سقوط الأقنعة أم فشل التنشئة: تحليل لظاهرة السب والشتم على الإنترنت
تُعدّ شبكات التواصل الاجتماعي مساحة للتعبير الحر، لكنها تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ساحة للصراعات، حيث أصبحت ظاهرة السب والشتم أكثر انتشارًا. هذا السلوك دفع الكثيرين للتساؤل: هل ما نراه هو "سقوط الأقنعة"، أي أن الإنترنت كشفت عن شخصياتنا الحقيقية التي كانت مختبئة خلف قناع الأدب، أم أنه "فشل في التنشئة" يعكس خللاً في القيم التي تربينا عليها؟ هل الإنترنت تكشف عن وجهنا الآخر؟ أحد التفسيرات الشائعة هو أن المساحة الافتراضية تمنح الأفراد شعورًا بالأمان والبعد عن العواقب المباشرة. فالشاشة هنا هي بمثابة درع يحمي الشخص من المواجهة، ويسمح له بإظهار جانب من شخصيته ربما لا يجرؤ على إظهاره في الحياة الواقعية. في هذا السياق، يُنظر إلى السب والشتم كشكل من أشكال "التفريغ النفسي" للضغوطات الداخلية، سواء كانت غضبًا، أو إحباطًا، أو شعورًا بالعجز. هذا التفسير لا ينكر دور التنشئة، بل يرى أن الإنترنت هي البيئة التي تسمح لهذا الجانب السلبي، الذي ربما كان مكبوتًا، بالظهور. هل المشكلة تكمن في طريقة التربية؟ من ناحية أخرى، يرى البعض أن ظاهرة السب والشتم هي نتاج مباشر لضعف القيم الأخلاقية التي يتم غرسها في الأجيال الجديدة. الأسرة والمدرسة هما الأساس في بناء شخصية الفرد، وإذا فشلت هذه المؤسسات في غرس قيم الاحترام، والتعاطف، والمسؤولية، فمن الطبيعي أن ينتج عنها سلوك عدواني. السب والشتم عبر الإنترنت قد يكون مؤشرًا على عدم فهم أهمية الكلمة وتأثيرها، وعلى غياب مفهوم الحدود في التعامل مع الآخرين، وهو ما ينبع في الأساس من قصور في التوجيه والتربية. مزيج من العوامل في الواقع، لا يمكن اختزال الظاهرة في سبب واحد. فمن المرجح أنها مزيج معقد من الأسباب النفسية والاجتماعية. الإنترنت قد تكون البيئة التي تسمح للسلوك السيء بالظهور، لكن جذوره غالبًا ما تكون عميقة ومتأصلة في طريقة التنشئة التي تلقاها الفرد. الشخص الذي تربى على احترام الآخرين وتقديرهم، سيجد صعوبة في التعبير عن غضبه بالسب والشتم، حتى لو كان محميًا خلف شاشة، لأن هذه القيم أصبحت جزءًا من شخصيته. خلاصة ظاهرة السب والشتم على الإنترنت هي بمثابة مرآة تعكس أزمة أعمق في مجتمعاتنا. هي ليست مجرد "كلمات تُكتب"، بل هي مؤشر على تآكل بعض القيم الاجتماعية، وعلى الحاجة الماسة لإعادة النظر في أساليب التربية والتنشئة. لذا، فإن الحل لا يكمن فقط في محاولة الحد من هذه الظاهرة على الإنترنت، بل في معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إليها، وفي تعزيز الحوار والتسامح في الحياة الواقعية.
