رمضان بين الروحانية والاستهلاك: قراءة نقدية في تشوهات الممارسة الدينية
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
رمضان والاستنفار الاستهلاكي: من العبادة إلى التغول المادي.
تشهد الأسواق في البلدان الإسلامية وحتى في الجاليات المسلمة بالخارج حركة غير مسبوقة مع اقتراب رمضان. تُخزَّن السلع بكميات هائلة، وترتفع الأسعار، وتتحول الموائد إلى ساحات للتباهي بالوفرة الغذائية. اللافت هنا أن هذا الاستهلاك المُفرط يناقض جوهر الصيام الذي يدعو إلى التخفف من المادية والإحساس بمعاناة الجوعى. فبدلًا من أن يكون الصوم وسيلة لضبط الشهوات، أصبح ذريعة لإنفاق غير عقلاني يغذي اقتصادًا قائمًا على الاستغلال والغش، حيث تُسوَّق السلع بأسعار مضاعفة تحت شعارات دينية واهية.
التشويه الديني: دور "الكهنوت" في تفريغ رمضان من معناه
جزءًا كبيرًا من الأزمة يعود إلى الخطاب الديني المشوه الذي تروج له بعض المؤسسات الدينية. فبدلًا من تفسير الصوم كآلية لتحقيق التوازن الصحي والاجتماعي، يتم تقديمه كطقس شكلي يرتبط بالمغالاة في العبادات الظاهرية، مثل الإسراف في صلاة التراويح الجماعية، التي تحوّلت –بحسب النقد– إلى أداة للسيطرة السياسية والاجتماعية منذ العهد الأموي. هذا الخطاب يُضفي شرعية على مظاهر النفاق، مثل جمع التبرعات تحت مسمى "شراء بيت في الجنة"، أو استغلال المشاعر الدينية لبيع الوهم للمغتربين في مساجد أوروبا وأمريكا.

التناقض الاجتماعي: الفقراء يأكلون كالأغنياء، والأغنياء ينامون كالفقراء
في رمضان، يُلغى الفارق بين الغني والفقير على موائد الطعام، لكن هذا التساوي لا يعكس عدالة اجتماعية، بل يكشف عن اختلال في أولويات الأمة. فبينما ينشغل الجميع بالاستعداد للولائم، تُهمل قضايا التعليم والإنتاج والعمل، ويتحول النهار إلى سبات جماعي، والليل إلى وليمة استهلاكية. هذا النمط لا يُضعف الاقتصاد فحسب، بل يعزز صورة المسلمين كمجتمعات تعيش في تناقض صارخ بين الشعارات الدينية والممارسات الواقعية.
رمضان والعنف الرمزي: من التشدد إلى تسويق الكراهية
لا يقتصر التشويه على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى الخطاب الديني المتشدد الذي يروج للكراهية تحت مسمى "الجهاد". يشير فائد إلى أن تأطيرًا دينيًا خاطئًا يدفع شبابًا بتأثير خطب الكراهية إلى تبني العنف كوسيلة للعبادة، في حين أن الإسلام الحقيقي يدعو إلى الرحمة والتعايش. هنا يُلام "الشيوخ" الذين يستغلون المنابر لبث الأفكار المتطرفة، بدلًا من تقديم نموذج إسلامي قائم على الحوار والإنسانية، كما تفعل الكنائس في الغرب التي تقدم المساعدة دون شروط.
نحو فهم علمي للصيام: الصوم كضرورة صحية، لا كطقس ديني
أن الصيام في جوهره ليس عبادة دينية فحسب، بل هو ممارسة كونية ضرورية لضبط النظام البيولوجي للإنسان. فالجوع المُنظم كما يرى يسهم في إعادة توازن الطاقة الجسدية، وهو مبدأ علمي تدعمه دراسات الطب الحديث. من هنا، فإن تحويل الصوم إلى "شأن ديني محض" يفصله عن مقاصده الصحية والاجتماعية، ويجعله طقسًا مجوفًا يخدم مصالح تجار الدين والاقتصاد.
خاتمة: إعادة تعريف رمضان بين النص الديني والواقع المعاصر
لا يمكن إنكار أن رمضان يعيش أزمة هوية: شهرٌ يُفترض أن يكون مدرسة للتقوى أصبح سوقًا للاستهلاك، ومناسبة للرحمة تحولت إلى منصة للخطاب العنيف. إن الخروج من هذا المأزق يتطلب مراجعة جذرية للخطاب الديني السائد، وفصل العبادات عن المصالح الاقتصادية والسياسية، وإعادة ربط الصوم بأهدافه الأصلية: ضبط النفس، وتعزيز التكافل، وترسيخ القيم الإنسانية.
"لو فهم الناس معنى الصيام علميًّا لا دينيًّا لتحول رمضان إلى فرصة لنهضة الأمة بدلًا من كارثتها".

كلمة أخيرة:
رمضان ليس شهرًا للتقوقع على الذات، بل هو فرصة لمراجعة المسار. فهل نستعيد روحه الحقيقية قبل أن يتحول إلى مجرد ذكرى في تقويم استهلاكي؟!