«الحشاشين»، دراما تاريخية أم «مناظر تاريخية»؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولكنت قد تابعت المعارك الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول مسلسل الحشاشين، مثل معركة استخدام العامية المصرية، ومعركة الأخطاء التاريخية، كما شاهدت بعض المقاطع من المسلسل على الفيسبوك والتي لم تكن مبشرة إطلاقاً، لكنني قررت أن أعطي المسلسل فرصة بسبب الطفل المتعلق بعالم الحشاشين داخلي.
من «الحشاشين» ولماذا قد نهتم بمسلسل عنهم؟
منذ أن سمعت عن مسلسل «الحشاشين» منذ أقل من عام وأنا أتربص له، شعرت بالحماس المشوب بالحذر لأنني أخيراً سأرى عملاً يجسد قصة تاريخية عربية -لأنني عاشق للتاريخ- مثل قصة الحشاشين، وليست أي قصة، بل هي قصة الجماعة الإسماعيلية الخطيرة التي ذاع صيتها والتي كون اسمها جذراً لكلمة «Assassin» التي استعملها ويليام شكسبير بمعنى «الاغتيالي» أو «القاتل».
كما إن لي ذكريات كثيرة مع تلك الجماعة قد يشاركني بعضكم -نعم أنت أيهم القراء الأعزاء- إياها، بالطبع لم يكن أحد منّا حياً في القرن الحادي عشر الميلادي، ولذلك فإن الذكريات التي أقصدها هي ذكريات مع نسخة خيالية من الحشاشين توجد في سلسلة ألعاب شهيرة وهي «Assassin's Creed» أو «عقيدة الاغتيالي»، فتلك اللعبة التي عرفتها منذ صغري سحرتني بعالمها القديم، حيث تلعب بشخصية أحد الاغتياليين التابعين لجماعة الحشاشين الذي يقومون بعمليات اغتيال في مدن عربية قديمة مثل: القدس ودمشق وغيرها، ما زالت الجمل الحوارية المميزة للشخصيات ترن في أذني...
لماذا كنت حذراً ولماذا كنت محقاً في حذري؟
كنت حذراً بسبب مستوى الدراما المصرية في الفترة الأخيرة، فالمسلسلات المصرية في السنوات الأخيرة تنحدر -في رأيي- من سيء لأسوأ بسرعة رهيبة، حتى إني بدأت ألاحظ اعتياد الجمهور على ذلك التردي في الجودة بل وتقبله ومحاولة الاستمتاع به عن طريق صناعة «الميمز» ومقاطع «الريأكت» الساخرة حتى لا يصابوا بجلطة، ففي رأيي تسري تلك الميمز والفيديوهات مسرى الأدوية المضادة للتجلط الدموي التي يأخذها المرضى المعرضون لخطر الجلطات.
ربما أكون ظالماً عندما أعمم، وقد يظهر مسلسل أو اثنان من وسط مائة مسلسل ليسدوا الرمق بجودة متوسطة أو فوق متوسطة، لكن الصناعة كلها في حالة مأساوية مقارنة بحالتها منذ عشر سنوات مثلاً. وبعيداً عن التكهنات، قمت بمشاهدة الحلقات الست الأولى من مسلسل الحشاشين بالفعل، وكنت مستعداً أتم الاستعداد لأن أعجب به وأستمتع ولكنني للأسف كنت محقاً في حذري.
أبهرني المسلسل في البداية بفقرة الرسوم الكارتونية اللطيفة والتي تعطي ملخصاً للفترة التي فيها الأحداث، تبعها تتر المسلسل الممتع والمناسب في موسيقاه وكلماته ورسومه وأشكاله، ثم رأيت بعدها منظر قلعة آلموت المهيبة وسط الجبال، وكذلك منظر أصفهان وغيرها من المناظر التي كانت بالفعل أسطورية وعلى أعلى مستوى، لكن وللأسف، كانت هذه النقاط الثلاث آخر ما أعجبني في المسلسل كله.
ليست الأخطاء التاريخية هي المشكلة
فالمسلسل يقع في أخطاء تاريخية عديدة يتفق على عدم صوابها أغلب المؤرخين، لكن صناع العمل أعفوا نفسهم من المسائلة عندما كتبوا تحت اسمه جملة «...من وحي التاريخ»، أي أن المسلسل يستوحي من التاريخ أحداثه لكنه لا يلتزم بها، وليس في ذلك عيب، فالقصة أساساً مُختلف في بعض تفاصيلها بين المؤرخين، كما أن صحة الأحداث ليست شرطاً لمتعة المشاهدة، ولم أكن لأعترض لو قُدم لي حسن الصباح راكباً على تنين ينفخ النار بشرط أن يتم إقناعي بذلك.
صراع العروش -Game of Thrones-، أحد أنجح المسلسلات في التاريخ هو مسلسل خيالي تماماً، وهو مبني على سلسلة روايات مبنية هي الأخرى -بتصرف- على حرب تاريخية حقيقة حدثت في أوروبا في القرن الخامس عشر. كذلك مسلسل فايكنغز -Vikings- المبني على القصة الأسطورية لشخصية راغنار لوثبروك هو أحد أنجح المسلسلات في التاريخ، وهو لم يلتزم بالدقة التاريخية في أحداثه كلها، ففي المسلسل قام راغنار بأفعال وخاض معاركاً حدثت في الحقيقة فعلياً لكننا لا نعلم إن كان راغنار الحقيقي حاضراً فيها أم لا، بل نحن لا نعلم إن كان راغنار شخصية حقيقة أساساً أم لا.
لكن كلا العملين يسحبانك لعالمهما، ويقنعانك بالشخصيات وبالدوافع وبالمخاطر، فتجد نفسك متعلقاً بشخصية وتكره أخرى، ولا يفصلك عن الاندماج ظهور تنين ينفخ النار، أو جيش من الموتى الأحياء، أو ظهور أودين أبو الآلهة، لأن كل هذا يحدث ضمن عالم مصمم بعمق وبتفاصيل وبقواعد لا يتخلى عنها العمل أبداً، وبذلك تشعر بالاندماج في العمل والاستمتاع به.
العامية ليست المشكلة الكبرى
في رأيي، الحوار السيء الذي يجعلني أتقلص على نفسي من أهم مصائب المسلسل، كانت العربية الفصحى التي تحاكي الزمن الذي تحدث فيه الأحداث لترفع من المسلسل أضعاف قدره، فالعامية المصرية كنت تذكرني دوماً بأن هذه الشخصيات ليست في هذا العالم قديم فعلاً، بل هم «يمثلون» أنهم كذلك، وبهذا كانت محاولات للاندماج دوماً تؤول بالفشل فور أن تنطق إحدى الشخصيات بكلمة مثل: «أنت بتتكلم جد؟» أو «مش للدرجادي يا راجل».
لكن العامية وإن كانت في رأيي مشكلة، فهي ليست أكبر مشاكل الحوار، ففي النهاية تعتبر اللهجة المستخدمة في العمل الفني أداة من أدوات المخرج، من حقه أن يستخدم اللهجة التي يراها مناسبة، ومن حق المشاهد أن يشاهد ويقول رأيه، ولقد فعلها مخرجون من قبل مثل يوسف شاهين في الناصر صلاح الدين مثلاً، لم أحب الحوار في ذلك الفيلم كذلك لكنه ليس بنفس درجة السوء في الحشاشين.
وأكثر ما أغاظني من المدافعين عن المسلسل هو ادعاؤهم بأن اختيار العامية المصرية كان للتسهيل على المشاهد، وفي رأيي أن هذا استخفاف مهين بعقول المشاهدين، فنحن لم نطلب حوارًا بالعربية التي كان يتحدث بها امرؤ القيس في شعره، وإنما نطالب بالفصحى الممتعة المتسقة مع العالم التي تدور فيه الأحداث والتي كانت في مسلسلات تاريخية عربية أخرى لاقت نجاحاً رهيباً مثل: مسلسل عمر 2012، ومسلسل الحسن والحسين 2011.
ومثال آخر هو المسلسل الفارسي يوسف الصديق الذي لاقى نجاحاً كبيراً في العالم العربي بنسخته المدبلجة للفصحى والتي لم نسمع أحداً حينها يطالب بدبلجة المسلسل للعامية المصرية مع أن معظم أحداث المسلسل تقع في مصر، على عكس الحشاشين.
حوار سخيف + تقمص منعدم + شخصيات سطحية + سيناريو ضعيف = ؟؟؟
لاحظت أثناء المشاهدة أن الشخصيات تتحدث إلى بعضها كما لو كانت شخصيات من منطقة مصرية -غنية أو فقيرة- في العصر الحالي ولكنها بزي قديم، لا توجد أي فروق في التعبيرات والإيماءات والمواضيع والمواقف، جارية تتحدث بأسلوب إعلانات الكومبوند إلى عمر الخيام -الذي أخذ حقه في السخرية لكنه ليس الوحيد السيء في المسلسل- فتقول له: «مولاي لو شافك هيأتع راسك»، وفارس يخبر زملاءه بأنه «سيحصلهم» فور انتهائه من وصلة مبارزة رومانسية متفجرة المشاعر مع محبوبته الكومباوندية الأخرى، ورجل مارق يتحدى سلطان دولة السلاجقة شخصياً ويقول له: «انزلي راجل لراجل»، والعجيب أن السلطان نزل له راجل لراجل فعلياً، ولكي تكتمل المرجلة قال السلطان لرجاله: «محدش من الجند يدّخل!»، ويحك! أهذا سلطان الدولة السلجوقية أم جعفر العمدة يصارع صبياً عنده.
لم أشعر أبداً بأي تقمص أو تلبس أو تغير في أي من الممثلين المؤدين لشخصيات العمل، لم أر حسن الصباح بل رأيت كريم عبد العزيز ممتعضاً باستمرار، ولم أر نظام الملك لكنني رأيت فتحي عبد الوهاب رافعاً حاجبيه باستمرار، وتجنبت النظر لعمر الخيام حرفياً حتى أعفي نفسي من التقلصات المعوية المصاحبة لابتساماته اللزجة وجمله المؤلمة، ربما كانت شخصية زيد بن سيحون هي الوحيدة التي أوحت لي بشيء من التقمص، حتى أنني بدأت أقتنع أنني أرى شخصاً من لحم ودم.
الشخصيات نفسها مسطحة وأحادية البعد بشكل مرعب، وقد تكون الحلقات الست التي شاهدتها ليست كافيةً للحكم على مدى عمق الشخصيات وتطورها ونموها، ولكن الغراب القادم من أرض اللبن حتماً كان سيفضحه منقاره، ومنقار الحشاشين بريء من جميع أنواع الألبان والزبادي والجبن الرومي والقصاقيص.
لا شيء أصلي في سيناريو الحشاشين، تشعر دائماً أن كل مشهد شاهدته من قبل، السيناريو مليء بالمواقف المحفوظة والمتكررة (الكليشيهات)، تلك المشاهد المأخوذة من أعمال أجنبية وموضوعة في عالم المفروض أنها منطقة الشرق الأوسط منذ ألف سنة، لكنك لا تشعر أبداً بهذh العالم ومشاكله وأزماته وصراعاته الكثيرة، لا تشعر أنه عالم مختلف عن عالمنا الآن إلا في قشور سطحية بسيطة جداً. طفولة حسن الصباح، عبقريته الحمقاء، حسد الأطفال الصغار له ومحاولتهم أذيته، خوف والديه عليه، كلها مواقف أنت شاهدتها من قبل. بالطبع لا يخلو المسلسل من الاستعراض المضحك للمعلومات التي نريد أن يعلمها المشاهد بطريقة مفضوحة وسخيفة، مثل حوار بين شخصيتين: «وأنت عارف يا بدر الدين إنك أنت بنفسك بتنزل وتسهر لحد الفجر تساعد الناس».
= عالم مليء بالمناظر الأسطورية والكثير الكثير من الفراغ
أكبر الاحتمالات أنني لن أكمل مسلسل الحشاشين، ببساطة المكسور فيه أكبر وأعمق من أن يتم إصلاحه في الحلقات المتبقية، وأتمنى ألا ينزعج أحد ممن أعجبهم المسلسل مما كتبت، فأنا لست ناقداً فنياً ولكن هذه ببساطة تفضيلاتي الشخصية حول ذلك العمل الذي كنت أتمنى أن يخطئ ظني فيه.