المعرفة والشقاء: ما قيمة معرفتك وأنت تعاني في حياتك؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولأتذكر عندما كنت في مرحلة دراستي بالكلية، كنت أدرس عند أستاذ لإحدى المواد في تخصص "علم الاجتماع"، هذا الأستاذ كان يبدو محبوبًا لدى الطلبة، حيث كانوا يدخلون بشكل مستمر لمحاضراته، ليس لأنه أفضل في أدائه، ولكن لأنه كان يجعل الطلبة يضحكون. كان الضحك هذا بدون معنى، والذي ينبع من مصدر تفكير متشائم ورؤية سوداوية للحياة، وانتقاد المجتمع الذي نعيش فيه. كان من حقه أن يعتنق تفكيرًا يرغب فيه، ولكن كأستاذ، كان أمام أناس سيتأثرون بأفكاره ويتبنونها كأسلوب لحياتهم.

لقد كان يقوم بحركات بهلوانية داخل الفصل، تجعل جسده لا يقف في مكان، كأنه في ورشة رقص. وفي إحدى الحصص، بدأ يتحدث عن مساره المهني، متباهيًا بمعرفته وقال إنه أمضى تقريبًا 15 عامًا وهو يدرس الدماغ البشري في فرنسا. وفهمت من ذلك أنه يريد أن يرسل لنا رسالة مفادها "أملك من المعرفة الكثير مما تتوقعونه مني"، لا أشك في معرفته، فهو يقول الحقيقة ولديه ذكاء يميزه.
لكن ما أثار فضولي هو امتلاكه للمعرفة، لكن حياته كانت في مهب الريح، كان يروي بحزن كيف أن أصحابه كانوا من أصحاب السوء، فتأثر بهم بشكل سلبي وضيع الكثير من حياته، وهنا سألت سؤالاً بيني وبين نفسي: هل تكفي امتلاكك للمعرفة لعيش بأسلوب أكثر اتزانًا ورضًا؟ وما هو دور امتلاك المعرفة أصلاً إذا لم تستطع أن تضيف لحياتنا قيمة معنوية نسعد بها وقيمة علمية نفهم بها ما يحيط بنا؟.

إذا درست قصص أغلب الشخصيات التي كانت تنتج المعرفة في مجالات مختلفة، لوجدتها شخصيات تميل للتعبير عن جانب سوداوي في حياتهم الشخصية. فهم ينتجون ويكتبون، ولكن تجدهم لا يعيشون حياة أكثر رضا. تجد أغلبهم يكتب عن الحزن، والآخر عن رحيل حبيبته، وآخرون عن العزلة والهروب من الواقع. وبعضهم يقتصر على النقد بشراسة لما هو موجود، دون التفكير في إيجاد البدائل. وبعضهم اختار الانتحار في آخر أيام حياته، مما يثير السؤال عن قيمة المعرفة إذا لم تكن تؤدي إلى حياة أكثر رضا وسعادة.

ألا يظهر تناقض في هذه القصة، أنت تقدم لي معرفة لكن على مستوى حياتك وعلاقتك بنفسك أجدك عاجزا كئيبا ما العلاقة يا ترى؟
لم أكتب هذا المقال لأنني أعرف بعمق إجابات هذه الأسئلة، لكن ما أستطيع مناقشته هو نوع المعرفة التي يجب على كل واحد امتلاكها، والتي تخدم أهدافه الحياتية وترتقي بها لأعلى مستوى من الحكمة والفهم للحياة، وعيش لحظات الحياة بعمق وسلام وتدبر، ناقشت مع أحد الأصدقاء ذات يوم وهو يشتكي لي من ظروف الحياة، فقلت له هل تريد أن أساعدك، فقال بكل سرور فلما بدأت بالنقاش معه حول التفكير ومدى تأثيره في حياتنا، أوقفني برسالة مفادها " لا تحاولي إقناعي بقصة التفكير الإيجابي فأنا لن أقتنع"، هنا توقفت وتمنيت له حظا موفقا مع قسوة الظروف، عندما تكون هناك حدود على المعرفة، وتتدعي أنك عرفت، هنا يبدأ الجهل الحقيقي، والشيء المبهر هو أن المعرفة البسيطة هي سر الرضا والسكينة والنشوة الحقيقية، صدق من قال " قل لمن يدعي في العلم معرفة، علمت أشياء وغابت عنك أشياء".
اختر معرفتك بعناية؟

عليك أن تعي المكان الذي تشتري فيه معرفتكـ، فالأمر يتعلق بالسوق الكبير والذي توجد في الكثير من الاختيارات، منها السلع الرخيصة وفيها السلع باهظة الثمن، وأنت تختار بناء على كمية ما تملك، ونمط جودة اختياراتك، وليس هناك استعمار أعظم من أن تستغل معرفيا، فلا تجعل عقلك معبدا للزوار، وسوقا لمن هب ودب.
اقرأ ما شئت، وحلل ما شئت، لكن لا تتشبث برؤية أحد إلا عندما تعي ، أنها ستضيف قيمة عظيمة لحياتك، سواء ماديا أو معنويا أو روحيا، أما أن تتشكل معرفتك بناء على تصورات من عاشوا تجارب قاسية ولم يعرفوا الحكمة منها، هنا من الأفضل أن تمضي فلكل واحد رحلته الخاصة، ولتكن ردة فعلك اتجاه ما يحدث لك هي سؤالا تطرحه " ما هي الحكمة الداخلية مما وقع لي" و " ما هو الدرس الذي يتوجب علي تعلمه من هذه التجربة" بكل بساطة ولا تنسخ تجارب الآخرين وتنسى أن التجارب لا تتناسخ في الوجود البشري.
ماهي نوع المعرفة التي ستمكننا من عيش حياة أفضل وأكثر جودة؟
توجد أنواع متعددة من المعرفة (العلمية، الذاتية، النظرية، التجريبية…)، والمعرفة التي تمكننا من تحسين حياتنا هي المعرفة التي تجمع بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية، وهذا النوع من المعرفة يشمل:
1-المعرفة الذاتية: وهذه في نظري من أقوى المعارف، التي تساعدك على فهم نفسك ومعرفة نقاط قوتك وضعفك، وتعلمك طريقة اكتشاف أهداف وإمكانياتك، وإمكانياتك اللامحدودة.
2-المعرفة العملية: وهي المعرفة التي يتم اكتسابها من خلال الخبرات العملية والتجارب الحياتية، مما تسمح لك بامتلاك أدوات للتعامل مع التحديات واستغلال الفرص بذكاء، ومعرفة طريقة حل المشكلات التي تعترض طرق نجاحك.
3-المعرفة الاجتماعية: وهذا النوع من المعرفة مهم بشكل كبير جدا، بحكم تعاملاتنا اليومية مع الناس، فتعلمك كيفية التعامل مع الناس المختلفين، وكيفية بناء علاقات صحية.
4-المعرفة النفسية: وهذا النوع من المعرفة سيضمن لك الشعور بالسلام الداخلي والرضا الداخلي عندما تعلمك عن طبيعة النفس البشرية، وطريقة التعامل مع الضغوط النفسية والانتقادات السلبية.
5-المعرفة الدينية: وهذه من أهم المصادر للمعرفة الحقة والتي ترتقي بك لأعلى مستوى روحي وأعلى الاحتماليات الفكرية اللامحدودة، بشرط أن تتأكد بعقلك وأدوات التفكير العلمي من كل قاعدة لا تخدم حقيقة تطورك الروحي ونموك الشخصي.

قد يمتلك بعض الأشخاص معرفة كثيرة، لكنهم لا يملكون توازنا في حياتهم، مما يؤدي إلى شعورهم بعدم الرضا والاستياء، وتذكر جيدا أن هدف المعرفة هو في سبيل تحقيق التطور والتقدم في شتى المجالات، وتحسين جودة الحياة للبشر كافة، وليس أن أعرف لأعرف بدون أن يتجلى آثر ما عرفته على حياتي ورحلتي في الحياة.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب