خدعوك فقالوا النبي (ص) فقيراً بل كان غنياً منفقاً
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
بداية يجب أن نفرق بين الفقر والزهد، فالفقر هو عدم امتلاك المال أو قوت اليوم، أما الزهد فهو عدم الرغبة في اكتناز مقتنيات الدنيا رغم إمتلاك المال. فالرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام كان زاهداً وليس فقيراً. كان غنياً وعمل بالتجارة قبل البعثة، وهذا مؤكد في القرآن الكريم بقوله تعالى ( ووجدك عائلاً فأغنى )، فلا تدع بعض المشايخ يوهموك بفقر النبي وإنه مات مديوناً ليهودي ويكثرون بالحديث عن هذا ليحلو لك الفقر والرضاء بالعيشة الدونية ، حاشا الله أن يترك نبيه فقيراً، فإن المؤمن القوي خيرٌ عند الله من المؤمن الضعيف. والمال بلا شك يصنع قوة – نعم هو ليس كل أنواع القوة – ولكنه يشكل قوة مثلما فعل أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما بأموالهم من شراء العبيد وعتق رقابهم.
أغلب الشيوخ يعيدون حديث الفقر عن النبي ليجعلوك تتقرب من النبي (ص) وتشعر أن حاله من حالك يشبهك، ولكن الحقيقة أن النبي كان تاجراً، وإنما قصة استدانته ( وهي قصة مشكوك في صحتها) كانت من كثرة إنفاقه على الفقراء والمحتاجين. كيف يكون النبي فقيراً وهو كان يعمل بالتجارة ولديه 12 زوجة و7 أولاد. بالطبع فالحديث عن فقر الرسول غير منطقي، وحاشاه أن يترك بيته وأهله فقراء، بل كان ثرياً ينفق على أهل بيته والفقراء والمحتاجين.
إعادة تدبر السيرة النبوية
يقول الأستاذ الدكتور محمد أبو زيد الفقي عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فرع كفر الشيخ لابد من إعادة قراءة وتدبر السيرة النبوية، والسيرة حسب د/ الفقي تنقسم لعدة نقاط:
الأولى: بعد مولد النبى بوقت قصير جاءت المرضعات من البادية لأخذ الأطفال وإرضاعهم مقابل نصيب من المال، ويقول التاريخ الذى دُسَّ على مصادرنا إن كل المرضعات رفضن أخذ النبى محمد بن عبد الله بسبب فقره، وأن السيدة حليمة السعدية أخذته فى نهاية اليوم، من باب شيء أفضل من لا شيء، وهذا سفه وإجرام وتحبيب للفقر من البداية، لأن النبى (صلى الله عليه وسلم)، كان ابن ابن سيد قريش، وحاكمها (عبدالمطلب)؛ فكيف لهذا الرجل القائد الحاكم الغنى أن تهرب المرضعات من حفيده؟ إنه سخف عقلى وتهريج تاريخى، وتدبير خبيث خفى من أعداء الإسلام. عادت حليمة بحفيد أغنى وأقوى رجل فى مكة، وبدأت بإرضاعه عامين، وفى نهاية هذين العامين، بدأ النبى يذهب للعب، مع إخوانه من الرضاعة وهم يرعون الغنم، ومع الوقت وهو فى الثالثة من عمره بدأ رعاية الغنم وإخوته- من الرضاعة- يلعبون. وعندما عاد إلى مكة لم تمض شهور حتى ماتت أمه، وطلب منه جده أن يجلس بجواره لحكم مكة، ولكنه قال له: يا جدى، إننى تعلمت رعى الغنم فى بادية بنى سعد، وأحب أن أرعاها فى مكة. ونام التاريخ من سنة 6 إلى 17 من حياة النبى وهذه الفترة لم يتحدث عنها أحد، مع أنها كانت فترة كفاح وعرق وتكوين ثروة معقولة من رعى الغنم، وكان أهل مكة يعتبرونه أفضل راعٍ للغنم، لأنه كان لا يكسل ولا يفتر ولا يغفل فى رعيه للغنم. ويسرد الدكتور محمد الفقى العديد من الأدلة على ذلك، ومنها قول النبى (صلى الله عليه وسلم): "ما من نبى إلا وقد رعى الغنم. قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: رعيتها على قراريط لأهل مكة" أى أنه رعى الغنم لكل الأغنياء فى مكة، ويُلَاحظ أيضا أنه لم يعمل أجيرًا عند أحد، بل كان يأخذ نسبة من الربح، ومن هنا كون ثروة لا بأس بها، ولم يعتمد على غنى جده الذى مات بعد فترة قصيرة من موت والدته السيدة آمنة بنت وهب.
الثانية: استيقظ التاريخ النائم عند سن 17 سنة من حياة النبي (ص) حيث ذهب إلى عمه وطلب منه السفر معه إلى الشام، فقال: يا ابن أخى إنك صغير على التجارة، وهى تحتاج إلى مال كثير، فقال له من ناحية المال فلا تقلق، فأنا كونت من رعى الغنم مالاً لا بأس به، وسافر إلى الشام، ونزل مع القافلة إلى السوق، واستراحوا. وفى الغد فتح كل صاحب تجارة بعض صناديقه، وتم البيع والشراء، وعندما جاءت الساعة الخامسة، أغلق كل التجار خيامهم على بضاعتهم، وتركوا العبيد يحرسونها، وطلب أبو طالب من ابن أخيه مُحمد أن ينزل معهم للترفيه فى ملاهى الشام، حيث الغناء والطرب، وما يصحب ذلك من أمور، فقال: يا عم أنا لم ألهٌ فى حياتى ولا أحب اللهو، فانزل مع الناس، وسأبقى على فراشى حتى الصباح، وفى الليل مرت قوافل من على طريق التجارة القديم - طريق الحرير - ونزلت إلى السوق لشراء ما يلزمهم من أقمشة وسلاح وطعام، ولم يستطع أن يبيع لهم أحد من العبيد، ودلوهم على الحُر الوحيد «محمد بن عبد الله» فباع واشترى وكسب ليلا، وفى اليوم التالى طلب من تجار الشام أن يتركوا له الطعام والحلوى بسعر التكلفة، لأن الناس تحتاجها ليلا، فتركوا له ما أراد، وظل يبيع ويشترى فى الليلة الواحدة. ولم يرصد أحد من تجار قريش ما فعله محمد؛ لأنهم كانوا يعودون للسوق سكارى. ولكن غلام السيدة خديجة، وكان يُدْعَى ميسرة، كان جالسا فى مقابل فرش النبي؛ فلما عاد إلى مكة، قالت له السيدة خديجة: ماذا حدث فى سوق الشام هذا العام يا ميسرة؟ قال: يا سيدتي؛ رأيت العجب العجاب، أنت تعلمين أن الناس يبيعون ويشترون فى العام مرتين - رحلة الصيف ورحلة الشتاء - ولكنى رأيت فتى من قريش اسمه محمد بن عبد الله يبيع ويشترى فى الليلة الواحدة.
الثالثة: ذهب النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة بناء على دعوة منها نقلها إليه ميسرة، وجلس مع السيدة خديجة وعرضت عليه أن يخرج على تجارتها بأى مبلغ يكون كراتب أو مكافأة، فاعتذر لها بلطف، وقال: يا سيدتى إنى لا أعمل أجيرا، ولكنى أخرج على التجارة بنصيب من الربح، لأنى أعمل بإخلاص، وأجهد نفسى، وقد عاين ذلك غلامك ميسرة. وفى نهاية اللقاء اتفقا أن يحصل النبى على نصف الربح بعد المصاريف والتكاليف، وظل النبى يعمل سبع سنوات كأكثر التجار خبرة فى مال أغنى نساء العرب وكون ثروة لا بأس بها، ولكن التاريخ كان نائما فى هذه الفترة، ولم يصح من النوم إلا بعد أن طلبت السيدة خديجة من إحدى صديقاتها اختبار رغبة محمد فى الزواج، لأنها تريد الاقتران به لرجولته وأمانته، وبراعته فى التجارة، ورحب النبى بهذا العرض، ودعا أعمامه للذهاب معه. وتمت خطبة النكاح من الطرفين عن الكفاءة فى المال والنسب إلا أن هذه الخطبة زُوِّرت بعد ذلك، وظهرت كأن فقيرا يريد أن يتزوج غنية، لمجرد أن نسبه من قريش- إمعانا فى تقرير الفقر- لأن الخطة الخبيثة هى تقرير الفقر للنبى حتى تحبه الأمة - أى الفقر- وهذا من أهم عوامل السقوط.
الرابعة: تزوج النبى (صلى الله عليه وسلم) من السيدة خديجة وظل يعمل فى مالها وماله حتى أصبحا من أغنى الناس فى جزيرة العرب، والتاريخ نائم كالعادة، وقد يسأل سائل عن الدليل: بعد البعثة الشريفة وتعليم جبريل عليه السلام القرآن للنبى بعدها بفترة انقطع الوحى مدة، حتى عاير أحد المشركين النبى، وقال له: ما أظن إلا أن ربك قد قلاك؛ أى نسيك. بعدها عاد النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة محزونا مهموما ولما سألته عن سبب حزنه أخبرها بقول هذا المشرك، وأخبرها أيضا بخوفه من انقطاع الوحى فقالت: السيدة العظيمة: اعلم يا ابن العم أن الله لن يخزيك أبدا. إنك لتصل الرحم وتقرى الضيف، وتعين الكل، وتساعد على نوائب الدهر .هذه الأمور التى ذكرتها السيدة خديجة، لا يمكن أن يقوم بها فقير أبدا. لأن صلة الرحم الحقيقية لا بد أن تكون مادية، مال، هدايا، ولو كان شيئا من الفاكهة. أما إقراء الضيف: فقد سجل التاريخ أن كل الغرباء الذين يصلون مكة وينقطع بهم السبيل قد كان طعامهم وشرابهم فى بيت محمد وخديجة، وكانت الركبان تتحدث عن هذا الكرم. وإعانة الكل: كان الرجل يقابل النبى ويقول: يا محمد كنت أقطع الحطب وأحمله على كتفى، ولكن كبرت سنى ولا أستطيع فعل ذلك، وأحتاج إلى ما أحمل عليه، فكان النبى يشترى له جملا، أو بغلا، أو فرسا، أو حمارا، ليحمل عليه ما يعجز عن حمله .والمساعدة على نوائب الدهر: هذه أكبر باب يُصْرَف فيه المال، وقد حدث التاريخ الصحيح أن سيلا نزل فى مكة فأزاح أمامه (24) أربعة وعشرين بيتا لأناس فقراء، ولما علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذهب إليهم وواساهم، ولكنه أدرك أن حزنهم ليس على ما حدث فقط، بل على ما سيحدث لهم بعد فقدان بيوتهم، فقال لهم لا تخافوا ولا تحزنوا، ولسوف أقوم ببناء البيوت لكم على نفقتى الخاصة. هذه الأفعال كانت كلها قبل نزول الوحى، وهى لا تصدر إلا عن غنى يفعل ما يقول. فغنى الرسول فى الطفولة والشباب والكهولة أمر مُقَرر لا يغفله إلا جاهل، أو غافل، أو محب للفقر، أو عميل يريد أن ينشر الفقر فى ربوع العالم الإسلامى.
الخامسة: بعد نزول القرآن أصبحنا نعرف أن للرسول (صلى الله عليه وسلم) مقررات مالية أحصيناها فى عام، فكانت أربعة مليارات دينار؛ كان يصرفها كلها على تجهيز الجيوش، وتنمية الدولة الإسلامية التى أقامها فى 10 سنوات. فالقتال في سبيل الله مأمور به الرسول (ص) والمؤمنين، ومحاربة الكفار والمشركين تحتاج إلى مال كثير ومعدات وخيل وجمال وبغال، وعبيد يحرسون المقاتلين، وقد أمر النبى أن يكون كل ذلك على حسابه الخاص، ولا يطلب من أحد شيئا، ولكنه كان حين ينفق كل ما معه، كان الصحابة العظام يأتون بأموالهم من غير طلب. المهم أنه كان أول من ينفق وأول من يدفع، والآية واضحة فى ملكية الرسول للمال من مقررات القرآن، ولهذا أبواب فى كتب الفقه أرجو مراجعتها، مع العلم أن تجارة محمد وخديجة بقيت كما هى، ولكن خرج عليها أناس أكفاء اختارهم الحبيب المصطفى.
ويستطرد الأستاذ الدكتور محمد أبوزيد الفقى قائلا: بعض الأحاديث تتحدث عن صيام رسول الله بسبب عدم وجود الطعام، وعن ربط الحزام والحجارة على بطنه من الجوع وهى أحاديث بعضها صحيح، وبعضها دُسَّ على الصحيح، وفى كل الحالات تُفْهَم هذه الأحاديث على زهد النبى وحبه للمسلمين وأنه كان لا يذبح شاة مع أنه يملك، ولكنه كان يعطيها لرجل من المسلمين، تلد له شاة، أو خروفا، ويأخذ منها لبنا وصوفا، وبعد خمس سنوات تعود الشاه إلى النبي (ص) ربما أصبحت أكثر من عشرين شاه لأن الشاة تلد فى العام مرتين. وهذه هى التنمية الحقيقية للمجتمع، وضرب بذلك مثلا أن الحاكم يجب أن يكون زاهدا، لأنه يملك القرار، ولو عشق الدنيا وزينتها، لتحولت كل الأموال إلى قصره وضاعت الشعوب.
مصادر أموال النبي (ص):
1- ذكرت كتب التراث، عمل الرسول (ص) بالتجارة قبل البعثة، وتاجر في أموال السيدة خديجة رضي الله عنها زوجته وأم أولاده.
2- كان يعمل برعي الغنم مقابل نسبة من الربح، وأيضاً رعاية تجارة الآخرين مقابل نسبة من الأرباح وليس بالأجرة.
3- ذُكر في كتاب الفراء أن النبي (ص) ورث من والديه، حيث ورث من أبيه خمسة جمال وقطعة غنم، وورث من أمه ( آمنة بنت وهب ) دارها الذي وُلد فيه بمكة. وورث من زوجته خديجة أموالاً وفيرة حيث ورث عنها دارها بمكة بين الصفا والمروة وأموالاً.
4- خمس الأنفال والغنائم: وكانت الأنفال والغنائم التي ينالها المسلمون من قتالهم للمشركين أحد مصادر ثروة رسول الله ﷺ حيث يستحق منها خمس الأخماس، يقول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). بل كانت الغنائم من أكبر وأغنى مصادر أموال الرسول ﷺ.
5- الفي ء مال يحصله المسلمون من الكفار من غير قتال فهو كما قال الماوردي كمال الهدنة والجزية. مثال على ذلك أموال يهود بني النضير في المدينة المنورة، وقد مَنَ الله بها على رسوله ﷺ، وكان مال الفيء يشكل جزءا كبيرا من مصادر أموال النبي. جاء في سنن أبي داوود ( 2967 ) أنه كان للرسول ثلاث فئ من بني النضير وخيبر وفَدَك، وكان النبي (ص) يقسم إنفاقهم، فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه أي ينفقها على أي طارئ أو ظرف مفاجئ في حياته، وفًدَك كانت حبساً لأبناء السبيل أي كان يُنفقها على أبناء السبيل، أما خيبر فجزأها النبي (ص) ثلاثة أجزاء : جزءين بين المسلمين، وجزء نفقة على أهله، فما فضل عن نفقة أهله، جعله نفقاً على فقراء المهاجرين.
Nermin Yousif
كاتبة وصحفية وباحثة إعلاميةكاتبة وصحفية خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة بتقدير جيد جداً . خبرة 17 عاماً كباحثة إعلامية في إتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري. البحث والتدقيق في التفاصيل من أهم مراحل عملي لإنجاز المقالات ، لدي سهولة في استخدام اللغة العربية وكلماتها البديعية في صياغة المقال لخدمة هدف المقال، وقدرة على ترتيب الأفكار بشكل جذاب يشد القارئ للمحتوى دون ملل أو تطويل. لدي خبرة في كتابة المقالات وسيناريو مسلسلات للكبار والصغار.
تصفح صفحة الكاتب