شكرا لرجال الإطفاء على ما يواجهونه لإنقاذ أرواحنا وممتلكاتنا

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولهناك شكر واجب لرجال الإطفاء , فهم الذين يُقْدِمُون حين يُدبِر الناس , ويقتحمون بأنفسهم النيران ومواطن الخطر حين يفر الناس .. حقاً .. ذلك انه رسالتهم تفرض عليهم أن يفدون بأرواحهم المنكوبين والضحايا الذين دهمهم خطر أياً كان نوعه , أو اجتاحتهم كارثة ما , وهم بهذا الشأن يفوقون دوماً التوقعات المرجوة منهم في الفداء والتضحية , ويصنعون بتوفيق الله سبحانه لهم المعجزات في سبيل إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات من كافة أنواع الكوارث .

ولا شك أن بلاغات الإطفاء والإنقاذ - بما تحمله من مشكلات معقدة تتداخل فيما بينها فيما يتعلق بأولوية حل كل منها – تمثل تحدياً كبيراً يحتاج إلى قيادة حكيمة واعية مدركة للمهام الملقاة على عاتقها حتى تتمكن من التغلب عليها وتحقيق أهداف الإطفاء والإنقاذ المرجوة .
من أهم المشكلات التي تواجه رجال الاطفاء :
انتشار الحرائق في مكان البلاغ , والمباني المتصدعة التي توشك على الانهيار , ومصادر الخطورة المتنوعة التي قد تؤدي إلى تفاقم الموقف , يضاف إلى كل ذلك الانفلات الذي يسود مكان الكارثة بسبب حالة الذعر التي تصيب المنكوبين والناجمة عن تداعيات الكارثة , وتوافد أهالي الضحايا إلى المكان بحثاً عن ذويهم بقصد الاطمئنان عليهم , وتوافد الأجهزة الإعلامية بأنواعها الباحثة عن سبق صحفي أو خبر إعلامي بغض النظر عن أي اعتبار امني , وأجهزة البحث التي تسعى للتنقيب عن الأدلة المسببة للكارثة , وفوق كل ذلك تواجد بعض معدومي الضمير من اللصوص الراغبين في سرقة أغراض الضحايا مستغلين انشغال الجميع في أعمال المواجهة .
وأمام تلك المشكلات فإن قائد بلاغ الإطفاء والإنقاذ ورجاله مكلفون بتحقيق عدة أهداف أهمها ؛ الحد من الآثار السلبية للكارثة بإطفاء الحرائق , وتأمين المباني والصخور الآيلة للانهيار , وإنقاذ الأحياء , والبحث عن المفقودين , , وإبعاد مصادر الخطورة كالمواد الحارقة والملتهبة من المكان , وتأمين الممتلكات الخاصة والعامة .
أهم التحديات التي تواجه قائد بلاغ الإطفاء والإنقاذ ورجاله:
وفيما يلي يتم عرض أهم التحديات التي تواجه قائد بلاغ الإطفاء والإنقاذ ورجاله لبيان قدر الواجب الإنساني الذي يقومون به في سبيل حمايتنا من خطر النيران التي لا تبقي على شيء في طريقها :
التحدي الأول : عدم توافر المعلومات الكافية عن طبيعة المكان وأسباب الحادث:
ففي اللحظات الأولى لتلقي البلاغ ولدى الوصول إلى موقع الكارثة لا تتوافر لدى قائد البلاغ معلومات شاملة عن أسبابها ( سبب الحريق ونقطة بدايته – سبب انهيار المبنى – سبب كثرة عدد المصابين والمتوفين وأماكن البحث عنهم ) فضلا عن عدم وجود معلومات كافية عن طبيعة المكان وتصميمه الهندسي ومداخله ومخارجه ومصادر الخطورة فيه.
التحدي الثاني: سرعة نمو الحرائق وانتشارها:
يعلم من يعمل في مجال الدفاع المدني أن اللحظات الأولى لبلاغات الحريق هامة للغاية , فمعظم النيران من مستصغر الشرر , وكلما مرت الثواني والدقائق كلما تضاعف انتشار النيران وتضاعفت ضخامتها , وإذا كان من السهل السيطرة على الحريق قبل انتشاره فمن الصعب جداً السيطرة عليه والحد من آثاره بتطور مراحله , حيث ترتفع درجات الحرارة , وتنتشر الغازات الخانقة والسامة , وتتفحم المواد العضوية , وتنصهر المعادن , وتنهار المباني , وتتزايد أعداد الوفيات والمصابين طالبي الإغاثة كل لحظة .
التحدي الثالث: اختلاف المنشآت من حيث الطبيعة والمساحة والتصميم :
تختلف طبيعة المنشآت الموجودة في مكان كل بلاغ عن الآخر , مما يؤدي إلى اختلاف أنواع العقبات التي يواجهها رجال الحماية المدنية بحسب طبيعة كل بلاغ .
فالعوائق التي تتواجد في بلاغات الحريق في الأراضي المفتوحة تختلف عن حرائق المباني المغلقة , كما أن بلاغات الإنقاذ في مباني من دور واحد تختلف عن بلاغات الإنقاذ في المباني المرتفعة , ومن الوارد أن يواجه رجال الإطفاء بلاغاً واحداً يشتمل على كافة أنواع المنشآت من أراضي مكشوفة , ومباني متعددة الطوابق , ومحطة وقود , وغرف لتخزين اسطوانات الغاز .... إلى غير ذلك من المكونات التي يمثل كل منها بذاته خطورة من نوع ودرجة معينة.
التحدي الرابع : اختلاف محتويات موقع البلاغ :
تختلف خطورة الحرائق بحسب كمية وأنواع الموجودات في المكان من حيث إنتاجها للحرارة عند احتراقها مقارنة بمساحة المكان , فكلما تنوعت وازدادت محتويات موقع البلاغ كلما ازدادت المخاطر , حيث ستجد النيران ما يغذيها فتتضخم بشكل أسرع .
فكلما ازدادت طوابق المبنى ومساحتها بما تحويه من الأثاثات والمفروشات كلما ازدادت العوائق التي تقف في طريق رجال الحماية المدنية أثناء اقتحامهم للمكان , وكلما ازدادت صعوبة الوصول إلى مصدر الحريق , وكلما ازدادت احتمالات الانهيارات المؤثرة.
كذلك فإن درجة خطورة الحريق تختلف باختلاف نوع المواد المشتعلة , فحريق المواد الصلبة كالأخشاب والأوراق يختلف عن حريق المواد السائلة والشحوم كالبنزين والزيوت ويختلف عن حرائق الغازات وحرائق المعادن والمواد الكيميائية وحرائق الكهرباء , وكل نوع من أنواع الحرائق يفرض أسلوبا مختلفاً للتعامل معه من حيث إستراتيجية عمليات الإطفاء , ومن حيث المواد الاطفائية المناسبة لكل نوع والذي لا يصلح مع غيره.
التحدي الخامس : التصرف اللاواعي للضحايا لدى تعرضهم لمظاهر الكوارث والحرائق :
يعرف رجال الإطفاء معنى الفزع على وجوه المنكوبين الذين يستنجدون بهم في كل كارثة , كما يعلمون أثر ذلك الفزع على تصرفات هؤلاء الضحايا , ويمكن القول بأن طالبي الإغاثة صنفين :
- الصنف الأول : من داهمته الكارثة على غير توقع :
فهناك مصابون ملقون هنا وهناك يتألمون, وجميعهم يحتاج إلى الإغاثة العاجلة التي تختلف تبعاً لحالة كل منهم , بل أن بعضهم لا يمكن نقله من مكانه بسهولة مما يستتبع ضرورة تيسير دخول سيارات وأدوات رجال الإسعاف إلى المكان. فضلا عن أن هناك من يجري فزعاً ورعباً بشكل عشوائي يطلب الفرار من موقع الكارثة.
- الصنف الثاني : أهالي الضحايا من القتلى والمصابين:
فكل من له قريب في مكان الحادث يتوافد بمجرد علمه بالكارثة إلى موقع البلاغ مندفعاً يطلب معلومات عن سلامة قريبة الذي لا يعلم عنه شيء بالداخل , ويطالب بالتدخل الفوري لإنقاذ قريبه بغض النظر عن الخطة الكليّة لعملية الإنقاذ التي ينفذها رجال الحماية المدنية , وهو التي لا يعيها وليس لديه استعداد لأن يعيها.
يضاف إلى ذلك الانفعالات الحادة لأهالي الضحايا , تلك الانفعالات التي تتزايد حدتها كلما مر الوقت دون الانتهاء من أعمال الإنقاذ وقد تخرج عن المألوف لتصل إلى حد التعدي على رجال الإطفاء والإنقاذ ومعداتهم بكافة أنواع التعدي والتخريب مما يضع عبئاً حقيقياً إضافياً على عاتق قائد عملية الإنقاذ للسيطرة على المكان وتحقيق الأهداف المطلوبة.
التحدي السادس : تدخل جهات غير مختصة في إدارة البلاغ:

يحاول العديد من غير أهل الاختصاص التدخل في عمل رجال الإطفاء والإنقاذ مما يعيقهم عن تنفيذ خطة التعامل مع الكارثة :
- فقد يتدخل المواطنون من منطلق رغبتهم في تقديم المساعدة يدفعهم حماس زائد فيحاولون إنزال وحمل سلالم الإنقاذ , أو نقل المعدات , أو فرد خراطيم الإطفاء بشكل عشوائي مما يؤدي إلى إتلاف المعدات وإرباك رجال الحماية المدنية بدلاً من معونتهم.
- وقد يتدخل رجال الصحافة والإعلام فيحاولون اقتحام أماكن ذات خطورة داخل البلاغ للتصوير , أو محاورة رجال الحماية المدنية أثناء أدائهم لعملهم للحصول على سبق صحفي مما يعطلهم عن إنجاز أهدافهم.
- وقد يتدخل بعض المسئولين بالإدلاء بآرائهم المختلفة بشأن الأسلوب الأمثل الذي كان يجب استخدامه في التعامل مع البلاغ - كأسلوب اقتحام المبنى أو المادة التي يجب استخدامها لإطفاء الحريق – مما يؤدي إلى تشتيت جهود رجال الإطفاء والإنقاذ, وتعطيل القرارات الصحيحة التي يراها قائد بلاغ الإطفاء والإنقاذ .
وبين كل التحديات والمشكلات السابقة يتعين على قائد بلاغ الإطفاء والإنقاذ التغلب عليها , وإيجاد الحل الأمثل لكل منها , حتى يستطيع إدارة البلاغ بحكمة وبهدوء أعصاب , وبقرارات حازمة دون تردد في إطار خطة منظمة لا يسمح فيها بأي تدخلات خارجية قد تؤدي إلى الإخفاق في تحقيق الأهداف المنشودة .
في الختام لا يسعنا جميعا إلا أن نوجه رسالة شكر لرجال الإطفاء على ما قدموه وعلى ما يقدمونه في سبيل إنقاذ الأرواح على مستوى كافة المجتمعات .

هشام طه سليم
باحث وكاتبحصلت على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة عين شمس ..وقمت بتدريس مادة القانون لطلبة كليات الحقوق ..فضلا عن خبرتي العملية في مجالات إدارة الأزمات والكوارث وعلوم الحماية المدنية والانقاذ والأطفاء ولي العديد من المؤلفات المتعلقة بعلوم القانون المدني وعلوم الحماية المدنية حيث اني محاضر لتلك العلوم بالمركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية بمصر
تصفح صفحة الكاتب