانية تكشف جريمة هزّت الصمت داخل فنادق العزل في ذروة جائحة كورونا
بقلم: سارة خماش الزهراني
في أكثر ليالي العام رحمة، وتحديدًا ليلة الخامس والعشرين من رمضان، انقطع الاتصال بين عبير ووالدها الذي كان يقيم في أحد فنادق العزل المخصصة لمصابي كورونا، لم تشغل بالها كثيرًا، ظنّت أن هاتفه قد نفد شحنه أو أنه استغرق في نومٍ عميق بعد عناء المرض.
في صباح اليوم التالي، ورد للعائلة اتصال غيّر مجرى حياتهم تمامًا.
تقول عبير بصوتٍ يختلط فيه البكاء بالذهول:
“فقدتُ اتصالي بالحياة لأيامٍ طويلة، نزل الخبر عليّ كصاعقة شُلّت أطرافي. تقول أمي إنني كنتُ بينها وبين أبي بين الحياة والموت، جسدٌ يتحرك وروحٌ غادرت مع أبي. كان أبي نافذة صباحٍ مشرق، لكنه سار سريعًا إلى الغروب…”
لم تتمالك عبير نفسها، أجهشت بالبكاء حتى ظنّ من حولها أنها لن تتوقف.
“فراق الآباء بردٌ، ألف لحاف لا يُدفئه…”
لكن ما لم تكن العائلة تعلمه حينها، أن الفقد لم يكن بسبب المرض، بل بسبب جريمةٍ غادرة وقعت داخل جدران العزل.
يقول مسؤول الفندق الذي روى تفاصيل الحادثة:
في صباح ذلك اليوم، حاول موظف الاستقبال الاتصال بنزيل الغرفة رقم (215) – والد عبير – بعد أن تقدّم بطلبٍ لتغيير غرفته في الليلة السابقة، متذمرًا من رائحة السيجار المنبعثة من الغرفة المقابلة له. وحين لم يُجب وبعد محاولات عديدة، اضطر موظف الحجز للصعود بنفسه وفتح الباب، ليجد النزيل غارقًا في دمائه إثر طعناتٍ متفرقة، وقد فارق الحياة في حينها.
أظهرت الكاميرات الأمنية أن مشادةً كلامية نشبت بين المجني عليه وأحد النزلاء بسبب رائحة الدخان، وأن الجاني ترصّد له بعد ساعاتٍ من تلك المشادة، وطرق باب غرفته، وما إن فتحه حتى عاجله بطعنةٍ نافذة، دفعه إلى الداخل، وأغلق الباب ليُكمل جريمته، ثم غادر بهدوء.
تم العثور على سلاح الجريمة في حاوية قمامة بجانب الفندق، وفي أقل من أربعة وعشرين ساعة فقط تم القبض على الجاني وإحالته للجهات المختصة.
تتابع عبير حديثها بصوتٍ متهدج:
“بالأمس وردتنا رسالة بموعد الجلسة الأولى في قضية والدي، وقررنا توكيل محامية للمرافعة، أملاً في أن ينال القاتل جزاءه العادل.”
وفي قاعة المحكمة، وقفت المحامية بثباتٍ لتواجه القاتل، وقالت أمام القاضي:
“إن الجريمة وقعت مع سبق الإصرار والترصد، وهما ظرفان مشددان لجريمة القتل العمد. فسبق الإصرار هو التخطيط المسبق للجريمة، بينما الترصد هو تربّص الجاني بضحاياه حتى تحين الفرصة المناسبة. وما أظهرته كاميرات المراقبة يثبت أن القتل كان عمدًا لا خطأً، وأن الجاني خطط ودبّر ونفّذ.”
أيدت اللجنة الطبية ما ورد في مرافعة المحامية من كون الطعنات المسددة لم تكن عشوائية وماصدرت من فاقد أو ناقص عقل ، أصدر القاضي حكم القصاص على الجاني، ليُغلق ملف القضية… ويبقى الجرح في قلب عبير مفتوحًا.
عن الكاتب
Sarah Alzahrani
أدبية
سر من رأى
