شهر رمضان تنظيم لحياة الانسان والمجتمع

هشام طه سليم
باحث وكاتب
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
2
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

يختفي هلال شهر شعبان متوارياً ليفسح المجال لبزوغ هلال شهر رمضان المعظَّم في الأفق , ويرنو جميع المسلمين بأبصارهم , مشرئبي الرؤوس إلى السماء يتلهفون لمرأى هلال الشهر الكريم , فإذا ثبتت رؤيته للعيان , اهتزت القلوب فرحاً , وتهيأت النفوس شوقاً لاستقبال الضيف الكريم .

شهر رمضان تنظيم لحياة الانسان والمجتمع

الاستعداد النفسي لاستقبال رمضان:

يحتاج كل منَّا – كل عام - لأن يؤهل نفسه لاستقبال رمضان بتعظيمه , فيشحذ كل منَّا همَّته بالتطهر من الذنوب بالإقلاع عنها راجياً عفو الرحمن وكرمه , وينوي كل منَّا أن يستزرع الحسنات ببث بذورها المتنوعة - من صيام , وقيام , واعتكاف , وصدقة , وصلة أرحام , وأعمال بِرٍ لا تنتهي - يحدوه إيمان يتنامى يدعمه عزم راسخ على استغلال أوقات الشهر الكريم .

شهر رمضان تنظيم لحياة الانسان والمجتمع

وكأن كل منا قد أخذ مكانه على مضمار السباق ينتظر لحظة الانطلاق إلى هدفه , غير أننا إذ نتنافس في رحاب الشهر الكريم يأخذ كل منَّا بيد أخيه لبلوغ الجنة , ويحرص أن يبقى الآخرون إلى جانبه داخل حلبة السباق لنفوز جميعاً , بينما حين يتنافس المتنافسون في المسابقات العادية فإن كل منهم يتمنى أن يفوز, وان يقصي غيره من السباق .

تغيير الساعة البيولوجية في رمضان:

شهر رمضان تنظيم لحياة الانسان والمجتمع

يهجر المسلم الحصيف ما اعتاده خلال العام من ساعات يقظة وساعات نوم , مع ما قد يحمله ذلك الاعتياد من جوانب سلبية , كالسهر أمام شاشة التلفاز أو أمام الموبايل دون حاجة مُلِحَّة, أو كالنوم لوقت متأخر دون ما فائدة واضحة .

فمع أول يوم من الشهر المعظم نسعى جميعاً إلى تنظيم أوقاتنا بين العمل كل في تخصصه , وبين العبادة كل بحسب طاقته , حتى لا تضيع منَّا الأوقات هباءً , فهي أوقات غالية ثمينة , تقاس بالثواني وليس بالساعات . خاصة وان كل منَّا يعلم أن ختام الشهر الكريم هو العشر الأواخر , بما تحتويه من ليلة القدر التي انزل الله فيها القرآن الكريم , تلك الليلة التي رفع الله قدرها , وضاعف للمؤمنين القائمين ثوابها حتى أمست خير من عبادة ألف شهر , يقول تعالى : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } ( سورة القدر)

وهنا لا بد من وضع برنامج لأجسامنا وأرواحنا حتى نستطيع مواصلة المجهود المضاعف إلى آخر الشهر الكريم , فيضع كل منَّا نصب عينيه المهام الملقاة على عاتقه لينظمها , من حيث التوجه للعمل وإتقانه , ومن حيث التفرغ للعبادة والتقرب إلى الله بالنوافل , والإكثار من الذكر وتلاوة آيات القرآن الكريم وتدبرها . فكل ذلك لن يتأتى انجازه إلا من خلال إيجاد نوع من التناغم بين حظ الجسم من الراحة وحظ الروح من العبادة , فإذا حققنا ذلك فقد فزنا بخيري الدنيا والآخرة .

نشر التواد والتراحم بين الناس:

يعرف كل منَّا حق المعرفة أن نسائم شهر رمضان تختلف عن نسائم باقي الشهور , فالشياطين في رمضان مصفَّدة , ومن ثم يسري عبير الإيمان بين العباد في جميع الأماكن وفي كافة الأوقات ناشراً السلام بينهم .

فتستشري روح المحبة والود والتراحم بين الجميع , فهذا يسعى إلى تلبية حاجات الضعفاء , وذاك يسارع إلى سد رمق الفقراء بما يكفيهم من طعام وكساء وعلاج , فضلاً عن موائد الرحمن التي توفر للجميع طعام إفطار لائق يتنافس في إعداده أهل الخير , وتنتشر الكلمات الطيبة بين الناس , وتتناثر البسمات بين الوجوه كأزهار الربيع الأخَّاذة . ويسري الشهر الكريم مفتِّحاً أبواب الجنة يفوح منها أريج أزهار لم نسمع عنها , ولم نر مثلها , ولم يخطر جمالها على قلوبنا .

الاجتماع على الإفطار وصلة الأرحام:

ما أجمل ساعة الإفطار , وما أبدع فرحتها , فها هما الجد والجدة , والأب والأم , والأبناء والبنات , والأعمام والعمات , والأخوال والخالات , الجميع مجتمعون حول مائدة الإفطار العامرة , فيوم الإفطار عندنا , ويوم الإفطار عندهم . يترقب جميعنا أذان المغرب فنصلي ثم نقوم إلى الطعام , نتبادل الضحكات , نتحاور , نتسامر , نتواصل . فيحقق الشهر الكريم ما تاقت الأنفس إليه طوال العام من التقاء الجميع بعدما باعدت مشاغل الحياة بينهم . فها نحن قد اجتمع شملنا في جو يملؤه الود والتراحم , وقد حفَّ بنا أبناؤنا ينشرون البهجة بطرائفهم وحكاياتهم , ويتجاذبون أطراف الحديث المحبب مع الأجداد والجدات يستدرُّون منهم ذكريات الماضي , وما أجملها من ذكريات تلك التي يتندَّرون فيها بحكايات الدفء الأسري , وروايات الزمن الجميل .

حقاً ما أجمل ساعة الإفطار حيث نفرح جميعاً بإتمام صيام يوم في طاعة الله سبحانه وتعالى , وما أجمل لحظات السمر بعد الإفطار مع فناجين القهوة والشاي , ومع أنواع الحلوى رائعة المذاق التي تتفنن في إعدادها الأمهات .

تجديد الطاقة الإيمانية:

تترقب نفوسنا جميعا هلال رمضان من العام إلى العام حتى نجدد طاقتنا الإيمانية بعد ما أخذتنا مظاهر الحياة بزخارفها . فشهر رمضان هو وقفة يقف من خلالها كل منَّا أمام نفسه ليراجعها , ويحاسبها , ويصحح مسارها , ويسعى إلى رفع درجتها .

فإذا تجددت طاقاتنا الإيمانية صفت نفوسنا , وارتقت أرواحنا , حتى تصل إلى القمَّة باستقبالها ليلة القدر , وباستقبالها آخر يوم من رمضان . فإذا انقضى الشهر المعظَّم انطلقنا إلى العام المقبل مطمئنين وقد تحصنَّا بتلك الطاقة, يملؤنا التفاؤل والأمل , والأفكار الايجابية التي تتحقق بها النجاحات التي نأملها خلال عام آت واعد بكل خير.

فرحة الأطفال والكبار:

حين يقارب الشهر الكريم ختامه , يتنازع نفوسنا نوعان من المشاعر , الأول فيض حنين إلى رمضان وقد همَّ أن يودعنا , والآخر فيض فرحة بتمام الشهر وقد أدَّينا ما استطعناه من العبادة الخالصة لوجه الله الكريم من صيام وقيام .

وبين هذا وذاك تنتشر مظاهر الفرح وتتنامى بين الأطفال والكبار , فها هم البعض وقد توجهوا إلى المحال التجارية لشراء الملابس الجديدة استعدادا لقدوم عيد الفطر, وآخرون قد اجتمعوا لإعداد الكعك أو لشرائه احتفالا بالعيد, والآباء يحرصون على التوسعة على أهلهم وأبنائهم تطبيقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشر روح الرضا والبهجة بين الجميع بقدوم العيد , وقد رفع الجميع أيدي الضراعة لله سبحانه وتعالى أن يعيد على الجميع الأيام باليمن والبركات , فكل عام ونحن جميعا بخير .

هشام طه سليم

هشام طه سليم

باحث وكاتب

حصلت على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة عين شمس ..وقمت بتدريس مادة القانون لطلبة كليات الحقوق ..فضلا عن خبرتي العملية في مجالات إدارة الأزمات والكوارث وعلوم الحماية المدنية والانقاذ والأطفاء ولي العديد من المؤلفات المتعلقة بعلوم القانون المدني وعلوم الحماية المدنية حيث اني محاضر لتلك العلوم بالمركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية بمصر

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ