الثقافة والمثقفون

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

لعل من الخير أن نحدد معنى الثقافة، وأن نميز بينها وبين العلم، والتعليم.

والمعروف أن الثقافة تمتد طولاً وعرضاً وأن العلم يمتد عمقاً، أما التعليم فإنه منهاج وطريقة.

وقد ورد: ثقف الشيء بمعنى حذقه، ورجل ثقف بمعنى حذق فهم، وثقيف بين الثقافة، وإنما نعني بالمثقف من لديه إحاطة موسوعية بكثير من ألوان المعرفة، أما العالم فهو المختص في لون من ألوانها، حسبه أن يسد ثغرة من ثغراتها.

والآن: ماذا عسى أن تكون الشروط التي ينبغي توافرها في الإنسان حتى يصبح مثقفاً ؟

يخيل إلى أنها شروط عشرة وهي كالآتي:

1-أن يكون على معرفة طيبة بلغته القومية، على دراية بنماذج من شعرها ونثرها، فلست أتصور مثقفاً لا يتقن لغته أولا يقرؤها ويكتبها سليمة، مبرأة مما يشينها من الأخطاء اللغوية من نحوية وصرفية وإملائية، ذواقة للتراث الأدبي من رصين الشعر، وجيد النثر، عارفاً بكبار شعرائها وأدبائها.

2-أن يكون على معرفة طيبة بلغة أجنبية، حتى يستطيع متابعة الإنتاج الفكري في تلك اللغة، إذ يحسن ألا يكتفي بقراءة الإنتاج العلمي العالمي في هذه اللغة أو تلك مترجماً، فكثيراً ما تكون للترجمة غير مطابقة للأصل تماماً، ومن الخير أن يكون المثقف ملما بدقائق لغة أجنبية، حتى يمكن أن يكون على اتصال وثيق بما ينتجه علماؤها وأدباؤها ومفكروها .

3-ومن المحقق أن معرفة المثقف بتاريخ بلاده القومي، شرط أساسي من شروط عدة بين المثقفين، فالمثقف العربي أو الهندي أو الفرنسي أو الألماني أو الصيني، لا بد أن يعرف التاريخ القومي لبلاده.

4-ومما يزين المثقف أن يكون على بينة طيبة بشئون دينه، وليس من الملائم مطلقاً أن تشيع الأمية الدينية مع من ينتسبون إلى الثقافة والمثقفين ولسنا نطلب تخصصاً في هذه الناحية، ولكننا لا نطلب من المثقف أن يعرف أصول دينه وفروضه معرفة دقيقة، بل أن تكون لديه معرفة عامة بالديانات الأخرى.

5-أن يكون المثقف متخصصاً في ناحية من نواحي المعرفة يستطيع أن يسبر أغوارها إلى أبعد الأعماق، وأن يكون حجة في علم من العلوم أو تخصص من التخصصات، يعرف أصوله ومنابعه، ويتابع حركاته واتجاهاته، ويعلم مبتكراته ومستحدثاته. ويستطيع أن يدل على علمائه ومتخصصيه، وأن يقرأ إنتاجهم الفكري ويسعى إليه في مسألة من مسائله، ويدل في سهولة ويسر على مصادر هذا العلم ومراجعه وموارده وأن يعرف مشاهير متخصصيه.

6-وفيما يتعلق بالعلوم وتطورها وكشوفها ومستحدثاتها. فليس من المستساغ مطلقاً ألا يعرف المثقف اليوم أننا في عصر الذرة والتكنولوجيا والفضاء، وألا يعرف علماء الذرة ورواد كشوفها، وألا يعلم شيئا عن غزو الفضاء أو عن القنبلة الذرية والهيدروجينية والكوبلتية، بل، والغبار الذري، والأشعة الكونية وأن يعرف ما يعمر الكون من سدم وكوكبات ونجوم وكواكب وأقمار، وما مدى التسابق الدولي في البحث العلمي، وما الغرض من هذا السخاء في الإنفاق على البحوث العلمية ما دور العلم في حل مشكلة تزايد السكان، وتوفير الغذاء الكافي لقطان الأرض.

7-وكم يرفع من قدر المثقف أن يكون له بعض الإلمام بمختلف الفنون من مسرح وموسيقى، ورسم، وتصوير، ونحت، ما هذه الفنون التشكيلية والتأثرية، والرمزية والتجريدية، والسيريالية، والكلاسيكية، والتعبيرية، والشعبية، أيستطيع حقاً أن يتحدث في إيجاز عن الاتجاهات القديمة والحديثة في النحت والتصوير والرسم والنقش والموسيقى وما إليها من فنون، وهل يستطيع أن يمايز بين هذه الفنون لدى المصريين القدماء والصينين والهنود أو بين الشرقيين والغربيين.

8-وثمة لون من ألوان المعارف العامة، أحر بالمثقف أن يلم به، وأن يعرف مداخله ومخارجه، ذلك هو ما يختص بالحضارات الإنسانية والفلسفات المختلفة. ماذا يعرف عن الحضارات الصينية والهندية والآشورية والبابلية، والمصرية الفرعونية، واليونانية، والعربية الجاهلية والإسلامية، والأندلسية والأوروبية الحديثة، ماذا قدمت هذه الحضارات للفكر البشري وللإنسانية.

9-ومن الخير أن تكون لدى المثقف معرفة عامة بالمبادئ والثورات والحركات والنظم السياسية والحروب الكبرى التي عاصرها الإنسان منذ فجر تاريخه الحضاري، حتى العصر الحاضر، وما أظنه يليق بمثقف معاصر أن يجهل أمر الحروب الصليبية وتاريخ الثورة الفرنسية والحرب الأهلية في أمريكا والحرب العالمية الأولى، والثورة البلشفية والحرب العالمية الثانية، ما أسباب تلك الحروب والثورات، ونتائجها، من قوادها وما أدواتها وأسلحتها، ولمن كتب النصر فيها، وهذه مبادئ ماركسية، وديمقراطية، وتلك اشتراكية، وهذه شيوعية، وتلك رأسمالية، وهذا اقتصاد حر، واقتصاد موجه.

10-وما أشد حاجة المثقف إلى معرفة عامة بالاتجاهات الفكرية العالمية في القديم والحديث، ماهي الأطوار التي مر بها الفكر الإنساني، متى كان حراً، ومتى كان مقيداً، ومتى كان تابعا للدين، متأثراً به، ومتى كان متحرراً إلا من العقل وحده.

وعلى ذلك ، فإنه ينتظر من المثقف أن يكون عارفاً بمشاهير العلماء والفلاسفة والكتاب والأدباء والشعراء والفنانين ورجالات الفكر ومشاهير القادة، ملماً بأحداث التاريخ الكبرى، متنبعاً للنهضات العلمية والفنية والأدبية في مختلف العصور.

ويحضرني عدد من هؤلاء وأولئك أذكره على سبيل المثال لا الحصر، فليس إلى حصر هؤلاء الأعلام من سبيل، أولئك الذين اهتدت الإنسانية بعلمهم وحكمتهم وفلسفتهم فقادوها نحو الدرجات العلى، وأناروا لها الطريق فعشا إلى ضوئهم القاصي والداني – وأني لأستثنى من هؤلاء وأولئك الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى بوحيه ورسالاته، كما أستثنى المعاصرين من الأحياء .

فلنذكر: طاليس، وأبقراط، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وديمقريطس، وفيتاغورث، وأرخميدس، وبطليموس، وثيوفراستس، وديسقوريدوس، وجالنوس، وبليني، وهيرودوتس، وبركليس.

ثم: الرازي، وابن سينا، والحسن بن الهيثم، والبيروني، والفارابي، وابن رشد، والكندي، والغافقي، والبغدادي، والقزويني، والخوارزمي، وجابر بن حيا، والجاحظ، وابن البيطار، وداود الأنطاكي، والإدريسي، والدينوري، وسيبويه، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبو الأسود الدؤلي، وابن جنى، وابن يونس، وابن حمزة، وابن بدر، وابن مسكويه، وابن تيمية، والجلدكي، وابن خلدون، وابن الصوري، وابن منظور، والجرجاني.

كما نذكر:

دافنشي، وكوبرنيكوس، وجاليليو، وإسحاق نيوتن، وداروين، ودالتون، وكانط، وديكارت، ومارك، وكوفييه، ولافوازيه، وباكون، وبرناردشو، وشكسبير، وفولتير، وهكسلي، ومارتن لوثر، وميشيل إنجلو، وفرويد، ودانتي، وراسين، وجوته، ومولر، وروسو، وفكتور هوجو، ولامارتين، ودي موباسان، وابسن، واميل لودفج، وهيمنجواي، وجوستاف لوبون، وتولستوي، وديكنز، وكبلنج.

وكذلك:

امرؤ القيس، والمهلهل، وأبي الطيب المتنبيء، والأعشى، وزهير، وأبو تمام، والبحتري، وأبو العلاء، والخنساء، وطرفه، والأخطل، ومسلم بن الوليد، والزهاوي، وابن زيدون، ولبيد، والرصافي.

والمطلوب من المثقف غير المتخصص أن يعرف طرفاً من أخبار هؤلاء الأعلام وأشهر آثارهم العقلية أو الفكرية أو الحربية أو السياسية، مما انفردوا به ونبغوا فيه.

المرجع:

مجلة دراسات تربوية (1995م)، المجلد العاشر، الجزء 79 ، ص ص : 5-13

الثقافة والمثقفونالثقافة والمثقفون

المرجع:مجلة دراسات تربوية (1995م)، المجلد العاشر، الجزء 79 ، ص ص : 5-13

اقرأ ايضاّ