دفاعا عن الكاتب الشبح المظلوم أبدا
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولمقدمة: ما الكتابة الشبحية؟
منذ نحو خمس سنوات وأنا أمتهن جزئيا الكتابة الشبحية، سمعت الكثير من النقاشات حول مشروعيتها وعدم مشروعيتها، قرأت وتابعت من النقاشات المحمومة حول أخلاقية الكتابة الخفية، أو الشبحية، أو كتابة الظل... إلى آخر مسمياتهم وما يحب الأخرون نعتهم بها. سأفترض أنك تعرف بالفعل من هو الكاتب الشبح، ولن أغرقك بنقل تعريفات معلبة تسبب عسر الفهم والاستيعاب. وهي بكل حال تحشو خوارزميات قوقل بفذلكة تعريفية جديدة، فطالما أنك نقرت على زر المقال فانت ولابد تعرف عما يدور، وبالحد الادنى تعرف أنها الكتابة عن الاخرين بمقابل مادي معلوم ومتفق عليه. ولعلك قد سبق ومررت بآثار تلك المعركة الفذلكية حول أخلاقيات الكتابة الشبحية، من عدم أخلاقيتها إن كنت مهتم بمجال الكتابة الابداعية عموما والأدبية خصوصا، إذ يكثر صنف الكاتب الشبح مؤخرا في الوسط الأدبي.
بداية: لست هنا لأفتي في مشروعية وشرعية عمل اطمئن له قلبي منذ خمس سنوات خلت، وكتبت فيها العديد من الأعمال، والتي يا لحظ أصحابها قد لاقت رواجا وقبولا رائعين، ويا لسعدي أنا بما ربحته من وراءها من مال ووقت والأهم إستقلال مادي تام.
أريد أن أوضح نقطة بديهية وانت وقلبك أيها المحترم، (استفت قلبك وان أفتاك الناس وأفتوك).
ما الذي يجعلك تظن أن الكتابة الشبحية محرمة مثلا، والترجمة من اللغة الإنجليزية للعربية، أو للعكس لصالح وبمقابل مادي ليست محرمة؟! فالكتابة الشبحية في الأخير هي ترجمة للأفكار، للخطوط العريضة، لرؤية إنسان له فكرة، وفهم، ورؤية خاصة، لكن ليس عنده لا الوقت، ولا ملكة الكتابة، فيستأجرك عزيزي الكاتب الفاضل الذي ليس عندك أي شيء اللهم الا الوقت والفراغ. ليس عندك أي أموال في البورصة العالمية، أو سوق الأسهم ، أو تجارة العملات الرقمية التي باتت صرعة العصر، ليس عندك حتى نهمة رجل الأعمال الذي يتجول من دولة إلى أخرى سعيا وراء الصفقات، والضرائب المخفضة وشروط إنشاء الشركات المشجعة. مجرد شخص مبتلى بحب الحروف، بعشق الأقلام، وتقف أمام رزم الأقلام، والورق، والكتب، كطفل يقف أمام رفوف الحلويات والألعاب، لا يعرف أيها يختار. أنت شخص ببساطة كائن منزلي لا تحب مغادرة مغارتك إلى الكافيهات والنوادي والشواطئ، وغالباً ما تكره حتى مباريات كرة القدم. تعشق الجلوس لساعات وحدك، تقرأ، وتخط على الورق كتابات من شاكلة (عشب على حجر).
الكاتب الشبح؟
شخص في الغالب نكرة، لا يحب الأضواء، ولا تعدد حسابات التواصل الاجتماعي، وشخصياً منذ دخلت هذا المجال وأنا قليل التفاعل في التواصل الاجتماعي، فوقتي ما بين قراءة، وتلخيص، وتعلم ذاتي، وتأمل، وتجول في محال بيع الكتب الجديدة والمستعملة، والمعارض ما أمكن. وأجد أنني أريد بناء عالمي على هذا المنوال، من الورق وحول الورق وبين الأوراق.
الكاتب الشبح، إنسان له أخلاق، بل وبعضهم قد يكون له أيدولوجيا صارمة حيال المفاهيم الشرعية أكثر منك أنت الذي قد تقبل خوض تجربة عمل على "الاون لاين" فيها شبهة أقوى، وحرمانية أشد، بل وحرمة ظاهرة مثل القمار ومواقع الفوز عبر التوقعات، واليانصيب، منه هو الكاتب الكادح المجد في تحقيق شروط عميله اللحوح، فهو يجلس ما بين ثلاث ساعات إلى خمس ساعات يكتب، ويبحث، ويدون، ويضع الهوامش، ويتوقف أحيانا ليعيد البحث عن مصادر تعزز كتابته، وأحيانا يضطر لحذف نصف أو يزيد مما كتب خلال أيام، فقط لأن العميل راودته فكرة جديدة ألمعية بظنه، فالكاتب الشبح يخضع كذلك لمنطق السوق (الزبون على حق دائما)، وليس لمنطق الأشباح التي تفعل ما تريد.
فثق تماما سيدي، أنه شخص جاد في عمله، مثابر، يعطي زمنه وموهبته وطاقة ذهنية رهيبة لترجمة أفكار عملائه، وصدق أو لا تصدق أنه ربما سمع الآذان فقام ليؤدي الفريضة في المسجد، ولم يجلس ليراقب مؤشر الأسهم كالقاتل يراقب ضحيته قبل الفتك بها. وآسف على بشاعة التشبيه. لكن حقاً يحتار المرء في صنف التجرأ على الفتيا ضد الكاتب الشبح من بعض الفريلانسر الغارقين لأخمصهم إما في نفس المجال ولكن بطرق مختلفة، أو بعض نصابين صناعة المحتوى من شاكلة (كيف تربح 100 دولار في 10 ثواني وااااو).
أنواع الكاتب الشبح:
هناك عدة أصناف من الكٌتاب داخل هذا المجال:
الصنف الأول: كاتب غير محدود؛ وهذا يكتب في كل المجالات، علمية، أدبية، أو فكرية، وثقافية، ويؤلف حتى الرسائل العلمية للتخرج وما بعد التخرج، وهذا النوع من الكٌتاب انتشر بكثافة مؤخرا بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة في الوطن العربي المملوء بالكفاءات "المهدرة"، فلا يعقل ولا ينبغي بحال أن يظل المرء خاصة الماهر في عمل ما متفرجا أو منتظرا حسنة الخيرين. فقد اتجه الكثير من حملة الدكتوراة والماجستير إلى مجال الكتابة الشبحية، لما يجدونه عندهم من مقدرة على الكتابة، ولما يتوفر عندهم من وقت وفراغ أكثر من غيرهم. وبعضهم يعمل جزئيا في المجال ليغطي تكاليف حياته الأسرية أو حتى الشخصية، في ظل معدل رواتب منخفض لا يغطي ولا حتى خمسين بالمئة من الأساسيات اليومية في الوطن العربي بعامة.
فما هي قيمة لفظة يا دكتور، وهو لا يستطيع حتى أن ينكح زميلة التخرج حتى بعد أن إشتعل الرأس شيبا؟
لذلك، قد يكون هذا الصنف هو الأقل إنخفاضا في معيارية قبوله للأعمال من غيره، ولا يتوقف حتى في تأليف رسائل علمية مقابل أجر، وقد سهل الذكاء الاصطناعي المهمة حتى في أشد التخصصات العلمية دقة وتخصصية –وهذه كارثة طبعا- لكن حتى هذا ليس لأحد الحق في محاكمته ووصمه بالتزييف والانتحال، فهو مجرد مؤلف موظف بمقابل، لكتابة رسالة بشرية وليس لكتاب منزل، ولم يدع أنه المؤلف والمالك الحصري للعمل، بل وهبها مقابل أجر مادي معلوم مثل أي سلعة تباع وتشترى في الأسافير، وعلى ذلك قس. وطالما أن الكلية أو المعهد لا يشترط على الطالب أن يكتب كل شيء بنفسه بشكل صريح فهو حر في استخدام ميزة الكاتب الشبح. ولكن يستحسن به أن يبذل ولو جهد المقل في كتابة رسالته بنفسه حتى يتمكن لاحقا من فهم مضمونها ومناقشتها، فالكاتب الشبح تنتهي مهمته بتسليمه العمل، ولا يناقش ولا يحزنون.
الصنف الثاني: كاتب متخصص في مجالات أدبية عامة، مثل مؤلفي الرواية، والقصة القصيرة والشعر، ومؤخرا ظهر داخل هذا الصنف كتاب التنمية البشرية، فلا أذيعك سرا لو قلت إن كثير من كتب التنمية البشرية والذاتية المنتشرة اليوم ليست إلا نتاج كاتب شبح مغمور كتبها لصالح ذلك الثري، أو رجل الأعمال.
الصنف الثالث: وهٌم، كتاب السير الذاتية، وهؤلاء يعتبرون نخبة المجال، إذ يتقاضون مبالغ ضخمة تصل إلى عشرة وعشرين ألف دولار لكتابة سيرة ذاتية لعائلة مشهورة، أو عائلة ملكية في عموم المعمورة. وعادة ما يكون هذا الصنف مقيدا بعقد سرية شديد الجدية في عدم إفشاء أي معلومات حول عمله، أو زبائنه المرموقين. وقد أحدث كتاب (مذكرات الأمير هاري)، ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية، ومجتمع السياسة، والفكر، في عموم بريطانيا، وأوربا، وأمريكا لما حمله من سخونة التفاصيل والوقائع. (زلزال عنيف هز القصر الملكي البريطاني، ولا تزال توابعه مستمرة عالميا في ظل المفاجآت التي كشفها الأمير هاري في كتابه Spare، وطالت العائلة الملكية البريطانية، ونبشت في قبر والدته الراحلة أميرة القلوب ديانا). وقد اتهم الكاتب الشهير جي آر مورينغر البالغ من العمر 58 عاما والحاصل على جائزة بوليتزر الأمريكية بأنه من صاغ ذلكم الكتاب الضجة، وليس الأمير هاري. وجي آر مورينغر مشهور بهذا الصنف من الكتابات الشبحية فهو من ألف كتاب (حول بطل التنس العالمي آندريه آجاسي الذي قضى معه 250 ساعة كاملة كي يؤلف كتابا عنه. كما كتب مورينغر قصة حياة فيل نايت مؤسس شركة نايك، وتم عرض قصة حياته في فيلم من بطولة بن أفليك، وإخراج جورج كلوني.
الصنف الرابع: هم كتاب الأعمال الدرامية والفنية، فهناك العديد من المسلسلات والأفلام التي تحظى بمشاهدات عالية، هي من تأليف أشباح في حجرات النسيان البعيدة، وليست لأولئك المترفين الذين نالوا شرف ظهور أساميهم بارزة في تتر المسلسل. وهناك دولة عربية دون ذكر إسمها تشتهر بهذه الممارسة لدرجة أن صارت هناك مكاتب قانونية متخصصة في رعاية مثل هذه تعاملات، وللعلم والتاريخ فهي مربحة جدا، وسرية جدا بنفس القدر ولها تبعات قانونية جسيمة في حال فشلت ككاتب شبح على الحفاظ على بند السرية، إذ قد تكلفك غرامة مالية أكبر أضعاف من التي تقاضيتها مقابل العمل. وبعامة يبقى عمل الكاتب الشبح سريا في مجمله.
خاتمة:
وليس آخرا لو أردنا أن نجرم الكاتب الشبح لأنه يترجم للغير أفكاره ومشاريعه، فعلينا بنفس القدر أن نجرم كل "الفريلانسر" فلا المصمم يصمم اللوغو لشركته، ولا كاتب اسكربت البرمجة يكتب لحسابه، ولا معد المحتوى يعده ليقدمه بنفسه، ولا المدقق اللغوي " الغلبان " يدقق لنفسه كل تلك الرزم من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية البشعة، ولا حتى كاتب عرائض المحكمة يكتب لنفسه تلك العراض وإلا لكان أفلس منذ زمن وطلقت زوجته ألف مرة.
الفكرة ببساطة هي أن الكاتب الشبح، موجود شئنا أم أبينا في كل مناحي حياتنا اليومية، بدءا من مدرس الحصة الخصوصي، نهاية بالخطاط الفنان الذي خط تلك الإعلانات التي تقرأها وتسمعها صباح مساء.
لن أطيل حول عدد الكتاب الأشباح حول العالم، وحول كمْ يتقاضون جراء ما يكتبون، وكم المدة الزمنية المعقولة لإنجاز كتاب من ألف صفحة وما إلى ذلك من تلك التفاصيل التي تملأ الأسافير وجلها نسبي جدا وبعضها مبالغ فيه وغير صحيح البتة، فالمسألة تقديرية جدا تختلف من كاتب لآخر، ومن عميل لعميل، ومن مادة لأخرى، كل هذه العوامل تجعل من العسير تحديد رقم محدد أو إطار زمني نهائي كإستاندر للإنجاز، أما عن تعدادهم فمن الذي يستطيع عد اللامرئي؟!
ولعل سائلا الآن يتساءل، هل هذا المقال حقيقي؟ أم كذلك هو من كتابة شبح؟
الإجابة ببساطة، نعم كاتبه شبح، ولكن مرئيا تماما. هذا هو كل الفرق.
المصادر:
1-ميدار نت - لندن
بالفيديو.. الكاتب الشبح يتحدى الرادار في مذكرات الأمير هاري Midar
2-ويكيبيديا - كاتب خفي
النور عادل
كاتب.. مؤلف..وروائيببساطة أنا شخص محب للكتابة والقراءة الحرة بصورة عامة إذ أجد فيها وعبرها متنفساً لمخاوفي وشكوكي وقلقي المزمن منذ وعيت الحياة. الكتابة بالنسبة لي ليست مصدر رزق أو باب شهرة، بقدر ما هي غرفة وحديقة خلفية أحب الدخول إليها كلما عصفت بنا أعاصير اليومي وانتشرت جحافل التضليل الحديث.
تصفح صفحة الكاتب