الرحلة الروحية التي يخوضها ليان داخل ذاته والعدم

الفصل الأوّل: مملكة الضباب الأزرق
في أقصى أطراف الزمن، حيث تنتهي الخرائط وتبدأ الأساطير، كانت هناك مملكة لا تُرى بالعين، بل تُحَسّ بالقلب فقط، اسمها مملكة الضباب الأزرق. كانت هذه الأرض بين الوجود والعدم، لا تطأها قدم إنسان إلا إن حمل في صدره نورًا لا يُطفأ.
تحكمها الملكة أوريانا، ذات العيون الزرقاء التي تشبه البحر ساعة الغروب. كانت آخر من تبقّى من نسل "حراس النور"، أولئك الذين أقسموا أن يبقوا التوازن بين العوالم قائمًا.
وفي ليلةٍ من ليالي الاعتدال، ظهرت نجمة غريبة في السماء — لم تكن تلمع، بل تنبض كقلبٍ حيّ. عرفت الملكة أنّها نذير عودة الظلال القديمة. استدعت شابًا اسمه ليان، تربّى في الضباب، يسمع همس الريح كأنها رفاقه.
قالت له:
"يا ليان، لقد آن أوان الرحلة، فالظلام يستيقظ من سباته. إن انطفأت النجمة، ستبتلع العتمة آخر ما تبقّى من النور."
أعطته مرآة فضية وقالت:
"أنظر فيها حين يهاجمك الخوف، فستذكّرك بمن تكون."
غادر ليان، وسار بين الغابات المعلقة والأنهار الصامتة حتى وصل إلى نهرٍ من الضوء. حارسه تنين من الزجاج لا يُرى إلا حين يتنفس.
قال له التنين بصوتٍ كالرعد:
"لكي تعبر، أجبني: من أنت؟"
فكر طويلًا، ثم قال:
"أنا ابن الضباب، من خُلق من النور والظل معًا."
ابتسم التنين، فانشقت المياه كطريقٍ من البلور، فتابع سيره نحو قدره.
الفصل الثاني: بوابة اللامكان
بعد عودته إلى المملكة، لم يجد ليان راحة. كانت نبوءة غامضة تتردّد في أرجاء القصور:
"من يعبر اللامكان، يعيد ترتيب الوجود."
ذات ليلةٍ، ظهر أمامه ضوءٌ هائل على هيئة بوابة من الغيم والفضة. سمع صوتًا يهمس في أعماقه:
"اقترب، أيها الفارس. لا أحد يستطيع العبور سواك."
دخل البوابة، ليجد نفسه في فضاءٍ بلا أرض ولا سماء، كل خطوة فيها تُسلب منه ذكرى من ماضيه. نسي اسمه أولاً، ثم وجه أمه التي لم يرها قط، ثم معنى الزمن نفسه.
في قلب اللامكان، رأى كائنًا بلا ملامح، يُدعى الحارس الرمادي. قال له:
"لكي تخرج، عليك أن تختار: إمّا أن تتذكّر نفسك، أو أن تنقذ العالم. لا يمكنك الجمع بينهما."
اختار ليان العالم، فخرج، لكن ذاكرته بقيت خلفه. حين عاد إلى المملكة، لم يعرفه أحد — حتى الملكة أوريانا نظرت إليه بدهشةٍ خافتة، وقالت:
"كأنني أعرفك... من أنت؟"
الفصل الثالث: أغنية الرماد
سافر ليان شمالاً نحو مدينةٍ مغطاة بالرماد. هناك، يعيش قومٌ لا يموتون أبدًا، وجلودهم رمادية كالغروب. يحكمهم ملكٌ يدعى أورفيل، يعيش منذ ألف عام، لكنه بلا قلب.
قال أورفيل لليان:
"نحن قوم الخلود، لا نحزن ولا نفرح. أهذا ما تبحث عنه؟"
التقى هناك بفتاةٍ تُدعى سيرا، نصف إنسان، نصف نار، كانت تغنّي أغنية تُعيد للحجارة نبضها. قالت له:
"الخلود بلا شعورٍ هو موتٌ بطيء. احمل أغنيتي، فقد تحتاجها يومًا."
في تلك الليلة، ثار الرماد على سيده، واشتعلت المدينة. أنقذ ليان سيرا، فصارت رفيقته في الرحلة القادمة. لكن في قلبه، ظلّ فراغ الذاكرة يوجعه كجرحٍ لا يُشفى.
الفصل الرابع: دمعة الملكة
في مملكة الضباب، ساد القلق. الملكة أوريانا اختفت، تاركة خلفها عرشًا من الزجاج المكسور، ونقشًا يقول:
"دمعتي هي النور الأخير."
بحث ليان وسيرا عن معنى النقش حتى وصلا إلى بحيرة السكون، حيث تُقال الأسطورة القديمة: أن الملكة حين تبكي، تتحوّل دموعها إلى جواهر تحفظ التوازن بين العوالم.
تحت سطح البحيرة، وجد ليان جوهرةً زرقاء، فشعر بدفءٍ غريب يسري في يده، كأن قلبه يتذكّر شيئًا منسيًّا. سمع صوت الملكة يهمس من بعيد:
"تابع الطريق يا ابني، فما فقدته ليس الذاكرة، بل ذاتك القديمة."
الفصل الخامس: قلب الزمن
قادته الجوهرة إلى نهرٍ يجري عكس الزمن. في مياهه، رأى وجوهًا تشبهه — في أحدها كان ملكًا طاغية، وفي آخر كان ناسكًا يسكن الكهوف.
قال له النهر:
"كلّ ما كنتَه وما يمكن أن تكونه يعيش هنا. اختر أيّك تريد أن تبقى."
نظر ليان إلى نفسه وقال:
"لن أكون واحدًا منهم، بل كلّهم. لأن النور لا يولد من جزء، بل من اكتمال الظل."
حين خرج من النهر، شعر أنه اكتسب ألف عمرٍ في لحظة واحدة.
الفصل السادس: المرآة المكسورة
في طريق العودة، تحطّمت المرآة الفضية التي أعطته الملكة في البداية، وخرج منها كيانٌ مظلم على صورته، قال له:
"أنا أنت... حين خفت."
صار يطارده في كل مكان، يُضعف عزيمته، ويذكّره بأخطاءه. لكن سيرا واجهته قائلة:
"الظلال لا تُهزم بالقتال، بل بالاعتراف."
حين عانق ليان ظله، اندمج الاثنان، وشعر للمرة الأولى أنه كامل.
الفصل السابع: نبوءة الغيم
عاد السلام مؤقتًا، لكن نبوءة جديدة انتشرت بين الشعوب:
"سيولد ابن الضباب، فيعيد كتابة الوجود."
الممالك تنازعت لتجعل ليان في صفّها، بعضهم اعتبره نبيًّا، وآخرون خائنًا. لكنه أدرك أنّ النبوءة ليست عن ملكٍ أو حرب، بل عن الاختيار — بين أن يُنقذ نفسه أو العالم.
الفصل الثامن: عرش اللازورد
في أعماق جبل اللازورد، اكتشف ليان أنّ مملكة الضباب لم تكن أرضًا مادية، بل عالمًا يعيش في القلوب النقيّة. هناك وجد "أوريانا" تنتظره، جسدها من نورٍ خالص.
قالت له:
"لم أمت، بل تحوّلت إلى الضباب نفسه. كنتَ تبحث عني في الخارج، بينما أنا في داخلك منذ البداية."
فهم أنّه لم يكن تلميذ الملكة، بل امتدادها الأخير.
الفصل التاسع: سقوط النور
في لحظةٍ مفاجئة، انطفأت النجمة التي أعادها في طفولته، وبدأت الظلال تزحف من جديد. تقدّمت سيرا وضحّت بنفسها لتفتح بوابة بين النور والعتمة، حتى يعبر ليان ويحمل الجوهرة إلى قلب الظلال.
قبل أن تختفي، قالت له:
"حين تنتهي الحرب، لا تبحث عني، بل عن السلام فيك."
الفصل العاشر: ما بعد الضباب
في المعركة الأخيرة، وقف ليان أمام الكائن الأعظم — الحالك، سيد الظلال. قال له الحالك:
"لماذا تصرّون على محاربة ما أنتم منه؟ أنا لست عدوّكم، بل ظلكم."
أجابه ليان:
"الظلام لا يُقتل، بل يُفهم. وأنا أفهمك الآن."
أغلق عينيه، وفتح قلبه، فامتزج النور بالظل، واختفى الضباب. لم يبقَ سوى السكون، ونسمةٌ تقول:
"السلام لا يأتي حين يغيب الظلام، بل حين نتعلّم العيش معه."
ومنذ ذلك الحين، لم تُرَ مملكة الضباب الأزرق مجددًا، لكن كلّ من يحمل نورًا في قلبه، يشعر بها حين يغمض عينيه.
🩵 النهاية:
"الأساطير لا تموت، بل تغيّر شكلها. وربما، في لحظة حلمٍ أو حنين، تمرّ نسمةٌ زرقاء... وتهمس لك باسمٍ نسيناه منذ البدء: ليان."
