
أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها… نموذج الثبات والإيمان
تُعدّ السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما واحدة من أعظم نساء الإسلام، وأحد النماذج المشرفة في تاريخ الأمة الإسلامية.
بماذا لُقبت أسماء بنت أبي بكر؟
لُقبت بـ ذات النطاقين، وهو لقب خالد ارتبط بحادثة عظيمة وقعت أثناء هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة.
عندما أرادت أسماء أن تُرسل الطعام والماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها أبي بكر وهما في غار ثور، لم تجد ما تربط به الطعام والقربة، فشقت نطاقها نصفين، فربطت في أحدهما الطعام وفي الآخر القربة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة"، ومنذ ذلك اليوم عُرفت بـ ذات النطاقين.
✦ فهل يمكن أن نتصور مدى حب هذه الفتاة الشابة للنبي صلى الله عليه وسلم واستعدادها للتضحية في سبيل الله؟ ✦ وهل ندرك كيف خلّد الله هذا العمل البسيط ليكون وسام شرف لها إلى يوم القيامة؟
إيمان مبكر وصبر على الابتلاء
أسلمت أسماء على يد أبيها رضي الله عنهما، وكانت من أوائل من دخلوا في الإسلام، وظلت ثابتة رغم ما لاقته من أذى واضطهاد في مكة. تزوجت من الصحابي الجليل الزبير بن العوام، فكانت زوجة صالحة مؤمنة، تعينه على شظف العيش وتخدم بيتها بنفسها، تطحن وتخبز وتسقي الفرس، محتسبة ذلك عند الله تعالى.
لقد كانت أسماء رضي الله عنها مثالًا يُحتذى في الصبر والرضا، تقول عن نفسها: "كنت أنقل النوى على رأسي من أرض الزبير على ثلثي فرسخ". ومع ذلك، كانت من أكثر الناس صدقة وورعًا عن أسماء بنت أبي بكر … أنّ رسول الله ﷺ قال لها: «أنفقي أو انضحّي أو انفَحي هكذا وهكذا، ولا تُوعي فيُوعى عليكِ، ولا تُحصي فيُحصي الله عليكِ».» Hadith Unlocked+2The Female Companions (Sahabiyyat)+2 المصدر: مسند أحمد رقم 26935.
وكانت تضع يدها على رأسها إذا أصابها الصداع وتقول: "هذا بذنبي، وما يغفره الله أكثر".
✦ ما الذي يجعل الإنسان يصبر على المشقة والضيق راضيًا مطمئنًا؟ ✦ أليس الإيمان الحقيقي هو الذي يمنح صاحبه هذا الثبات والرضا مهما اشتدت الظروف؟
أمّ الأبطال وصاحبة المواقف العظيمة
رزقها الله أبناءً صالحين، منهم عبد الله بن الزبير، وعروة بن الزبير، والمنذر بن الزبير.
وكان عبد الله بن الزبير أول مولود للمهاجرين في المدينة، ففرح المسلمون به فرحًا شديدًا، إذ كان مولده بشارة خير للمهاجرين بعد غربتهم، وقد حنّكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه ودعا له بالبركة.
كبر عبد الله بن الزبير شجاعًا مقدامًا، وكانت له مواقف مشهودة في الدفاع عن الإسلام. وفي أواخر حياته، حين حاصره الحجاج بن يوسف الثقفي في مكة، لجأ إلى أمه أسماء يستشيرها في مصيره، وقد كف بصرها واشتد عمرها.
«…دخلت أنا وأخي على أمنا بعشر ليال، وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، … والله، ما أشتهي أن أموت، حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تُقتل فأحتسبك، أو أن تُظفر فتقر عيني.» https://isla.mw/a1uiwv
✦ كيف يكون للأم أثر في صنع الرجال العظماء؟ ✦ أليست كلمات الأم الصادقة قادرة على أن تزرع في قلب ابنها القوة والعزيمة حتى في أشد المواقف؟
أمّ ثابتة تُربي الأبطال
قالت له أمه كلمات خالدة خُلدت في صفحات التاريخ:
"يا بني، إن عيش الهوان مذموم، والموت الكريم خير من الحياة اللئيمة."
فلما خشي ابنها أن يُمثل به أعداؤه بعد موته، قالت له بثبات المؤمن الواثق بالله:
"يا بني، إن الشاة لا تتألم بالسلخ بعد الذبح!"
ثم أكدت له مبدأها العظيم:
"إن كنت تعلم أنك على الحق، فامضِ على بصيرتك واستعن بالله، فكم من صاحب لك قُتل على هذا الطريق."
✦ ما أعظم هذه الكلمات! كم من أمّ في زماننا قادرة أن تقول لابنها: "اثبت على الحق ولو كلّفك حياتك"؟ ✦ ألا تستحق أسماء أن تُلقب بـ "أم الثبات والعزيمة" كما لُقبت بـ "ذات النطاقين"؟
موقفها مع الحجاج بن يوسف
بعد استشهاد ابنها، دخل الحجاج على أسماء يريد إذلالها، فقال لها متبجحًا:
"كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟"
فردّت عليه بثقة وإيمان قائلة:
"رأيتك أفسدت دنياه، وأفسد هو آخرتك."
ثم قالت له مستشهدة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
"لقد كان رسول الله ﷺ يحدثنا أن في ثقيف كذّاباً ومبيراً، فأما الكذاب فالمختار بن أبي عبيد، وأما المبير فأراك أنت."
سكت الحجاج عاجزًا عن الرد، وخرج من عندها ذليلًا أمام هيبتها وثباتها. وبعد ذلك، طلبت أسماء أن يُنزل جسد ابنها المصلوب، وقالت:
"أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟" فأُنزِل بعد أن جاء الأمر من الخليفة بإنهاء الموقف.
✦ أي قوة إيمانية هذه التي تجعل امرأة عجوزًا عمياء تقف في وجه طاغية زمانها بلا خوف ولا تردد؟ ✦ أليست هذه هي العزة التي يغرسها الإيمان الصادق في قلوب المؤمنين؟
خاتمة: قدوة للثبات والعزة
لقد جسدت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها أسمى معاني الإيمان والثبات والعزة، فكانت الابنة البارة، والزوجة الصالحة، والأم المربية، والمجاهدة الصادقة، عاشت مؤمنة صابرة، وماتت شامخة كريمة، لا تخشى في الله لومة لائم.
رحم الله أسماء بنت أبي بكر، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعلنا ممن يسيرون على نهجها في الثبات على الحق والعزة في الدين.
✦ فهل نسعى نحن أن نكون مثلها في إيمانها وصبرها؟ ✦ وهل نُربي أبناءنا على الثبات على الحق كما ربت أسماء أبناءها؟
