الناصح والمنصوح .. كيفية إسداء النصيحة وزيادة نسبة تقبلها
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولللنصيحة أصول ومؤهلات، ليس كل شخص مؤهل لإسداء نصيحة. وما يتعلق بالنصح لا يرتبط إطلاقاً بالسن، فكم من صغير السن ، أعطاه الله عز وجل رجاحة العقل وحسن التصرف، وكم من كبير في السن أهوج ومتسلط وغير مرن في تقبل وجهات نظر أخرى. ما يميز الكبير في السن فقط هو مروره بتجارب عديدة جعلته ينصح بخبراته التي مر بها فقط، لذا فالناصح والمنصوح يجب أن يدركا ماهية النصيحة؟ وأن طريقة ووقت تقديمها يفرق في تقبلها أو عدم تقبلها .
يقابل الناصح كثيراً الشخصية المتأففة من النصيحة، وغالباً يكون الناصح شخص يحب المنصوح كثيراً ويرغب في تحقيق مصلحته وسعادته ، وعلى الرغم من ذلك يواجه الناصح تأفف وغضب من المنصوح ، رغم إنه ينصحه لمصلحته، والحقيقة هنا أن الطرفان مخطئان، الناصح والمنصوح. فالناصح يبالغ في حبه ويكرر على مسامع المنصوح النصيحة أكثر من مرة لدرجة تنفر المنصوح، فالناصح لا يرغب في أن يقع المنصوح في التجربة المريرة حتى لا يتعذب، متناسياً أن هناك أُناساً لا تتعلم إلا إذا عاشت التجربة بنفسها، ومتناسياً أن حبه الشديد يحرمه من تكوين خبرات. والمنصوح أيضاً يتأفف من الناصح لأنه يرى في ذلك كبت لحريته وتدخل في شؤونه، وبالتالي تدخل العلاقة بين الناصح والمنصوح في نفق مسدود. وهذه العلاقات نجدها جلية بين الأباء والأبناء ، وبين الأصدقاء المتحابين أيضاً.
يرفض الأبناء الوصاية من أبائهم ويقنعون أنفسهم أن نصائحهم لن تفيد لأنهم من جيل مختلف فلن يفهموهم، بينما يرى الأباء أن سماع نصائحهم يوفر عليهم سنوات من الضياع والتشتت، ولم يدرك الطرفان أن كلاهما مخطئ ، فكلاهما شخصية مختلفة، وكلاهما في ظروف مختلفة.
أعرف شاباً كان يتأفف من نصائح والده دائماً عن تنظيم وقته وأهمية المذاكرة ، وكان يرد على والده أنه لا يرى شيئاً في الحياة سوى الدراسة والمذاكرة فقط ، والحياة أكثر من ذلك بكثير، وكان يتنمر على الطلاب ذوي النظارات قعر الكوباية والذين لا يتركون الكتب ولكنهم فاشلين في الحياة العامة ولا يستطيعون التعامل مع واقع الحياة ،وبالطبع هذا الشاب لم يحصل على مجموع، ولكن حنان الأب وعاطفته جعلته يقدم له في جامعة خاصة بكثير من الأموال حتى لا يتساوى برعاع الطلاب الذين لحقوا بالجامعات الحكومية ، وجعله يساير أولاد العم والخال ولا يشعر بالنقص بينهم، دون مراعاة لمستواه العقلي ومدى اجتهاده، وبالطبع قضى هذا الشاب فترة الجامعة بالطول والعرض ونزهات مع الأصدقاء ، وتعود على التداين من جميع أقاربه من وراء والده حتى يساير زملاؤه في الجامعة، وتخرج من الجامعة الخاصة التكنولوجية دون أن يعرف حتى كيفية كتابة ملف على الورد، وبعد التخرج، لم يصمت الأب الحنون ، هل يظل أبني هنا في هذه البلد ، غير ممكن لابد أن يسافر لتكوين نفسه بدلاً من المرمطة هنا، وتحدث مع أحد أصدقائه ليجلب له عقد عمل في دولة أخرى، وهنا كانت الطامة ، كانت حصاد سنوات من نصائح لا يؤخذ بها مع فرط عاطفة نصائح غير مقبولة من قبل الأبن، تداين الشاب وأضاع عهدة عمله وسُجن في الغربة، ومات والده حسرة عليه .
أفضل طرق النصح تأثيراً
- يجب أن يدرك المنصوح أن عليه أن يتحلى بالذكاء ويتبع قاعدة ( إبدأ من حيث انتهى الأخرون )، فإذا تتبع هذه القاعدة فيجب أن يتقبل نصائح غيره، الأمر الذي يوفر عليه وقت ومجهود طويل .
- يجب على الناصح أن يدرك أن هناك وقت مثالي للنصيحة، وليس كل الأوقات ، فلا تأتي في وقت المشكلة وتُنزل بسيل من النصائح، لأن الطرف الأخر الآن غاضب وفي حالة مزاجية سيئة وغير مؤهل لسماع النصيحة،كما لن يجدي لوم الطرف الأخر وتذكيره بإنه كان يجب عليه أن يستمع إلى نصائحك السابقة له، وتوبيخه على اختياراته، فعليك كناصح أن تكون داعم فقط وقليل الكلام حتى تمر المشكلة، ويهدأ صاحب المشكلة، ثم تُبدي نصيحتك.
- التدرج في النصيحة ، فالله عز وجل لم يُنزل أوامره على عبادة مرة واحدة ، فما بالك ببشر مثله يُبدي نصائح وليس أوامر.
- الإتزان بين الرفق والجدية، مع غلبة الرفق، الأمر الآن ليس طرفين متنازعين ولابد أن ينتصر طرف على الأخر، بل الأمر سيجال بين اثنين لهما وجهتي نظر ، لابد من مناقشة وجهات النظر من كل الجوانب، بأسلوب منطقي عقلي مع استخدام العاطفة التي تجدي نفعاً في التأثير على الطرف المنصوح.
- على الناصح (الكبير) أو (القدوة) أن يتحلى بالصبر في سماع وجهة النظر الأخرى ، وأن يتسم بالمرونة في تقبل مبرراته، وإذا اقتنع بها لا مشكلة في التنازل عن وجهة النظر وتقبل الأخرى، فالتشبث بالأفكار من الجاهلية ونوع من أنواع التعصب الذي لا جدوى منه سوى الفرقة والتنافر .
- لا تنصح شخصاً أمام الناس، إذا فعلتها أمام الناس ، فأنت بذلك لست ناصحاً بل متشفياً لا تستر عيب غيرك، وحقيقتك إنك شخصاً غير مؤهل لإسداء نصيحة لأحد، ولن يقبل منك الطرف الأخر أي نصيحة ، ولن تجد منه سوى التأفف والنفور.
- عدم تكرار النصيحة ذاتها أكثر من مرة، لا داعي في كل مقابلة قول ذات النصيحة وتكرارها على المسامع، فهذا يولد النفور، فيجب أن تدرك أن دورك ينتهي عند إسداء النصيحة فقط، إما أن يأخذ بها الطرف الأخر أو لا ، فهذا يرجع للطرف الأخر، فنصائحك ليست أوامر ربانية، فهي تحتمل الصواب والخطأ، تحتمل ألا تكون متوائمة مع الوقت، وهذه النقطة يُنصح بها الأباء والأمهات كثيراً، لأنهم يسدون النصيحة بشكل متكرر ، ويصبح أشبه بالزن مما يُنفر أبنائهم منهم.
- يجب أن يدرك المنصوح أن الناصح ينصحه لأنه يحبه، فعليه أن يتقبل حديثه.
- يجب أن يدرك المنصوح أنه يدفع آلاف الجنيهات للحصول على استشارات قانونية من مستشاريين قانونيين، واستشارات طبية من أطباء، واستشارات تسويقية من خبراء التسويق، ولكنه يحصل على نصيحة مُحب مجاناً في الحياة .
- بالنسبة للأبناء لا تنسوا أن أهم اختبار لك في الحياة هو اختبار بر الوالدين، فالشيطان يشيطن لك أرائهم، ويشيطن لك طريقتهم في الحديث معك حتى تقع في أثم العقوق ، فحذاري أن تقع في هذا الفخ. وهذه نصيحة من كاتب مُحب .. فهل تتقبلها؟!
Nermin Yousif
كاتبة وصحفية وباحثة إعلاميةكاتبة وصحفية خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة بتقدير جيد جداً . خبرة 17 عاماً كباحثة إعلامية في إتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري. البحث والتدقيق في التفاصيل من أهم مراحل عملي لإنجاز المقالات ، لدي سهولة في استخدام اللغة العربية وكلماتها البديعية في صياغة المقال لخدمة هدف المقال، وقدرة على ترتيب الأفكار بشكل جذاب يشد القارئ للمحتوى دون ملل أو تطويل. لدي خبرة في كتابة المقالات وسيناريو مسلسلات للكبار والصغار.
تصفح صفحة الكاتب