قصة لم تكتمل- الحب الاول فى مراحل المراهقة

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
كان عمري وقتها سبعة عشر عاما في الصف الثاني من المرحلة الثانوية عندما إلتقيت بها لأول مرة ولم أدرك وقتها ما الذى يحدث إنها مجرد تبادل للنظرات ولم أعرف معناها ولا يهمنى بعدها مالذى سوف يحدث فهذه الأشياء دائما ماتحدث بدون تخطيط سابق... غزالة لم أري مثلها من قبل في حياتي، ولم أعرف لغة العيون، التي تجعل الواحد منا يحلق في مكان غريب وعجيب لا يدركه، يجعله ينسى نفسه ولا يحس بكيانه ويتمني أن يظل على تلك الحالة ولا يخرج منها أبدا، كنت في العام السابق في الصف الأول بمدرسة أجا الثانوية، وإنتقلت هذ العام إلى المدرسة التي إلتقينا فيها، وكانت مدرسة مشتركة يجلس فيها الفتيات مع البنين في نفس الفصل.
وكانت هذه أول فرصة لتبادل النظرات كلما إتيحت فرصة وتكررت مرارا، فلها مذاق خاص تتمنى أن تطول بك مدى الحياة، أحسست حينها أن نجلاء كانت تبادلني نفس الشعور الغريب ولعل المحبون لا يستطيعون رؤية تلك الحماقات الصريحة التي يرتكبونها وربما لا يشعرون بمن حولهم، فالحب ليست له عيون إلا عيون المحب، وقد لا يرى غيره، فمجرد توجيه نظرة العين تجعلك تعيش حالة من النشوة وتحس بخفقان ورفرفة في القلب كالطير الجريح .
كانت جميلة بشكل يلفت نظر من يراها دون أن يشعر، كانت مختلفة حتى وإن كانت في أقصى حالاتها حزنًا، جميلة بقدر جمال إبتسامتها، جميلة في غموضها، جميلة في رقتها، جميلة حين تبكي، لو رأيتها لإعتقدتها طفلة من شدة تفاهة الأشياء التي تبكي عليها، جميلة في قوتها وصمودها، وكُنت حقًا لا أعلم هل أسعد بجمالها أم أشفق علي نفسي في تحول مشاعري تجاهها، لقد كانت قمراً مضيئا، وإبتسامتها تكاد تملأ فاها، تحسه وردة إذا انطبق، وبشرة كلون الشفق، كل ما فيها جميل ،حلاوة ودماثة في الخلق والطبع، وعيون لا تمل النظر إليها كزرقة البحر يتلألأ تري فى عيناها اليتم فتتعلق بها من النظرة الأولى، وأصبحنا نتبادل النظرات بصورة متكررة بصورة تلفت الأنظار... كان الحب الذي جمعنا هدية غير مشروطة بسبب، حب بدون شروط، فكان برهانا على الحب الحقيقي من أول نظرة، فلم يكتشف أحد منا الآخر ولم يعرف شيئا عنه، فهو ليس حبا من أجل الذكاء أو الغني ولا تبادل الهدايا، هو حب من أجل الحب فقط وليس لمصلحة ذاتية بيننا، بل كان نوعا من الجنون، كانت كل نظرة نتبادلها تجعل لقلوبنا نبضا من نوع خاص يدفع بالدماء إلى الشرايين، فترتفع حرارة الدماء فتبدى الحمرة على الوجوه.
فلم هذا التيه من أجلها الذي يجعلني لا أشعر بمن حولي، كنت أذهب بعيدا إلى حقول الياسمين، أحلق في السماء فوق السحاب لأبني بيتا من نسيج ملائكي ليس كتلك الأماكن التي نسكنها هنا في الأرض، أصبحت أراها في كُل الأشياء حولي، في كُل رؤية، في كُل صوت، لكنني لَم ازل أذوب حنيناً إليها، صورتها ساكنة في عيناي، وإسمها لا يفارق شفتاي، وذكراها في أعماق روحي، ولها سأكتب، إنها تتجول في كل هذه الأماكن، وقررت أن أدق عليها الأبواب، وإن لم تفتح لي الأبواب، فسأظل مقيما على أعتابها، فإن لم تبك تلك الغيوم فمن أين لبستاني أن يبتسم.
لم انم لياتى
لم أنم ليلتي أفكر كيف لي أن أصل إلى قلبهأ، أوأنال رضاها، أحسست أن قلبي يكاد يتملص من بين ضلوعي، فهل أحببها حقا أم ماذا يحدث لي لم أمر بتلك الحالة التي إعترتني من قبل، هل هذا هو الحب، إذا فلابد من المحاولة وإن فشلت فلا داعي للتفكير فيها مرة أخرى، ولابد لي من أن أنهي هذه القشعريرة التي أصابت بدني وألهبت مفاصلي من هذه النظرات المتكررة وتلك العيون القاتلة، ولقد علمت من وقتها أنه لا سلطةَ لنا على قلوبنا، هي تنبض لمن أرادت، ومتى أرادت، وكيفما أرادت، فبعضهم ينبض القلب له، وبعضهم ينبض القلب به ، وبعضهم هم نبض القلوب
حاولت في اليوم الثاني أن أستعير منها أحد الكتب الخارجية بحجة أنني لا املك هذا النوع من الكتب، حتى أتمكن من إرسال كلمة أو أي إشارة تهدئ من روعي حتى أتمكن من النوم ولا أصاب بالجنون، تذكرت بيتا من الشعر يناسب مايعتريني من لوعة وعذاب فكتبت لها:
كم قد كتمت هواكم لا أبوح به
متوهما أن ذاك الجرح يلتأم
وفي اليوم التالي أعطيتها الكتاب وأنا متيقن أن ذلك سيكون سببا فى طردي من المدرسة، إن لم تكن ترضى عن تصرفي هذأ، وبدأت أحدث نفسى: ولما لا وهي تبادلني النظرات الجريئة، ولماذا لا تصرف تلك العيون بعيدا عني إن كانت لا تحس بنظراتي ولا تتمناها، وظل الليل طويلا كطول جبال الطور، وأنا أجهز نفسي للبحث عن عمل خارج الدراسة، فربما يتم إتخاذ قرار فصلى في ذلك اليوم بعد الفضيحة التي تتم في طابور اليوم التالي، عندما يقوم مدير المدرسة بإستدعائي في طابور الصباح لتوبيخي أمام الجميع وتوقيع أقصى الجزاء الذي أستحقه عقابا لى على ذلك الجرم الذى إرتكبته.
وعكفت طويلا أتبادل الحديث مع نفسي: ولما لا نخوض معا تجربة الحب لأول مرة وهل هناك بد منها، علينا في تلك الحياة أن نخوض التجربة أولاً، سواءاً كانت سعيدة أو مؤلمة أو حزينه، نعيشها ونتأثر بها، وبعدها نتعلم، وكثيراً ما نتغير، لذلك يجب أن لا نحزن مما يحدث لنا ثم نبتسّم بعدها، فالتجربة التي لا تميتنا هي بالفعل تجعل منا أقوى وأفضل، فلنعش حياتنا بكل ثِقَة، فإن الله يعلم ما لا نعَلمه، ويخطط لنا بأفضل صورة هو يراها أنفع وأصلح، والبسطاء مثلنا دائما مايمتلكون أرواحا نادرة جدًا، تجدهم بمظهر متواضع، لكنهم بمحتوى ملهم وراقي، ينعمون بهدوء النفس، لأنهم يمتلكون كنز القناعة، والغريب هنا أن من يقع في الحب لا يميز بين ليل ونهار، لا يفكر في الأمس ولا في الغد، هو لا يفكر إلا في اليوم بل فى اللحظة الذى يقابل فيها المحبوب تكون تكون بالنسبة له أسعد لحظات حياته، فهو لا يخاف ولا يأبه حتى من العقاب... وجاء طابور الصباح في اليوم التالي وأنا والله لا أكاد أسيطر على قدماي ولا أدري بنفسي وإنتهي عرض الطابور ولم يحدث أي شئ، وكانت تلك مفاجأة لى، ودخلنا الفصل الدراسي ولكن هذا اليوم لم أجرؤ على النظر ناحيتها، فلربما أجلت العقاب لوقت آخر أو أنهم جميعا وضعوني تحت الأنظار حتى يتم الإمساك بي متلبسا بهذا الجرم.
يوم دراسى بدون تركيز
مر ذلك اليوم الدراسى وليس عندي أي تركيز مع المدرسين ولم أستوعب أي شئ من الشرح، وظللت سابحا في ملكوت آخر منتظر قرار القدر وما سوف يدبر لي في الساعات القادمة، وهي أطول لحظات ممكن أن تمر على إنسان في حياته، وبعد أنتهاء الدراسة تعمدت أن يكون طريق عودتي إلى المنزل من نفس الطريق الذي تمر منه هي وصديقتها نادية وكنت أستقل وقتها دراجة، وقلت لنفسى لابد من وضع حد لهذا القلق المتواصل، فالوقوع فى العذاب أرحم من إنتظاره، تعمدت السير مع أحد زملائي سيرا على الأقدام وقللت من الخطى حتى تستطيع هي ونادية تجاوزنا، وكان هدفي هو إختبار الموقف وتأثير الخطاب عليها، ربما ينتهي الموضوع ببعض كلمات العتاب وتكون نهاية القصة على ذلك، حتى أتمكن من السيطرة على قدماي التي أحس فيها باسراب من النمل تسرى، ويستقر نبض ذلك القلب الضعيف وربما تتغاضي عن فكرة العقاب الأليم الذي أتوقعه منها ومن يحيطون بها، وربما تكون من ذلك النوع من النساء التي تسر في نفسها ولا تتعمد إحراج من أراد أن يحلم ولو لحظة بأن ينال شيئا من رضاها وقد تحافظ على مشاعره، أم انها تبادلني نفس المشاعر وكل مايدور في ذهني أوهام فما كتبته لها: لا يتجاوز بيتا من الشعر أردت أن أعبر فيه عن شعور لحظي سيطر على كياني في لحظة معينة وتلك هي صدمة الحب الذي أطاح بعقلي.
مرت الثواني كأنها ساعات وربما أيام وشهور حتى وصلت هي وزميلتها إلى موكبي الضعيف المهزوم... ثم نادتني بإسمي: لو سمحت ياعادل عايزاك، ووقعت هذه الكلمات على نفسي كالغيث، بللت جسدي كله بمياة باردة، فأطفأت كل تلك الحرارة التي كانت تغلى كالنار في أحشائى، توقفت، نظرت إليها في إنكسار المذنب الذي يتوسل الغفران، ثم طلبت هى من زميلتها أن تستأنف السير وحدها، وهنا إزداد إطمئناني وقل خفقان قلبي رويدا رويدا، وتخلصت قدماي من أسراب النمل التي كانت تحتويها... ثم قالت: إيه اللي إنت كاتبه ده ياعادل كلامك جميل جدا، كدت وقتها أن أحلق في السماء وأن أتعلق بأكبر نجم فيها، ثم أبني بيتا فوق السحاب يفصلني عن باقي الخلائق فلا أحلم فيه إلا بها... قلت لها : أجبرني قلبي أن أكتب، أجبرتني همومي أن أبكي، وأجبرني عقلي أن أفكر، وأجبرني التفكير أن أتألم، وأجبرني التّألم أن أنزف، وأجبرني النزف أن أقول لك شعرا... قالت: ألف سلامة على قلبك وعقلك، لاتكن مثل هذا الطائر العجيب الّذي يغنّي أجمل ألحانه وهو ينزف، فلا شيء في الدّنيا يستحقّ من دمك نقطةً واحدة حتى لو كنت أنا.

وهنا تلاشت الآلام
بعدها تلاشت كل الأحزان والآلام التي رافقتني ليومين كأنهما سنوات عجاف وتمنيت أن يطول بنا الطريق حتى نهاية العمر... مأ أجملها، كل شئ فيها جميل، إبتسامتها الهادئة التي لا تنمحي، معالمها التي لا تغيب عن ذاكرتي وتخفي خلفها الحياء الذي أحبه، روحها النقية الفطرية، كفها الرقيق، كل التفاصيل الصغيرة تسكنني منذ رأيت عيونها، قالت: نعم أحتاجك، أنت قصّتي الخياليّة، لأنك الشخص الوحيد الذي أستطيع التحدث معه عن حياتي التي أعيشها، عن يتمي وفقد أبي وأمي، عن كل أغنية أسمعها، عن الوقت الذي ذهبت فيه إلى الحديقة ونظرتُ إلى زهرة البنفسج، ونظرتْ إليّ، وإبتسمتْ كل ورقة فيها، ثم وقفت أمام الشلال ورأيت طيفك هناك يناديني بصوت خافت لا أكاد أسمعه، ودائما ما كنت أراكِ قريبًا مني في هذه الدنيا الغريبة، كنت أنت ليلتي الهادئة، كيف بإمكاني أن أفسر لكِ سعادتي من خطابك، هذه الكلمات البسيطة جعلتني لم أنم حتى الآن.
وأحسست أنني اصبحت ملكٌا لكِ، بكل ذاكرتي، بكل قصائدي، بكل ثوراتي، وزوابعي الداخليّة... كيف بإمكاني أن أشرح لك أنني لا أستطيع كتابة كلمة واحدة دون أن أتخيّل طريقة نطقكِ لها، ولا أستطيع تذكر لحظة واحدة تافهة دون ندم لأننا لم نعشها معًا، سواءً كانت لحظةً خاصة، أو كانت لحظةً لغروب الشمس، أو لحظةً يلتوي فيها الطريق، ثم تابعت: هل تفهم ما أقصد؟
بادرتها قائلا: ماهذا الذي أسمعه، ألم تدري ياقرة عيني أنني أغار عليك من المرآة التي ترسل لك تهديدا بجمالك حتى أصبحت أغار عليك من حبك لي، ومن فنائي فيك، من العذاب الذي أعانيه فيك، من صوتك، من نومك، من لفظ إسمك، أغار عليك من غيرتي عليك، من تعلقي بك، من الأنغام والأزهار والأقمشة، من إنتظار النهار لك، ومن إنتظارك الليل، من ورق الخريف الذي قد يسقط عليك، من الماء الذي يتوقع أن تشربينه... فما أجمل هذه اللحظات أن يُغرم بك شخص ما، فذلك أروع مافي الحياة، وأن تكون على يقين أنه مُغرم بك فذاك أصل الروعة... وبخطى متعرجة ، وقلب يقفز فرحًا ويهيم شوقًا عادت أدراجها، أقبلت نسمات الهواء تلثمها على وجنتيها لتهنّئها، رحلت الشمس التي كانت تتابع حوارنا بغريزة يقظة وشغف عميق، فما أروع الحبّ عندما يولد في ضوء الشمس... وأنتهي الطريق سريعا كعادة الأوقات الجميلة واللحظات الحلوة في حياتنا وودعتها، وضعت نفسي على تلك الدراجة وكانها طائرة تتنقل بي بين السحاب ثم تنزل لترييني أمواج البحر ونسيم الأنهار وجمال الزهور.
إستمرت هذه الحالة بيننا حتى نهاية العام في تبادل النظرات والخطابات من خلال الكتب الدراسية وكانت من الفترات الجميلة والتي دائما لا تتكرر في حياتنا، ودائما ماتكون هذه المرحلة من أجمل فترات البراءه التي لا تنتهي يتخللها إخلاص بلا حدود لم تدنثه الآثام ولا تغيره الأيام... ثم جاء العام التالي بمفاجأة كعادة الأيام التي دائما ما تطيح بأحلام المساكين الذين لا يحلمون إلا بالفتات، فقط بعض المشاعر الجميلة، فإننا لا ننشد سوي ذلك من هذا الزمان.
مفاجأة القدر
تم عقد قرانها في الصيف فجأة وبدون موافقة منها فهي يتيمة ولا تملك شيئا من زمامها وكانت عائلتها هي عمها وأولاده، ولا يمكن وصف شعور البراءة في هذه اللحظات، ودائما مانمر بتلك اللحظات ومرت بصعوبة لا تطاق ولكن كعادتى تداركت الأمر وفكرت سريعا في المستقبل فهذه هي الشهادة الثانوية، وأصبحت لا أفكر إلا في مصافحة الكتاب كمن لا يعرف غيره وصار صديقي الوحيد خلال الشهور المتبقية من الدراسة.
إنتهت المرحلة الثانوية بتفوق والتحقت بكلية الهندسة وهو الحلم الذي عشته منذ طفولتي وقد أراد الله أن يتحقق... ولكني لم أنسى تلك الأوقات الجميلة التي جمعتني بها في إمتحان الثانوية العامة في مدرسة أجا الثانوية عندما تلاقت العيون سريعا في بعض الأوقات وكانها تخبرنا أن الحب لم يمت بعد بيننا... علمت أننا عندما نبحث عن الحب فعلينا أن نبحث عنه بداخلنا أولاً ولا نكن فاقدين له، حتى نتمكن من إعطاءه للآخرين، وعلينا أيضا أن نعلم بأن فقد مساحه من الحب تنبئ عن عدم وجود أي مكان لإستقبال الحب من الطرف الآخر، ولنبحث عن النواة التي يمكن أن نغرسها في تربة قلوبنا ولنعلم أي تربة تحتوي عليها تلك القلوب لتجلب لنا نواة يناسبها النمو في أحشائنا، وكذلك إذا عزمنا الرحيل فلنحذر من تفتت القلوب التي أحبتنا، ولا نقسوا على أفئدة تعلّقت بنا حد الثمالة، ولناخذ منهم ما يحييهم في قلبوبنا ونترك لهم بعضا من قلوبنا لكي تنبض في دواخلهم مدى الزمان، ولنعلم كذلك أن الحنين سوف يُجبرنا على العودة ذات يوم فلا نستغني عن أحد، ويجب أن نفرق بين من وضع سطورنا في عينيه ومن ألقى بها في مهب الرياح، عندما لا تكن هذه السطور مُجرد كلام جميل عابر ولكنها مشاعر قلب عاشها حرفاً بحرف ونبض إنسان حملها حلما وإكتوي بلهيبها زمنا طويلا، ولندفع بأعمارنا كاملة لإحساس صادق وقلب يحتوينا، ولا ندفع منها لحظة في سبيل حبيب هارب أو قلب تخلّى عنا بلا سبب.
مر العام الأول في كلية الهندسة ولا أتذكر فيه إلا الذكريات الجميلة بيننا والليالي التي عشناها بين الأحلام والواقع المرير، عشت هذه الفترة من حياتي بين الإستمتاع بما أملك وبين الحلم بالمزيد، ولكنني لم أعمل على إفساد سعادة اللحظة الحاضرة بالتحسر على ما لاأملك، وتذكرت أن كثيرا مما أملكه اليوم كان من أمنياتي في يوما ما، وكنت لا أبحث عن الحب فقط برغم كل مافيه من جمال ورومانسية وعاطفة، بل كنت أبحث عن الأمان قبل الحب، عن الأطمئنان، عن الراحة النفسية، عن الثقة لا تهزها شكوك ولا عواصف، كنت أبحث عن الصدق الذي يلي الوعود والكلام، عن الديمومة لا عن دهشة البدايات والإفتتان، كنت أبحثت عن لهفةٍ وشغفٍ لا ينقطعان، عن سندٍ وإحترامٍ لا يذبلان ولا يذويان، بحثت عن الرحمة والتقدير والرغبة بحياة رائعة لا عن حبٍ عاصفٍ في بداياته وكأنه بركان، ثم يخمد ويموت وكأنه ما كان، كان هدفي الوحيد هو الأمان والإحترام والإهتمام قبل الحب وكان هدفي الوحيد في هذه المرحلة يتركز في أنه ليست متعة الحياة في العزلة والأنانية والاستحواذ وإنما في التواصل والعطاء والتهادي والتعاطف والإحترام المتبادل مع الجميع.
أيقنت أخيرا بأن الحياة لحظة، فيها الشقاء والسعادة، ليس فيها إختيار بل كلها إمتحان، فلن أعيش معصوب العينين، لقد عشت القسوة لأصبح أقوى مما هم يتحملون، فعندما خلق الله البشر جعل في كل منهم روحا لا تشبه روحا أخرى، وفي زحام الحياة تخلى كل إنسان عن شيء من روحه ليستطيع الإستمرار في حياة مادية وقاسبة، أما من غلبت روحه دنياه ولم يستطع أن يتخلى عنها فهو لابد أنه سيعيش حياة من الضياع و التشتت.
بدأت أقتنع أن ذلك أمر طبيعي وأن الامر قدر، ربما على بعض منا أن يعيش تائها مرهقا وقتا من أعمارنا وعلينا أن نرضى بأقدارنا، بشرط أن لا نتمنى الموت لأن ذلك معناه اليأس وهو قانون محرم لكي تستمر الحياة أقمت بالمدينة الجامعية مع صديقي وإبن عمي "محمد السعيد" الذى أصبح عميدا ل كلية الهندسة فى الفترة الأخيرة، وإلتحقت هي بكلية التجارة جامعة المنصورة ولكني لم ألتقي بها ولم أفكر في ذلك مطلقا، فقد أصبحت محرمة بناءا على ماأحمله بداخلي من مبادئ وقيم نشات وترعرعت عليها منذ طفولتى، وقبل نهاية إمتحان آخر العام جاءتني زميلتها نادية وكنت أعرفها جيدا، وسلمتني رسالة خطية منها مفادها أنها تريد مقابلتي وأنها انهت علاقتها نهائيا مع خطيبها من فترة طويلة، ولازالت تحمل تلك المشاعر التي جمعت بيننا وكانت تبحث على من فترة طويلة... طلبت منها أن تطمإنها بالزيارة ولكن بعد آخر يوم في إمتحان آخر العام.
عودة العلاقة مرة اخرى
ذهبت أنا وصديقى وإبن عمي الي العنوان الموجود بالخطاب وكان في شارع الجلاء قريبا من مبنى الجامعة، تبادلنا كل مشاعر الود والدفء وكان لقاءا خياليا برغم أنه لم يتعدى ساعة، وإتفقنا على لقاء آخر في ميعاد قريب، وعادت العلاقة كسابق عهدها واستأنفنا من جديد أجمل قصة حب بين قلبين تميزت بالنقاء والأخلاص والرومانسية المطلقة، وهذا ماإتسمت به العلاقة بيننا، فالإخلاص ليس عمود الحب فقط بل عمود كل شيء ولن أتخيل ان يستمر حب بدون إخلاص، ودائما أغنياء الروح هم أسياد الحياة لإنهم مُفعمون بالحرية والبساطة والرحمة وأنه لكي تستمتع بعلاقات طيبة مع الآخرين، فقط تعلّم كيف تنظر إلى العالم من خلال أعينهم، وأنظر إليهم بعيون قلب الطفل الذي بداخلك لا بعيون عقل شخص كبير أحمق يقدس أفكاره.
مرت سنتان من أجمل أيام العمر بين الحب والتفوق حتى جاء العام الرابع بالجامعة وهو عام التخرج لها ويبقي لي عاما بعدها في الجامعة، ف كلية هندسة مدتها خمس سنوات... وهنا بدأت أشباح نهاية القصة تدور حولنا، فمن ناحية هي تحلم بالزواج في أقرب فرصة وبدأ الخطاب في التردد على أسرتها، وأصبحت لا تجد مبرر للرفض فكان لزاما على أن أتقدم على الأقل للخطوبة، وكنت أخطط لمستقبل بعيد تسيطر عليه أحلام اليقظة معظم الوقت، وهو بناء شركة في أول ثلاث سنوات من التخرج , وهذا ماحدث بالفعل على الواقع بعد التخرج، وأصبحنا في حيرة من أمرنا كمعظم شباب هذا الجيل الذي شق طريقه في الصخر بعزيمة جبارة، لم ولن تتكرر في أجيال أخرى وأصبحت أعيش بين نارين.
إما أن تعيش في قلبها وإن غبت وتتردد أنفاسها في صدرك وإن غابت، والكلام لا ينتهى عن الحب ولن تحتضنه تلك السطور ولو ملأت كتاب لا تنتهي صفحاته، والحياة طويلة ولن تضمه الكلمات، والحب عريض والحب في الله لا منتهى له الاهناك تحت العرش حيث تسبح الكلمات وتلتهب الأنفاس... وفي هذه الحالة لابد من التقدم لطلب يدها والشروع في الزواج في أقرب وقت بدون دراسة لمستقبل لا يعلم مافيه إلا الله، وانا لا أملك فى هذا الوقت من العمرغير مشاعري، ولازالت أمامي سنة أخرى لإنهاء مرحلة الجامعة والتخرج ومرحلة أخرى في الخدمة العسكرية وربنا تمتد ثلاث سنوات أو التفكير بعقلانية وقتل الحب في مهده وعنوانه وصباه... وبت أتساءل: هل من الحكمة في هذا الوقت إتخاذ مثل هذه القرارات، أم نترك الموضوع للظروف وقد أصبحنا في مرحلة لا تتحمل التسويف أو الهروب من الواقع المؤلم في كلا الحالتين.
سيطر هذا التفكير على رأسي فلم أستطع مزاولة مهنة النوم بأي حال من الأحوال إلا مجرد غفوات، وعادة اتخاذ القرارات في هذه الأوقات من العمر ماتكون صعبة على كيان الإنسان كله، ولست من الناس الذين يركزون علي كيفية تجنب الألم وتحقيق المُتعة على المدى القصير، وبذلك يخلقون لأنفسهم ألماً أقوى وأعمق على المدى الطويل، وربما يكون سببا في تدمير وإنهيار الطرف الآخر وقد يكون وقتها فات الأوان، وقد علمت جيدا بأنه في كل مرحلة من مراحل الحياة لابد أن تتغير العلاقات والافكار، وكذلك القناعات وما نحب وما لا نحب، تتغير الإهتمامات حتى طريقة تصفيف شعرنا وإختيار ملابسنا، وحتى نوعية طعامنا، ودرجة إرتباطنا بمن حولنا، وعلينا ان نعبّر عن أنفسنا بصدق، ولا نخشى إنهيار الصور الذهنية للآخرين عنا في وقت مؤقت وبعد ذلك يصير الندم هو عنوان الظروف، ولتعلم أنه يوجد مِئات الصور الذهنية لدي من حولك عنك ، ولكن أي صورة أنت منها؟
لأن صورتك الحقيقة أنت تصنعها بنفسك وقد خلقك الله في أحسن تقويم وأنت مخلوق أكبر من صورة محددة بواسطة بشر، فلا تجهد نفسك في الحفاظ على وهم كبير!، إذا قررت يوماً الرحيل، وحاول أن تترك ذكري جميله في طيات الزمان على أن تكون كابوساً مرهقا لمن كنت يوماً في حياتهم قبل أن ترحل , ثم دَع من كان يوماً سبباً في وجودك ولكن بعد ذلك لا تنظر خلفك كي لا تتراجع في الإبتعاد... قررت في ليله من ليالي الربيع إتخاذ القرار النهائي بإنهاء فصول القصة بدون ان تكتمل، خرجت وحدي في وقت متأخر أتمشى بين الحقول على طريق تصطف به الأشجار من الجهتين وكان من أجمل الطرق التي عشت معه ذكرياتي معها وعلى جانب حائط أحد الكباري جلست أنظر للمياة في ضوء القمر ومرت على ذاكرتي كل الثواني واللحظات التي جمعتنا فيها تلك الرحلة.
نهاية القصة
إتخذت قراري الأخير بعدم إستكَمال تلك القصة وكان قرار الإنفصال هو القرار النهائي مهما كانت التضحيات التي يمكن أن تبذل في سبيل ذلك، أرسلت رسالة لها مع صديقتها نادية هي نفس عدد كلمات البداية في بيت الشعر الذي تأسست من خلاله علاقتنا... وكان نصه: كم تمنيت وجودك بجانبي اليوم وإلى آخرأيامى ولكن لا سلطة لي على القدر فقد حَرمني مِنك ولا أملك سوى أن أشتاق لك بصمت قالت وهي تَبكي: لكنني أُجهدتْ دائما لكي أستمر معك، ومستعدة للتضحية مهما كلفني ذلك، إننى أصبحت مجهدة للحد الذي إن قَاتلتني فيه لن أُقاوم.
قلت لها: هذه مرحلة صعبة للغاية ياعزيزتي، مرحلة مُرة ولا تَمُر، وإن الرعُب كله من أن تستمر، لا أُخفي عليك فأنا لم يَعُد بي قُدرة على التحمُل أكثر، ولم أُهزم لكن القلب يُوشك أن يستسلم، أصبحت مُتعَب مُستهلك خَائف أرجوكي فكل شيء يمكن إخفاؤه، إلا ملامح العين حين تحن، وحين تحب، وحين تحزن ، وحين تفتقد شخصًا غاليا , أصبحت الآن هاربا من نفسي، مجرد هارب لا أكثر ولا أقل، لا أكاد أستقر على حالة حتى أفرّ منها أصبحت مذعورًا إلى أين؟... لا أدري إلى متى؟... لا أدري ما الذي يرضيني؟... وعن ماذا أبحث؟... لا أدري ما كل هذا الضيق الذي يحتويني؟... ومن أين يأتي هذا الشرود الذي يطفئ بريق عيني؟.
لا أستحي من القول: أننى ما زلت متعبًا لا أعرف طعمًا للراحة تائه في متاهات الطريق، طريقٌ لا يقود إلى نهاية أعطيت كل ما أملك ولم أجنِ سوى السراب أتراه قلبي مثقوب؟... أم أن قلوبهم باتت شحيحة؟... لستُ تعيسًا ولا حزينًا أنا شاردٌ ومتعبٌ ووحيد لا أتذمر ولكني عاجز عن كبت نيران صدري لا أحاول تقديم تبرير للكآبة، الكآبة تغيظني ما زلت كما كنت لا جديد، ما زلت أخشى النظرة الأولى، ما زلت أتخفى خلف صمتي، ما زلت أتنهد بلا فائدة، ما زلت حيناً أشرد وحيناً أتصنع الشرود هرباً من سهام الأعين وإمتحان تلاقيها، ما زلت لا أدري ما أريد لا أدري من أحب ومن أكره، ما زلت لا أجد لخطوتي الأولى مكاناً، ما زلت أتعثر بنفسي، ما زلت أضع نفسي موضع الانتظار والترقب انتظار ماذا؟... لا أدري أيضاً ما زلت أتلقى الخيبة تلو الخيبة ولا أدري أأنا الملام أم كل شيء عداي تقريباً، ما زلت أهرب من نفسي فلا أجدُ سواي، أهرب من وحدتي أغلق الباب خلفي فأجد نفسي وحيداً مجدداً، ما زلت أبحث عن بقاياي أفتش عمّا تاه مني عني أتلمس الطريق كالأعمى، أصرخ بصمت كم أنا تائه ولكن لا أحد هناك سواي، ما زلت أحاول أن أفهم كيف تراكبت كل هذه المتناقضات لتكون حياةً، كيف تكاملت هذه البشاعة لتكون واقعاً، كيف يستسيغ الآخرون كل هذا التشوه، كيف يشبعون أرواحهم بهذا النقص هل يكذبون على أنفسهم؟ أم تراهم فعلاً لا يرون ما أرى.
قالت لي: الكلمات الطيبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيك أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإن كان يحدثك بلغة تجهلها وهي دائما ماتصل إلى القلوب، والأبداع يولد من رحم المعاناة، وإنتهت القصة دون أن تكتمل.

ليلى الشبراوى
كاتبLaila El-Shabrawy is an engineer, writer and designer who have more than 100 books in literature, science and mathematics.
تصفح صفحة الكاتب