اللغز الذي ينتظر الإجابة:"العيش لأنفسنا أم العيش للآخرين"

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

لقد قرأت ذات يوم عن قصة طبيبة في إحدى المستشفيات، قامت بلقاء خاص مع المرضى الذين أوشكوا على الموت، والذين لم تعد لديهم الفرصة للنهوض من الفراش وعيش الحياة، فسألتهم هذا السؤال" ماهو الشيء الذي ندمتم على عدم القيام به في حياتكم".

لقاء الطبيبةلقاء الطبيبة

في نظركم كيف ستكون الإجابة، من الواضح أنها ستكون صادقة وحقيقية، لأنهم وصلوا لمرحلة لن تستطيع المصلحة ولا الغرور أن يتحكما في إجاباتهم، فأجاب أغلبهم بما يأتي:

" نحن نادمين لأننا لم نعش الحياة لأنفسنا بل عشنا من أجل الآخرين"

يا لها من معادلة خطيرة جدا، يا لها من معضلة كبيرة، من سيحلها يا ترى، حياتك جعلتها في يد الآخرين، رضاك مرهون برضا الآخرين، رؤيتك مشابهة لرؤى الآخرين، شريك حياتك اختاره لك الآخرين، عملك قلدت غيرك في اختياره، مالك خدمت به الآخرين أكثر من نفسك.، هذه هي الجريمة الأعظم في الكون، سلمت روحك وكيانك للآخرين، والله صدق المرضى في اعترافهم بالندم الشديد على عيشهم من أجل الآخرين، وليس من أجل اتباع رغباتهم ورحلتهم الخاصة.

أتساءل لماذا يأخذ الآخرين حيزا كبيرا في التحكم في تصرفاتنا وحركاتنا، ولماذا نظرة الغير ثقيلة لدرجة أنها تغير سلوكات الأفراد وتؤثر عليهم نفسيا؟ وفي ثقافتنا يوجد مفهوم "الغير" بشكل قوي في لغتنا لدرجة أن مفهوم الأنا منعدم تماما، ففي خروجنا من المنزل نحرص على لباسنا ليكون مناسبا للآخرين، ويعلق أحدهم بأن الناس سيضحكون عليك، لا تفعل ذلك، افعل كما يفعل الناس، وإذا تجرأت على أن تكون مختلفا في مجتمعنا فستسمى بالمغرور، تجرأ أن تكون متميزا وسترى معركة تقام عليك وأنت تتساءل "ماذا فعلت لهم" وهذا موضوع يستدعي المراجعة والدراسة.

تأملها جيداتأملها جيدا

أعرف الكثير من الناس الذين يفعلون الكثير من الأشياء من أجل الآخرين، من أجل الحصول على تقبلهم وكلمة مدح منهم، فتراهم يتصنعون في كلامهم، وفي لباسهم، وفي تدينهم، وفي إنجازاتهم من أجل كلمة استحسان ونظرة رضا من الآخرين، يخافون من نظرة الناس وحكمهم، ما يجب علينا جميعا معرفته هو أن رضا الآخرين وهم ضخم، لا يمكن الوصول إليه، فكل واحد سيرغب فيك لأنك تقدم له مصلحة معينة، وعندما تمنع عليه ما تقدمه سترى وجها لم تتخيله من الكره والنفور.

لا تخدع نفسك وتحسب أن رضا الآخرين هو مهمتك في الحياة لكي تحس بقيمتك، قيمتك في استغنائك عن الناس، عدم انتظار كلمة استحسان منهم، لأنك تعلم جيدا من أنت، وربك يعلم من أنت، وقوتك في استغنائك عن نظرة الآخرين وعن ممتلكاتهم، فتملك نفسك وتعرف قيمتك ويبدأ عندك التحرر الحقيقي والحرية الحقيقية، عندما لا تكون راضيا عن نفسك فأنت بدون وعي منك تبحث عن رضا الآخرين، والخبر المفرح هو أنك لن تجده، لأن وظيفتك هي أن تهتم بنفسك وتحتضنها وتحبها كما هي بدون شروط، والقوة الحقيقية ستنبع من داخلك لأنك لم تعد تنتظر أن تحدد قيمتك من الخارج.

عندماتدرك قيمتك، سيتمرد عليك الكثيرين، لأنهم لم يعتدوا منك ذلك، تذكر جيدا أنها معركة وإن فزت بها فزت بنفسك وحريتك، ولن تصبح بعد مقيدا برضا الناس على حساب رضا ربك ونفسك( تصور معي كيف ستتصرف من اليوم وأنت لم تعد تهتم لنظرة الآخرين).

عش من أجل كيانك الحقيقي، عش في سبيل اكتشاف إمكانياتك، عش وأنت عصفور بجناحيه تزور كل مكان وتبقى بجناحيك مدى حياتك، عش لنفسك واهتماماتك وقناعاتك، ولا تلقي بالا لمن يرى فيك مصلحته فقط، الأشخاص الحقيقيون سيدخلون لحياتك عندما تدرك قيمتك الحقيقية، سيحبونك بدون شروط، وهذه هي المحبة الحقيقية.

عندما تكون إنسانا واثقا من نفسك واع بما تفعله، ومسؤول عن قرارتك وتستطيع تحمل نتائجها بدون أن تلوم الآخرين، وتستند على أساس من الرؤية الثاقبة والمعرفة الواعية، فأنا أذكرك بأن تأخذ زمام أمور حياتك وتتحرر من القيود المجتمعية، ولا تفهمني بأني أنادي هنا للتحرر الجاهل، الذي يجعل الشخص يتمرد على الآخرين بدون وعي بالكيفية التي يكون بها شخصا متزنا مسيطرا على حياته من جميع الجوانب.

ما معنى أن نعيش لأنفسنا ونعيش للآخرين؟

العيش لأنفسنا يعني أننا نتبع رغباتنا واهتماماتنا وقيمنا الخاصة، وهذا النوع من العيش يؤدي إلى:

1-الاستقلال: نتحكم في قرارات حياتنا

2-الرضا الداخلي: بحيث نجد السعادة والاطمئنان

3-الابتكار: بحيث نستطيع تطوير الأفكار والمواهب

4-الثقة بالنفس: وتأتي بشكل تلقائي لأننا آمنا بقدراتنا المختلفة.

العيش للآخرين:

العيش للآخرين يعني أن نتبع توقعات الآخرين واهتماماتهم وقيمهم، وهذا النوع من العيش يؤدي إلى:

1-فقدان الهوية: بحيث نفقد شخصيتنا وأسلوبنا المتفرد

2-الضغط النفسي: من خلال التعرض للتوتر والقلق عندما لا ترضي الآخرين.

3-الشعور بالخسارة: بحيث نفقد فرصنا وأحلامنا

4-الاستسلام: نعاني من فقد الإرادة والاستقلال

لا يمكن العيش بشكل كامل لأنفسنا أو للآخرين وبالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين:

1-الاستماع إلى آراء الآخرين خاصة الناس الواعية

2-احترام حقوق الآخرين

3-متابعة أهدافنا الشخصية والإيمان بها

4-التعبير عن أفكارنا واهتماماتنا

نعيش لأنفسنا بحكمة ونعيش للآخرين بوعي، ولابد من إيجاد التوازن بين الاثنين، فالعيش لأنفسنا يعزز الاستقلال والرضا، بينما العيش للآخرين قد يؤدي إلى فقدان الهوية.

مع تلميذاتي العزيزات سنة 2023مع تلميذاتي العزيزات سنة 2023

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة إن وجود الغير مهم في حياتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية مهمة، واستشارة الآخرين في المواضيع التي لا تدركها أمر بالغ الأهمية، لكن الأمور المتعلقة بالجانب الشخصي تدخل فيه إرادتك وقناعاتك وقيمك، فلو اختار لك أحدهم شيئا لعبر عما يريد وما يحتاج، أكثر مما يعبر عما تريده أنت وما تحتاجه، وإذا كنت متشككا في عدم قدرتك على الاختيار المناسب فاستشر من ترى فيهم صدق الكلمة، وحب الخير.

احفظها بقلبكاحفظها بقلبك

تذكر جيدا هذه القاعدة " رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فأدرك ما لا يترك، واترك ما لا يدرك"

KELTOUM AGOURRAME

KELTOUM AGOURRAME

كاتبة

كلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ