رسالة من طور سيناء – اول زيارة وعمل لمحافظة جنوب سيناء

الكاتب

ليلى الشبراوىكاتب

رسالة من طور سيناء

تبدأ رحلتي مع مدينة الطور وجنوب سيناء في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.. ومن هنا تبدأ العلاقة التي نشأت بيني وبين البنك الأهلي المصري والتي إمتدت اكثر من خمسة عشر عاما ولم تنتهي بالطلاق بل أنهتها أحداث الخامس والعشرون من يناير عام ٢٠١١ م.

وتبدأ القصة عند لقائي بأحد المهندسين الإستشاريين بنادي الشمس وكنا قد تقابلنا في مكة المكرمة عندما كنا نقضي فريضة الحج وإستمرت علاقتنا بعد ذلك وقد تبادلنا في هذه الفترة المعلومات عن العمل وسوق المقاولات في مصر ف أشار على: لماذا لا تأخذ مقاولات مع إدارة الإنشاءات في البنك الأهلي خاصة أن لك خبرة في أعمال البنوك وقمت بتنفيذ أعمال كثيرة بالبنك الزراعي آخرها فرع القناة وسيناء بمدينة الإسماعيلية.

أبديت له استعدادي للقيام بذلك في أقرب وقت ممكن، وفي أول مناقصة يتم الإعلان عنها من إدارة البنك، وفي الجمعة اللاحقة تقابلنا مع المهندس أشرف صبحى وكان يعمل مديرا للقسم الهندسى بأحد المكاتب الاستشارية المتخصصة في الإشراف على أعمال التنفيذ بالبنك الاهلي، وقام بإعطائي فكرة عن طبيعة الأعمال هناك .

فى خلال شهر تقريبا صادفت إعلان عن تنفيذ أعمال أعداد وتجهيز فرع طور سيناء وتشطيب الوحدات السكنية وإنشاء أبراج حراسة للفرع، ولم أتردد في شراء كراسة الشروط والمواصفات ومستندات العطاء من مبنى البنك الرئيسي الموجود في منطقة الكورنيش بكايروبلازا بجوار وزارة الخارجية وهو عبارة عن مبنيين المبنى مكون من ستة وثلاثون دور، ومن المباني المميزة على الكورنيش، وتقع إدارة الإنشاءات في الدور الثاني عشر.

كان تاريخ جلسة فتح المظاريف في خلال أسبوعين من هذا اليوم وكان لابد لي من معاينة موقع البنك على الطبيعة، وكانت أول زيارة لي لمدينة طور سيناء وهي من أجمل مدن مصر وأكثرها هدوءا، وبها حمام موسى وتقع بالقرب من حمام فرعون ومنطقة سانت كاترين الأثرية، وتوجد على مسافة حوالى مئة كيلومتر من مدينة شرم الشيخ الي الغرب منها، وتبعد عن نفق الشهيد أحمد حمدي حوالى 265 كيلومتر و200 كيلومتر من مدينة راس سدر، وبمجرد دخولي المدينة صار بيننا "ود" غير منقطع النظير وعلاقة عشق لم ولن تنتهي بيننا حتى اليوم.

مكثت بها في أحد الفنادق بقرية ماجدولينا وتقع على البحر وبها منطقة شبه جزيرة خاصة بالافواج السياحية ومن أجمل القرى هدوءا في جنوب سيناء لمدة ثلاثة أيام تعرفت فيها على كل معالم المدينة الجميلة، وكانت لهذه الزيارة أكبر الأثر في تمسكي بالحصول على تلك المناقصة ولن أنسى ان هذه أول مرة أحضر مناقصة مع البنك الأهلي.

وفي يوم الجلسة حدث لي موقف في منتهى الغرابة: كان ربما يكون السبب الذي يقضي على ذلك الحلم الذي لم يبدأ بعد، خرجت من مكتبي بمدينة العاشر من رمضان وأثناء اقترابي من السيارة تحت المكتب دق جرس الهاتف فوضعت الشنطة التي كانت بيدي على الرصيف المقابل حتى أتمكن من فتح باب السيارة والرد على الهاتف في نفس الوقت، وركبت السيارة ونسيت الشنطة على ذلك الرصيف وكان بها مستندات العطاء وكل الأوراق اللازمة.

عند خروجي من المدينة على بعد حوالى عشرة كيلومترات قابلني كمين شرطة وكان أحد الضباط على يسار الطريق شاب على خلق.. فطلب مني رخصة القيادة والسيارة فبحثت عنها في كل مكان بالسيارة وطال الوقت حتى إزدحم الطريق خلفي.. فطلب مني أن اتخذ الجانب الأيمن حتى أتمكن من البحث عليهما وأوقف الطريق بالكامل حتى أتمكن من ركن السيارة علي يمين الطريق وجاء يسألني: إيه الحكاية إنت شكلك مرتبك فيه حاجة أكثر من رخصة القيادة، فذكرت له الظروف وموضوع الشنطة والمستندات فتأثر وتغيرت ملامحه وقال: لابد من حل حتى تتمكن من حضور الجلسة في البنك.

تأكدت وقتها ان أجملَ الوجوه في الصباح ليس أحلاها خِلقه ولكنَ أكثرها إبتسامه وخلق، ومن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، وهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.

إستانف كلامه لو تركتك تذهب من الدوران الأمامي وهو بعيد ربما تتأخر ولا تستطيع حضور الجلسة، وفي خلال ثواني طلب من أحد الأمناء بالكمين الذهاب إلى المكان الذي وصفته له وقال لي: لو أراد الله لك حضور المناقصة سوف يجد الشنطة... كان مكتبي في عمارة بجوار مرور العاشر، إتصل بمرور المدينة بأحد زملاءه لإرسال مندوب إلى مدخل العمارة للبحث عن الشنطة.. وفي خلال خمس دقائق رد زميله: بوجود حقيبة على الرصيف المذكور، وأراد الله أن يكون لي نصيب في الوصول قبل الميعاد بخمس دقائق وكان من حسن الحظ أن أعضاء اللجنة يؤدون صلاة الظهر مما أخر ميعاد فتح المستندات ربع ساعة، هنا تظهر حكمة الله وكانت سعادتي لا توصف فما كل هذه السعادة الغامرة التي تلامس سقف الجنون؟

اللهم أخرجني من حولي إلى حولك، ومن عزمي إلى عزمك، ومن ضعفي إلى قوّتك، ومن انكساري إلى عزّتك، ومن ضيق إختياري إلى براح إرادتك.

تم فتح المظاريف الساعة الثانية عشر والثلث، وفي خلال نصف ساعة تقريبا كانت أسعار العطاء المقدم منا هي أقل الأسعار وبالتالي أكون قد فزت بالمناقصة... ما هذه الأحداث المتلاحقة وتلك الفرحة التي كادت تطيح بعقلي، أحلامك الصغيرة البسيطة أحياناً تضجّ في رأسك تصرخ فيك أخرجني اريد أن أرى النور.

كانت أول مرة أدخل قاعة المؤتمرات بالإدارة وقد بدأت الثقة تدب في روحي.. تعرفت على أعضاء اللجنة وقدمت نفسي لهم فأنا الوجه الوحيد الجديد عليهم.. ولم يخفى الزملاء من مندوبي الشركات المنافسة سخطهم من وجودي، فقد كانت مفاجأة لهم، وبالنسبة لي لم يكن هذا غريب عليّ، لقد كان يتكرر في كل جهة أحضر فيها مناقصات لأول مرة... وعدوني في خلال أسبوعين سيتم الرد عليكم بخصوص لجنة البت ورسو العطاد من عدمه، وكنت لا أعلم سببا لذلك، ولكن علمت بعد ذلك أن البنك الأهلي لا يوافق على التعامل مع أية شركات بدون إجراء تحريات معينة من حيث القدرة المالية والامن العام.

وفي خلال أسبوعين طلب مني الحضور لدفع قيمة التأمين النهائي والتعاقد علي المشروع، أصبحت أعيش لحظات من الوهم الجميل والأحلام الساحرة والأمل اللطيف، وتيقنت في هذا الوقت أننا عندما لا نبصر نورا في نهاية النفق يجب أن نؤمن بأن النور لابد أن يظهر ولابد من بزوغ الفجر وسوف تشرق الشمس.

وفي خلال أسبوعين تم إستلام الموقع وكان المكتب الاستشاري المشرف على الأعمال هو مكتب المهندس حسين صبور.. قابلت المهندس نبيل شعبان والمهندس جمال حسن في فندق المحطة وإستحبطهم الي الفرع وتقابلنا مع مدير الفرع.. وهنا اذكر قمة الأخلاق التي ظهرت على الجميع وكان لهم الفضل في إنجاز الأعمال بمستوى راقي.. والحمد لله تم التنفيذ في وقت قياسي وأصبحت من سكان مدينة الطور وقمت بشراء أرض فيها وتم البناء والحمد لله تحقق الحلم الذي راودتني لسنوات.

ومن تجربتي هذه اقول لكل الشباب على وجه الارض: حاول أن تفعل شيئاً مميزاً في حياتك، وتعلم كيف تطبقه على أرض الواقع، جرب وستجد أن العملية أسهل مما كنت تتوقع.