رحلة الى برلين ( عبدالله كمال يسافر الى المانيا)

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
9
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

بداية الرحلة

المانياالمانيا

تخرج من كلية الهندسة وبعد قضاء فترة الخدمة العسكرية، قرر أن يغامر للسفر إلى أوربا كعادة غيره من الشباب فدائما ما كانت تسيطر عليه أحلام اليقظة والتفكير في بلاد الغرب أثناء فترة الدراسة.

بداية الرحلة: يركب سيارة أجرة من محطة المنصورة متجها إلى القاهرة، بدأت تمر البلدان النائمة ببراءة أمام عينيه، وتغلف حبات الندى وجه الزروع، وطريق تظلل الأشجار جانبيه تصطف فيجعلها النسيم تتمايل عجبا، قضبان قطار على يمين الطريق، لافتات تعلن المسافات المتبقية على طريق الحلم، تتجه السيارة به إلى مطار القاهرة، طائرة تحلق في السماء، معاناة العمل ومشقته تبدو فى أصوات المرافقين له فى الطائرة الذين بدا معظمهم نياما، يرى مضيفات مصر للطيران لأول مرة يشع من عيونهن بريق الأمل ويشم منهن رائحة العطر الأوربى، وبمجرد أن وصل إلى مطار برلين أحس بغربة شديدة ووحدة في عالم غريب عنه لا يعرف فيه أحد، وعند الوصول يرى أضواء ساطعة وأبراج شاهقة بفعل السنين وأشجار عتيقة كعمر الألمان، وقفت صامدة شاهدة بصمت على الكثير، كان يشم رائحة القرية وحقول البرسيم ومياه النيل تطغى، فيختلط بنسمات قبيل الفجر التى تنبع من الجنة فتمحو الأوجاع وتتنفس القلوب.

ما هذه المدينة وما هذا الجمال الذي يملأ الأماكن حوله، تلك اللغة السماوية التي تترفّع عن الأصوات، والمقاطع التي تحدثها الشفاه والألسنة، لغة خالدة تضم إليها جميع أنغام البشر تجعلها شعوراً صامتاً مثلما تجتذب البحيرة الهادئة أغاني السواقي إلى أعماقها وتجعلها سكوتا أبديا، ذلك الجمال سر تفهمه الأرواح وتفرح به وتنمو بتأثيراته، أما أفكارنا فتقف أمامه محتارة محاولة تحديده وتجسيده بالألفاظ ولكنّها لا تستطيع.

إنه سر خافٍ عن العين يتموج بين عواطف الناظر وحقيقة المنظور، إنه الجمال الحقيقي، هو أشعة تنبعث من قدس أقداس النفس وتنير خارج الجسد مثلما تنبثق الحياة من أعماق النواة وتكسب الزهرة لوناً وعطرا خالدا، هو تفاهم كلّي بينه وبين ذلك الجمال يتم بلحظة وبلحظة يولد ذلك الميل المترفّع عن جميع الميول، ذلك الأنعطاف الروحي الذي ندعوه عشقا يسافر الليل به إلى أبعد المسافات يحمله على بساطه إلى وطن فيه الحب، والحلم، فيه الأمل، فيه العدل والسلام، فيه الحضارات الحديثة... يكاد ان ينسي لحظات مر الايام التي مرت عليه يعلوها الفقر وتسيطر عليها مشاعر التعب والإرهاق والليالي الطوال، حيث الأمل لا يكتمل والحلم دائما ما يكون شيئا من الخيال والظل لا يكاد ان يكون سراب.

وشاء القدر أن يجمعه بمجموعة من شاب مصر من نفس محافظته، يحملون نفس الصفات والآلام، بدأ يعمل معهم فى مجال البناء وتوطدت علاقة صداقة قوية معهم إلي أبعد الحدود، وأصبح يتفوق فى عمله شيئا فشيئا حتى أحبه صاحب العمل، وقربه منه وأعطاء وظيفة مراقب وزاد فى راتبه، جمعت بينهم الغربة فكان كل منهم يحتاج من يسمع لحديثه ويأنس لكلامه ويبدو سعيدا برفقته، فزاد بينهم الود والوئام، تفوق عبدالله فى عمله بطريقة لفتت أنظار كل المشرفين والمديرين بالشركة وكان صاحب العمل يوظف من يكتب تقريرا عن ملاحظاته للعمال ويقدمه له كل أسبوع، وكان يرفق به صورا وفيديوهات حتى يتم توثيقه بطريقة صحيحة ولا يعتمد على رأى الشخص المراقب فقط، وعندما عُرض عليه ملف عبدالله طلب من المسئول عن الموقع أن يطلب منه مقابلته بالمكتب بعد نهاية الدوام، وكان فى هذه الفترة بدأ يتعلم من أصدقائه الذين سبقوه بالسفر بعض الجمل باللغة الألمانية وبطبيعة الحال كان يعرف كثيرا من اللغة الانجليزية فهو خريج كلية الهندسة الميكانيكية.

لعبة القدر

الاقتصاد الالمانىالاقتصاد الالمانى

بعد نهاية الدوام وجد عبدالله أحد المسئولين ينادى عليه ويطلب منه الذهاب الى مكتب رئيس مجلس الادارة فى أمر هام، وذهبا سويا وبمجرد دخول المهندس عبدالله الى مكتب الرجل وقف ليسلم عليه وفى العادة هذه لا تحدث أبدا مع العمال، ومن الصعب حتى أن يصلوا الى هذا المكان، وطلب منه الجلوس أمامه وطلب من المشرف الذى كان برفقته المغادرة وكذلك من السكرتيرة عدم السماح بدخول أى شخص خلال الفترة المتواجد بها عبدالله معه فى الاجتماع، وبدأ يسأل عبدالله عن السيرة الذاتية ومستوى التعليم، وبعد أن تأكد أنه حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية بتقدير جيد جدا، قال له اليوم لنا وقفة وهذا الموقع ليس مكانك، ومن الصباح تتجه الى مصنع الشركة فى حى قريب من موقع العمل وداخل مدينة برلين، وأعطاه توصية للمدير الذى يقوم بادارة المصنع وكذلك ورقة مدون فيها العنوان، وقال له سوف اتابعك شخصيا، وسوف تخضع ل الاختبار لمدة ثلاثة شهور وفى حالة نجاحك سوف تجد نفسك فى مكان آخر ووضع لا تحسد عليه.

توجه المهندس عبدالله فى صباح اليوم التالى الى العنوان عن طريق إحدى سيارات الأجرة، وبعد وصوله أعطى التوصية ل الامن على بوابة المصنع واتصلوا من خلال الهاتف بالمدير، فأمرهم بأن يرافقه أحدهم الى المكتب وبمجرد دخوله الى مكتب المدير تذكر قصة نبى الله سليمان مع ملكة بلقيس عندما دخلت عليه الصرح فوجدته لُجًة وكشفت عن ساقيها وقد هاله المكان وكذلك أرضية المكتب كانت معموله بطريقة تخدع الغريب وكأنها بحيرة تحتوى على الأسماك والدلافن والحيتان، ولم يرى مثلها قبل ذلك فى حياته فظن أنها مياة وتراجع الى الخلف ولم يستطع الدخول ولكنها تقدمت اليه وسلمت عليه وطلبت منه العبور فهذه ارض عادية ولكنها مصنوعة بطريقة معينة من مادة الايبوكسى وتحتها بعض المناظر الطبيعية، وبالمناسبة كثرت هذه التشطيبات فى مصر والدول العربية فى الفترة الأخيرة بطريقة كبيرة.

لقد فوجئ عبدالله كمال بأن مدير المصنع هى فتاه من سنه تقريبا وحاصلة على بكالوريس الهندسة الميكانيكية وهى ابنة صاحب المصنع، فجلس أمامها وهو ينظر الى الأرض ولا يستطيع النظر فى وجهها، فمن يكون أمام هذا السحر الذى ذكره بقصة ملكة بلقيس مع نبى الله سليمان عليه السلام، وهذا الجمال الأخاذ الذى يكاد يأخذ بالألباب، ولم يرى مثله فى حياته ولا حتى فى أحلامه، ولم يصل طموحه يوما من الأيام أن يدخل مثل هذا المكان إلا فى الجنة إذا أراد الله له ذلك فى الآخرة، هدأت "لاندرا" من روعه وبدأت تحدثه بهدوء حتى يستطيع فقط رفع رأسه الى أعلى، وطلبت منه معلومات عن تخصصه، وما إذا كان يمكنه أن يقوم به فى مجال عمله وهو الهندسة الميكانيكية.. وهل هو متخصص فى التصميم أم الاشراف أم الادارة، وهل عنده خبرة سابقة فى مصر فى التعامل مع أى نوع من الماكينات، وفى هذه الحالة بدأ يتشجع فهو بارع جدا فى التصميم وتطوير الماكينات ولديه أكثر من تجربة فى هذا المجال، وكان قد قام بتصوير بعض

الحالات التى قام بتصميمها وكذلك حالات أخرى لتطوير بعض الماكينات الخاصة بالانتاج، وفتح الهاتف على استديوا الصور وأشار لها على بعض الأعمال، فطلبت منه أن يرسلها على جهاز الارسال الخاص بالبروجوكتور بالمكتب حتى يتم عرضها على الشاشة، وطلبت تشغيله من الفنى المتخصص فى تشغيل وادارة الجهاز، وفى خلال دقائق وجد عبدالله الفيديوهات الموجودة على هاتفه المحمول تعرض على شاشة كبيرة بعرض الحائط وتخيل أنه يحلم فلم يشاهد فى حياته مثل هذه الأشياء التى كادت أن تطيح بما تبقى من عقله بعد رؤيته لهذه الحورية التى تجلس أمامه ولا يستطيع أن يلتفت ناحيتها فقد تتسبب فى ارتفاع نبض قلبه ولا يستطيع مواصلة الاجتماع معها.

بدأت (لاندرا) فى تحريك الصورة بين الفيديوهات المختلفة، وكانت مفاجأة لها أكثر آلاف المرات من مفاجأة عبدالله كمال بجمالها وجمال المكان الذى تجلس فيه، وقالت كيف تعمل وسط العمال وأنت تملك هذه الموهبة يا باشمهندس، واتصلت بوالدها على الفور وقالت له اننا عثرنا على المصمم الذى كنت تنوى أن تستدعيه بخصوص تطوير الماكينات وأنه يجلس أمامى الآن، وكانت الدهشة أكبر من والدها كيف وصل عندك ولم نقم بارسال أية رسالة له ولم يعلم أى شخص بهذا الموضوع غيرى أنا وأنتى يا (لاندرا)، ولم يكن معك أى معلومات عنه حتى تتمكنين من استدعائه بهذه السرعة، فقالت له ليس هذا ما قصدته أن يصل الى فكرك لكننى وجدت البديل وهو المهندس المصرى الذى ارسلته لى اليوم ولو كان وقتك يسمح أرجو أن تشرفنى اليوم لمدة ساعة واحدة، حتى تشاهذ الأعمال الذى قام بها فى مصر قبل وصوله الى برلين، وسوف أستغل هذه الفترة لحين وصولك بمرافقته والمرور على الماكينات التى تحتاج الى تطوير حتى يمكن أن يعطينا تقرير بحالتها وهل هى تحتاج الى صيانة أو تغيير كلى وودعته بعد أن وعدها أنه سوف يكون معها بعد نهاية اجتماع مجلس الادارة ، قامت (لاندرا) بمشاهدة الفيديو وبدأ يشرح لها عبدالله المواقف التى صاحبت هذه الأعمال التى تُعرض على الشاشة ف انبهرت به لدرجة انها بدون أن تشعر ربتت بكلتا يديها على يده وكادت أن تقترب منه لتقبله ولكنه تباعد عنها بطريقة غريبة، فهو يتمتع بحياء الريف المصرى ولا يترك فرض واحد من الصلاة ويصليها فى موعدها مهما كانت الأسباب، وهذا ما أثار إنتباه صاحب العمل له عندما شاهده فى التقرير الذى أعده احد المراقبين، فكان يترك العمل بمجرد دخول موعد الصلاة وعينه تراقب الساعة، ثم يحضر زجاجة مياة ويتوضأ بدون مساعدة أى شخص ويأتى بسجادة يحتفظ بها مع أغراضه فى مكان العمل ويصلى فى الحال ثم بعد انهاء الصلاة مباشرة يستأنف عمله بدون أن يشعر به حتى القريبين منه، فتعجب الرجل من هذا الشخص وسط مئات العمال من نفس بلده ودينه ولكنه هو وحده الذى يتمتع بهذه الخصال، فوقع فى نفسه أن هذا سوف يكون له شأن فى يوم من الايام وخاصة عندما وجده حاصل على شهادة الهندسة الميكانيكية وهو أحوج ما يكون لشخص من هذا النوع، وبعد مرور (لاندرا) وعبدالله على أقسام المصنع المختلفة قدمت له وجبة الغداء لحين وصول السيد رئيس مجلس الادارة لمشاهدة الفيديوهات على الشاشة ويكون عبدالله قد أعد له التقرير المناسب عن حالة الماكينات.

مراجعة الماكينات

شعر عبد الله بسعادة لم يمر بها طوال فترات حياته وأحس أن هذا جزء من الجنة الذى يشاهدها لأول مرة على الأرض من داخل حدود مدينة برلين الالمانية، قاطع تفكيره دخول السيد "روبين" والد المهندسة (لاندرا) ورئيس مجلس ادارة المجموعة فقام بسرعة من مكانه، ولكن الرجل أشار اليه بالجلوس وبدأ مباشرة فى مشاهدة الصور والفيديوهات التى قدمها عبدالله وعرضتها(لاندرا) على الشاشة وبدأ يوجه له بعض الأسئلة والاستفسارات عن هذه الماكينات باللغة الانجليزية حتى يتمكن عبدالله من استيعاب السؤال وبعد فترة طلب منه أن يأتى غدا لتقديم تقرير مفصل عن كل ما يخص خط الانتاج الموجود بالمصنع وان كان هناك نية لتغيير بعض الماكينات من عدمه وعمل صيانة للباقى، ثم أكد عليه أن يأخذ الوقت الكافى ولا يتسرع فى كتابة التقرير لأنه سوف يكون هو المسئول الأول والأخير عن تنفيذ كل ماجاء بهذا التقرير، ثم طالب احد السائقين أن يوصله الى مقر سكنه .

ذهب عبدالله الى سكن العمال وهو لا يدرى بنفسه: أهو يعيش معهم فى هذا المكان أم أنه يحلق فى السماء والتفوا جميعا حوله يسألونه عن كل ما حدث له من ساعة ان تركهم الى أن دخل عليهم بعد حوالى اربعة ساعات، وكان حريصا أن يستعين على قضاء حوائجه ب الكتمان، فلم يفسر لأى منهم ما حدث معه ولكنه أدار الحديث معهم فى جهة أخرى لا تتعلق به "على ان الرجل الرجل كان يسأله عن بعض الأشياء فى عمله معهم وارسله مع السائق الى موقع عمل آخر مشابه لهذا العمل وهو مشروع جديد تحت الانشاء، وانه متردد لان المكان لازال جديد ويخاف أن يكون هناك وحده" واخبرهمم أنه طلب منه أن يفكر قبل أن يقرر قبول أو رفض العمل فى هذا المشروع، وكانت عادته دائما أن يجلس وحده ويمسك بالورقة والقلم ويعمل فى هدوء وهذا ليس جديدا على الجميع واستغل هذا الوقت فى كتابة التقرير وعمل مسودة اولى وبعد خروجهم فى الصباح سوف يقوم بعمل التقرير النهائى و أخبرهم ايضا أنه طلب من صاحب العمل أجازة لمدة يومين حتى يفكر فى العرض الجديد.

قام عبدالله كمال فى الصباح الباكر بعد صلاة الفجر وقد كانت أفكارة فى قمة النضج والنشاط، وكتب تقرير مفصل عن كل صغيرة وكبيرة وكل فكرة ممكن أن تكون كفيلة بتوفير أى مبالغ مالية لهذا الرجل الذى أرسله الله له من السماء ومن أجل تلك الحورية التى لا يكاد يتذكر ملامحها من تمادى الجمال الذى يشملها من شعرها الى قدميها، وكان يتذكرها وهى تسير معه فى ارض المصنع وكانت تمشى ك الغزلان، وذهب الى المصنع بعد أن هاتف (لاندرا) حتى ترتب ميعاد مع والدها بخصوص التقرير، وصل الى مكتبها فى الساعة الثانية مساءا

، وكانت (لاندرا) فى انتظاره وبعد حوالى نصف ساعة وصل السيد "روبين" رئيس مجلس الادارة، وبدأ مباشرة فى تلاوة بنود البحث ووقف يشرح من خلال شاشة الجهاز كل ما يتعلق بالمصنع وكأنه كان يعيش فيه من سنوات، لم يصدق الرجل وابنته هذا الفكر الناضج من شاب فى مقتبل عمر الشباب وقام وسلم عليه بحرارة، وقام مباشرة بتكليف الحسابات والشئون القانونية بعمل اجتماع مشترك فى صباح الغد وعمل عقد للمهندس عبدالله كمال بمنصب مساعد مدير المصنع وكذلك رئاسة قسم التصميم حتى يتمكن من عمل صيانة فى المدة التى ذكرها فى التقرير وهى ستة شهور وبدون أن يقف المصنع دقيقة واحدة عن الانتاج: فكانت خطته أن يقوم بعمل الصيانة على مراحل بحيث لا يؤثر على عملية الانتاج، وكذلك توفير سكن مناسب وسيارة بالسائق لزوم نائب المدير الجديد وهنا بدات مرحلة أخرى فى حياة عبدالله كمال وهى قصة دخوله الى جنة برلين.

المنصب الجديد

السياحة فى المانياالسياحة فى المانيا

من ناحية أخرى وداخل فيلا المهندس روبين كان يدور حديث بينهم مع زوجته وابنته الوحيدة (لاندرا) بخصوص هذا الشاب المصرى الألماسة المدفونة والتى تم العثور عليها بمحض الصدفة داخل أحد مواقع البناء، وكانت فى هذا الفتى العجيب عبدالله كمال المصرى الذى يعيش فى احدى قرى محافظة الدقهلية وهى قرية "نوسا الغيط" مركز أجا، محافظة الدقهلية وقد سافر وكل حلمه أن يقضى بضع سنوات فى الغربة بين عمال البناء فى المواقع المنتشرة فى اطراف مدينة برلين حتى يتمكن من شراء شقة بمدينة المنصورة والزواج من المهندسة علياء التى تعرف عليها من ستة شهور وهو يجدد كارنيه النقابة داخل فرع النقابة بالمنصورة وهى من قرية سلكا المجاورة لقريته وتبعد عنها مسافة لا تزيد عن خمسة كيلومترات، ولم يتعدى طموحه هذا الوضع الذى رسمه معها وهى تودعه قبل ثلاثة شهور على محطة المنصورة وهو يستقل سيارة الى محطة القاهرة، ومنا يستقل حافلة الى المطار.

وبالرجوع الى مائدة السيد "روبين" فقد اعجب هو وابنته بهذا الفتى ايما اعجاب، وانبهر به ايما انبهار، وتمنى أن يكون زوجا لابنته بعدما شاهده وهو يقدم تقرير الماكينات وكانه مهندس درس الهندسة فى اليابان، وليس فى جامعة المنصورة وهى احدى جامعات الاقاليم، وطلبت زوجته السيدة "رولينا" أن تتمكن من رؤية هذا الفتى الذى ملأ قلب زوجها وابنتها من مجرد لقائين فقط، وطلبت أن يكون ضيفها على الغداء فى الغد وأن تصحبه (لاندرا) معها بعد نهاية العمل فى المصنع ويكون حاضر السيد "روبين"، حتى يتمكنوا جميعا من اتخاذ قرار ارتباط (لاندرا) به من عدمه، فهى بنتهم الوحيدة وستكون مسئولة بعد عمر طويل للسيد روبين عن ادارة مجموعة الشركات وتحتاج الى رجل بهذه المواصفات حتى لو كان من البلاد العربية ويدين بالاسلام.

بعد نهاية اليوم بالمصنع طلبت (لاندرا) من المهندس عبدالله أن يرافقها الى المنزل للتعرف على والدتها التى طلبت منها أن يرافقهم على وجبة الغداء، ولم يمانع عبدالله فى ذلك فكانت هذه فرصته ليفوذ بقلب الطرف الثالث وبالتالى يكون قد ثبت قدمه فى المكان المناسب بدون أى اعتراض من أحدهم، ووصل هو و(لاندرا) الى المنزل وكانت والدتها فى استقبالهم وبعد لحظات وصل الوالد وبعد تناول الغداء ساد جو من الود بين الجميع وانتقلوا الى الحديقة الموجودة بفناء الفيلا من الخارج لشرب القهوة، وبعد اللقاء لم يختلف رأى السيدة "رولينا" عن رأى ابنتها وزوجها بخصوص رضاهم جميعا عن هذا الفتى الرائع.

من ناحية أخرى تسرب الخبر الى زملاء عبدالله فى السكن أنه حصل على منصب كبير فى أحد مصانع المجموعة وغضب منه من أراد أن يغضب وفرح له كذلك من كان يتمنى له الخير، وكان أحد الأشخاص من قرية سلكا التى تسكن بها علياء خطيبة عبدالله ويعرفها من قريب، فأرسل لها رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعى أن عبدالله لن يأتى الى مصر بعد اليوم وسوف يتزوج إبنة صاحب المصنع الذى يعمل فيه، ولو لم تصدقه عليها أن تسأله عن العمل الجديد الذى اسنده اليه صاحب الشركة، ولو لم يكن يريد أن يزوجه ابنته ما كان سينقله تلك النقلة من عامل بناء الى نائب مدير المصنع مرة واحدة وهذا الوضع من المستحيل أن يحدث مع أى شخص فى الظروف العادية مهما كان يحمل من قدرات وامتيازات، وبعد وصول هذه الرسالة الى علياء قامت فى نفس اللحظة بارسال رسالة الى عبدالله لكى تطمئن عليه وتتأكد من كلام هذا الشخص الذى يحمل فى طيات نفسه كم كبير من الحقد والحسد للمهندس عبدالله الذى لم يحضر الى برلين الا من ثلاثة شهور ونال هذه الوظيفة بدون أن يبذل أى مجهود وهو موجود بالغربة من سنوات ولا زال يعمل فى مجال البناء ويسكن مع مجموعة من زملاءه فى مبنى مخصص للعمال، ولسوء الحظ فى هذا اليوم بالذات ونتيجة فرحة عبدالله بالعزومة مع اسرة رئيس المجموعة والمنصب الذى يتولاه لليوم الأول فى حياته، نسى الهاتف على مكتبه وخرج سريعا لتلبية دعوة المهندسة (لاندرا) المدير المباشر له ورئيسته فى العمل.

ملاحقة الماضى

ظلت علياء ترسل مجموعة من الرسائل متعاقبة ولم يرد عليها عبدالله وبالتالى ما كان منها الا أن تصدق كلام هذا الشخص الذى ارسل لها كل المعلومات ولكن بطريقة خبيثة مما جعلها تزداد قلقا وحسرة على حلم العمر الذى تبدد فى لحظات بعد أن كانت ترسم آمال كبيرة عن اختيار الشقة فى أى مكان فى المنصورة وتحلم بنوع السيارة ومن أين يأتيا بالأثاث للمنزل الجديد، وما هو أحسن معرض فى مدينة دمياط.

حزنت علياء كثيراً لموقف عبدالله الذى باع كل ما كان يربط بينهم من حب وأحلام فى أول محطة بمجرد أن وجد من هى أفضل منها مالا وجمالا، وبدون أن يعمل أى اعتبار لما بيننا ولا حتى اعتبار للدين، فهى تعلم أن الفتيات فى ألمانيا يدينون بدين آخر غير الاسلام، وكذلك عبداللة الذي تعمد أن يتهرب منها وتعجبت من تصرف خطيبها الذي وعدها كثيراً وتنازلت هى عن كل شئ من أجله فى أصعب الأوقات، وضحت بكل الناس الذين تقدموا لطلب يدها من أجله، وأحست بحزن شديد ودارت بها الذكريات مع حبيبها الذي كانت تعتبره هو ونفسها سواء، وبدأت تردد مع نفسها: سحقاً لكل من عذَّب وخان وإستهان بمشاعر إنسان وكأنه لا يعلم أن الايام دول وأنه بهذا الكون كما تدين تدان، ولكنها بدأت تتماسك ف لتلك الدموع قيمة غالية خاصة في هذه الظروف قد تجعلها تضعف وهى تحتاج إلى القوة، وحاولت أن لا تسقطها إلا على شيء يكون أهلا لذلك، ثم قال فى نفسها: لقد خسرتني يا حبيب العمر، ولكن الرجل المخلص لا يعلم عن كل ما يدور بداخلها من أوهام.

أحست علياء بأسراب من النمل تسري في قدميها وقشعريرة تهز جسدها كله وكاد قلبها أن يتملص من بين ضلوعها، وبدأت تقول فى نفسها: أيتها الأيام الحزينة، أيتها الدموع الحارقة، أيتها الخواطر الضالة، أيتها المعالم الكئيبة، إبتعدوا جميعا عن طريقى واتركونى أسعى فى طريق الأمل وحدى فلن أكون ضعيفة أبدا أمام جدرانكم ولن تهزمنى قوتكم مهما بلغت فإيمانى فى قلبى أحمله أينما رحلت ولن يضيعنى ربى مهما تكالبتم علىّ فقوتكم لن تسطيع هدمي ثم تذكر كلمات أمها قبل وفاتها: إن خانتك إختياراتك فلن يخونك لطف الله ولن يخذلك إنقاذه أبدا، وأنه لا يوجد مخلوق على هذه الأرض يخلو من الجراح، وليس كلّ من يعطيك يملك أكثر منك، والإيثار ليس إيثار متاع ومال فحسب، قد يشاطرك أحدهم آخر زاده من الصبر، ويهبك ما تبقى في قلبه من أمل، ويقتسم معك آخر إبتسامة قبل أن يخلو بنفسه إلى حزن عميق، ولتعلمى يا بنيتى أن الواقع لا يتطلب كل هذا الإدراك، إنه يتطلب التغاضي وإبتداع تفاصيل جميلة، يتطلب عين مُحبة ونفس مسالمة ونية طيبة، الواقع لا يحتاج الى المزيد من الشد والإصرار ومتاهات الذكريات بقدر ما يحتاج للانتباه لتلك اللحظات الصغيرة الفارقة التي تمر بنا كل يوم كفرصة سحرية للسعادة، وإن الانسان هو الذي يرى الأشياء كما يريد، فالأشياء تبدو قبيحة أو جميلة رهناً بوجهة نظر المتأمل، ذلك يعني أن الجمال ليس القائم خارج ذات الانسان ولكن الجمال الحقيقي هو الموجود في داخل الروح الإنسانية.

وفى الساحة الخارجية فى الفترة المسائية أمام فيلا السيد "روبين" بمدينة برلين يجلس عبدالله كمال مع الآنسة (لاندرا) روبين فى جو رمانسى تحت الشموع بعد أن تركهم السيد روبين وزوجته ليخلو لهم الجو حتى تتمكن ابنتهما من اتخاذ القرار المناسب بعد ان تجلس مع ذلك الفتى الذى هبط عليهم فجأة من السماء، وبعد فترة قصيرة كانت (لاندرا) قد أعجبت بهذا الفتى الاسمر ودخل رأسها بمجرد أن دخل عليها من باب المكتب ومن الوهلة الأولى ترك أثرا ما داخل قلبها وبدأت تفكر فيه معظم الأوقات، ولم يثنيها عنه أى شئ فقد وجدت أخيرا من وجهة نظرها فارس الاحلام الذى كانت تبحث عنه من سنوات.

وسألته مباشرة فى أثناء الحديث: هل لك رغبة في الإرتباط بى والزواج؟ فأجابها عبدالله بطريقة دبلوماسية حتى يتمكن من الهروب من الإجابة بطريقة مباشرة: أتمني ذلك، ولكن يا تري من أكون حتى أنال هذا الشرف العظيم؟، وعندنا فى مصر فى مثل هذه المواقف يقولون "لا تعلو العين على الحاجب" وكل منا يعرف قدره وانا بالذات بجوارك لا أكاد أرى نفسى ولا يمكن أن أنسى أبدا من أكون بالنسبة لك وكذلك اسرتى فبيننا وبينكم مسافة السماء والأرض.

شعر عبدالله بالإحراج الشديد وظهرت علامات القلق على وجهه وحاول أن يرفض ويغير مجري الحديث ولكن (لارندا) أصرت علي مواصلة الحديث فى هذا السياق ولم ترغب أبدا بأن تغير مجرى الكلام، وأصرت أن تخرج من هذا اللقاء برد يشفى صدرها الذى تعلق بهذا الرجل ولم تراه مشتتا على أى انسان من قبل بهذه اللهفة والحنين.

لم يجد عبدالله كمال أى مخرج من هذه الدائرة التى وضعته فيها هذه الفتاة الملائكية وتمنى انه لم يرى فى حياته غيرها من قبل وللمرة الاولى فى حياته يكره اللحظة التى التقى فيها بعلياء وحتى المكان ولو كان مقر النقابة بالمنصورة الذى كان يحبه مثل حبه لأمه من قبل وكان مضطرا أن يرد عليها ويوضح لها أن له علاقة بأخرى فى مصر ولا يمكن أن يفرط فى حبه كما أنه لا يتمنى أن يفرط فى منصبه الجديد وتلك الجنة الوارفة الظلال التى وضعتها فيها هذه الفناة الالمانيه ووالدها ذلك الرجل الرائع، وعند ذلك تيقن أن حبه وإخلاصه ل علياء لم يكن عبثا وزاد إخلاصه لها وحدث نفسه قائلا : يجب عليك عند إختيارك لرفيق العمر إن تختار من لا يهون عليه دمعك، من يقوم بكل ما يسعدك، من يعطيك الإهتمام بكل سخاء، من تهون عليه الدنيا ولا تهون أنت عليه، من يرافقك طول العمر فتشيب معه ولا تشيب منه.

ثم واصل حديثه مع نفسه قائلا: اليوم أستطيعُ القول أن خسارة الأشياء لم تكن تعنيني يوماً ما، إنما هي خسارة الأشخاص التي لطالما أثرت فيَّ وأوجعتني، وبعضها ترك فجوات في روحي من الصعب ملؤها من جديد، وكذلك كسب أشخاص بمثل هذه الفتاة الملائكية التى تجلس أمامى والتى أصبحت تمثل قطعة من جسدي وبلسم لجروحى برغم أننى لم أعرفها الا من ساعات.

كانت الآنسة (لاندرا) مصممة أن تخرج من جلستها هذه وليلتها مع عبدالله برد سريع يسعد فؤادها الذى يحتاج اليه وبدأت تقرب له الوضع بأنه ربما يكون له علاقات فى بلده فهو لا زال شابا ولابد انه كان يمر بقصة حب وربما قد تزوج من قبل ولكنها تريد أن تعرف منه عن شعوره تجاهها قبل كل شىئ وهل يمكنه أن يرتبط بها ويحبها ويبادلها الحب كما تعلقت به فى هذه الفترة القليلة أم أنه يرفضها وأن قراره لن يؤثر أبدا فى عمله لأن الوالد السيد روبين هو من اختارك لهذا المكان ونحن أحوج ما نكون لوجودك فى عملك حتى ولو لم تبادلنى نفس الشعور.

بدأ عبدالله يتنفس الصعداء بعد حديث تلك الفتاة المثقفة الرائعة وبدأ لسانه يتحرك وقص لها عن حياته من يوم أن تخرج من الجامعة وأنه كان يعمل فى احد مصانع الأدوية فى مدينة العاشر من رمضان وكان يقوم على صيانة الماكينات وكذلك تصميم اسطمبات اللوازم الذى يقوم المصنع على انتاجها، وانه فى احدى زياراته الى مقر نقابة المهندسين الفرعية بالمنصورة التقى بفتاة زميلة له ولكنها من شعبة الهندسة المعمارية وتعرف عليها وجمعت بينهما بعض اللقاءات وقد وعدها بالزواج وكانت هى سبب سفرى الى برلين حتى نعجل بالزواج فى خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر، وعندما طلبت منه سؤالا اعتراضيا : هل يمكنه أن يتخلى عن حبه لها مقابل أن يعيش معها فى برلين، فقال لها لا يمكن أن اكون سببا فى كسر خاطر أى انسان حتى لو كان المقابل كل كنوز الكون، فابتسمت وكانت سعيدة من رده وتأكدت أنه لم يخيب ظن والدها أنه من بيئة صالحة وأنه انسان متدين ويحمل فى طيات نفسه المبادئ النبيلة، وزاد تعلقها به أكثر مما كان بعد رده على هذا السؤال، ثم استطرد عبدالله حديثه معقبا على السؤال: ليس إختلاف نفوسنا هو إختلاف سعادة وشقاء وإنما إختلاف مواقف، فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه، وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك النفوس المستنيرة التى ترى العدل والجمال في كل شيء وتحب الخالق في كل أفعاله وسلام على أولئك الذين رأوا جدار روحك يريد أن ينقض فأقاموه، ولم يفكروا أن يتخذوا عليه أجراً.

وفجأة تساقطت الدموع من عيون (لاندرا) بعد حديث عبدالله الذى زاد تعلقها به بطريقة تكاد تصل بها الى الجنون، فربت عبد الله على يدها بهدوء وبدأ يوجه اليها الحديث عندما تأكد أنها تحب هذا الكلام الجميل الذى يؤجج من تعلق النفس بالنفس ويكون بلسما فى شفاء القلوب: ما أجمل الأشياء التي تبقى في خانة التمنيات فتكون حاضرة أينما ذهبنا نتذكرها في حزننا وفرحنا وحتى في أصعب ظروفنا، لا أحد يشغلنا عنها أوينسينا إياها، نعيش ونحن نتخيل لحظة تحقق تلك الامنيات، في هذه الدنيا قد تأتى الرسائل دوما إلينا فى أشد أوقات إحتياجنا إليها عندما يكون اليأس قد أوشكت سفنه أن تحط رحالها على مراسينا، عندما يكون إنقضاء الوقت يضمر من عزيمتنا ويحد من قوتنا ويثبط من إصرارنا نحو الوصول الى ما نسعى اليه، علامات بسيطة، كلمات، رؤى، أناس يجعلون الأيام التى نعانيها فى البعد أهون، وعلى عجل نرفع الأوجاع عن ناصيتنا كما المتعجل فى إزالة الغبار حتى لا نتسبب فى أذى قد يلحق بمن حولنا عندما يرون ألاما قد كست جباهنا , وما أبخس أثمان أقنعة السعادة وربما خلقت الابتسامة سهلة الوجود دون تكلفة لتكون رداء سهل الإستخدام فى أى وضع وأى حال.

قالت وهى تبكي أمام حديث عبدالله: لقد آمنت بأن حكمة الله خفية جداً، عميقة جداً، فوق الفهم والإدراك، ولا أطمح إلى كشف تفاصيلها والإلمام بكل نواحيها، ولكنني أكاد أتلمس خيطاً من خيوط حكمته في هذا الحب الذي ألم بي خلال تلك الفترة من حياتي، لكي اتأكد أن لي حبيب لم يخيب ظني فيه ابدا، وأن علاقتنا سوف تكون دائما حبا في الله وليس فيها أي مصلحة دنيوية، إنها حكمة الله لأن إيمان الإنسان وأخلاقه وعلاقته مع خالقه ومع مخلوقاته لا تكشف إلا عندما توضع على المحكّ لتُختبر، ولأن الإنسان في أيام الرخاء والدعة يتجمل بأثواب الرفاه ويتستر بأسترة المجاملة والنفاق والدعاء، أما إذا وضع تحت الاختبار والشدّة تخلى عن كل الأقنعة وظهر على حقيقته الخالصة، فمن كان على خير إزداد خيره، ومن كان على شرّ بان شره، ومن كان يتأرجح بين هذا وذاك ويقف على أسوار الحيرة إختار ضفّة وقفز إليها، فترى من كان مؤمناً بالله يزداد إيمانه، ومن كان جاحداً يزداد جحوده، ومن كان ذو خلقٍ كريم وسماحة إزدادت سماحته وطيبته.

وبعد أيام جلست الفتاة مع والدها ووالدتها وقصت عليهم الحديث الذى دار بينها وبين عبدالله كمال وتأكدوا أنه لا يوجد فى هذه الدنيا شاب يتمتع بكل هذه الأخلاق والمبادئ التى يحملها هذا الرجل ولا يمكن التفريط فيه بسهولة وطلبوا منها أن يأتى مرة أخرى ولكن على وجبة العشاء ولما سألت السيد روبين عن وجهة نظره قال لها انتظرى يا بنيتى فلكل مقام مقال وعليكى فقط أن تستدعيه بناءا على رغبتى لتناول طعام العشاء يوم السبت القادم حيث يكون يوم الاحد هو عطلة وبالتالى نتمكن من السهر لفترة طويلة وننهى حديثنا فى جلسة واحدة.

وبالرجوع الى علياء كان عبدالله قد فقد تليفونه وتركه على مكتبه فى المصنع وبالتالى فى اليوم التالى وجده وقد كاد يحترق من حرارة رسائل علياء وحمقها الشديد عليه وهو لا يدرى عن هذا شئ. وبمجرد قراءة رسالة واحدة اتصل بها مباشرة من الهاتف الارضى للمكتب حتى يتمكن من شرح كل شئ بهدوء شديد ويعرف ما سبب كل هذه الحرارة والشر الموجودين بداخل رسائليا، وعندما هاتفها وجدها تبكى بحرارة شديدة وتمطره بعبارات الغدر والخيانة، ولكنه علم أن هناك شئ لم تدركه وربما هناك من نقل لها صورة خطأ وهو لا يعلم، وبدأ يمتص حرارة غضبها بهدوء وطالب منها أن تستريح وتكلمه بهدوء وأنه قد ترك الهاتف سهوا بالامس بمكتبه ولم يدرى عن رسائلها الا الآن ومجرد وجد الهاتف اتصل بها مباشرة حتى بدون أن يقرأ باقى الرسائل ولا يدرى بما فيها، فقصت عليه ما حدث من أحد الاشخاص الذى كان يعمل معهم وكل ما دار فى رسالتها وارسل

لها الرسالة عبر الواتس آب وعرف أنه يبغضه ويحقد عليه وبين لها كل شئ بالتفصيل وأن التصميمات التى كانت على استديو الهاتف هى التى نفعته وصلاته بالموقع دون الجميع ومراقبة أصحاب العمل وكتابة التقارير المرفقة بالصور فى ادارة الاعمال، فهدأت علياء وارتاح قلبها وبدأت تدعوا له بجميع أنواع الدعاء وودعته وهى تحبه أكثر من الأول آلاف المرات.

وصل عبدالله كمال للمرة الثانية الى منزل السيد روبين بأحد ضواحى برلين الغنية والمميزة وفتح الباب بطريقة اتوماتيكية نتيجة وجود كارت معه أعطته له الفتاة حتى لا يحتاج الى من يفتح له الابواب ودخل بالسيارة حتى حمام السباحة ووجد الجميع يجلس فى انتظارة على التراس المجاور للمكان، استقبلوه بحرارة شديدة وربط السيد روبين بكلتى يديه على يده وكذلك على كتفه، ومدت الزوجة يدها وسلمت عليه وكذلك الابنة وجلس بينهم ولم يحس أنه غريب وكأنه فرد من هذه الاسرة الرائعة، وكعادة السيد روبين لا يحب أن يضيع دقيقة واحدة وهذه من عادة رجال الأعمال الناجحين جدا، وجه حديثه مباشرة الى عبدالله كمال: اسمع يابنى نحن جميعا أصبحنا نحبك مثل (لاندرا) ، ونتمنى أن تكون فردا من هذه العائلة، وقد شرحت لى ابنتى عن كل ما دار بينكما فى اللقاء السابق وفى نفس هذا المكان، فزاد إعجاب الجميع بشخصك الجميل، وأنا أريد أن أوفر عليك وقتا من التفكير حتى تتفرغ لعملك ومستقبلك، ولا تخسر من تحبهم فى بلدك ولا تكسر قلب أحدهم، وكذلك كى تستفيد هنا فى بلدك الثانى برلين، وقد جلست مع ابنتى وزوجتى وتشاورنا فى الأمر وفى النهايىة القرار سوف يكون بيدك وحدك، ولن يتدخل أى انسان فى قرارك النهائى، وعموما ما توصلنا اليه أن تحافظ على علياء فى مصر وحتى لو نزلت أجازة تحضر للزواج بها وترسل الأموال لمن يتولى شراء السكن المناسب لكما والأثاث وعند أول زيارة لمصر تقوم بعقد القران. وفى هذا الموضوع ليس لنا أى اعتراض أما بخصوص اقامتك فى برلين عليك أن تتزوج (لاندرا) وقد أقتنعت بما قلته لك وعليك أن تقرر وبهذا الوضع تكون وازنت بين الأمرين ونلت كل ما تريد بدون أن تخسر أى شئ.

بدأ عبدالله كمال مترددا لمدة ولكن الرجل بادره: لا تقرر يابنى فى هذه الجلسة أى شئ وعليك أن تجلس غدا فى أجازة استجمال وتتأمل فى مكان مناسب وتتخذ القرار السليم وسوف أنتظر منك ردا فى خلال اسبوع، بشرط واحد وهو أن قرارك لم ولن يكن له تأثير على عملك معنا فى المصنع، وبعد لحظات ودع السيد روبين الجميع وترك عبدالله (لاندرا) على الطاولة وحدهم بعد أن اسطحب زوجته معه لقضاء سهرة الليلة خارج المنزل،

الحب الجديد

شكرا المانياشكرا المانيا

بدأ عبدالله (لاندرا) فى تبادل النظرات بدون أى حروف، وأحس أنه متعلق بها دون أن يشعر، وأنه يحبها بجنون ولكنه كان يخاف من رد فعل والدها هذا الرجل العظيم، ولم تمضى لحظات حتى باح لها بحبه وامطرها بأجمل عبارات الغزل وهو يودعها قال لها بلغى والدك السيد روبين أننى أحب إبنته بجنون ولا أستطيع أن أعيش يوما بدونها من الأن، فمدت يدها لتنام كالعصفور بين يديه لأول مرة، وتأكدت فى هذا اللقاء أنه يحبها كما تحبه، وبعد شهر واحد كانت حفلة عقد قرانهما فى أجمل فنادق برلين.

وبعد الحفلة وقبل دخوله غرفة النوم صلى عبدالله ركتين وبدأ يناجى ربه على هذا الرضا الذى اهداه اياه وقال: اللهم من إعتز بك فلن يذل، ومن إهتدى بك فلن يضل، ومن إستكثر بك فلن يقل، ومن إستقوى بك فلن يضعف، ومن إستغنى بك فلن يفتقر، ومن إستنصر بك فلن يخذل، ومن إستعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع ، ومن إعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم، اللهم فكن لنا وليا ونصيرا وكن لنا معينا ومجيرا إنك كنت بنا بصيرا.

ليلى الشبراوى

ليلى الشبراوى

كاتب

Laila El-Shabrawy is an engineer, writer and designer who have more than 100 books in literature, science and mathematics.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ