انتصار غزة، انتصار أمة بأكملها

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
1
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

انتصار غزة، انتصار أمة بأكملها

انتصار غزة، انتصار أمة بأكملها

وأخيرا وصلت الساعة الأخيرة للسابع من أكتوبر بتوقيت غزة أرض العزة والشهامة والشموخ، بعد شهور وأيام فتكت فيها أيادي الغدر أرضا لم يسمع أحد أنينها إلا خالقها، انتهاكات وقتل ودمار وليالٍ وحشية عاشها إخواننا المستضعفون في غزة، العديد قطعت أطرافهم وآخرون تفحمت جثثهم وتشردت عائلاتهم ليصيروا نازحين في أرضهم المغتصبة.

كل هذه الكلمات التي ذكرتها لا تصف حجم الدمار والمعاناة التي عاشها إخواننا في تلك المدة الوجيزة، ليشهد العالم على أبشع حرب إبادة مرت في التاريخ الحديث.

لكن رغم كل ما حدث انتصر أهل الحق في الأخير ورفعت شارات النصر في شوارع القطاع الجريح معلنة على فوز تاريخي للأمة جمعاء، هذا الانتصار الذي نعتته العديد من الجهات بالهدنة وما هو بهدنة لكنه نصر من عند الله، والذي جعل وجه العدو يتمرغ في الأرض ويجثو على ركبتيه معترفا بالهزيمة التي تلقاها من قلة قليلة من عباد الله.

يقول سبحانه وتعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ }

الصبر عند الشدائد مفتاح النصر والفوز:

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}

ما شاهدناه منذ اليوم الأول من العدوان إلى الآن أمر يدعوا إلى الدهشة، كيف استطاع إنسان عادي بأن يصبر على كل هذا الظلم والقتل والمشاهد الوحشية، لقد عاش إخواننا دمارا كبيرا ومشاهد مرعبة لا يستطيع العقل البشري أن يتصورها أو يتوقعها فما بالك بأن يعيش وسطها، فأي إنسان راكم تلك الضغوطات النفسية والجسدية إما سيموت رعبا أو سيصاب عقله بالجنون، لكنهم صبروا أمام كل الشدائد التي عاشوها والأكثر من ذلك منهم من يسعد بسماع خبر استشهاد ابنه أو ابن أخيه أو شخص عزيز على قلبه فمن منا لا يتذكر لقطة الشيخ الذي كان يردد عبارة "كلنا مشاريع شهداء" عدة مرات وملامح وجهه مبتسمة أو الشيخ المعروف بروح الروح والذي كان يودع حفيدته الغالية ويقبل عينيها وكأن حال نفسه في تلك اللحظة يقول "جاييلك يا غالية جاييلك يا روح الروح" صابرا على فراق حفيدته وعازما على مواصلة المسير بعنفوان وحكمة، هذا الشيخ الذي ترك أثرا جميلا على قلبي حتى أنني ذرفت الدموع بدون شعور عند استشهاده متذكرا محبة الأطفال له وتعلقهم به، ذهب روح الروح ليلتقي بروحه والتحق بها ونال ما كان يتمناه.

هذان مثالان بسيطان عن صبر أهلنا في أرض العزة، فهناك من صبر على ألمه ببتر ذراعه أو ساقه بدون تخذير بسبب قلة الإمكانيات والأجهزة في المستشفيات في القطاع قائلا بقلب تملأه الشجاعة "سبقتني ساقي أو دراعي إلى الجنة"، والعديد منهم من مات محروقا أو متفحما، ومع كل هذا الصبر جاء النصر من عند الله لينصر عباده الصابرين والمظلومين.

شجاعة القادة سبيل النجاح نحو تحقيق النصر:

لن تمحى من ذاكرة العالم صور استشهاد القائد الصنديد يحيى السنوار الذي كتب التاريخ بأحرف من دماء طاهرة وروح عطرة ليردد الناس في العالم بأسره العبارة الشهيرة "رميته بعصا السنوار" دلالة على أن هذا القائد الشجاع حاول بكل ما أوتي من قوة ولم تبق معه إلا عصاه فرمى بها.

القائد الذي دافع ببسالة عن حق شعبه وعن دينه وكان يتجول بين الأنقاض حاملا أمل الشعب الفلسطيني في تحرير القطاع من بطش وطغيان العدو ليجلس في لحظاته الأخيرة جلسة الملوك محققا أسمى أمانيه مثابرا ومدافعا عن عقيدته ليلتحق بإخوانه الشهداء اسماعيل هنية ويحيى عياش والرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وغيرهم من الأبطال الذين حفروا أسمائهم في قلوب جميع أهالي غزة أرض العزة والشهامة والشموخ.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: {أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

حرب ضد الخذلان:

ما وقع في غزة منذ بداية الطوفان ليس بحرب عادية بين كيان محتل وشعب أبي حر لكنها كانت حربا بين غزة وإخوتهم المزعومين الذين يلبسون قناع الأخوة في الوقت الذي يناسب خططهم ويضعون أيديهم في أيدي العدو المحتل بتطبيعهم الذي يهز البدن تقززا من أفعالهم الدنيئة والخبيثة، باستثناء أبطال اليمن السعيد وأحرار لبنان الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء راية الحق ونصرة إخوتهم المستضعفين.

دون نسيان الشعوب الحرة التي أوصلت صوت غزة إلى العالم عن طريق مقاطعة المنتجات التي تدعم العدو الغاصب وخروجهم إلى الشارع في وقفات منظمة بحكمة حاملين شعارات الحرية والأعلام الفلسطينية طوال الأشهر والأيام الماضية ونخص بالذكر الشعب المغربي وكلنا نعرف حادثة هولندا الشهيرة التي رفع بها مغاربة المهجر الرؤوس عاليا.

وأذكر في الأخير مقولة قالها القائد الليبي أسد الصحراء عمر المختار "إنّ الظلم يجعل من المظلوم بطلًا، وأمّا الجريمة فلابدَّ مِن أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياءوهذا ما وقع بالضبط في غزة انتصر الحق وزهق الباطل وفاز المظلوم عن الظالم الذي تظاهر في بداية المعركة بالكبرياء وبأنه قوي وأن قوته لا تضاهى، ليظهر في الأخير البطل الحقيقي للقصة، نعم إنهم أبناء غزة الذين علمونا العديد من الأشياء وأعطوا للعالم دروسا في العنفوان والبطولة والرجولة والصبر والإيمان الصادق بالله، فشكرا لشعب غزة الأشاوس على صبرهم وعلى هذه الدروس التي غيرت شيئا من حياتي وطريقة فهمي للحياة وجعلتني أكثر قربا إلى ديني وجمعتني في رحلتي الجديدة بأشخاص طيبين لن أنساهم ما حييت.

وندعوا الله بأن يحمي جنين ومخيمها بعينه التي لا تنام، اللهم قها من كل شر ومكروه يحيط بها وكن عونا ونصيرا لأهلها.

دامت أمتنا أمة قوية موحدة وحفظ الله كل شخص يحمل هم هذه الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اقرأ ايضاّ