رحلتي مع القهوة والتفاصيل الصغيرة: عزلة هادئة وسط ضجيج الحياة

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول"السعادة تكمن في التفاصيل الصغيرة، في رائحة القهوة عند الصباح، في لحظة صمت وسط الضجيج، في الاكتفاء بالذات دون الحاجة لضجيج الآخرين."

قصتي مع القهوة والتفاصيل الصغيرة
يبدأ صباحي دائمًا برائحة القهوة التي تتسلل إلى أنفي قبل أن أفتح عينيّ. وكأنها تهمس لي بأن اليوم قد بدأ، وبأن هناك فرصة جديدة لصنع عالم من التفاصيل الصغيرة التي تحملني. أحب تلك الدقائق الأولى من الصباح، حين يكون العالم ساكنًا، وأنا وحدي مع أفكاري وكوب القهوة الذي يمدني بالدفء، ليس فقط لجسدي، بل لنفسي أيضًا.
في خضم هذا الكم الهائل من الانشغالات، أجد نفسي بحاجة إلى مساحة خاصة، إلى لحظات ألتقط فيها أنفاسي بعيدًا عن فوضى العالم. قد تكون هذه المساحة كوب قهوة في ركن هادئ، كتابًا يحملني إلى عوالم أخرى، أو حتى نافذة أراقب من خلالها الشارع دون سبب سوى الاستمتاع بالمشهد العابر للحياة.
رغم محاولاتي للبقاء قويًا، إلا أن هناك حزنًا يسكن صدري، كضيف لا يغادر ولكنه لا يمنعني من العيش. أحمله معي في أيامي، لكنه لا يمنعني من البحث عن الجمال في التفاصيل، ولا يقلل من رغبتي في الاستمتاع بلحظاتي الصغيرة. ربما لهذا السبب أحب القهوة؛ لأنها تلخص علاقتي بالحياة: مزيج من المرارة والدفء، تمامًا كالأيام التي نعيشها.
أحيانًا، أجلس أمام نافذتي وأتأمل ازدحام الحياة من حولي، وأسأل نفسي: كيف يمضي الجميع بهذه السرعة؟ كيف يستطيعون تجاهل اللحظات الصغيرة التي تصنع الفارق؟ كيف يمرون بجوار مقهى تفوح منه رائحة القهوة دون أن يأخذوا دقيقة ليستنشقوا الدفء الذي تبعثه؟ كيف يمشون في الشوارع دون أن يلحظوا الأشجار التي تتمايل مع النسيم أو ابتسامة طفل تشرق كالشمس؟
الاكتفاء بالذات لم يكن شيئًا فهمته تمامًا في البداية. كنت أعتقد أن السعادة ترتبط بالآخرين، بالمحادثات الطويلة، بالخروج واللقاءات. لكنني أدركت لاحقًا أن أجمل اللحظات هي تلك التي أقضيها مع نفسي، حين أكون قادرًا على الاستمتاع بصمتي، برحلتي الداخلية، وبأفكاري التي تتجول بحرية بعيدًا عن ضجيج العالم.
لا يعني هذا أنني لا أشعر بالوحدة أحيانًا، لكنها وحدة أختارها، وليست وحدة تفرضها الظروف. هناك فرق بين أن تكون وحيدًا لأنك مجبر، وبين أن تكون وحيدًا لأنك تريد أن تمنح نفسك وقتًا خاصًا. الفرق يشبه الفرق بين أن تشرب قهوتك على عجل وسط زحام الناس، وبين أن تستمتع بها وأنت جالس بهدوء، تراقب بخارها وهو يتلاشى في الهواء، وتشعر بالدفء يتسلل إليك ببطء.
مع كل رشفة من قهوتي، أشعر وكأنني أحتضن نفسي، وكأنني أقول لها: لا بأس، الحياة ليست دائمًا سهلة، لكنها تستحق أن نعيشها بكل تفاصيلها، بكل مرارتها وحلاوتها، بكل صخبها وسكونها. فهناك جمال في كل شيء، حتى في الحزن الذي يسكن صدري، حتى في الأيام التي أشعر فيها أنني متعب، وحتى في الليالي التي أقضيها وحيدًا مع أفكاري.
ربما لهذا السبب أحب القهوة، لأنها تشبهني. فهي ليست مجرد مشروب، بل طقس يومي يمنحني إحساسًا بالأمان، يجعلني أشعر أنني ما زلت أملك لحظاتي الخاصة وسط كل هذا الانشغال. ورغم كل شيء، سأظل أبحث عن الجمال في التفاصيل الصغيرة، لأنني أدركت أن الحياة لا تُقاس بعدد الأيام التي نعيشها، بل بعدد اللحظات التي شعرنا فيها أننا أحياء حقًا.

يوسف النيوة
كاتب و معد برامج صوتيةيوسف النيوة، شاب مغربي يبلغ من العمر 29 سنة، كاتب وملحن موهوب من مدينة القنيطرة. يعشق الكلمة والنغمة، حيث ينسج يومياته بأسلوب يعكس رؤيته العميقة للحياة وتجاربها. يجمع في كتاباته بين البساطة والإبداع، ما يجعلها قريبة من القلوب وصادقة التعبير. كما أن ألحانه تعكس هويته الفنية، مزجًا بين الأصالة المغربية ونفحات الإحساس المرهف. يعتبر يوسف مثالاً للشباب المبدع الذي يسعى لتقديم بصمته الخاصة في عالم الأدب والفن.
تصفح صفحة الكاتب